الثلاثاء 3 جمادة الاخرة 1446 هـ
03 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-78 آخر كتاب التيمم، الحديث 345و346و347و348   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-77 كتاب التيمم، الحديث 344   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-12   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-11   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-76 كتاب التيمم، الحديث 338و339و340و341و342و343      

تفريغ شرح صحيح البخاري 5 كتاب الإيمان، الباب الأول، الحديث 8

الدرس الخامس: بتاريخ: 28/11/1444هـ – 17/06/2023

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، أما بعد:

فاليوم هو مجلسنا الخامس من مجالس شرح صحيح البخاري، وقبل أن نبدأ بالمادة المقررة اليوم أنبّه على أمرين وقد ختمنا الباب الأول:

1- أن موسى بن إسماعيل التبوذكي -هذا شيخ البخاري- ذكرنا أنه من أتباع التابعين وهذا بناءً على وضع ابن حجر له في الطبقة التاسعة، والظاهر أن الصواب ما فعله ابن حبّان في "الثقات" فقد وضعه فيمن روى عن أتباع التابعين أي إنه ليس من أتباع التابعين، هذا هو الصواب إن شاء الله.

وضعُ ابن حجر للرواة في الطبقة التاسعة ينبغي الحذر من التعامل معها، لا بد من المراجعة والتدقيق فقد أدخل ابن حجر في هذه الطبقة بعض الرواة على أنهم من أتباع التابعين وليسوا كذلك، ومِمَّن مثّل بهم الإمام الشافعي رحمه الله، وليس من أتباع التابعين، فينبغي الحذر من هذا والتنبُّه له قبل متابعة الحافظ على ما فعله، طبقات ابن حبان رحمه الله قويّة.

فبناءً على ذلك يكون جميع شيوخ الإمام البخاري رحمه الله الذين تقدّموا معنا في الباب الأول يَروُون عن أتباع التابعين أي ليس فيهم أحدٌ من أتباع التابعين.

2- وفي الحديث السابق ذكرت لكم قصة ابن الناطور وأنها غير مروية بالإسناد المذكور عن أبي سفيان وذكرنا أنها من قول الزُّهريّ رحمه الله ولعلّي نسيت أن أذكر لكم أنه قد بيّن ذلك أبو نُعيم في "دلائل النبوّة" أن الزهري قال: لقيته بدمشق في زمن عبدالملك بن مروان، أي لقي الزهريُّ ابنَ الناطور في زمن عبدالملك بن مروان.

قال ابن حجر: "وأظنه لم يتحمل عنه ذلك إلا بعد أن أسلم" إذ إنه لا يصح أن يتحمل عنه وهو كافر، ممكن الراوي يأخذ الحديث يتحمّله وهو كافرٌ أما أن يحدِّث به وهو كافر فلا يُقبَل منه كما تقدم معكم في شروط التحمل وشروط الأداء في المصطلح.

اليوم معنا كتابٌ جديدٌ، وهو كتابٌ غاية في الأهمية، كتاب فيه مبحث من مباحث العقيدة المهمة التي حصل فيها افتراق عظيم في هذه الأمة بين أهل السنة وأهل البدع، وهو:

"كِتَابُ الإِيمَانِ":

قال الحافظ البخاري رحمه الله: " كِتَابُ الإِيمَانِ

‌‌بَابُ الإيمان وقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] وَقَوْلُهُ: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] وَقَوْلُهُ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَالحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ " وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: «إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ، وَشَرَائِعَ، وَحُدُودًا، وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ» وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وَقَالَ مُعَاذُ: «اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَا يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «{شَرَعَ لَكُمْ}: أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» سَبِيلًا وَسُنَّةً"

البسملة و "كتاب" هذه في بعض الروايات دون بعض وبينهما تقديم وتأخير، لن أنبّه على اختلاف الروايات والنُّسَخ إلا عند الحاجة المهمة التي لها تأثير فهي -هذه الاختلافات- مثبتة عندكم في شرح القسطلّاني وفي الطبعات الجيّدة من الكتاب، سنعتمد على ما هو مُثبَت في اليونينية ونجعله أصلًا إن شاء الله.

"كتاب" في اللغة: مادة كتب في اللغة تُستعمل للجمع والضم ومنها: الكتيبة؛ كتيبة الجيش، لاجتماع الفرسان فيها سُمِّيَت كتيبة

واصطلاحًا: اسمٌ لجملةٍ مختصّةٍ من العلم مشتملةٍ غالبًا على أبوابٍ وفصولٍ.

هذا الكتاب تُجمع فيه مسائل وأبواب، هذه المسائل والأبواب بينها اشتراك في معنىً واحد ثم تفترق من وجه آخر فتُقسّم إلى مسائل وأبواب كما تقدّم معنا هذا، مثل كتاب الإيمان يضع في هذا الكتاب كل ما يتعلق بالإيمان ويقسمه إلى أبواب.

"الإيمان": أي: هذا كتابٌ موضوعٌ لشرح الإيمان

والإيمان: لغة: التصديق، وقال بعض أهل العلم: هو الإقرار

واصطلاحًا: اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ، عند أهل السنة والجماعة.

أو قُل: قولٌ وعملٌ كما قال السلف.

والمعنى واحد

المؤلف رحمه الله بدأ بكتاب الإيمان لأنه أول واجبٍ على العبد وتجب عليه معرفته، واختلف المسلمون في الإيمان، فأهل البدع خالفوا أهل السنة فيه وتعريف الإيمان على النحو الذي ذكرنا هو أصلٌ من أصول أهل السنة والجماعة وشعارٌ من شعائرهم، لا يكون العبد عندهم من أهل السنة إذا خالف فيه، والإمام البخاري رحمه الله سُنِّيٌّ سلفيُّ العقيدة من أهل الحديث، قرّر عقيدة أهل السنة في الإيمان، قال ابن تيمية رحمه الله: "وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " فَإِنَّ كِتَابَ " الْإِيمَانِ " ‌الَّذِي ‌افْتَتَحَ ‌بِهِ " ‌الصَّحِيحَ " قَرَّرَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَضَمَّنَهُ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْقَائِمِينَ بِنَصْرِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَذْهَب الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ" انتهى كلامه رحمه الله

"‌‌بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»":

قال ابن رجب رحمه الله في شرحه على هذا الكتاب: "إنما ‌صدّر ‌البخاري كتاب الإيمان بباب: بني الإسلام على خمس لأنه يرى أن ‌الإسلام ‌والإيمان ‌واحدٌ، فصدّره به لينبه على ذلك" انتهى.

وقال أهل العلم أيضًا: "أراد أن يُبيِّن أنَّ ‌الإسلام ‌يُطلَق ‌على ‌الأفعال" إذا قلنا إن الإسلام والإيمان بمعنى واحد والأفعال داخلة في الإسلام إذًا الأعمال من الإيمان.

وقد اختلف أهل السنة في الإيمان والإسلام: هل هما بمعنى واحد أم مختلفان؟

وموضوع الإجماع والاختلاف في المسائل خاصةً العقائدية مهم جدًّا فيجب أن يعرف طالب العلم أين اجتمع أهل السنة والجماعة وأين اختلفوا حتى يتّبعهم في ذلك، فما أجمع عليه السلف لا يجوز لأحد أن يخرج عن إجماعهم ألبتة، كإجماعهم على أن الإيمان قول وعمل، وإذا اختلفوا فبإمكانك عندها أن تنظر في أدلّة المختلفين وترجّح الراجح.

هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل السنة، مَن نقل الخلاف؟

أقدم من وقفت على نَقلِه تنصيصًا للخلاف، طبعًا عندما تقف على كلامهم في التفريق بين الإسلام والإيمان تجد الخلاف هذا موجودًا، لكن كتنصيص على الخلاف ذكره أبو بكر الإسماعيليّ وهو توفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمئة في كتابه "الاعتقاد"، وذكره أيضًا المَروزيّ في "تعظيم قدر الصلاة" وابن تيمية في كتاب "الإيمان" وابن رجب في "جامع العلوم والحِكم".

انتبهوا الآن! انظروا الأسماء التي ذكرتها هنا: سلفيون، ما ننقل مسائل الإجماع والخلاف ومسائل في العقيدة عن غير أهل السنة والجماعة.

فهذه المسألة؛ مسألة النقل عن غير أهل السنة والجماعة في هذه القضايا أوقع بعض الأفاضل في الزلل لذلك ينبغي أن نكون حذرين من هذا الموضوع، وسيأتي وسنتكلم عن مسألة الإيمان، لا يكفي أن تعرف أن أهل السنة يقولون الإيمان قول وعمل وأن المرجئة يقولون بأن الإيمان هو التصديق أو التصديق والقول أو الكلمة أو المعرفة .... إلى آخره، لا يكفي هذا، هناك لوازم تنبني على هذه الأقوال ينبغي أن تكون على اطّلاع فيها، وهناك أقوالٌ يزعم البعض أنها لوازم وليست بلوازم، هذا كله ينبغي على طالب العلم أن يكون مطّلعًا عليه وعارفًا له حتى لا يقع في الزلل.

هؤلاء الأئمة قد نقلوا الخلاف عن أهل السنة والجماعة في هذه المسألة:

سبب الخلاف: هو اختلافُ ظاهرِ الأدلة

حقّق المسألة ورجّح ما عزاه لجمهور أهل السنة خلافًا للمروزي الذي عزا اتحاد المعنى لجمهور أهل السنة، الكلام فيه غموض، دعونا نفصل لكم الموضوع.

حقّق المسألة ورجّح الراجح فيها والصواب ابن تيمية رحمه الله في بداية كتاب "الإيمان" بكلامٍ نفيسٍ علميٍّ جيدٍ وموثَّقٍ.

ما هو قول جمهور أهل السنة والجماعة في هذه المسألة؟ حصل خلاف في هذا الموضوع

- محمد بن نصر المروزي في كتابه "تعظيم قدر الصلاة" نقل عن جمهور أهل السنة أن قولهم هو قول البخاري أن الإسلام والإيمان بمعنى واحد والبخاري ومحمد بن نصر المروزي ممن يتبنَّون هذا القول.

- ابن تيمية ما وافق على هذا النقل، ابن تيمية يقول: لا، جمهور أهل السنة والجماعة على القول بالراجح الذي سيأتي ذكره إن شاء الله في هذه المسألة وهي: أنهما كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا وإذا افترقتا اجتمعتا، بمعنى أن الإيمان والإسلام إذا ذُكِرا مع بعضهما كان للإيمان معنى وللإسلام معنى وإذا افترقتا يعني ما ذُكِر إلا الإيمان أو ذُكِر الإسلام فقط عندئذٍ يكون المعنى واحدًا يشمل كلا المعنيين عند الاجتماع كما سيأتي إن شاء الله.

بعض النصوص يُفهَم منها أن الإسلام والإيمان شيءٌ واحدٌ وهذه النصوص هي التي استدل بها من قال إن الإسلام والإيمان بمعنى واحد مثل:

- أقوى دليل عند هؤلاء قول الله تبارك وتعالى في سورة الذاريات: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} الكلام عائدٌ إلى نفس المجموعة، سمّاهم مؤمنين وسمّاهم مسلمين، فاستدلوا بهذا على أن الإيمان والإسلام بمعنى واحد.

- وأيضًا يُستدَلُّ لهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بني الإسلام على خمس" فذكر الشهادتين والصلاة والصيام والزكاة...... إلى آخره، وجاء في حديث وفد عبدالقيس قال: "‌أَتَدْرُونَ ‌مَا ‌الْإِيمَانُ ‌بِاللهِ؟" قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فذكر أيضًا الشهادتين والصلاة والزكاة، فاتحد الأمر هنا بنفس المعنى فلذلك يكون معنى الإسلام والإيمان واحدًا.

هذه أقوى الأدلة عند الذين يقولون إن الإيمان والإسلام بمعنى واحد.

أما الذين يقولون بأن الإسلام له معنى والإيمان له معنى آخر فيفرّقون بينهما:

- فيحتجون بقول الله تبارك وتعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} فهنا فرّق بين الأمرين.

- وكذلك في حديث سعد بن أبي وقاص لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أعطه فإني أحسبه مؤمنًا فقال عليه الصلاة والسلام: "أو مسلمًا", فحصل التفريق بين الإيمان والإسلام.

- ولا شك في قول الله تبارك وتعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} أن الإيمان داخلٌ في ذلك ولا يختلفون في مثل هذا

إذًا هل هما بمعنى واحد أم هما مختلفان؟ هذا في الجملة تستطيع أن تقول: البعض قال هما بمعنى واحد والبعض قال هما مختلفان، لكن الراجح أنه متى ذُكر الإيمان وحده شمل الإسلام وإذا ذُكر الإسلام وحده شمل الإيمان، أما إذا اجتمعا في الذكر افترقا في المعنى فكان للإيمان معنى وللإسلام معنى: يُطلق الإيمان على ما في القلب كما في حديث جبريل، يُطلق الإيمان على ما في القلب، انظر في حديث جبريل لما اجتمعا كان الإيمان يُطلق على ما في القلب والإسلام يُطلق على ما في الظاهر، وعندما يُذكَر الإيمان وحده يشمل ما في القلب وما في الظاهر، وإذا أُطلق الإسلام وحده يشمل ما في القلب وما في الظاهر، هذا هو القول الصحيح وبه تجتمع الأدلة وتلتئم.

يبقى عندنا الإشكال في الآية، {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} هنا قد ذكرهما -الإيمان والإسلام- وهما بمعنى واحد وأنتم قلتم بأن الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا في المعنى.

هذه الآية: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين} مَن هم المؤمنون هنا؟ لوط وأهله إلا امرأته لم تُخرَج بل أمره الله أن تبقى {فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} لأن امرأة لوط كانت داخلة في هذا القول، أما في الأول ما كانت داخلة مِن ضمنهم، {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين} امرأة لوط لم تُخرَج فلذلك ما دخلت هنا، أما {فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} كانت امرأة لوط معهم لذلك سُمِّيَ بيتًا مسلمًا، لماذا؟ لأنها كانت فيما تُظهِر تُظهِر الإسلام لكن في حقيقة الأمر لم تكن مؤمنة، فلذلك فرّق بينهما هنا في هذا الموضع.

إذًا المجموعة ليست نفسها، في البداية عند وصف الإيمان لم تكن امرأة لوطٍ من ضمنهم، وعند وصف الإسلام كانت امرأة لوط من ضمنهم، فحصل الافتراق في مثل هذا، بهذا أجاب أهل العلم عن هذه الآية

قال المؤلف رحمه الله: "وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ":

"وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ" الضمير عائد على الإيمان، أي: الإيمان قول وفعل ويزيد وينقص.

في رواية الكُشْمِيْهَنِيّ -وهو أحد رواة صحيح البخاري كما تقدم-: "قولٌ وعملٌ" والمعنى واحد، وقيل: الفعل أعمُّ من العمل.

على كلٍّ: لفظ السلف -وهذا الذي يهمنا- لفظ السلف: قولٌ وعملٌ، هكذا جاء عنهم بشكل متواتر، جاء عنهم بالتواتر.

تعريفه بالمعنى الشرعي: هو اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعملٌ بالأركان، فإذا تحقّقت هذه الأركان الثلاثة في العبد صار مؤمنًا وإذا لم تتحقّق لا يكون مؤمنًا، فلا يُجزئ أحد هذه الثلاثة عن الآخر كما قال الإمام الشافعي رحمه الله ونقل عليه الإجماع، أي كل واحد لا بد أن يكون أصله موجودًا عند المؤمن حتى يسمّى مؤمنًا ودلّت أدلة الكتاب وأدلة السنة المتواترة على أن الإيمان يكون بهذه الثلاثة.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: [وَكَانَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُمْ أنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ لَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ ‌إلَّا ‌بِالْآخَرِ] انتهى.

ونقل غير واحدٍ من العلماء إجماع السلف على هذا.

ومن قال: الإيمان اعتقاد وقول وعمل ثم قال: يصحّ الإيمان بلا عمل فقد تناقَضَ.

وأنا أنبه هنا على مسألة مهمّة الآن: نحن نتحدّث عن مسائل علميّة، لا نتحدث عن أشخاص، عندما نتحدّث عن المسألة العلميّة نقرّر فيها الصواب بناءً على ما كان عليه الأمر في عهد السلف الصالح رضي الله عنهم، فنحن الذي ندين الله به ولا نجيز لأحد الخروج عنه هو أن المسائل هذه لا يجوز لأحد أن يخرج عما كان عليه السلف الصالح فيها والواجب فيها هو الاتباع فقط، ليس لك أن تجتهد ولا أن تخترع شيئًا من عندك، ماذا قال السلف؟ نتبعهم في ذلك.

بعد ذلك: من أخطأ وقال قولًا رددنا عليه قوله، هل هو مبتدع؟ ليس بمبتدع؟ موضوع آخر له مبحثه المستقلّ، نحن ليس هذا موضوعنا الآن، موضوعنا نقرّر مسائل علميّة كما قرّرها السلف رضي الله عنهم واعتمدنا في ذلك على فهم علمائنا له.

السبب المهم في هذه القضية عندما تأتي تقرر مسألة عقائدية ربما يقبلها منك من يسمع، ولكن إذا ذُكِر الأشخاص دخل التعصّب بقوة، وهذا من الأشياء المجرّبة التي قد عايشناها.

كنت أتحدث مع بعضهم مرّةً مِن مصر فتحدثنا معه في مسألة علمية في العقيدة سأل عنها هو فذكرتُ له منهج السلف فيها وأن السلف كانوا يقولون كذا وذكرنا له وأرسلنا له ما قال السلف في هذه المسألة فأقرَّ، ثم بعد ذلك علِمَ أن شيخه يقول بخلافها فصار يتلاعب في القاعدة وفي الأصل من أجل أن يدافع عن شيخه مع أنه أقر في البداية أنها عقيدة السلف وأن المنهج منهج السلف.... إلى آخره، لكن لما شيخُه خالف في هذه المسألة بدأ يتلاعب في الأصل من أجل شيخه، هذه مصيبة وهذا زلل وضلال، نسأل الله العافية.

لذلك لما يُذكَر الرجال يدخل التعصب؛ التعصب الشديد الذي ربما يكون سببًا لهلاك صاحبه، لكن لا يعني ذلك أننا لا نذكر الأشخاص ولا نحذر من الأشخاص، لا طبعًا كل شيء له محلّه والواجب يجب أن يؤدّى، يتعصب مَن تعصّبَ ويترك مَن ترك، لكن الآن نحن نقرّر المسائل العقائدية لأننا نحن درس علمي الآن نقرر فيه المسائل كما قررها السلف الصالح رضي الله عنهم، فلا تربط الآن كلامي في ذهنك بزيد أو عُبيد، الآن خذ المسألة من أجل أن تتلقاها عن سلفك الصالح رضي الله عنهم بغض النظر عن الأشخاص الذين يعيشون اليوم وماذا قالوا، ليس موضوعنا الآن.

الإيمان اعتقاد وقول وعمل، هل السلف كانوا يقولون هذا من باب أن العمل كماليٌّ؟ يعني أنه إذا وُجد في الإيمان كمَّلَه وإذا لم يوجد بقي أصل الإيمان؟ هذا لا يقوله سلفيٌّ أبدًا؛ يعني أحد من علماء السلف، لا يقولون هذا الكلام، هذا كلام باطل عند السلف، لأن السلف عندهم شيء اسمه التلازم، أيش يعني التلازم؟ يعني قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلا وَإِنَّ فِي ‌الْجَسَدِ ‌مُضْغَةٌ إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ ‌سَائِرُ ‌الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ ‌سَائِرُ ‌الْجَسَدِ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" إذًا عندهم شيء اسمه وجود إيمان باطن بدون إيمان ظاهر كلام فارغ، لا يوجد منه هذا الكلام، الإيمان الظاهر والإيمان الباطن متلازمان مرتبطان ببعضهما وجودًا وعدمًا كمالًا ونقصًا، وجودًا وعدمًا كمالًا ونقصًا وليس فقط كمالًا ونقصًا بل وجودًا وعدمًا أيضًا، فإذا انتفى الإيمان الظاهر انتفى الإيمان الباطن تلقائيًّا، إذا انتفى الإيمان الباطن انتفى الإيمان الظاهر، انتهى الأمر، تلازمٌ وارتباطٌ لا تغيِّبْهُ عن ذهنك أبدًا.

ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله ونسبه إلى السلف باطلٌ؛ قال: السلف يقولون الإيمان اعتقاد وقول وعمل، ويعنُون أن العمل شرط كمالٍ، قال: والمعتزلة يقولون -عندما ذكر الفرق بين قول أهل السنة وقول المعتزلة- قال: المعتزلة أيضًا يقولون الإيمان اعتقاد وقول وعمل لكن العمل عندهم أصلٌ في الإيمان؛ شرطٌ في صحة الإيمان هكذا قال، أما أهل السنة قال: يقولون الإيمان عندهم شرط في كمال الإيمان، وهذا باطل.

أنت لا تأخذ مذهب أهل السنة ومذهب السلف عن رجلٍ قد عُرِف بمخالفته للسلف في العقيدة، وسيأتي إن شاء الله وأذكر لكم أمثلة على مخالفة الحافظ ابن حجر للعقيدة، لأن البعض صار يوالي ويعادي على أنك إذا قلت: الحافظ ابن حجر ليس على عقيدة السلف: يوالي ويعادي، ومشكلة هذه كبيرة لأن هذا القول كان سببًا في ضلال الكثير من الشباب اليوم، يقول: الحافظ ابن حجر من أهل السنة والجماعة ويذهب ويأخذ منه العقيدة لأنك قلت أنت بأنه من أهل السنة والجماعة، إذًا معنى ذلك أطمئن لعقيدته وآخذ عنه، هذا باطل الكلام.

السلف ما عندهم هذا الخلط والخبط الموجود الآن، لا يوجد إما سلفي أو غير سلفي، لا يوجد عندي حاجة ثالثة، أنت سلفي:معناها تقرر عقيدة أهل السنة والجماعة.

لا والعجيب أن النووي رحمه الله يقول: [قال أصحابنا المتكلمون] ثم يقرر عقيدة الأشاعرة ويأتي يقول لك: النووي ليس أشعري، كيف ليس أشعري يا أخي؟! أنت كيف تتكلم؟ ما أفهم، تتكلم بدليل ببراهين تتكلم بعلم أم تتكلم بتعصب فقط؟ اذهب واقرأ للنووي، النووي صريح يقول لك: قال أصحابنا المتكلمون، هو ينسب نفسه إلى المتكلمين، ولما يذكر يذكر عقيدة أشعرية صافية، يعطيك صافي ليس كالحافظ ابن حجر، الحافظ ابن حجر يعطيك مُخلّط، أما النووي يعطيك إياها صافية عقيدة أشعرية، عجيب تجد شخصًا يدافعُ ويَذُبُّ ويوالي ويعادي، ما يكفيه فقط يقول لك لا ربما ولعل وبعض العلماء دافع وكذا، خطأ هذا الكلام، أنت عندما تأتي وتقول: النووي عقيدته أهل السنة والجماعة وابن حجر عقيدته أهل السنة والجماعة؛ أنت تغرر بالناس، الناس عندما يأتون يقرؤون للنووي ويقرؤون لابن حجر يظنّون أن العقيدة المقرَّرة من كلامهم هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، هذا كلام باطل.

نعم لا إفراط ولا تفريط، نحن لا نريد هذا، حن نريد أن نتعامل مع الجميع على ميزان واحد؛ ميزان السلف رضي الله عنهم، لكن في نفس الوقت لا نريد أن نقع في غلو الحدّادية نقول لك اذهب وحرِّق كتب ابن حجر وكتب النووي وغيره، نحن نستفيد من كتب ابن حجر والنووي لكن لا ننصح طلبة العلم المبتدئين أن يقرؤوا في كتبهم لأنه لا يستطيع التمييز، وإن مَيَّزَ ربما تدخل عليه شبهة تضيِّعه، ما يعرف كيف يردُّها، فلا ننصحه أن يقرأ، يقرأ لك أهل العلم ويعطونك الخلاصة الصافية النقية، هذا ما ننصح به، فلا إفراط ولا تفريط لا في ابن حجر ولا في النووي ولا في غيرهم.

لأن المدة الزمنية تلك؛ القرن السابع والثامن والتاسع، هذه المدة أكثر الكتب التي وصلتنا من هذه القرون، وهذه القرون كانت قد انتشرت فيها الأشعرية لأسباب كثيرة ليس هذا وقت ذكرها الآن.

كثير من كتب السلف -من الكتب السلفية- ما وصلتنا، وصلنا -الحمد لله- كثير منها واستفدنا منها وما زالت موجودة والحمد لله، والذي نحتاج إليه وصل لكن كثيرًا منها أيضًا لم يصل، لأن المدة الزمنية طويلة بعيدة وكلما بعُدت المدة كلما فُقدَت.

تعرفون أنتم الأسباب كثيرة التي أدت إلى فقدان الكتب ومنها دخول التتار ودخول النصارى على الأندلس وغيرها كثير جدًّا، أضاعوا كُتُبًا كثيرة جدًّا، كذلك النصارى لما دخلوا بلاد الإسلام أخذوا كتبًا كثيرة وضيّعوها، هناك أسباب كثيرة، لكن -الحمد لله- الدين محفوظ والكتب التي قررت لنا منهج السلف وعقيدة السلف كلها محفوظة وموجودة بفضل الله سبحانه وتعالى.

لكن أنا أجيب عن شبهة لبعضهم يقول لك: ها الشُّرَّاح كلهم أشاعرة، بعضهم يقول هذا، يقول: شُرَّاح الأحاديث كلهم أشاعرة، لا ما هم كلهم أشاعرة، الكتب التي وصلتك وصلتك المدة الزمنية مدة الأشاعرة، كانت لأسباب انتشرت الأشعرية.

حاكم واحد لو يستلم البلاد يحول البلاد إلى عقيدته، انظروا إيران، أيش كانت إيران؟ أخرجت من علماء الأمة الشيء الكثير، علماء وأئمة وعباد وزهاد من أهل السنة والجماعة حتى احتلها الصفوية حولوها إلى رافضة، هذه الحال، حاكم يمسك بلاد يحولها، في بعض البلاد مسكها أشاعرة وحوّلوها إلى أشعرية، هذا موجود أسباب كثيرة، غير مهم الآن، لأن الذي يهمّنا ما هو الدليل؟

الدليل ليس كثرة من خالف السنة في زمن معين، الدليل: النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ قال: [خَيْرُ ‌النَّاسِ ‌قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ] ثم ذم القرون التي بعد، فنحن نحاجّك بأصحاب القرون الثلاثة الأولى الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا الدليل، وليس بالكثرة مهما كثرت، أهل البدع أهل الضلال المخالفين للسنة مهما كثروا الحق ليس معهم، الحق مع أصحاب القرون الثلاثة الأولى ونحن نتحاكم إليهم في كل خلاف يقع في أي مسألة شرعية نتحاكم إليهم وننظر ماذا قالوا وقولهم هو الفاصل في الموضوع حتى لو خالفنا أحد أئمة أهل السنة الذي نعتقد فيه الإمامة ونعتقد فيه التقوى والصلاح والسنة..... إلى آخره، إذا خالف في مسألة من المسائل لم نجد أحدًا من السلف رضي الله عنهم قال بها نترك قوله.

هل هذا يتعلق بمسألة قضية التبديع أو عدم التبديع؟ هذه قد ذكرنا ضوابطها في موضعها ليس هذا موضعها، هذا الضابط، نحن الضابط هذا نريد أن نتفق عليه ونمشي عليه: أي خلاف يحدث نرجع فيه إلى منهج السلف الصالح، أيش قرروا؟ نمشي مع هذا، وهذه كذلك.

اليوم عقيدة الإرجاء انتشرت بكثرة حتى بين العامة تأتي تكلم العامي تقول: اتق الله، صل، صوم، كذا يقول لك: الإيمان في القلب، موجود ولا ليس موجود؟ وبكثرة، هذا مذهب المرجئة نفسه، عينه، وهذا ما كان يخشاه السلف رضي الله عنهم لما نشأ مذهب الإرجاء، إلى أيش يؤدي؟ يزهدون في العمل، مذهب الإرجاء يزهد في العمل، فإذا زهدت في العمل ضاع الدين، ما بقي شيء، وهذا الذي طبقه العامة تمامًا.

تأتي تكلمه في مسائل الدين يقول لك: الإيمان في القلب، إذا سكر على الباقي خلاص، الإيمان في القلب اذهب اعمل السبعة وذمتها ما في مشكلة لأن الإيمان في القلب، وهذا مردود بقول النبي ، لو كان الإيمان موجود في القلب لوجد على الظاهر (ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) إذًا كلام باطل هذا، وهذا الذي قرره الإمام البخاري في صحيحه رد على المرجئة لخطورة عقيدة الإرجاء.

هل تعلمون أن عقيدة الإرجاء عند السلف أخطر من عقيدة الخوارج؟! أنا ما أتكلم من عندي، بإمكانك لأي جملة أعطيك إياها تطالب بمن قالها من السلف، أعطيك من قال بها من السلف، أحد الذين قرروا هذا إبراهيم النخعي تابعي، قال بمعنى كلامه: بأن عقيدة الإرجاء أو مذهب المرجئة أخطر على أهل الإسلام من منهج الأزارقة، وغيره أيضا قال هذا، لماذا؟ لأنه يؤدي إلى ضياع الدين، ما في أحكام، ما في صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج ولا شي، خلاص إيمانك في القلب أنت مصدق انتهى الأمر خلاص، افعل ما تشاء، مذهب خطير جدًا، ونحن لا نتكلم في خيال ولا نتكلم في مسائل قد انتهت، أو فرق قد انقضت، لا، اليوم على قدم وساق فرقة الخوارج وفرقة المرجئة بكثرة، وعندنا هنا في الشام.

أجدادكم في الشام هنا خاصة كانوا من أشد الناس على المرجئة، ما الذي قلب الأمور عندكم؟! حتى صرنا، طبعا أنا لا أتكلم عمن لا يزعم أنه سلفي أصلًا، هذا مُنتهٍ أمرُه، أشعري ماتريدي غيره ليس هذا موضوعنا منته أمرهم، لكن ممن يزعمون أنهم سلفيون، وجد في هذا البلد من وصل إلى القول صراحة أن الإيمان قول واعتقاد فقط، صراحة، ويقول لك: أنا سلفي، هذا أخطر من المرجئ الصافي، ذاك يقول لك أنا مرجىء، أنا أعتقد أن الأعمال ليست من الإيمان وأنا على طريقة المرجئة ولست سلفيًا، انتهى الموضوع خلاص، أنت عرفت الحق من الباطل منتهٍ الموضوع، عرفت هذا من هو ويقول لك بصريح لسانه، أما هذا فلا، هذا يقول لك أنا سلفي، يعني هذا يغرر بالشباب ويخدع الطلبة، يقول لك أنا سلفي ثم يقرر لهم عقيدة المرجئة، هذا خطير جدًا.

فكما نحارب الخوارج وعقيدة الخوارج، نحارب الإرجاء وعقيدة المرجئة، لأن خطر كلا الفرقتين اليوم في تزايد، وفي انتشار كبير، لا ما في الأمور واضحة، كلام السلف واضح وصريح، اقرأ فقط، لا تذهب تتعلق بالمتشابهات.

فهمُ هذا الكلام يُرجع فيه إلى أهل العلم، يأتيك شخص اليوم يقول لك: الإيمان قول واعتقاد وعمل ثم يقول لك الكفر هو التكذيب، هل هذا فاهم أيش يقول؟ هذا ليس فاهمًا ماذا يقول، هذا ما دخل على العلم من بابه؛ لأن حتى المرجئة لا تقبل بهذا الكلام، ولا يقبله أهل السنة، ولا يقبله خارجي، ولا يقبله أحد عنده علم.

اللوازم كانت مضبوطة عندهم، المرجئ عندما يقول لك الأعمال لا تدخل في الإيمان يعرف لوازم هذا الكلام وينضبط به، فلما جاء المرجئ وقال الإيمان هو التصديق مباشرة انضبط معك في الكفر وقال لك الكفر هو التكذيب، منضبطة الأمور عنده، هذا ضده هذا خلاص انتهى الأمر.

أما يأتيك شخص يقول لك الإيمان قول واعتقاد وعمل وبعدها يقول لك الكفر هو التكذيب، كيف تركب معك هذه؟! لأن الإيمان هو نقيض الكفر، والكفر ضده الإيمان، فأيش عرّفت الإيمان تعرّف بضده الكفر وهكذا، الأمور منضبطة، أما الفوضى هذه والخلط والخبط الحاصل اليوم هذا ما كان موجود قديمًا.

الإجماع منقول من السلف أن الإيمان لا يصح بلا عمل، قال ابن رجب: في " الإيمان قول وعمل": وهذا كله إجماع من السلف وعلماء الحديث. وقد حكى الشافعي إجماع الصحابة والتابعين عليه وحكى أبو ثور الإجماع عليه أيضًا. وقال الأوزاعي: كان من مضى ممن سلف لا يفرقون بين الإيمان والعمل وحكاه غير واحد من سلف العلماء عن أهل السنة والجماعة. وممن حكى ذلك عن أهل السنة والجماعة: الفضيل بن عياض، ووكيع بن الجراح. وممن روي عنه أن الإيمان قول وعمل: الحسن، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وهو قول الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور.

هذا قليل، ارجعوا إلى السنة للخلال، السنة لعبدالله ابن الإمام أحمد، الشريعة للآجري، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، الحُجة في بيان المحجة للأصبهاني، الإبانة لابن بطة، وغيرها كثير، ستجدون النقولات بكثرة عن أئمة السنة في هذا.

قال: "قول وعمل" قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح.

فالقول للقلب واللسان، والعمل للثلاث.

هذا ما يعنونه قول وعمل، أيش معنى قول وعمل؟

المقصود بقول القلب الذي هو التصديق، تصديقه، هذا واحد.

الإيمان عند أهل السنة مركب: أولا التصديق، هذا قول القلب.

قول اللسان: المقصود النطق بالشهادتين.

عمل القلب: والمقصود بذلك أعمال القلوب من الإخلاص والحب والبغض والخوف والرجاء والتوكل كل هذا وأشباه ذلك، كل هذه من أعمال القلوب.

وعمل اللسان كقراءة القرآن والأذكار والتسبيح والتهليل والاستغفار وما شابه، هذا من عمل اللسان.

وأما أعمال الجوارح كالصلاة والصيام والزكاة والحج وما شابه.

قال: "ويزيد وينقص" الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، كل ما تعبّد العبد زاد إيمانه، وإذا ترك عبادة واجبة، أو فعل معصية نقص إيمانه، وأدلة ذلك في الكتاب والسنة كثيرة.

فيه نقصان: قلنا يزيد وينقص أيضًا، ونركز على النقصان أيضًا، كما قال النبي للنساء (ما رأيت من ناقصات عقل ودين من إحداكن) وقال (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)

فينقص الإيمان ويزيد، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد ثبت لفظ الزيادة والنقصان فيه عن الصحابة رضي الله عنهم، ولم يعرف فيه مخالف من الصحابة، طبعًا السلف كلهم على هذا.

الإمام مالك ورد عنه لفظ الزيادة وتوقف في النقص في رواية، وقال بعض أهل العلم السبب في ذلك أنه وجد في القرآن ذكر الزيادة ولم يجد النقصان؛ لكن في رواية أخرى ثانية عنه يوافق فيها أئمة السلف ويقول بالزيادة والنقصان.

خالف في ذلك المرجئة فقالوا: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وإيمان الخلق متساوٍ؛ فلا يتفاضل إيمان أبي بكر وعمر وإيمان الفاسق، بناءً على قولهم أن الإيمان هو التصديق بالقلب أو التصديق بالقلب واللسان، وذلك لا يتفاضل عندهم.

إذًا أمرٌ مهمٌّ أن نعرف أن المرجئة والخوارج قد اجتمعوا في أصل واحد وهذا من العجائب طبعًا، هما قولان متناقضان؛ لكن اجتمعوا في أصل واحد: وهو أن الإيمان شيء واحد لا يتجزأ، إذا ذهب بعضه ذهب كله.

هذا الأصل قد اتفقت عليه المرجئة والخوارج إلا أن المرجئة قالوا: هو تصديق القلب أو هو تصديق القلب وقول اللسان أو قول اللسان فقط أو هو المعرفة هي أقوال للمرجئة.

بالجملة أقوال المرجئة ثلاثة:

أحدها: أن الإيمان هو ما في القلب فقط

الثاني: أن الإيمان هو ما على اللسان

الثالث: أن الإيمان ما في القلب وما على اللسان

في الجملة هذه أقوال المرجئة، وأجمعت المرجئة على أن أعمال الجوارح ليست من الإيمان، هذه خلاصة أقوال المرجئة.

وهذه الأقوال لها لوازم، منها: الزيادة والنقصان، لما كانت المرجئة لا تقول بإدخال أعمال الجوارح في الإيمان قالوا أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، إذًا عندهم الإيمان هو التصديق، والتصديق قد أتينا به إذًا قد انتهى الأمر، هذا على قول بعضهم، الإيمان هو التصديق، والتصديق قد جاء إذًا انتهى الأمر، ما عاد في لا زيادة ولا نقصان.

أهل السنة والجماعة من السلف قالوا: يزيد وينقص بالنظر إلى أعمال الجوارح، وهذه مسألة مهمة جدًا.

يوجد خلطٌ نتجَ عن بعض الأشاعرة ومن سلك مسلكهم في بعض الأقوال، يعني مثلًا عندما تأتي عند قول المرجئة في الزيادة والنقصان أو في الاستثناء، الاستثناء في الإيمان، يعني تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، عند أهل السنة والجماعة يقولون نعم يجوز الاستثناء في الإيمان، تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، المرجئة يقولون لا يجوز الاستثناء في الإيمان، لماذا؟ يقولون الإيمان: التصديق؛ فلا معنى للاستثناء إلا الشك، وإذا شككت في إيمانك فأنت كافر، لهذا قالوا لا يجوز الاستثناء في الإيمان، هذا قول المرجئة.

قال أهل السنة والجماعة: يجوز الاستثناء في الإيمان على اعتبار زيادة الإيمان بالأعمال ونقصانه وأنك لم تأت بالإيمان بالأعمال كاملة؛ فيكون بناء على ذلك الاستثناء عند أهل السنة والجماعة يكون عائدًا على الأعمال؛ إذ إنك تقول أنا مؤمن إن شاء الله: إن شاء الله أكمل إيماني بأعمالي، هذا عند أهل السنة والجماعة.

جاء الأشاعرة فوجدوا، طبعًا الأشاعرة مرجئة يقولون الإيمان هو التصديق؛ فأشكل عليهم الأمر أن السلف يجيزون الاستثناء، والمرجئة الذين هم منهم لا يجيزونه؛ لكن لا يريدون أن يخالفوا السلف، فماذا فعلوا؟ جاؤوا بقول حاولوا فيه أن يجمعوا بين الأمرين فأجازوا الاستثناء لكن على اعتبار الموافاة، فصار الاستثناء عندهم ليس راجعًا إلى العمل، عمل الجوارح، على اعتبار الموافاة يعني ما الذي ستموت عليه، يقول أنا مؤمن إن شاء الله لأني لا أدري على ماذا سأموت، على الإيمان أو على غيره، ما الذي سأوافي به الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، حرفوا المعنى وقلبوا الأمر إلى معنى آخر، هذا معنى صحيح لا شك لكن ليس هو مراد السلف بالاستثناء لما ذكروا الاستثناء، فيأتيك هذا ويقول لك أنا أستثني تظن أنه يوافق السلف في هذا، لا هو في المعنى لا يوافق السلف وإن وافقهم لفظًا.

فلذلك تنتبه لهذه القضية، من يوافقك لفظًا لكن من حيث المعنى لا يوافقك؛ بل هو يخالفك، كمسألة الإيمان يزيد وينقص هذه، يزيد وينقص بناء على أن أعمال الجوارح داخلة في الإيمان، وأنا إذا قلت أنا مؤمن إن شاء الله يعني إن شاء الله أني أكمل إيماني بأعمالي، وليس عائدًا إلى أصل التصديق حتى نقول هو شكّ، لا.

ممكن تجد بعض المرجئة يقولون الإيمان يزيد وينقص؟ لأن بعضهم يقول مستحيل أن أكون مرجئًا وأنا أقول أن الإيمان يزيد وينقص وهو يقرر بعض مسائل الإرجاء، فلما تأتي تستدل عليه يقول لا مستحيل، أنا أقول الإيمان يزيد وينقص، والإمام أحمد قال: من قال الإيمان يزيد وينقص فقد برئ من الإرجاء أوله وآخره، هذا الإمام أحمد قاله لما ما كانت الناس في زمانه متناقضة، الإمام ما يعرف الناس المتناقضين هؤلاء لأنهم ما كانوا موجودين في زمنه، المتناقضون الذين جاء تناقضهم بسبب جهلهم في هذه المسائل هؤلاء جاؤوا في زمننا، لذلك تجد شخصًا يلفّق لك الأقوال من هنا ومن هناك موجود هذا، وإن لم يكن موجودًا في عهد الإمام أحمد.

يوجد من بعض المرجئة من يقول الإيمان يزيد وينقص؛ لكن على اعتبار ماذا؟ هنا المهم في الموضوع، على أي أساس قلت الإيمان يزيد وينقص؟ هذا يهمني، لما تأني تجيز الاستثناء في الإيمان على أي أساس بنيت هذا الموضوع، هذا مهم جدًا، وهو فارق، لما جاء وقال الإيمان يزيد وينقص رجعه إلى أعمال القلوب، رأيت كيف؟! وطبعًا غالب المرجئة، جمهور المرجئة يدخلون أعمال القلوب في الإيمان، جمهورهم، هذا نقله ابن تيمية رحمه الله عن جمهورهم، وإن كان البعض منهم عزاه للجهمية والصالحي ومن معه، قال: هؤلاء لا يدخلون أعمال القلوب في الإيمان؛ لكن جمهور المرجئة يدخلون أعمال القلوب في الإيمان، قال: أجاز بعض المرجئة زيادة الإيمان ونقصانه على اعتبار أن أعمال القلوب تزيد وتنقص، رأيت عندما يأتي ويقول لك الإيمان يزيد وينقص تظنه قرر عقيدة السلف، عقيدة أهل السنة والجماعة لا، المعنى الذي نظر إليه مختلف عن المعنى الذي نظر إليه السلفي، إذًا هو لم يوافقهم حقيقة وإن وافقهم في الظاهر.

الإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص بناء على أعمال الجوارح، هل يزيد وينقص بناءً على التصديق، هل التصديق يزيد وينقص؟ هل القول يزيد وينقص؟ هل أعمال القلوب تزيد وتنقص؟ سيأتي النقل عن الإمام أحمد في هذا الأمر إن شاء الله.

عامة السف والأئمة عندهم أن إيمان العباد لا يتساوى، بل يتفاضل، وإيمان السابقين الأولين أكمل من إيمان أهل الكبائر المجرمين.

سبب الخلاف: كما ذكرنا أنهم لا يدخلون أعمال الجوارح في الإيمان، والسلف يدخلون أعمال الجوارح في الإيمان لذلك عندهم يتفاضل، وهذا لا نزاع فيه بين السلف؛ بل هو الفارق بين السلفي والمرجئ، أعمال الجوارح تدخل في الإيمان أو لا تدخل في الإيمان.

السبب الثاني: خالف فيه بعضهم، وهو أن ما في القلب من الإيمان هل يتفاضل؟ فلما قالوا لا يتفاضل نفوا زيادة الإيمان ونقصانه، هذا خلاصة ما ذكره ابن تيمية رحمه الله.

ثم ذكر الآيات:"قَالَ اللهُ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}"

يحتج الإمام البخاري رحمه الله على من يقول أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، يحتج عليهم بهذه الآيات الصريحة في زيادة الإيمان، وتلقائيا عند أهل العلم جميعًا أن ما يزيد فهو ينقص، وهذا قد نصوا عليه، وقالوا كل شيء بما أنه يزيد فهو ينقص.

والمراد بالهدى هنا: فعل الطاعات، كما قال تعالى بعد وصف المتقين بالإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق مما رزقهم والإيمان بما أنزل على محمد وإلى من قبله وباليقين بالآخرة ثم قال:{أولئك على هدى من ربهم} فسمى ذلك كله هدًى، فمن زادت طاعته فقد زاد هداه.

ذكر الآيات الأخرى {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}إلى آخره، هذه الآيات كلها تنص على زيادة الإيمان، وما يزيد ينقص.

والسلف استدلوا بهذه الآيات على زيادة الإيمان ونقصانه، كما في كتب السنة، وذكر القاسم بن سلام تحريفات أهل البدع لهذه الآيات كي ينفوا زيادة الإيمان ونقصانه، ثم قال:[وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَمْ أَجِدْ لَهَا ‌مُصَدِّقًا ‌فِي ‌تَفْسِيرِ ‌الْفُقَهَاءِ وَلَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ] فلا مجال لتحريفها، معروفٌ أن أهل البدع عندما تواجههم الآيات والأحاديث الصريحة في مخالفة معتقدهم يحرفونها، فلما حرفوها نقل تحريفهم هنا ونحن لا نريد أن نذكره، من احتاجه يرجع إليه في كتاب القاسم بن سلام ؛ لكن ذكرَ هذا وقال لا يوجد مصدق في تفسير الفقهاء ولا في كلام العرب أيضًا، لا في اللغة العربية ولا في كلام العلماء؛ إذًا فكلامهم باطل.

القول والمعرفة بالقلب هل تزيد وتنقص؟

قال ابن رجب رحمه الله: [على قولين:]إذًا يوجد خلاف في المسألة [أحدهما: أنها لا تزيد ولا تنقص. قال يعقوب بن بُختان : سألت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- عن المعرفة] يريدون بالمعرفة التصديق [والقول: يزيد وينقص؟ قال: لا، قد جئنا بالقول والمعرفة وبقي العمل. ذكره أبو بكر الخلال في كتاب " السنة "] طبعًا الكلام كله لابن رجب الآن [ومراده بالقول: التلفظ بالشهادتين خاصة] هذا القول الأول أنه لا يزيد ولا ينقص لا القول ولا المعرفة التي هي التصديق [والقول الثاني: أن المعرفة تزيد وتنقص] يعني التصديق [قال المروذي: قلت لأحمد في معرفة الله بالقلب تتفاضل فيه؟ قال: نعم، قلت: ويزيد؟ قال: نعم.......]

[وتفسر زيادة المعرفة بمعنيين:] يفسّرها ابن رجب رحمه الله، يعني زيادة التصديق كيف يزيد التصديق؟ يفسرها قال: [بمعنيين: أحدهما: زيادة المعرفة بتفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وأسماء الملائكة والنبيين والكتب المنزلة عليهم وتفاصيل اليوم الآخر. وهذا ظاهرٌ لا يقبل نزاعًا] يعني مَن آمن باليوم الآخر بشكل مجمل ليس كمن من آمن باليوم الآخر وتفاصيل ما يحدث فيه مما ورد في الكتاب والسنة؛ فإيمان الثاني أعظم أكمل من إيمان الأول

قال: [والثاني: زيادة المعرفة بالوحدانية بزيادة معرفة أدلتها، فإن أدلتها لا تحصر، إذ كل ذرة من الكون فيها دلالة على وجود الخالق ووحدانيته، فمن كثرت معرفته بهذه الأدلة زادت معرفته على من ليس كذلك] تأمُّلٌ في هذا الكون، كلما تأملت زيادةً عرفْتَ عظم خلق الله وقدرته تبارك وتعالى فزاد إيمانك [وكذلك المعرفة بالنبوات واليوم الآخر والقدر وغير ذلك من الغيب الذي يجب الإيمان به، ومن هنا فرّق النبي صلي الله عليه وسلم بين مقام الإيمان ومقام الإحسان، -يعني في حديث جبريل- وجعل مقام الإحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه، والمراد: أن ينوِّر قلبه بنور الإيمان حتى يصير الغيب عنده مشهودًا بقلبه كالعيان.

وقد ذكر محمد بن نصر المروزي في " كتابه " أن التصديق يتفاوت وحكاه عن الحسن، والعلماء وهذا يشعر إجماعًا عنده] انتهى كلام ابن رجب رحمه الله.

والحق أن أعمال الجوارح والقلوب والتصديق كل ذلك يتفاوت ويزيد الإيمان وينقص به.

قول اللسان إن كان المقصود به الشهادتان للدخول في الإسلام فقط؛ فهذه لا تزيد، أما إن كان المقصود به الشهادتان سواء كانت التي تدخل فيها بالإسلام أو غير ذلك من الأذكار فهذا لا شك أنه يزيد.

قال ابن تيمية رحمه الله: [ثُمَّ ‌نَفْسُ ‌التَّصْدِيقِ ‌أَيْضًا ‌مُتَفَاضِلٌ مِنْ جِهَاتٍ:

مِنْهَا أَنَّ التَّصْدِيقَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَكُونُ مُجْمَلًا وَقَدْ يَكُونُ مُفَصَّلًا؛ وَالْمُفَصَّلُ مِنْ الْمُجْمَلِ؛ فَلَيْسَ تَصْدِيقُ مَنْ عَرَفَ الْقُرْآنَ وَمَعَانِيَهُ وَالْحَدِيثَ وَمَعَانِيَهُ وَصَدَّقَ بِذَلِكَ مُفَصَّلًا كَمَنْ صَدَّقَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ بِهِ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ لَا يَفْهَمُهُ]

يعني من كان عالمًا ليس كمن كان جاهلًا بهذه التي ذكرها

[وَمِنْهَا: أَنَّ التَّصْدِيقَ الْمُسْتَقِرَّ الْمَذْكُورَ أَتَمُّ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي يُطْلَبُ حُصُولُهُ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْهُ.

وَمِنْهَا: أَنَّ التَّصْدِيقَ نَفْسَهُ يَتَفَاضَلُ كُنْهُهُ] يعني حقيقة التصديق نفسه يتفاضل [فَلَيْسَ مَا أَثْنَى عَلَيْهِ الْبُرْهَانُ بَلْ تَشْهَدُ لَهُ الْأَعْيَانُ وَأُمِيطَ عَنْهُ كُلُّ أَذًى وَحُسْبَانٍ حَتَّى بَلَغَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ؛ دَرَجَاتِ الْإِيقَانِ كَتَصْدِيقِ زَعْزَعَتِهِ الشُّبُهَاتِ وَصَدَفَتْهُ الشَّهَوَاتُ وَلَعِبَ بِهِ التَّقْلِيدُ وَيَضْعُفُ لِشُبَهِ الْمُعَانِدِ الْعَنِيدِ وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ مِنْ نَفْسِهِ كُلُّ مُنْصِفٍ رَشِيدٍ]

باختصار مسألة واحدة ممكن أنا أكون على يقين منها وتصديق تام؛ إذ إن الشبهات لم تعتريها ولا فيها أي إشكال دخل عليها ما في عندي معها أي مشكلة، أما آخر فهو يؤمن بنفس المسألة لكن طرأ عليها من الشبهات ما طرأ، وطرأ عليها من الإشكالات ما طرأ، فهل تصديق هذا كتصديق هذا؟! لا يجتمعان.

قال: [وَلِهَذَا كَانَ الْمَشَايِخُ - أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ السَّالِكُونَ إلَى اللَّهِ أَقْصَدَ طَرِيقٍ - مُتَّفِقِينَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَهَذِهِ مَسَائِلُ كِبَارٌ لَا يُمْكِنُ فِيهَا إلَّا الْإِطْنَابُ بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ] انتهى كلامه رحمه الله.

قال" وَالْحُبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ مِنَ الْإِيمَانِ"

الكلام للبخاري رحمه الله.

هذا جاء فيه حديث عن النبي قال فيه: (أَوْثَقُ الْإِيمَانِ ‌الْحُبُّ ‌فِي ‌اللَّهِ ‌وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ) جاء بألفاظ أخرى.

وجاء أيضًا قول النبي (‌ثَلَاثٌ ‌مَنْ ‌كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ) وذكر منها (وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ).

وإذا حصل الحب في الله والبغض في الله زاد الإيمان بزيادة ذلك ونقص بنقصانه.

ما معنى الحب في الله؟ الحب لأجل الله، ولوجه الله، وكذا البغض في الله معناه: البغض لأجل الله، ولوجه الله؛ فتحب أهل الصلاح والتقوى وتبغض أهل الكفر والفسوق والفجور، هذا معنى الحب والبغض، لا تحبه لمصلحة شخصية، ولا تبغضه لأمر خاص؛ بل لمكانته عند الله، وصِلَته بالله سبحانه وتعالى فقط، هذا هو الضابط عندك، فكلما كان هذا الشخص أقرب إلى الله سبحانه وتعالى كان أحب إلى قلبك حتى وإن لم تنتفع منه بشيء، وكلما كان أبعد عن الله سبحانه وتعالى كان أبغض إلى قلبك حتى وإن كانت منافع الدنيا تصلك من طريقه، هذا هو الميزان، وهو ميزان يمتحن به العبد، معنى الحب والبغض في الله هو هذا.

قال أهل العلم: الحب في الله أن تحب من أجل الله جل وعلا؛ لأنك رأيته ذا تقوى وإيمان، فتحبه في الله وتبغضه في الله: لأنك رأيته كافرًا عاصيًا لله فتبغضه في الله أو عاصيًا، وإن كان مسلمًا فتبغضه بقدر ما عنده من المعاصي، هكذا المؤمن يتسع قلبه لهذا وهذا، يحب في الله أهل الإيمان والتقوى، ويبغض في الله أهل الكفر والشرور والمعاصي، ويكون قلبه متسعا لهذا وهذا وإذا كان الرجل فيه خير وشر كالمسلم العاصي أحبه من أجل إسلامه، وأبغضه من أجل ما عنده من المعاصي ويكون فيه الأمران، الشعبتان، شعبة الحب والبغض، فأهل الإيمان وأهل الاستقامة يحبهم حبًّا كاملًا وأهل الكفر يبغضهم بغضًا كاملًا وصاحب الشائبتين صاحب المعاصي يحبه على قدر ما عنده من الإيمان والإسلام، ويبغضه على قدر ما عنده من المعاصي والمخالفات. انتهى.

"وكتب عمر بن عبد العزيز" عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، أبو حفص المدني ثم الدمشقي، أمير المؤمنين الإمام العادل، أمُّه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي إمرة المدينة للوليد بن عبد الملك، يعني كان أميرا على المدينة في وقت خلافة الوليد بن عبد الملك، وكان مع سليمان بن عبد الملك بن مروان كالوزير، وولي الخلافة بعده، من أئمة التابعين، كان من أهل العلم وأئمة العدل وأهل الدين والفضل.

عدّه الإمام أحمد وغير واحد من أهل العلم مجدد الدين على رأس المئة الأولى، قال النبي (يبعث الله تبارك وتعالى على رأس كل مئة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها) فكان هذا هو أول مجدد.

قال البخاري: قال مالك وابن عيينة: عمر بن عبد العزيز إمام.

قال ابن حجر: ومناقبه وفضائله كثيرة جدا، مات في رجب سنة 101ه وله 40 سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف، روى له الجماعة

"كتب عمر بن عبد العزيز إلى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ" بن عَميرة بن فَروة بن زُرارة بن الأرقم بن النعمان الكِندي أبو فروة الجزري، وهو تابعي من أولاد الصحابة، كان عامِلَ عمر بن عبد العزيز على الجزيرة والموصل، يعني كان هو الأمير المسؤول عن الجزيرة والموصل في خلافة عمر بن عبد العزيز، ولهذا كتب إليه، وفي رواية في هذا الأثر أنه كتب إليه وهو أمير على أرمينيّة، وكان عابدًا، قال الإمام أحمد: لا يُسأل عن مثله، وقال البخاري: سيد أهل الجزيرة، المقصود بالجزيرة ما بين النهرين دجلة والفرات، ووثقه جمع من الحفاظ وهو ثقة فقيه، مات سنة120ه روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه

" إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ، وَشَرَائِعَ، وَحُدُودًا، وَسُنَنًا" لا شك أن المراد بهذه الأربعة كل ما شرعه الله من العقائد والأقوال والأعمال؛ ولكن العلماء اختلفوا في تفسيرها، وإن كان تفسيرهم في المجمل يؤدي إلى هذا المعنى.

فقال بعضهم: فرائض: أي أعمالًا مفروضة، وشرائع: أي عقائد دينية، وحدودًا: كحد الزنا وحد شرب الخمر وحد ما شرعه الله وحد ما نهى الله عنه، وسننًا: أي مندوبات.

المهم أنه جمع بعبارته هذه الاعتقاد والقول والعمل

قال: " فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا" أي هذه الفرائض والشرائع إلى آخره " اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ" لاحظتم الدليل أم لا هنا؟ الغرض من رواية هذا الأثر بيان أن عمر كان يقول بأن الإيمان قول وفعل، وأنه يزيد وينقص حيث قال: "استكملها" وقال: "لم يستكملها" فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان ومتى زادت زاد الإيمان كمالا

قال: " فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا" أي أبين تفاريعها لا أصولها؛ لأن أصولها كانت معلومة لهم؛ فالمعنى أنه سيبينها على سبيل التفصيل ليعملوا بها

" وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ" لأنه تعبَ منهم ولم يأتوا بما يريد؛ فقوله هذا يدل على تضجّره منهم.

ومعنى الحرص: شدة إرادة المطلوب.

أثر عمر بن عبد العزيز هذا علّقه الإمام البخاري رحمه الله تعليقًا، رواه موصولا أحمد في كتاب الإيمان؛ قاله ابن حجر. وابن أبي شيبة في المصنف وفي كتاب الإيمان له، والخلال في السنة وغيرهم، وهو صحيح

" وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}" فسّرها جمع من السلف ومنهم سعيد بن جبير: بالازدياد من الإيمان؛ فقال: ليزداد يقينًا، هذا كلام سعيد بن جبير، وفي لفظ: لأزداد إيمانًا مع إيماني,انتهى.

فإنه قال له {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} قالوا: فطلب أن ينتقل من درجة علم اليقين إلى درجة عين اليقين، وهي أعلى وأكمل

قال ابن القيم: لكن بين العيان والخبر رتبةً طلب إبراهيم زوالها بقوله: {ولكن ليطمئن قلبي}

" وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً»" هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن صحابي مشهور، كان عالما بالأحكام والقرآن، مات بالشام سنة 18ه روى له الجماعة " وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً»" يعني نذكر الله، وهذا جاء مفسرا في مصنف ابن أبي شيبة؛ فسمى ذكر الله إيمانًا.

- زيادة الإيمان بالذكر تكون من وجهين:

الأول: أنه يجدد من الإيمان والتصديق في القلب ما درس منه بالغفلة.

الثاني: أن الذكر نفسه من خصال الإيمان؛ فإذا ذكرت زادت خصلة الإيمان أو زاد الإيمان خصلة؛ فازداد الإيمان، فيزداد الإيمان بكثرة الذكر، والطاعات كلها من الإيمان فرضها ونفلها.

هذا الأثر عن معاذ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وفي الإيمان، وأبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان، والخلال وعبد الله بن أحمد في السنة، وغيرهم، وهو صحيح.

تلاحظون؟! استدلالات البخاري تجدونها أين؟ في كتب السنة عند السلف، استدلالاتهم واحدة، يأخذ بعضهم عن بعض كل شيء

" وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ»" ابن مسعود هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب أبو عبد الرحمن الهذلي حليف بني زهرة، من السابقين الأولين ومن كبار العلماء من الصحابة، جاء عن مسروق قال: ذكروا ابن مسعود عند عبد الله بن عمرو فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه بعدما سمعت من رسول الله يقول: (استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل) قال فيه عمر بن الخطاب: [كُنَيْف مُلئ علمًا] يعني وعاء ملئ علما، وأمّره عمر على الكوفة، ومناقبه كثيرة جمّة، مات رضي الله عنه في المدينة سنة 32 ه ودفن في البقيع وصلى عليه عثمان.

قال: "اليقين الإيمان كله"

قال أهل اللغة: اليقين: هو العلم وزوال الشك.

قال ابن رجب: [واليقين هو العلم الحاصل للقلب بعد النظر والاستدلال] يعني النظر في الأدلة وطلب الأدلة بعد ذلك يحصل عندك في القلب يقين [فيوجب قوة التصديق حتى ينفي الريب -ينفي الشك- ويوجب طمأنينة القلب بالإيمان وسكونه وارتياحه به، وقد جعله ابن مسعود الإيمانَ كله. وكذا قال الشعبي أيضا.]

لكن هذا وإن كان يدل على أن الإيمان لما قال " اليقين الإيمان كله" إذا كان في كله إذًا يوجد بعض له؛ فهو يتجزأ، كل وبعض فيزيد وينقص هنا الشاهد؛ لكن تعلق المرجئة بهذا

الكلام لابن رجب قال: [وهذا مما يتعلق به من يقول: إن الإيمان مجرد التصديق] وهم المرجئة، أين وجه الاستدلال عندهم [حيث جعل اليقين: الإيمان كله، فحصره في اليقين] واليقين أين؟ في القلب؛ إذًا أعمال الجوارح ليست من الإيمان، هكذا يستدلون. قال: [ولكن لم يرد ابن مسعود أن ينفي الأعمال من الإيمان، إنما مراده: أن اليقين هو أصل الإيمان كله، فإذا أيقن القلب بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر انبعثت الجوارح كلها للاستعداد للقاء الله تعالى بالأعمال الصالحة فنشأ ذلك كله عن اليقين]

رجعنا أين؟ للتلازم بين الظاهر والباطن؛ فلا يمكن أن يوجد يقين قلبي بدون الجوار.

وهنا مسألة: [أصل الإيمان كله] هكذا قال ابن رجب، بعض من يحاول التشويش في مسائل الإيمان، ويريد أن يثبت أن الإيمان يصح بدون أعمال الجوارح يستدل ببعض الألفاظ التي وردت عن بعض العلماء من أن الإيمان له أصل وفرع، وبما أن له أصل وفرع إذًا فيصح الإيمان بلا عمل، وهذه المصيبة حقيقة أتت من أين؟ أتت من أن القوم يقرؤون الكتب، ويأخذون العقيدة عن الكتب فقط من دون الرجوع إلى العلماء وفهم العلماء لهذا الكلام.

ليس مقصودهم من الأصل والفرع أن الأصل يوجد بدون الفرع أو الفرع يوجد بدون الأصل، ما قصدوا هذا ولا أرادوا هذا، إنما أرادوا أن يبينوا أن أعمال الجوارح تنشأ عن القلب، أو يلخص لك الموضوع ما قاله الحسن البصري، أيش قال؟ قال: [القلب ملك والأعضاء جنوده] فإذا أمر الملك أيش يحصل؟ يتحرك الأعضاء، هذا كل ما في الأمر.

لا شك أن ما في القلب هو أصل وأساس للإيمان؛ لكن هل يعني ذلك أن الظاهر ليس إيمانًا، أو أن هذا الظاهر وهذا الفرع يتخلف عن وجود الأصل؟ لا، ما في القلب إيمان، وما في الظاهر إيمان، لا يوجد ما في القلب دون أن يوجد ما في الظاهر، ولا يوجد ما في الظاهر دون أن يوجد ما في القلب، افهم هذه الحقيقة، حتى وإن قلنا أن له أصل وله فرع؛ فلا يعني ذلك أن الفرع إذا زال بقي الأصل، هذا أصل فاسد لا ينفع غير معتبر، بس سهلة.

[قال الحسن البصري: ما طُلِبَت الجنة إلا باليقين ولا هرب من النار إلا باليقين، ولا أُدِّيت الفرائض إلا باليقين، ولا صبر على الحق إلا باليقين.

وقال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطارت القلوب اشتياقا إلى الجنة وخوفا من النار.

ويُذكر عن لقمان قال: العمل لا يستطاع إلا باليقين] رأيت الآثار التي جاءك بها هذه كلها حتى تفهم هذه النقطة [ومن يضعف يقينه يضعف عمله. قال عبد الله بن عكيم: سمعت ابن مسعود يقول في دعائه: اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفهما] انتهى كلامه رحمه الله.

الشاهد قول ابن مسعود فيه دلالة على أن الإيمان يتبعض؛ فيقبل الزيادة والنقصان.

قال أهل العلم: لأن كلًّا وأجمع لا يؤكد بهما إلا ما يتبعض حِسًّا أو حُكمًا كما قاله أهل العربية، ليس من عندنا.

هذا الأثر عن ابن مسعود أخرجه وكيع في الزهد وعبد الله بن أحمد والخلال في السنة والحاكم في المستدرك وغيرهم، لفظ بعضهم: الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله. وهو صحيح ورُوي مرفوعا ولا يصح.

" وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَا يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ»"

ابن عمر هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وُلد بعد المبعث بيسير، أسلم مع أبيه وهو صغير ولم يبلغ الحلم، لم يشهد بدرا، واستُصغر يوم أحد فلم يشهدها، والصحيح أن أول مشاهده الخندق، وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة، وكان من علماء الصحابة ومن أكثر الناس اتباعًا للنبي ؛ لذلك كان الإمام مالك رحمه الله يأخذ عنه كثيرا ويتبعه كثيرا، قال فيه النبي (‌نِعْمَ ‌الرَّجُلُ ‌عَبْدُ ‌اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي باللَّيْلِ) قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا.

وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‌(إِنَّ ‌عَبْدَ ‌اللهِ ‌رَجُلٌ ‌صَالِحٌ.) تزكيات النبي لا نحتاج أن نأتي بأي شيء آخر، وإن كانت التزكية المجملة موجودة للصحابة رضي الله عنهم؛ لكن هذه تقوي لأنها خاصة.

مات عبد الله بن عمر بمكة سنة 73ه بعد قتل ابن الزبير، روى له الجماعة.

حقيقة التقوى، التقوى: هي اجتناب ما يؤدي إلى عذاب الله وغضبه، وذلك كيف يكون؟ بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، والمراد هنا كمال التقوى لا أصل التقوى، كما روي عن أبي الدرداء أنه قال: [تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حرامًا، يكون حجابًا بينه وبين الحرام........] الخبر.

"حتى يدع ما حاك" حاك: يعني تردد واضطرب في الصدر ولم ينشرح لها، وخاف الإثم فيه.

وروى مسلم عن النواس بن سمعان قَالَ: " الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نفسك، ‌وَكَرِهْتَ ‌أَنْ ‌يَطَّلِعَ ‌النَّاسُ عَلَيْهِ "

والمعنى لا يبلغ العبد كمال التقوى حتى يترك الشبهات التي تضطرب لها نفس المؤمن؛ فيخشى أن تكون محرمة أو توقعه في الإثم.

قال ابن رجب: [وإنما ذكر البخاري هذا الأثر في الباب، لأن خصال التقوى هي خصال الإيمان] انتهى.

ففي أثر ابن عمر هذا إشارة إلى أن بعض المؤمنين بلغ كمال الإيمان وبعضهم لم يبلغه، فتجوز الزيادة والنقصان.

قال ابن رجب: [هذا الأثر لم أقف عليه إلى الآن في غير كتاب البخاري] هذا الأثر معلق نريده موصولا ما في له طريق [وقد روي معناه مرفوعا، وموقوفا على أبي الدرداء. فخرج الترمذي، وابن ماجه من حديث عطية السعدي، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس " وفي إسناده بعض مقال] الكلام لابن رجب [وروى ابن أبي الدنيا بإسناد منقطع، عن أبي الدرداء قال: تمام التقوى: أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك ما يُرى أنه حلال خشية أن يكون حراما، حجابا بينه وبين الحرام] انتهى.

قال ابن حجر في أثر ابن عمر هذا في كتابه تغليق التعليق: لم أقف عليه. وقال في الفتح: ولم أره موصولًا إلى الآن.

على كل هو للاستئناس، والاستدلال بما ذكر سابقا.

" وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا»"

مُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ المكِّيُّ أَبُو الحَجَّاجِ المخزومي مَوْلَى السَّائِبِ بنِ أَبِي السَّائِبِ المَخْزُوْمِيِّ من أئمة التابعين، روى عن العبادلة الأربعة وغيرهم من الصحابة، ثقة فقيه ورع كثير الحديث إمام في التفسير والعلم

قال الذهبي: أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به، ولد في خلافة عمر، مات سنة 101ه وقالوا غير ذلك، وله ثلاث وثمانون سنة، روى له الجماعة

{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا} أوصيناك يا محمد وإياه، من وإياه؟ يعني نوحًا، دينا واحدا، معنى ذلك أن دين الأنبياء كلهم دين واحد، وهو الإسلام العام المشتمل على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وعلى توحيد الله وإخلاص الدين له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما قال تعالى ﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 4-5] والدين: هو الإسلام، وإذا أُطلق الإسلام دخل فيه الإيمان وبالعكس، وقد استدل على أن الأعمال تدخل في الإيمان بهذه الآية كثير من أئمة السلف، وهي قوله {وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} عدَّ أيش؟ عدَّ منها الأعمال، الصلاة والزكاة، استدل بذلك طوائف من الأئمة، منهم الشافعي وأحمد والحميدي، وقال الشافعي: ليس عليهم أحجُّ من هذه الآية. استدل الأوزاعي بقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إلى قوله ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13]، وقال: الدين الإيمان والعمل، واستدل بقوله تعالى: ﴿ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11] وقد ذكر الخلال في كتاب السنة أقوال هؤلاء الأئمة بألفاظهم بالأسانيد إليهم. انتهى من فتح الباري لابن رجب.

أثر مجاهد أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم في التفسير، وهو صحيح عنه، وهو عند الطبري بلفظ: ما أوصاك به وأنبياءه كلهم دين واحد.

" وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} سَبِيلًا وَسُنَّةً" ابن عباس صاحب رسول الله وابن عمه تقدمت ترجمته.

قال في تفسير قوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48] شرعة ومنهاجا: سبيلا وسنة.

أي الشرعة: السنة، وهي بمعنى الشريعة، والشريعة ما شرعه الله لعباده من الدين.

والمنهاج: السبيل، أي: الطريق الواضح.

ولكن ابن عباس قدم وأخر، يعني عكس في التفسير؛ فقال شرعة: سبيلا، المفروض تأتي هكذا، شرعة: سبيلا، يعني سبيلا تفسيرا من الشرعة، وسنة تفسيرا لمنهاجا؛ لكن لا هي بالعكس، شرعة: تفسيرها سنة، منهاجا: تفسيرها سبيلا، وهذه الطريقة في العكس يسميها علماء اللغة: لف ونشر غير مرتب، وجاء تفسيرها مرتبة عن ابن عباس في بعض الطرق، هكذا فسرها مجاهد وغير واحد من السلف بهذا التفسير الذي جاء عن ابن عباس رضي الله عنهم جميعا.

وقال قتادة: يقول: سبيلا وسُنّة. والسنن مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يحلُّ الله فيها ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء بلاءً، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره: التوحيدُ والإخلاصُ لله، الذي جاءت به الرسل. انتهى.

التفريق بين ما اجتمعت عليه الأنبياء وما اختلفت فيه الأنبياء، اجتمع الأنبياء على أصول الدين، واختلفوا في التشريع، في الأحكام؛ فالأحكام التي جاؤوا بها مختلفة بناء على ما يناسب كل أمة، أما التوحيد الإخلاص هذا كله متفقون عليه، وهو معنى الإسلام العام.

الأثر أخرجه عبد الرزاق والطبري وغيرهما في التفسير وهو صحيح عنه.

التتمة هذه تابعة:

قال المؤلف "‌‌ باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ"

باب دعاؤكم إيمانكم" هكذا جاءت "باب" هكذا في بعض الروايات بإثبات باب هنا، وفي بعضها ليس فيه باب، وحذف الباب هو الصواب، فالحديث الذي ذكره هو متعلق بالباب الذي سبق أصلا؛ فهذا الحديث هو الشاهد للباب.

وقوله "دعاؤكم إيمانكم" هذا الكلام لابن عباس معطوف على كلامه الأول مع حذف حرف العطف،

قال القسطلاني: وقد وقع هنا في رواية أبي ذر وغيره بابٌ بالتنوين، وهو ثابتٌ في أصل عليه خط الحافظ قطب الدين الحلبي كما قال العيني إنه رآه ورأيته أنا كذلك في فرع اليونينية كهي.

تقدم معنا القسطلاني أول ما قابل الكتاب عنده فرع اليونينية للغُزُوني، ثم بعد ذلك وقف على اليونينية وقابل عليها؛ لذلك ألحق كلمة "كهي" ما وجده متوافق مع الفرع قال: "كهي" يعني كالأصل التي هي اليونينة، يعني إثبات الباب موجود في بعض النسخ المعتبرة.

لكنه فيها ساقط في رواية الأصيلي وابن عساكر، وأيّده قول الكِرماني أنه وقف على أصل مسموع على الفَرَبْري بحذفه، بل قال النووي: [ويقع في كثير من النسخ هنا باب وهو غلط فاحش وصوابه بحذفه] ننقل عن النووي ما عندنا مشكلة كما تقدم التفصيل في الموضوع، بل قال النووي: [ويقع في كثير من النسخ هنا باب وهو غلط فاحش وصوابه بحذفه، ولا يصح إدخاله هنا لأنه لا تعلق له بما نحن فيه، ولأنه ترجم لقوله عليه الصلاة والسلام: بُنِيَ الإسلام ولم يذكره قبل هذا، وإنما ذكره بعده وليس مطابقًا للترجمة] انتهى.

عندما تأتي تقول: باب دعاؤكم إيمانكم، والحديث أيش فيه؟ بني الإسلام على خمس، أيش علاقة بني الإسلام على خمس بـ "دعاؤكم إيمانكم"؟! هذا المقصود، إذًا الصواب هو حذف كلمة "باب" حتى وإن كانت ثابتة في بعض النسخ.

قال ابن حجر: [فيكون هذا من كلام ابن عَبَّاسٍ] يعني دعاؤكم إيمانكم ليس باب مستقل، هو تابع لكلام ابن عباس [وَعَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلِهِ كَعَادَتِهِ فِي حَذْفِ أَدَاةِ الْعَطْفِ] ما أتى بـــ "و" [حَيْثُ يُنْقَلُ التَّفْسِيرُ وَقَدْ وَصله بن جرير من قَول بن عَبَّاسٍ] انتهى المراد.

والأثر عند ابن جرير وابن أبي حاتم في التفسير واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، قال: حدثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: [قوله: {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ } يقول: لولا إيمانكم, وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين, ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حبَّبه إلى المؤمنين] انتهى وسنده ضعيف، عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث: ضعيف، بعض أهل العلم يقوي حديثه؛ لكن الراجح أنه لا يحتج به، حاله أولًا كان أحسن، ولعل هذا من أسباب الاختلاف فيه، والشاهد منه أن ابن عباس فسر الدعاء بالإيمان، والدعاء عمل؛ فالأعمال من الإيمان، والله أعلم.

قال ابن رجب: [أصل الدعاء في اللغة: الطلب، فهو استدعاء لما يطلبه الداعي ويؤثر حصوله، فتارة يكون الدعاء بالسؤال من الله عز وجل والابتهال إليه كقول الداعي: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني] يشير إلى دعاء المسألة [وتارة يكون بالإتيان بالأسباب التي تقتضي حصول المطالب] يشير إلى دعاء العبادة [وهو الاشتغال بطاعة الله وذكره وما يجب من عبده أن يفعله وهذا هو حقيقة الإيمان، وفي " السنن الأربعة" عن النعمان بن بشير، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن الدعاء هو العبادة " ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] .

فما استجلب العبد من الله ما يحب واستدفع منه ما يكره بأعظم من اشتغاله بطاعة الله وعبادته وذكره وهو حقيقة الإيمان، فإن الله يدفع عن الذين آمنوا] انتهى المراد.

يعني دعاء مسألة ودعاء عبادة، وكل هذا إيمان؛ فالعمل من الإيمان، هذا الشاهد.

"حدثنا ‌عبيد الله بن موسى" ‌بن ‌أبي ‌المختار وأبو المختار هو باذام العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي، كان شيعيا إلا أنه لم يكن من الدعاة، قال أبو داود السجستاني صاحب السنن: كان شيعيا محترقا جاز حديثه، وقال يعقوب بن سفيان: شيعي، وإن قال قائل رافضي لم أنكر عليه وهو منكر الحديث، وقال ابن سعد: وكان يتشيع ويروي أحاديث في التشيع منكرة؛ فضُعِّف بذلك عند كثير من الناس. انتهى

ووثقه جمع من الأئمة، خلاصة القول في حاله: أنه كان من أروى أهل زمانه عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة إلا إذا روى ما يشد بدعته، وهذا شرط معتبر في كل من وُصف ببدعة، وهذا خاصة نصوا على أنه روى مناكير من هذا النوع بالذات، بالتشيع، نحن عندنا قاعدة أصلية، أن المبتدع يؤخذ عنه إذا كان ثقة بشرط أن لا يروي ما يشد بدعته، فهذا قد روى بعض الأحاديث التي تشد بدعته، نصوا عليها أيضا، وهذا تنصيص خاص؛ فهذا لا يقبل مما رواه مما فيه نصر للتشيع، وكذلك لا يقبل حديثه عن سفيان الثوري؛ لأنه اضطرب فيه اضطرابا قبيحا.

قال عثمان بن أبي شيبة: صدوق ثقة، وكان يضطرب في حديث سفيان اضطرابا قبيحا.

وقال أبو أحمد بن عدي في كتابه " رجال البخاري ": عنده جامع سفيان الثوري، ويستصغر فيه.

من أتباع التابعين مات سنة 213ه، روى له الجماعة.

هذا أول واحد من أتباع التابعين يروي عنه البخاري مباشرة، أول واحد يمر معنا، البخاري يروي عن أتباع التابعين ويروي عمن دونهم، وروايته عمن دونهم أكثر، يروي أحيانا عن أتباع التابعين، وله ثلاثيات ستأتي إن شاء الله، وهذا أعلى ما وجد للبخاري من أحاديث ثلاثيات، تابع تابعي، وتابعي، وصحابي بس، ستأتي إن شاء الله، هذا أول شيخ يمر علينا من أتباع التابعين يروي عنه البخاري رحمه الله.

" قال: أخبرنا ‌حنظلة بن أبي سفيان" بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية، القرشي، الجمحي، المكي. من أتباع التابعين، ثقة حجة، مات سنة151ه روى له الجماعة.

"عن ‌عكرمة بن خالد" عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشي، المخزومي، المكي. مات بعد عطاء بن أبي رباح، تابعي ثقة، روى له الجماعة سوى ابن ماجه.

"عن ‌ابن عمر" أي عبد الله بن عمر بن الخطاب، صاحب رسول الله من صغار الصحابة ومن العبادلة ومن المكثرين، تقدم، قال أحمدُ بن حنبل: ستةٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثَروا الرواية عنه صلى الله عليه وسلم، وعُمِّروا: أبو هريرة، وابن عمر، وعائشة، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس رضوان الله عليهم، وأبو هريرة أكثرهم حديثًا، وحَمَلَ عنه الثقات. انتهى كلام الإمام أحمد رحمه الله.

عند العلماء من روى أكثر من ألف حديث من الصحابة فهو من المكثرين، واعتمدوا في عد أحاديث كل صحابي على ما وقع لكل صحابي في مسند بقي بن مخلد؛ لأنه أجمع الكتب لكنه ما وصلنا، وهم سبعة.

قال العراقي: [والذي يدلُّ عليهِ ‌كلامُ ‌بَقِيِّ ‌بنِ ‌مَخْلَدٍ: أنَّ أكثرهم أبو هريرةَ، روى خمسةَ آلافِ حديثٍ وثلاثمائةٍ وأربعةً وسبعينَ حديثاً، ثمَّ ابنُ عمرَ، روى ألفي حديثٍ وستمائةٍ وثلاثينَ، ثمَّ أنسٌ، روى ألفينِ ومائتينِ وستةً وثمانينَ، ثمَّ عائشةُ روتْ أَلْفَيْنِ ومائتينِ وعشرةَ، ثمَّ ابنُ عباسٍ، روى ألفاً وستمائةٍ وستينَ حديثاً، ثمَّ جابرٌ، روى ألفاً وخمسمائةٍ وأربعينَ حديثاً. وليسَ في الصحابةِ مَنْ يزيدُ حديثهُ على ألفٍ إلَاّ هؤلاءِ، وأبو سعيدٍ الخدريُّ، فإنَّهُ روى ألفاً ومائةً وسبعينَ حديثاً] انتهى.

هذا العدد يشمل الأحاديث المكررة، راجعوا كتاب ابن الجوزي "تلقيح فهوم أهل الأثر".

"رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا" في بعض المخطوطات مثبتة في المتن كلمة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وفي بعضها محذوفة، وفي بعضها وضعت في الحاشية وعليه رمز رواية أبي ذر، على كل يعني رضي الله عن عبد الله وعن أبيه عمر بن الخطاب، غالبا أو كثيرًا ما يذكر المحدثون هذا، إذا كان الراوي صحابيا وأبوه صحابيا يقولون رضي الله عنهما.

"(بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ)" المراد بهذا تشبيه الإسلام ببنيان بني على خمسة أركان، وهي الخمس التي ذكرها في الحديث؛ فهي كالأركان والدعائم للبنيان، ولا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام تتمة له.

"(شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)" يعني أن تشهد معترفا بلسانك مؤمنا بقلبك أنه لا معبود بحق إلا الله، وأن كل ما عبد من دون الله فهو باطل، وتتضمن شهادة أن لا إله إلا الله: الإخلاص الذي لا تصح العبادة إلا به، والمتابعة تتضمنها شهادة أن محمدا رسول الله.

"(وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)"

قال ابن رجب: [وإذا كانت هذه دعائم البنيان وأركانه، فبقية خصال الإسلام كبقية البنيان، فإذا فقد شيء من بقية الخصال الداخلة في مسمى الإسلام الواجب نقص البنيان ولم يسقط بفقده] يعني إذا فُقد الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلم يعمل به العبد، هل يخرجه ذلك عن الإسلام؟ لا، ولكن ينقص إيمانه [وأما هذه الخمس، فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها وكذلك إن زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان]

باختصار، الإسلام مبني على خمس أركان، هذه الأركان التي هي الفرائض والعبادات، مبني عليها الإسلام، الإسلام كله، هذه الأركان الخمسة هي الأساس، إذا فقدت كلها كان الشخص كافرا ليس بمسلم، إذا فقدت الشهادتان أيضا كان كافرا فهذا هو الركن الأعظم

[وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما]

يعني كيف تزول الشهادتان؟ يذهب العبد يعبد قبرا، يصلي إلى وثن، هذا قد أتى بما يضاد معنى الشهادتين؛ فلا يجتمع هذا مع كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فيكون قد نقض هذه الشهادة، بهذا تزول الشهادتان حتى وإن نطق بها لكنه قد نقضها بفعله أو قوله أو باعتقاده.

الكلام لابن رجب: [وأما زوال الأربع البواقي: فاختلف العلماء هل يزول الاسم بزوالها أو بزوال واحد منها؟ أم لا يزول بذلك؟ أم يفرق بين الصلاة وغيرها فيزول بترك الصلاة دون غيرها؟ أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصة وفي ذلك اختلاف مشهور، وهذه الأقوال كلها محكية عن الإمام أحمد وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة] انتهى. أكثر السلف على هذا.

هذا الحديث يدل على أن كل ما ذكر فيه من الإيمان على قول من لا يفرق بين الإيمان أو الإسلام، إما مطلقا أو عند الإفراد.

ما معنى كلام ابن رجب رحمه الله: ابن رجب خلاصة كلامه يقول لك أن النبي شبه الإسلام بالبنيان، فالدين كله هذا البنيان، له أساس. هذا الأساس هي هذه الخمس التي ذُكرت، فهي قواعد وأساس للبنيان، أساس البنيان قواعده إذا هدمت كلها هل يبقى واقفا؟ يهدم؛ إذًا هذه الخمسة أساس، إذا هدمت كلها يهدم البنيان، إذا هدم منها فقط الشهادتان وبقي الباقي يهدم البنيان أم لا يهدم؟ يهدم؛ لأن هذا الركن الأعظم، الأساس، أقرب ما يكون نشبه لكم الأمر بخيمة مبنية، الذي رأى منكم الخيمة كيف تبنى، لها عمود أساس في الوسط طويل، ولها أوتاد حولها تمسكها، الخيمة تقوم على هذا، إذا أزلت الوتد الذي في الوسط هُدمت الخيمة، وإذا هدمت الوتد مع البقية هُدمت الخيمة، طيب موضوعنا الآن، انتهينا من الشهادتين هذا أمر متفق عليه لا إشكال فيه.

طيب شخص أتى بالشهادتين وترك الصلاة فقط، هل يبقى معه إسلام؟ هذه المسألة اُختلف فيها، فأهل السنة قد اختلفوا في تارك الصلاة هل يكفر أم لا يكفر إذا ترك الصلاة تكاسلا، جحودا منتهي الموضوع ليس موضوعنا ليس كلامنا في مسألة الجحود؛ لأن الجحود إذا جحد حتى لو صلى فهو كافر بما أنه جاحد انتهى الموضوع، الموضوع في المتكاسل إذا ترك الصلاة أيكفر أم لا يكفر، في هذه المسألة خلاف بين أهل السنة والجماعة، فبعضهم قال يكفر، وبعضهم قال لا يكفر، البعض الآن من الخوارج رمى أهل السنة الذين لا يكفرون تارك الصلاة بالإرجاء، بعض المرجئة رموا أهل السنة الذين يكفرون تارك الصلاة بالخوارج، هل هذا الكلام صحيح؟ له وجه من الصحة، من أين؟ الأصل الذي بنيت عليه قولك في كفر تارك الصلاة أو عدم كفره ما هو؟ إن بنيت قولك على كفر تارك الصلاة أو عدم كفره على الدليل فقط، فتقول الدليل دل على أنه كافر؛ لقول النبي (الْعَهْدُ ‌الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) فأنا أخذت بهذا الدليل ومشيت، هل هذا من الخوارج؟ لا، إذا كانت أصوله أصول أهل السنة والجماعة، وإذا قال الآخر أيضا أنا بنيت على الأدلة الشرعية، ثبتت عندي الأدلة الشرعية أن هذا المقصود من هذا الحديث كفر دون كفر وليس الكفر الأكبر؛ لأنه قد عارضه عندي غيره من الأدلة فقدمته عليه، وأصوله أصول أهل السنة، هل هذا من المرجئة؟ لا؛ لأنه ما بنى قوله على أصول المرجئة، لكن لو جاء وقال لك: أنا أقول بأن تارك الصلاة ليس كافرا، انظر التعليل؛ لأن الصلاة عمل، والعمل ليس من الإيمان، هذا مرجئ، أو قال لك بأن تارك الصلاة كافر؛ لأن ترك الصلاة كبيرة، والصلاة من الإيمان، وارتكاب الكبائر مخرج من الإيمان، هذا من الخوارج، بنى كلامه على أصل الخوارج، إذًا ممكن السني والخارجي يقولان نفس القول، والسني والمرجئ يقولان نفس القول؛ لكن هذا تعليله شيء وهذا تعليله شيء؛ فيختلف الأمر، إذًا لا بد من الرجوع إلى الأصل الذي بنى عليه قوله، تكفيرا أو عدم تكفير، هذا هو التفصيل في مسألة تارك الصلاة؛ لأنه قد ثبت الخلاف عن السلف فيها، وثبت عن أئمة بأنهم قالوا تارك الصلاة ليس بكافر، وثبت عن أئمة القول بأنه كافر، حتى نقل بعضهم إجماع السلف على هذا على أنه كافر خارج من ملة الإسلام؛ لكن الصحيح أنه قول أكثر السلف وليس إجماعا على كفر تارك الصلاة، الصحابة لا ينقل عن أحد من الصحابة القول بعدم كفره، كل من نقل عنهم القول نقل عنهم القول بالكفر، أما التابعون ففيهم من قال بعدم كفره، موجود، وأتباع التابعين فيهم أيضا هذا.

الزكاة: إذا ترك الزكاة أيضا هذه المسألة فيها خلاف بين أهل السنة هل يكفر أم لا يكفر، الصيام والحج كذلك، حصل خلاف، وإن كان الخلاف حقيقة ضعيفا جدا، لكن موجود، الخلاف القوي والموجود في الصلاة، وأكثر السلف على أنه كافر، والمنقول عن الصحابة جميعا أنه كافر، لم ينقل عنهم خلاف هذا، لا نقول إجماع، لكن هذا المنقول يكفينا هذا؛ لكن هنا أمر وهو أمر مهم جدا، هل هذه المسألة متعلقة بترك أعمال الجوارح في الإيمان، وأن السلف الذين قالوا بأن تارك أعمال الجوارح بالكلية كافر، كانوا يذهبون أن تارك البنيان كافر؟ لا، هذا الخلط حصل عند المتأخرين فقط، أما السلف ما كان هذا مأخذهم أبدا، ارجعوا إلى كلامهم في كتب الاعتقاد وانظروا، لا يبنون المسألة على هذا، ولولا أن الوقت تأخر وأدركنا لنقلنا ما قاله سفيان بن عيينة في وصفه للمرجئة أنهم يقولون بأنه من ترك الصلاة والصيام والزكاة والحج -قال- والفرائض، ما قصر على المباني الخمس، قال والفرائض، وترك الفرائض قال: يقولون بأنه مؤمن، هذا هو الإرجاء، هذا كلام سفيان، فمن الخلط والتلبيس الذي يحصل أن تقول: أن هذا الخلاف حاصل بين أهل السنة بسبب خلافهم في البنيان هل يكفر بها أم لا يكفر، لا المسألة لا علاقة لها بهذا الموضوع، ولا علاقة لها بالصلاة هل يكفر أو لا يكفر بترك الصلاة، لا ما هي من هذا القبيل؛ بل المسألة عندهم مبنية على تعريف الإيمان، وماذا تقول في الإيمان، إن قلت الإيمان اعتقاد وقول وعمل إذًا تقول بأنه من ترك أعمال الجوارح بالكلية فهو كافر، وهذا أمر متفق عليه بينهم، قال: لا يجزئ أحدها عن الآخر؛ بل لما قال وكيع، عرف المرجئة، فقالوا له من المرجئة؟ قال: من يقول الإقرار يجزئ عن العمل، تريد أكثر من هذا، واضح وصريح، عندهم إذا قلت بأن الإيمان يصح بالاعتقاد والقول دون العمل فهذا قول المرجئ، هكذا هم يقررون، وهذا كلامهم، وهو موجود ومسطر بكثرة.

المسألة هذه خطيرة، وأنا أركز عليها؛ لأنها فتحت علينا أبواب شر كبيرة، صار الشباب يتدرجون في هذه المسألة حتى وصل ببعضهم التصريح بأن الأعمال ليست من الإيمان، هذه بداية البدعة تكون هكذا، الإرجاء أول ما بدأ إرجاء الفقهاء، اختلف العلماء من الذي بدأ به، هل هو ذر الهمداني أم هو سالم الأفطس أم حماد بن أبي سليمان أم قيس، أقوال للعلماء.

هؤلاء بعضهم من الفقهاء المشهورين، كانوا يقولون اعتقاد وقول الإيمان، وقد شنع عليهم السلف أشد التشنيع؛ بل ابن تيمية رحمه الله نفسه ينقل عن السلف تبديعهم والإنكار عليهم أشد الإنكار، لماذا؟ لأنه شر عظيم سيجر إلى ما بعده، وهذا الذي حصل، جاءت بعد ذلك أقوال المرجئة الأعظم من هذا؛ فالأمر خطير.

خلاصة قول المرجئة: إخراج العمل عن مسمى الإيمان.

يستدلون باللغة، يقولون الإيمان في اللغة : هو التصديق؛ إذًا الأعمال ليست منه، ورد عليهم العلماء بأن التصديق حتى عمل الجوارح في اللغة يسمى تصديقًا، كما قال النبي (‌والفَرْجُ ‌يُصدِّقُ ذلك أو يُكذِّبُه) فهذا تصديق أيضًا، استدلوا بعطف الأعمال على الإيمان، الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قالوا والعطف يقتضي المغايرة؛ إذًا هما مختلفان؛ فقال أهل العلم: يمكن عطف الخاص على العام، كما قال الله تبارك وتعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ} الصلاة الوسطى من الصلاة أم ليست من الصلاة؟ هذه كهذه انتهى الأمر، فهم يتعلقون بالمتشابهات، قال رسول الله (مَنْ قَالَ: ‌لَا ‌إِلَهَ ‌إِلَّا ‌اللهُ ‌دَخَلَ ‌الْجَنَّةَ) خلاص انتهى الأمر

قال السلف: هذه قبل أن تفرض الفرائض، قبل أن تنزل الأحكام كان الأمر هكذا ثم بعد ذلك نزلت الأحكام، هذه شبهات المرجئة وهذا قولهم، ولا يقول المرجئة لا بزيادة الإيمان ونقصانه إلا ما ذكرنا استثناء، ولا يستثنون في الإيمان

وبعضهم يقول: الخلاف مع مرجئة الفقهاء خلاف لفظي! باطل والله، أين السلف من هذا الكلام؟! لماذا بدعوهم وضللوهم وشنعوا عليهم وأنكروا عليهم أشد الإنكار

ماذا حصل من الأحناف الذين عرفوا بأنهم هم الذين مشوا على طريقة شيخهم في إرجاء الفقهاء هذا؟! ماذا حصل منهم مع الشافعية؟ كفروهم لأنهم يستثنون في الإيمان، ونزلوا نساءهم منزلة أهل الكتاب، وأجازوا الزواج من نساء الشافعيات من باب تنزيلهن منزلة أهل الكتاب فقط، وحصل بينهم وبين الشافعية اقتتال عظيم، حتى يقول بعض العلماء: مررت بقرية فوجدتها عامرة، ثم مررت بها ثانية فوجدتها خرابا، قال ما الذي حصل؟ قالوا: اقتتال بين الأحناف والشافعية، كان يكفر الأحناف الشافعية؛ لأنهم لا يستثنون في الإيمان، ثم يقول لك خلاف لفظي! خلاف لفظي أين؟! قد بنيت عليه بلاوي ومصايب، صاروا ينكرون ويبدعون ويضللون من خالفهم أيضُا، أمر خطير

حتى تعرفوا خطورة البدع، يأتيك شخص يقول لك لا تحذر من أهل البدع لا تتكلم في أهل البدع إخواننا ومنا وفينا وأصحابنا وأحبابنا حتى يطعنوك في ظهرك، وقد طعنوك في دينك قبل ذلك، انظروا إلى أهل البدع وما الذي يفعلونه فيكم، ثم بعد ذلك افهم، البدع شرها عظيم على الإسلام وعلى المسلمين، فإذا لم تكن حذرا ضعت معهم، فلا بد من الحذر والانتباه.

اختلف أصحاب حنظلة في رواية هذا الحديث عنه، وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ ‌سَالِمٍ، ‌عَنْ ‌أَبِيهِ ‌قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: ‌(بُني ‌الإسلام على خمس ) الحديث.

الحديث عندنا من طريق من؟ من طريق عكرمة بن خالد عن ابن عمر، وليس من طريق سالم، هذا الحديث جاء من طريق سالم، وسألوا الدارقطني عنه فقال: يرويه حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عن حنظلة، عن سالم، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.

لا بد أن تكتب عندك هذا وتشجّر حتى تفهم المسألة جيدا، هذا من غير كتابة وتشجي ومتابعة لا تستطيع أن تفهم العلل، الآن من المخرج؟ حنظلة، رواه عنبسة عن حنظلة عن سالم عن أبيه عن النبي ، عندنا من الذي يروي عن حنظلة؟ عبيد الله بن موسى _قد عرفتم حاله_

قال: فَرَوَاهُ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عن حنظلة، عن سالم، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.

أيش الفرق بين رواية عنبسة عن حنظلة ورواية عبيد الله عن حنظلة؟ عنبسة يرويه عن حنظلة عن سالم، عبيد الله يرويه عن حنظلة عن عكرمة وليس عن سالم.

وخالفه وكيع، وإسحاق بن سليمان الرازي، وقاسم بن مالك المزني، وعبيد الله بن موسى، ورووه عن حنظلة، عن عكرمة بن خالد، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

من المتابع؟ عبيد الله أم عنبسة؟ عبيد الله، تابعه جمع ومنهم حفاظ على روايته عن حنظلة عن عكرمة عن ابن عمر، وعنبسة روى جادة سالم عن ابن عمر، قرينتان قويتان في تقديم رواية الجماعة.

قال: إلا أن في حديث قاسم بن مالك: عكرمة بن خالد، عن طاووس، عن ابن عمر.

هذه مخالفة ثانية من قاسم، قاسم يوافقهم في روايته عن عكرمة ويخالفهم في زيادة رجل.

قال: والصواب ما قاله عبيد الله بن موسى، فإنه ضبط إسناده.

عن من أخرجه البخاري؟ عن عبيد الله بن موسى، انظر إمامة البخاري، هذا هو البخاري

ثم ذكر الحديث بإسناده من طريق عبيد الله وقال: أخرجه البخاري عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ حَنْظَلَةَ، وأخرجه مسلم، عن ابن نمير، عن أبيه.

وقيل: سماع عكرمة بن خالد، من ابن عمر؟

يعني يسألونه، سماع عكرمة بن خالد عن ابن عمر كيف هو؟ هل سمع منه؟ لماذا السؤال عن هذه الطبقة بالذات؟ هذه الطبقة أكثر ما يقع الانقطاع فيها، التابعي عن الصحابي، وهذه يجب أن تركز عليه جيدا في كل حديث تبحثه؛ لأن أكثر الانقطاعات في هذه الطبقة

قال: سماع عكرمة بن خالد، من ابن عمر؟ قال: صحيح.

إذًا سمع منه، طبعا نحن بالنسبة للبخاري ريّحنا كثيرا، لما نجد الإسناد في صحيح البخاري نقول قد سمع خلاص؛ بل هذه إحدى الطرق التي نثبت بها السماع، لماذا؟ لأن البخاري شديد في هذا الموضوع لا يتساهل، فإذا وضعه خلاص انتهى الأمر.

ثم ذكر طريقا أخرى لرواية سالم عن أبيه. انتهى المراد. لكن كله الصحيح ما ذكر في البداية.

كل الذين ذكرهم الدارقطني يحتج بهم، بعضهم أقوى من بعض، الدارقطني رجح رواية الجماعة؛ لقرينتين: الجماعة، والقرينة الثانية: الجادة.

وقول الدارقطني: والصواب ما قاله عبيد الله بن موسى، فإنه ضبط إسناده.

قوله: ضبط إسناده يبين لك أنهم قد علموا من عبيد الله حفظ هذا الحديث وإتقانه، فهذا يبين لك قوة علم الإمام البخاري وقوته في العلل، سعة حفظه في طرق الحديث ومقارنته بينها وترجيح الراجح منها، وجودة انتقائه للروايات.

الحديث متفق عليه لا غبار على صحته، رواه عن ابن عمر جمع، أخرجه البخاري ومسلم من طريق عكرمة، وأخرجه البخاري من طريق نافع عن ابن عمر موقوفًا، وأخرجه مسلم من طريق سعد بن عبيدة، ومن طريق محمد بن زيد بن عبد الله ابن عمر عن ابن عمر.

من لطائف إسناد هذا الحديث: جمعه للتحديث والإخبار والعنعنة _حدثنا وأخبرنا وعن كلها موجودة_ وكل رجاله مكيّون إلا عبيد الله فإنه كوفي، وهو من رباعيات البخاري وأخرج متنه المؤلف أيضًا في التفسير ومسلم في الإيمان خماسي الإسناد. فهو هنا عال.

والله أعلم، والحمد لله، نكتفي بهذا القدر، نسأل الله يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاثنين 16 ذو الحجة 1444
عدد المشاهدات 422
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق