الاثنين 1 رجب 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-81 كتاب الصلاة، الحديث 359و360و361و362و363و364   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (25-35)   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (17-24)   تفسير القرآن: تفسير سورة هود 9-16   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (1-8)   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13      

تفريغ شرح صحيح البخاري-7، كتاب الإيمان، الحديث 12,13,14,15

الدرس السابع: بتاريخ: 13/12/1444ه – 01/07/2023

الحمد لله رب العالمين، أما بعد:

فمعنا اليوم مجلس جديد من مجالس شرح صحيح البخاري، وما زلنا في شرح كتاب الإيمان.

وصلنا عند الحديث الثاني عشر.

وقبل ذلك أنبه على ترجمة مرت بنا سابقًا، وهي ترجمة سليمان بن بلال، قلنا في كنيته أبو محمد وأبو أيوب، هكذا في التقريب للحافظ ابن حجر، ولكن في التهذيب وغيره قالوا: أبو محمد أو يقال: أبو أيوب، ما ذكره في التقريب إن لم يكن فيه تصحيفًا فهو كلام يحتمل، فيظن القارئ أن المترجَم له له كنيتان، وهذا موجود في بعض التراجم، لكن هذا ليس من هذا النوع، وإنما اختلفوا في كنيته، أهو أبو محمد أم أبو أيوب.

هذا ما أردنا التنبيه عليه قبل أن نبدأ بدرسنا اليوم.

قال الإمام البخاري رحمه الله: "بابٌ: إطعام الطعام من الإسلام.

حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا الليث، عن يزيد عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رجلًا سأل النبي : أي الإسلام خير؟ فقال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"

المثبت في متن اليونينية: "قال، فقال" هذه موجودة في نسخ، كما في الحاشية.

"باب إطعام الطعام من الإسلام" وفي نسخة: "من الإيمان".

وكما ذكرنا سابقًا لا فرق عند البخاري بين الإسلام والإيمان.

على كلٍ إطعام الطعام خصلة من خصال الإيمان.

الإمام البخاري رحمه الله قد قدّم أن الإيمان شعب وخصال، ثم أخذ في بيان هذه الخصال، أو بعض هذه الخصال في أبواب، هذا أحد هذه الأبواب، فبوّب على خصلة من خصال الإيمان.

إذًا يبين بهذا أن الإيمان خصال وشعب، ويتفاضل أهله فيه، فيزيد وينقص.

قال: "حدثنا عمرو بن خالد" عمرو بن خالد بن فرّوخ بن سعيد بن عبد الرحمن بن واقد التميمي الحنظلي، ويقال الخُزاعي، أبو الحسن الحراني الجزري، نزيل مصر، ثقة، يروي عن أتباع التابعين، مات بمصر سنة 229هـ، روى له البخاري وابن ماجه.

قال: "حدثنا الليث" هو ابن سعد الفهمي، أبو الحارث المصري، ثقة، ثبت، حافظ، فقيه، إمام مشهور، من أتباع التابعين، تقدّم، حتى قال بعض أهل العلم: "إنه كان أفقه من مالك إلا أن أصحابه ضيعوا علمه".

"عن يزيد" هو ابن أبي حبيب، وأبو حبيب اسمه سويد، أبو رجاء المصري، تصحف في بعض طبعات التقريب إلى البصري، وهو خطأ.

كان مفتي أهل مصر في أيامه، وكان حليمًا عاقلًا، قالوا: كان أول من أظهر العلم بمصر، والكلام في الحلال والحرام ومسائله، قيل: إنهم كانوا قبل ذلك يتحدثون بالفتن، والملاحم، والترغيب في الخير.

قال الليث بن سعد: "يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالمنا" وقال: "حدثنا يزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله ابن أبي جعفر، وهما جوهرتا البلد" انتهى.

كانا من فقهاء مصر في عهد التابعين.

العجلي قال في يزيد هذا: "إنه تابعي"، وابن حبان وضعه في التابعين، وقال الدارقطني في "العلل": "لم يسمع يزيد بن أبي حبيب من ابن عمر، ولا سمع من أحد من الصحابة إلا من عبد الله ابن جَزء" انتهى، طبعًا وقع في المطبوع بدل "من" "عن عبد الله ابن جزء" -يعني عبد الله بن الحارث بن جزء الصحابي-.

وروايته عن أبي الطفيل غير محفوظة، يعني رواية يزيد عن أبي الطفيل وهو صحابي غير محفوظة.

لكن يكفي أن يكون قد صح سماعه عن عبد الله بن الحارث بن جزء وهو صحابي، إذًا يعتبر من التابعين كما وضعه العِجلي وابن حبان، وهو ثقة فقيه، وكان يرسل، يرسل: يعني يروي عن رجال لم يسمع منهم.

مات سنة 128، بلغ زيادة على 75 سنة، روى له الجماعة.

"عن أبي الخير" مرثد بن عبد الله اليزني، أبو الخير المصري، ويزن بطن من حمير، كان مفتي أهل مصر في زمانه، وكان عبد العزيز بن مروان يحضره فيجلسه للفتيا، قال ابن معين: "كان عند أهل مصر مثل علقمة عند أهل الكوفة، وكان رجل صدق" انتهى.

هو تابعي، ثقة، فقيه، زاهد، عابد، توفي سنة 90 روى له الجماعة.

"عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما" عبد الله بن عمرو بن العاص صحابي ابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه، من العبادلة الأربعة الفقهاء، تقدم.

"(أن رجلًا سأل النبي : أي الإسلام خير؟)" أراد: أي خصال الإسلام أفضل وأكثر أجرًا؟

هذا واضح، أن الإسلام خصال، وأنها تتفاضل.

فقال : "(تطعم الطعام)" لمن يحتاجه، ويشمل كل طعام يُنتفع به.

إطعام الطعام منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، فالواجب كإطعام الزوجة والأولاد، إطعامهم صدقة وصلة، وهذا أفضل من إطعام الأباعد، لأن الأصل في إطعام الأباعد الاستحباب، والواجب أحب إلى الله من المستحب، كما في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضت عليه) الفريضة مقدمة وأحب إلى الله سبحانه وتعالى، ثم الواجب يأثم بتركه، أما المستحب فلا يأثم بتركه.

قال: "(وتقرأ السلام على من عرفتَ، ومن لم تعرف)" أي: تسلّم على كل من لقيته، (على من عرفت ومن لم تعرف) يشمل الجميع.

تقرأ عليه السلام، يعني تسلّم عليه، تقول: السلام عليكم، يسمى قراءة السلام، وإلقاء السلام.

والمقصود هنا: ألا تخص بالسلام من تعرف فقط، تسلم على الجميع، قالوا: هذا السلام انتشاره وإفشاؤه بين المسلمين يحصل به الألفة والمحبة فيما بينهم، لذلك حث عليه الشارع.

لكن قوله: (على من عرفت ومن لم تعرف) عام، يشمل المسلم والكافر، والسني، والمبتدع الداعي إلى بدعته، وصاحب الشبهات، والعاصي الفاسق الذي يجوز هجره لردعه عن فسقه، كل هؤلاء يشملهم هذا الحديث، وهو عام، ولكنه مخصوص بالأدلة الأخرى.

فالكافر مثلًا: ورد في النهي عن بدء الكافر بالسلام إذًا هو غير داخل، فهذا اللفظ عام مخصوص بالأدلة الأخرى.

وكذلك المبتدع صاحب الشبهات الذي يجب هجره مخصوص بأدلة الهجر.

كذلك الفاسق صاحب الذنب الذي يجوز هجره على ذنبه إلى أن يرتدع عن ذنبه، كذلك هذا مخصوص بالأدلة الخاصة، فهو عام مخصوص، لما نقول هو عام، يعني نقول تسلم على كل أحد، نقول هو مخصوص، إذًا تأتي بأداة الاستثناء تقول إلا على فلان وفلان، إلا على المبتدع إلا على كذا، هكذا ركِّب الجملة حتى تفهمها.

وقال بعض أهل العلم: "ليس شيء أجلبَ للمحبة، وأثبتَ للمودة، وأسلَّ للسخائم، وأتقى للجرائم من إطعام الطعام، وإفشاء السلام"

الخصلتان المذكورتان معنا هنا هما خصلتان من خصال الإسلام العظيمة، حتى إن النبي جعلها خير الإسلام، فإذًا لها مرتبة عظيمة، قال النبي : (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) فالسلام سبب للمحبة بين المسلمين، والمحبة واجبة، وهي من الإيمان الواجب، قد نفاها هنا، قال: (لا تؤمنوا حتى تحابوا).

لماذا اختلف جواب النبي في هذه الأحاديث مع أن السؤال واحد؟ تقدم معنا في الدرس الماضي أي الإسلام خير؟ أي الإسلام أفضل؟ اختلف جواب النبي .

هنا اختلف العلماء في كيفية توجيه هذه المسألة، وأقرب الأقوال للصواب إن شاء الله:

أن النبي يختلف جوابه حسب اختلاف حال السائل، فباختلاف ما يحتاجه السائل ويحتاج معرفته يختلف جواب النبي ، يعني النبي يجيب كل سائل على حسب ما يحتاج إليه، ويحتاج إلى معرفته، فقالوا: إذا كان الشخص مثلًا يحتاج إلى معرفة الإطعام، معرفة السلام، وجّهه النبي إلى هذا الاتجاه، وعرّفه بحكم هذه المسألة، لكن في الجملة أنت عندما يرد عندك حديث كهذا تستفيد منه أن ما ذكر فيه هو من أفضل خصال الإسلام وأحسنها.

قال القفّال: "فقد يكون السائل ذا نَجدة فالجهاد في حق هذا أفضل" -ليش؟ لأنه أقدر على هذا الفعل، فلذلك يجيبه النبي بمثل هذا- "وقد يكون له والدان لو خرج في جهاد لضاعا، فالبر في حق هذا أفضل، وقد يختلف جوابه بحسب ما يراه أليق بالزمان، كما لو نزل العدو، وخيف استئصاله، وكما كان في صدر الإسلام، حين كان المراد إعزاز الدين، وشهد لصحة هذه الاعتذارات حديث ابن عباس: "حجة لمن لم يحج خير من أربعين غزوة، وغزوة لمن حج خير من أربعين حجة..." إلى آخر ما قال.

وعلى كلِّ هذه الخصال كما ذكرنا هي من أفضل خصال الإسلام، لكن لا تكون فاضلة إلا مع غيرها من الإيمان بالله ورسله، والصلاة، والصيام، إلى آخره...، فلا يصح أن نقول: إن شخصًا يطعم الطعام ولا يصوم ولا يزكي أفضل ممن يصوم ويصلي ويزكي، لا يقال هذا، بُني الإسلام على خمس، هذه الخمس هي أفضل من هذه المذكورات هنا معنا في هذا الحديث.

إذًا المقصود من هذا: هو أن إطعام الطعام خير الإسلام مع بقية الخصال الواجبة.

الحديث يدل على أن الإيمان خصال متفاضلة، وأن الأعمال من الإيمان، ومن هذه الأعمال والخصال: إطعام الطعام، وإلقاء السلام.

ومن لطائف الإسناد: أن رجاله كلهم مصريون، وكلهم روى لهم الجماعة سوى شيخه، وأكثرهم من المحدثين الفقهاء.

والإسناد من خماسيات المصنف، وفيه اثنان من التابعين يروي بعضهم عن بعض.

الحديث متفق عليه، رواه جمع من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد، عن جمع، عن الليث بن سعد، به.

قال ابن حجر: "تنبيهات: الأول أخرج مسلم من طريق عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الإسناد" يعني: عمرو بن الحارث هنا تابع الليث بن سعد، قال: "بهذا الإسناد نظير هذا السؤال، لكن جعل الجواب كالذي في حديث أبي موسى" -يعني الذي تقدم- "فادعى ابن منده فيه الاضطراب، وأُجيبَ بأنهما حديثان اتحد إسنادهما، وافق أحدهما حديث أبي موسى، ولثانيهما شاهد من حديث عبد الله ابن سلَام كما تقدم"

إن سلم هذا الجواب فالحمد لله، وإن لم يسلم فالطريق التي أخرجها البخاري أقوى وأصح.

"الثاني هذا الإسناد كله مصريون" -في المطبوع الذي عندي كله بصريون وهذا تصحيف-، قال: "والذي قبله -كما ذكرنا- كوفيون، والذي بعده من طريقيه بصريون، فوقع له التسلسل في الأبواب الثلاثة على الولاء، وهو من اللطائف"

"باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه

"حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي ، وعن حسين المعلم، قال: حدثنا قتادة، عن أنس، عن النبي ، قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

"باب: من الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه" من الخير، هذه خصلة من خصال الإيمان.

"حدثنا مسدد" ابن مسرهد، بن مسربل، بن مستورد الأسدي، أبو الحسن البصري، وقال البخاري: "مسدد، بن مسرهد، بن مسربل، بن مرعبل، أبو الحسن الأسدي" انتهى، هذا من أغرب الأسماء.

قال العِجلي: "كان أبو نعيم يسألني عن نسبه" -يعني عن اسمه الكامل- "فأُخبِرَه فيقول: "يا أحمد هذه رقية العقرب"

قال أبو حاتم الرازي في حديث مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: "كأنها الدنانير، ثم قال: كأنك تسمعها من النبي " يعني إسناد قوي جدًا، كأنه ما في بينك وبين النبي أحد، كأنها الدنانير، دنانير الذهب من نفاستها، قال الذهبي: "وصدق أبو حاتم"

هذا ثقة حافظ، يروي عن أتباع التابعين، يقال إنه أول من صنف المسند بالبصرة، مات سنة 228، روى له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

قال: "حدثنا يحيى" هو ابن سعيد بن فرّوخ، التميمي، أبو سعيد، القطان البصري الأحول، مشهور عند أهل العلم بيحيى بن سعيد القطان، ثقة، متقن، حافظ، إمام، قدوة، عابد، من أتباع التابعين، مات سنة 198 وله 78، روى له الجماعة.

قال بُندار: "إمام أهل زمانه" وقال ابن حبان في الثقات: "كان إذا قيل له في علته: يعافيك الله، قال: أَحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل، وكان من سادات أهل زمانه حفظًا وروعًا وعقلًا وفهمًا وفضلًا ودينًا وعلمًا -الكلام لابن حبان- وهو الذي مهّد لأهل العراق رسم الحديث، وأمعن في البحث عن النقل، وترك الضعفاء، ومنه تعلم علمَ الحديث أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وسائر شيوخنا" انتهى.

هو شيخ هؤلاء الأئمة، وهو أحد الأربعة الذين روى لهم البخاري وأسماؤهم يحيى بن سعيد، قد تقدم ذكرهم.

هذا الإمام أحدهم، والثاني يحيى بن سعيد بن أَبان أبو أيوب الأموي، والثالث يحيى بن سعيد بن حيّان أبو حيّان التيمي، والرابع يحيى بن سعيد بن قيس أبو سعيد الأنصاري.

"عن شعبة بن الحجاج" إمام تقدم، وتقدم قول يعقوب الحضرمي فيه عندما كان يحدّث عنه يقول في روايته عن شعبة، عن سفيان الثوري: "كبير عن كبير، حدثني الضخم عن الضخام، شعبة الخير أبو بسطام"

"عن قتادة" قتادة هو ابن دعامة بن قتادة بن عزيز السدوسي، أبو الخطاب البصري، يقال ولد أعمى، ثقة حافظ، كان يضرب به المثل في الحفظ، وكان مدلسًا، من التابعين مات سنة بضع عشر ومائة، روى له الجماعة

قال شعبة: "كنت أنظر إلى فم قتادة، فإذا قال سمعت وحدثنا حفظته، وإذا قال عن فلان تركته" لأنه كان يدلس، وهذا يدلك على شدة إتقان شعبة لرواية قتادة، والتأكد من سماعه لما روى، وهو الذي قال: "كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبو إسحاق، وقتادة" احفظوا هذا ولا تنسوه.

قالوا: "لم يسمع من أحد من الصحابة غير أنس" هذا قتادة، وقال الترمذي: "لا نعرف لقتادة سماعًا من أحد من الصحابة، إلا من أنس، وأبي الطفيل" والله أعلم.

واختلف العلماء في كونه قدريًا، هذه المسألة صار حولها كلام كثير هل كان قدريًا أم لا، فبعضهم أثبت عليه القول بالقدر، وقال كان يقول كل شيء بقدر إلا المعاصي، وبعضهم نفى عنه هذا، وقالوا لا يصح عنه هذا.

ولم أجد ما يثبت عليه ذلك بإسناد صحيح، وإن ثبت فيكون قد تراجع عنه، لأنه ثابت عنه في التفسير إثبات القدر، قال علي بن المديني: "قلت ليحيى بن سعيد: إن عبد الرحمن يقول اترك من كان رأسًا في البدعة يدعو إليها، قال يحيى: كيف تصنع بقتادة؟ كيف تصنع بابن أبي روّاد وعمر بن ذر، وعدَّ يحيى قومًا، ثم قال يحيى: هذا إن ترك هذا الضرب ترك ناسًا كثيرًا" انتهى.

هنا نلاحظ أمرًا مهمًا، وفيه جواب عن شبهة المميعة الذين يقولون: السلف كانوا يأخذون الحديث عن أهل البدع إذًا فنحن نأخذ العلم عن أهل البدع، ولا تقولوا هجرًا!

يتركون المحكمات من كلام السلف، ويتعلقون بالمتشابهات، هذه طريقة أهل البدع، لأن كلام السلف فيه نصوص واضحة وصريحة في هجر أهل البدع، وجوب ذلك وقاية لدينك، ما هو نص ولا اثنين ولا عشرة ولا عشرين، نصوص عن السلف في هذا، والإجماع منقول، يتركون كل هذا ويتعلقون بمتشابهات كهذه.

ولا حظَّ لهم في هذه، فالرد عليهم بمثل هذا، هذا الكلام الذي بيّنه يحيى بن سعيد هو نفسه الذي قاله أيضًا علي بن المديني تلميذه، قال: "لو تركنا حديث أهل البصرة للقدر، وحديث أهل الكوفة للتشيع لخرِبت الكتب" المعنى واحد، في عندنا مفسدة كبرى، وعندنا مفسدة صغرى، إذا تركنا أحاديث أهل البدع الدعاة إلى البدعة ولم نأخذها عنهم ولم نروها عنهم خربت الكتب، وضاعت الأسانيد.

فكثير وكثير جدًا من الأسانيد فيها من الدعاة إلى البدعة، قد مر بنا بعضها وسيأتي، بعضها مر بنا، وسيأتي.

ماذا نفعل بهذه الأحاديث؟ نضيعها؟ لا، هذه مفسدة كبيرة عظيمة، ضياع حديث النبي ، دفعًا لهذه المفسدة أجازوا مثل هذا، مع علمهم بأن الأخرى مفسدة أيضًا، ولذلك حرّموا مجالسة أهل البدع والأخذ عن أهل البدع في غير ذلك، ووقعت المفسدة التي كانوا يخشونها لما جاء وأخذ بعض أهل العلم أخذوا الحديث عن بعض أهل البدع، كما وقع لعبد الرزاق الصنعاني، وستأتي قصته إن شاء الله، كيف أخذ التشيع عن شيخه بسبب أنه كان يريد أن يأخذ عنه الحديث، فهم يعلمون أن هذه المفسدة ستقع، لكن هذه المفسدة في مقابل تلك المفسدة الأعظم لا شيء، فلذلك أجازوا هذه، فهذه حالة خاصة مستثناة، دفعًا لهذه المفسدة، أما لا تقس عليها بعد ذلك، وتترك الأصل.

الأصل باقٍ، ولا مبرر لك اليوم للجلوس عند أهل البدع، والسماع لأهل البدع.

والعجيب الذي سمعته من بعض طلبة العلم يقول: بعض الحدادية يجلس عند الأشاعرة ليأخذ عنهم الأسانيد اليوم، هذا من العجائب، حدادي وتذهب وتجلس عند الأشعري من أجل أن تأخذ عنه إسناد لا فائدة منه أصلًا! عجيب هذا! ما في مفسدة أصلًا لو ما ذهبت تأخذ عن هذا الأشعري، ما في مفسدة حاصلة نهائيًا، أصلًا إسنادك كله من أوله إلى آخره الآن في هذا الزمان لا معنى له ولا فائدة من ورائه.

إذًا لماذا تذهب وتجلس عند الأشعري وتعرض عقيدتك ومنهجك للخطر؟!

مثل هذا يقال له: من يجالس أهل يبدع هو أشد علينا من أهل البدع، ومن جالسهم يُلحق بهم، هذا ما هو سلفي، فلا يفرح الأشعري بكون مثل هذا يجلس عند قدميه، ما يفرح، لأن هذا ليس بسلفي، لو كان سلفيًا ما جلس عند قدميك لغرض كهذا.

فمن الأصول السلفية عدم مجالسة أهل البدع وعدم مخالطتهم أصحاب الشبهات، هذا أصل عند السلفيين، وأمر مجمع عليه، ما فيه خلاف، الحمد لله.

قال أبو داوود: "لم يثبت عندنا عن قتادة القول بالقدر".

فالخلاصة إما أنه لم يثبت أنه من القدرية، أو ربما وقع في هذه الزلة وتاب منها، لأن النصوص عنه في إثبات القدر ثابتة وموجودة، فانتهى الأمر.

ليس في الكتب الستة من اسمه قتادة بن دعامة إلا هذا، فإذا مر بك في الكتب الستة من اسمه قتادة بن دعامة، فما في داعي لأن تحتار فيه، فأمره واضح.

"عن أنس رضي الله عنه" هو أنس بن مالك بن النضر، الأنصاري الخزرجي، النجّاري، البصري، خادم رسول الله ، خدم النبي عشر سنين، يُكْنى أبا حمزة، أمه أم سُليم بنت مِلحان الأنصاري.

كان عند مجيء النبي المدينة، كان سنه ابن عشر سنين، صحابي جليل، فاضل، مكثر.

قال أنس رضي الله عنه: "دخل النبي على أم سُليم، فأتته بتمر وسمن، قال: (أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإني صائم) ثم قام إلى ناحية من البيت، فصلى غير المكتوبة، فدعى لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله إن لي خويَّصة -يعني طلب خاص- قال: (ما هي)؟ قالت: خادمك أنس -يعني ادعُ له-، فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، قال: (اللهم ارزقه مالًا، وولدًا، وبارك له فيه) فإني لمن أكثر الأنصار مالًا، وحدثتني ابنتي أُمَينَة أنه دُفن لصُلبي مَقدَم حجّاج البصرة بضع وعشرون ومائة" هذول دفنوا غير الأحياء في حياته، وهذا بعد أن تجاوز الثمانين من عمره، أخرجه البخاري.

يعني دعا له النبي أيش رح يكون؟

وفي صحيح مسلم قال: "مر رسول الله فسمعَتْ أمي أم سليم صوته، فقالت: بأبي وأمي يا رسول الله! أُنيس، فدعى لي رسول الله : ثلاث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة" انتهى، وفي رواية: (اللهم أكثر ماله، وولده، وأدخله الجنة).

اختلف في وقت وفاته، فقيل: سنة 93، وقيل غير ذلك، وهو ابن 103، وقيل غير ذلك، روى له الجماعة.

ويوجد صحابي آخر اسمه أنس بن مالك، لا يوجد لهما ثالث في الصحابة، هذا الذي معنا، وأنس بن مالك القُشيري الكعبي، ليس له في الصحيحين حديث.

حديث أنس بن مالك في الصحيحين ما في إلا الذي معنا هذا الأنصاري.

"عن النبي ، وعن حسين المعلِّم" هو الحسين بن ذكوان المعلم، المـُكْتِب، العَوذي، البصري، ثقة، ربما وهم، من أتباع التابعين، مات سنة 145 روى له الجماعة.

روى هذا الحديث يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة، وعن حسين المعلم، كلاهما يرويه عن قتادة، هذا المقصود من الأسانيد التي ذكرها البخاري رحمه الله.

قال ابن حجر: "قوله عن حسين المعلم هو ابن ذكوان، وهو معطوف على شعبة، فالتقدير عن شعبة وحسين، كلاهما عن قتادة، وإنما لم يجمعهما، لأن شيخه أفردهما، فأورده المصنف معطوفًا اختصارًا، ولأن شعبة قال عن قتادة، وقال حسين حدثنا قتادة. وأغرب بعض المتأخرين، فزعم أن طريق حسين معلقة وهو غلط، وذكر أن أبا نعيم أخرجه في المستخرج من طريق مسدد عن شيخ البخاري عن حسين المعلِّم... إلى آخره.

قال: "حدثنا قتادة، عن أنس، عن النبي ".

هذا الإسناد كما تقدم مسلسل بالبصريين من طريقين.

قال: "(لا يؤمن أحدكم)" وفي رواية: (لا يؤمن عبد) وفي أخرى: (لا يؤمن أحد) الإيمان الكامل، لا يؤمن أحدكم الإيمان الكامل، الإيمان الذي فيه النجاة من العذاب، فمن تركه كان إيمانه ناقصًا.

فلا يُنفى الإيمان إلا لفوات واجب فيه، أو وجود ما ينافيه كما تقدم، الإيمان لا يُنفى لنفي شيء مستحب، إما يُنفى لانتفاء وجود الشيء أصلًا، أو يُنفى لانتفاء كمال الشيء الواجب.

قال محمد بن نصر المروزي -سلفي، صاحب كتاب تعظيم قدر الصلاة- قال: "يريد لا يؤمن الإيمان كله، وكذلك قوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)، وقوله: (ليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) يقول ليس بمؤمن كامل الإيمان" انتهى.

"(حتى)": غائية، أي: إلى أن، "(يحب لأخيه)" وفي رواية: (لأخيه المسلم)، حتى ما علينا اليوم أحد يتفلسف، يقول لك: أخي في الإنسانية، هذه الكلمة الفاسدة التي جاؤوا بها، ما في شيء اسمه أخوة إنسانية، هذا باطل.

الأخوة المعتبرة هي أخوة الدين فقط، ومن حيث الاستعمال ممكن أخوة نسب، أما أخوة إنسانية ما في شيء اسمه أخوة إنسانية أصلًا، غير مستعمل هذا، اخترعوه اليوم من أجل القضاء على عقيدة الولاء والبراء في الدين، في الإسلام، ونكون جميعًا أخوة في الإنسانية، يعني نحب بعضنا بعض في الإنسانية، نحسن إلى بعض في الإنسانية، ومثل ذلك، طيب، وين الولاء والبراء في الدين؟ مات، اقض عليه، هذا يفرّق البشر عن بعضها، ما لازم يتفرقوا، يعني ما في دين بالعربي، ما نريد دين، نريد إنسانية، ونعيش مع بعض، كلنا بشر وخلاص، ونعيش هذه الحياة، نأكل ونشرب وننام مع بعض، ونمرح وننبسط مع بعض، وانتهى الأمر، ما في دين، حط الدين على جنب، هذا باختصار الذي يريدون، هذا معنى أخوة الإنسانية، هذا الذي تؤدي إليه باختصار، لها موضعها إن شاء الله.

"(ما يحب لنفسه)": في رواية: (من الخير): أي الديني والدنيوي، يعني يحب أن يكون لأخيه المسلم مثل ما له من الخير، فإذا حصل له مال -أغناه الله سبحانه وتعالى- أحب لأخيه المسلم أن يكون له مال، إذا رزقه الله سبحانه وتعالى زوجة صالحة يحب لأخيه المسلم أن تكون له زوجة صالحة، وليس المقصود نفس الزوجة الصالحة له تكون لأخيه، هذا أمر تلقائيًا معروف مفهوم يعني، مثله مش هو نفسه، يعني عندي عشر دنانير أخوه يكون عنده عشر دنانير ثانية، مش العشر دنانير التي عندي، يعني أشياء تلقائية مفهومة، تجد الشراح يأخذون ويعطون فيها بشكل كبير، ما في داعي لهذا الكلام، الأمر واضح.

ويكره له ما يكره لنفسه، هذا مفهوم من الحديث، فإذا لم يكن كذلك، إذا لم يكن ممن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فهو معرّض لعذاب الله إن لم يعفُ الله عنه؛ لأنه ترك واجبًا.

طيب معنى ذلك: الحسد الذي يقع بين المسلمين، حسد، حقد، غش، خداع، حرب أحيانًا تقع بينهم من أجل أن يكون أحدهم أفضل من الآخر في الأمور الدنيوية، لا يحب أن يشاركه أخوه في الخير... موجود اليوم ولا مش موجود؟ وبكثرة إلا من رحم ربي، هل هذا ينافي هذا الحديث؟ نعم، يخالفه، فيكون فاعل ذلك فاسقًا، لأنه ترك واجب.

هذا الحديث أخرجه ابن حبان بلفظ: (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان) أي تمامه الواجب (حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير)، طبعًا كما قدّمنا لا يبلغ تمام الإيمان الواجب حتى يجمع معها جميع خصال الإيمان الواجب، أما وحدها هكذا، لأ.

قال ابن رجب: "لما نفى النبي الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، دل على أن ذلك من خصال الإيمان؛ بل من واجباته، فإن الإيمان لا يُنفى إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) الحديث، وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه، إذا سلم من الحسد، والغل، والغش والحقد، وذلك واجب، كما قال النبي : (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا) فالمؤمن أخو المؤمن، يحب له ما يحب لنفسه، ويحزنه ما يحزنه، كما قال : (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو غيره أحب أن يكون لأخيه نظيرها -يعني مثلها- من غير أن تزول عنه". انتهى المراد منه.

أما في الأمور الدنيوية فتحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك، هل يدخل في ذلك أن يكون أفضل منك؟ لا يلزم، التساوي هو الواجب، الأفضل في الأمور الدنيوية أن تحب له أن يكون أفضل منك، عنده من المال أكثر مما عندك، ما عندك مشكلة في هذا، طيب هذا، لكن ليس هذا القدر واجبًا، طبعًا هذه مسألة محل خلاف بين العلماء.

لكن في الأمور الدينية هل لك أن تتمنى أن تكون أفضل من أخيك المسلم في الأمور الدينية؟ نعم، لك ذلك، السلف كانوا يتسابقون في الخيرات، والذي يُحتج به في هذا هو أن النبي رجا أن تكون الوسيلة له، وهي منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد واحد، فرجا أن يكون هو ذا، فإذًا في الجملة تحب لأخيك ما تحبه لنفسك أن يكون من أهل الجنة، وأن يكون من أهل الخير، من أهل الصلاح، وأن يكون مسلمًا صالحًا، وأن يبتعد عن معصية الله، لكن لا مانع من أن تتمنى أن تكون أفضل منه دينيًا وقربة إلى الله سبحانه وتعالى.

والمراد كما قلنا بالأخوّة: أخوة الإسلام، لقوله تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ وقال النبي : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يُسلمه) (من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته) وقال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا) و (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) فمفهوم هذا أنه من ليس مؤمنًا فليس بأخ للمؤمنين، هذا هو المعنى الشرعي للأخوة، وهذه الأخوة هي الحقيقية النافعة الباقية المعتبرة شرعًا. لا أخوة النسب، ولا أخوة الوطن، ولا أخوة الحزب، ولا أخوة المصلحة، ولا غير ذلك، فكل هذه الأخوة منقطعة، زائلة، غير معتبرة شرعًا.

والحديث يدل على أن ما ذُكر فيه خصلة من شعب الإيمان، فالإيمان يتفاضل، إذ إنه ينقص عن الكمال بنقص هذه الخصلة.

الحديث متفق عليه، أخرجه جمع من طريق همام، وشعبة، وحسين المعلم، وسعيد بن أبي عَروبة، وسعيد بن بشير، وغيرهم عن قتادة به، وصرّح قتادة بالتحديث فيه عند مسلم وغيره، فضلًا عن أنه من رواية شعبة، ومع ذلك أيضًا جاء التصريح من قتادة صريحًا.

ورواه بقية عن سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن، عن أنس، يعني أدخل الحسن بين قتادة وأنس، أخرجه الطبراني، وهو منكر.

وتابعَ قتادةَ إسماعيلُ، رواه عبيد الله بن موسى، عن إسماعيل، عن أنس به، أخرجه البزار.

وكما ذكرنا أن هذا الإسناد كله بصريون من طريقيه، والذي قبله مصريون، والذي قبل كوفيون، وهو من اللطائف.

"بابٌ: حب الرسول من الإيمان.

حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، قال: حدثنا أبو الزِناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده)".

"عن النبي " هذه رواية أبي ذر، والرواية المثبتة في متن اليونينية: "أن رسول الله قال".

"حب الرسول من الإيمان".

إذًا، في هذا الباب يبيّن لنا المؤلف رحمه الله خصلة جديدة من خصال الإيمان، وهي من أعمال القلوب، ولازمها من أعمال الجوارح، وهي متابعة النبي .

"اللام" في قوله "الرسول": للعهد، عرفتم أنواع اللامات في اللغة، هذه اللام لام العهد، والمراد نبينا ، بقرينة قوله: (حتى أكون أحب)، وإن كانت محبة جميع الرسل من الإيمان، لكن الأحبية؛ يعني التفضيل في الحب على جميع الناس مختصة بسيدنا رسول الله .

"حدثنا أبو اليمان" الحَكَم بن نافع الحمصي، ثقة ثبت، تقدم.

قال: "أخبرنا شعيب" ابن أبي حمزة، أبو بِشر الحمصي، ثقة حافظ، تقدم.

قال: "حدثنا أبو الزِناد" عبد الله بن ذكوان القرشي، أبو عبد الرحمن المدني، المعروف بأبي الزِناد، مولى، ثقة حافظ فقيه، تكلم فيه الإمام مالك لعمله للأمراء.

تكلم فيه الإمام مالك لماذا؟ لعمله للأمراء، وهذا سيأتي معنا كثيرًا.

السلف كانوا يتكلمون فيمن يدخل في عمل السلطان، أو يدخل على السلطان، ليش؟ لأن هذا الفعل فتنة على الدين، لا يكاد يسلم من يدخل عليهم، أو يعمل لهم، لا يكاد يسلم في دينه، لا بد أن يقع في بيع دينه إلا أن يشاء الله أمرًا، وأن يحفظه الله من ذلك.

ربما تقول قد دخل بعض علماء السلف في عمل السلطان وما أُخذ عليهم شيء، أقول لك: صحيح، ولكن سلمهم الله، ما أدراك أن الله يسلمك، هذه فتنة وفتنة عظيمة، مع الفرق بين السلاطين أيضًا، فبعض السلاطين أفضل حالًا وأقل فتنة من البعض الآخر، كلما عظمت فتنتهم كلما صار لزوم البعد عنهم أوجب وألزم، لهذا السلف كانوا يحذرون من هذا بشدة.

نحن اليوم ما بين إفراط وتفريط مع السلاطين، إما طعن فيهم وتهييج عليهم على المنابر، أو الدخول عليهم والتزلف لهم.

السلف ما كانوا لا هكذا ولا هكذا، تقولون الخوارج يفعلون ويفعلون، نريد نحن أن نفعل ضد ما يفعل الخوارج... ما كان في خوارج في عهد السلف؟! الخوارج ما هم إلا في زمنك فقط؟! من عهد النبي الخوارج، خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى يومنا هذا، هل كان يفعل السلف كما تفعل؟

لا إفراط ولا تفريط، اعتدل، وامش على منهج سلفك كي يسلم لك دينك.

أنتم ترون بعض من ترك آثار السلف هذه وخالفها وقع في فتنة السلاطين، وخالف فعله قوله، فاحذروا.

الإمام مالك تكلم فيه لعمله للأمراء ولكنه روى عنه، هذا لأنه ثقة في نفسه، لكن كان يُخشى عليه من ذاك العمل.

عدَّه العِجلي من التابعين، وأثبت سماعه من أنس بن مالك، ونفاه أبو حاتم والبخاري، قالوا: لم يسمع من أنس، وثبت سماعه من أبي أمامة ابن سهل بن حنيف، ولكن أبو أمامة هذا اختلفوا في صحبته.

مات أبو الزِناد سنة 130، وقيل بعدها، روى له الجماعة.

"عن الأعرج" هو عبد الرحمن ابن هُرْمُز الأعرج، أبو داوود المدني، مولى ربيعة بن الحارث، ثقة، ثبت، عالم، قال الذهبي: "الحافظ المقرئ، كاتب المصاحف".

قديمًا ما كان في آلات طابعة تطبع، قديمًا كانوا كتّابًا، حتى إنها كانت مهنة عند بعضهم، يكتب المصاحف بخط يده، يكتب لك مصحفًا بأجرة، أو يكتب لك كتابًا من كتب العلم بأجرة، فهذا الكاتب يقوم مقام المطبعة اليوم، لذلك تجد المخطوطات بخط اليد، مات سنة 117روى له الجماعة.

"عن أبي هريرة رضي الله عنه" صحابي فاضل مكثر، تقدم.

"أن رسول الله قال: (والذي نفسي بيده)"

الواو للقسم، والذي بيده التصرف بنفس النبي هو الله، فهو يمين بالله سبحانه وتعالى، وهذا اليمين النبي كان يقسم به كثيرًا.

استدل الدارمي بهذا على إثبات صفة اليد لله تبارك وتعالى، كما يليق بجلاله وعظمته، وسيأتي الكلام في هذا في موضعه إن شاء الله.

أهل التحريف يحرّفونها في بعض الشروح، الآن لما ترجعوا إليها ستجدهم يحرفون صفة اليد هنا في هذا الموضع، ويشرحونها على غير ما عليه السلف رضي الله عنهم، فتنبهوا.

سنحاول بقدر الإمكان، طبعًا لن نستوعب، لكن بقدر ما نستطيع ما يقع في كتب الشراح من انحرافات ننبه عليه، لكن هذا ليس لازمًا أن نلتزم به في جميع الشروح.

قال العلماء: "وفي هذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يقسم على الأمور التي يريد تأكيدها ولو لم يُطلب منه ذلك" فالنبي أقسم ولم يطلب منه أحد أن يقسم على ما سيقوله.

"(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده)" محبة النبي خصلة من خصال الإيمان، وهي من أعمال القلوب، وخصال الإيمان كما ذكرنا تتفاوت، فأعمال القلوب أيضًا تتفاوت، فمن خصال الإيمان ما يزول بزواله، ومنها ما يَنقص الإيمان الواجب بنقصه، ومنها ما يَنقص الإيمان المستحب بنقصه.

- أصل محبة الرسول إذا زالت زال الإيمان، وصار الرجل كافرًا.

- محبة النبي دون محبة الوالد والولد -مع أنها موجودة- فسق، وصاحبها ناقص الإيمان الواجب، ومعرَّض لعقوبة الله تبارك وتعالى، محبة النبي الواجبة يجب أن تكون أعلى من محبتك لوالدك وولدك والناس أجمعين، حتى تكون أتيت بالإيمان الواجب في هذه الخصلة.

- وسيأتي تفسير الإيمان المستحب في هذه الخصلة.

هذه الخصلة قد جمعت لنا ثلاث درجات:

1- الإيمان الذي يزول بزوال هذه الخصلة.

2- والذي ينقص عن الإيمان الواجب بها.

3- والذي ينقص عن الإيمان المستحب بها.

هذه الخصلة فيها ثلاث درجات.

أصل محبة النبي إذا زالت زال الإيمان.

لكن كمالها الواجب إذا نقص عن محبتك، أو كان مساويًا حتى لمحبتك لوالدك وولدك أو أقل هنا يزول كمال الإيمان الواجب، ويصير الشخص آثمًا بهذا حتى يكمل، ويصير النبي أحب إليه من والده وولده.

وسيأتي ذكر الإيمان المستحب.

"(لا يؤمن)": هذا نفي للإيمان، ونفي الإيمان تارة يراد به نفي الكمال الواجب، وتارة يراد به نفي وجود؛ أي: نفي الأصل كما ذكرنا، وهذا ينطبق على هذا الأصل الذي معنى.

قال أهل العلم: "والمنفي في هذا الحديث هو كمال الإيمان الواجب، إلا إذا خلا القلب من محبة الرسول مطلقًا، فيزول الإيمان، قال تعالى: ﴿قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ قال أهل العلم: "في الآية دليل على وجوب محبة الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب".

قال سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله في كتاب تيسير العزيز الحميد: "(لا يؤمن أحدكم) أي: لا يحصل له الإيمان الذي تبرأ به ذمته، ويستحق به دخول الجنة بلا عذاب، حتى يكون الرسول أحب إليه من أهله وولده ووالده والناس أجمعين، بل لا يحصل له ذلك حتى يكون الرسول أحب إليه من نفسه أيضًا، كما في حديث عمر بن الخطاب أنه قال للنبي : "يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي له: (والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي : (الآن يا عمر)" رواه البخاري.

قال: "فمن لم يكن كذلك -الكلام للشيخ سليمان- فهو من أصحاب الكبائر إذا لم يكن كافرًا، وأكثر الناس يدّعي أن الرسول أحب إليه مما ذكر، فلا بد من تصديق ذلك" -المسألة ليست مجرد دعوة، خلاص أنا أقول النبي أحب إلي من والدي وولدي ومن نفسي إلى آخره، ما ينفعه، طيب في دليل على هذا الكلام-، قال: "فلا بد من تصديق ذلك بالعمل والمتابعة له، وإلا فالمدّعي كاذب، فإن القرآن بيّن أن المحبة التي في القلب تستلزم العمل الظاهر بحسبها، كما قال تعالى: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾" انتهى كلامه رحمه الله.

"(من والده وولده)": الولد يشمل الذكر والأنثى، فالولد كل مولود سواء كان ذكرًا أو أنثى، اليوم العرف يخص الولد بالذكر، لكن هذا ليس المعنى اللغوي، فيشمل هذا الولد المباشر أيضًا وغير المباشر كالولد وولد الولد وأنت نازل، ابن الابن وابن البنت وأنت نازل، والوالد يشمل أباه وجده وإن علا، ويشمل أمه وجدّته أيضًا، وإن علت، فهو عام في كل من له عليك ولادة، وفي كل من لك عليه ولادة.

لماذا ذكر الوالد والولد؟ قال أهل العلم: "لأنهم أعز على العاقل من غيرهم، بل ربما يكونون أعز من النفس".

قال الفوزان حفظه الله: "وقوله: (لا يؤمن أحدكم) ليس نفيًا لأصل الإيمان، وإنما هو نفي لكمال الإيمان، أي: لا يكمل إيمان أحدكم، هذا إذا كان يحب الرسول ، ولكن لا يقدم محبته على محبة غيره من الخلق، أما إذا كان الإنسان لا يحب الرسول أصلًا، بل يبغض الرسول، فهذا كافر، أما الذي يحب الرسول ، ولكنه يقدم محبة ولده ووالده على محبة الرسول ، فهذا ناقص الإيمان، بل لا يكمل إيمان العبد ولا يتم حتى يكون الرسول أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه، وأحب إليه من ولده الذي هو بضعة منه وجزء منه، وأحب إليه من والده الذي هو أصله والمحسن إليه، وأحب إليه من الناس أجمعين أيًا كانوا، وهذا يقتضي أن الإنسان يقدم طاعة الرسول على طاعة غيره".

ليست محبة مجردة، أنا أحب الرسول وانتهى الأمر، لأ، هي محبة لا بد أن ينبني عليها شيء، وهو أيش؟ هذا الشيء إذا لم ينبني على هذه المحبة فهي محبة كاذبة غير صحيحة، هذا الشيء هو إيش؟ متابعة النبي .

قال: "وهذا يقتضي أن الإنسان يقدم طاعة الرسول على طاعة غيره، فإذا أمرك الرسول بأمر، وأمرك والدك أو ولدك أو أحد من الناس بأمر يخالف أمر الرسول فإنه يجب عليك معصية هذا الآمر، وطاعة الرسول ، وهذا هو الدليل على محبة الرسول ، ألا تقدم على محبته شيئًا، ولا تقدم على طاعة الرسول شيئًا، فإذا أمرك أحد بمخالفة الرسول فلا تطعه، ولو كان أقرب الناس إليك، ولو كان أحب الناس إليك، فطاعة الرسول مقدمة، وهي ثمرة محبته، ومن علامات محبة الرسول ترك ما لم يشرعه الرسول من البدع والمحدثات، كقول النبي : (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه عمله هذا، أما الذي يدعي أنه يحب الرسول ويقيم الموالد والاحتفالات المبتدعة، والرسول ينهاه عن البدع والمحدثات فلا يطيعه، وإنما يطيع المخرّفين والدجالين في هذا، فهذا كاذب في محبته للرسول ، لأن الرسول نهى عن البدع والمحْدثات والخرافات، ولو كان الناس عليها، ولو كان عليها أبوك أو ابنك أو أقرب الناس إليك، فمن كان عنده بدعة ومخالفة للرسول ، وجب عليك معصيته، فإذا أطعته فإن هذا دليل على عدم صدق محبتك للرسول "

وقال أيضًا: "دل هذا الحديث على وجوب محبة الرسول بعد محبة الله عز وجل، وأن محبة الله ومحبة رسوله تقتضيان المتابعة للرسول وعدم المخالفة، وأنه لو أمرك أي أحد من الناس بأمر يخالف أمر الرسول وجب عليك معصيته، ورفض ما يأمرك به..." إلى آخر ما قال.

وقال ابن عثيمين رحمه الله: "وإذا كان هذا في محبة رسول الله، فكيف بمحبة الله تعالى، ومحبة رسول الله تكون لأمور:

الأول: أنه رسول الله، وإذا كان الله أحب إليك من كل شيء، فرسوله أحب إليك من كل مخلوق.

الثاني: لِما قام به من عبادة الله وتبليغ رسالته" -هذه كلها من الأسباب التي نحب النبي لأجلها-

"الثالثة: لِما آتاه الله من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.

الرابع: أنه سبب هدايتك وتعليمك وتوجيهك.

الخامس: بصبره على الأذى في تبليغ الرسالة.

السادس: ببذل جهده بالمال والنفس لإعلاء كلمة الله.

ويستفاد من هذا الحديث ما يلي: -هذا الكلام لابن عثيمين-

أولًا: وجوب تقديم محبة الرسول على محبة الناس.

ثانيًا: فداء الرسول بالنفس والمال لأنه يجب أن تقدّم محبته على نفسك ومالك.

ثالثًا: أنه يجب على الإنسان أن ينصر سنة رسول الله، ويبذل لذلك نفسه وماله وكل طاقته، لأن ذلك من كمال محبة رسول الله، ولذلك قال بعض أهل العلم في قوله: ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾ أي: مبغضك، وكذلك من أبغض شريعته فهو مقطوع لا خير فيه.

الرابع: جواز المحبة التي للشفقة والإكرام والتعظيم، لقوله: (أحب إليه من ولده ووالده)، فأثبت أصل المحبة، وهذا أمر طبيعي لا ينكره أحد" -يعني جواز المحبة الطبيعية التي تكون للولد وللوالد-.

"خامسًا: وجوب تقديم قول الرسول على قول كل الناس، لأن من لازم كونه أحب من كل أحد، أن يكون قوله مقدمًا على كل أحد من الناس، حتى على نفسك، فمثلًا أنت تقول شيئًا وتهواه، وتفعله، فيأتي إليك رجل ويقول لك هذا يخالف قول الرسول، فإذا كان الرسول أحب إليك من نفسك، فأنت تنتصر للرسول أكثر مما تنتصر لنفسك، وترد على نفسك بقول الرسول، فتدع ما تهواه من أجل طاعة الرسول، وهذا عنوان تقديم محبته على محبة النفس، ولهذا قال بعضهم:

تعصــــــي الإله وأنت تزعم حبه ***** هذا لعمري في القياس بديعُ

لو كــــــان حبك صادقًا لأطعته ***** إن المحبة لمـــــــن يحـــــــب مطيــــــعُ

إذًا يؤخذ من هذا الحديث وجوب تقديم قول الرسول على قول كل الناس، حتى على قول أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، وعلى قول الأئمة الأربعة ومن بعدهم، قال الله تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾ لكن إذا وجدنا حديثًا يخالف الأحاديث الأخرى الصحيحة، أو مخالفًا لقول أهل العلم وجمهور الأمة، فالواجب التثبت والتأني في الأمر، لأن اتباع الشذوذ يؤدي إلى الشذوذ". انتهى المراد.

هذه الفقرة الأخيرة مراد الشيخ منها ليس المقصود منه هو رد مخالفة الجمهور، فالشيخ نفسه له أقوال كثيرة تخالف الجمهور، لكن مراده من ذلك: لا تستعجل، وتتبع الشواذ من المسائل بزعم أنه قد ورد فيه حديث عن النبي ، فربما كان هذا الحديث إذا كان أكثر أهل العلم من السلف رضي الله عنهم خاصة على خلافه؛ ربما كان هذا الحديث شاذًا أو منكرًا وأنت لا تدري، فلا تتسرع في الأخذ به، وتقول هذه سنة مهجورة، كما يفعل الكثير على مواقع التواصل اليوم، يلتقط له حديث، ويبدأ هذه سنة مهجورة، وينشر في الحديث، لكن لو رجعت إلى السلف لوجدتهم يحكمون على الحديث بالنكارة.

هذا الذي ينبغي أن يُحذر منه، فلا بد من التأني، ومن البحث والتفتيش والتحري والتدقيق قبل أن تقول هذه سنة مهجورة، وأن تأخذ بقول يخالف ما عليه أكثر أهل العلم.

الحديث يفيدنا خصلة من خصال الإيمان، وهي محبة النبي ، وهذه من أعمال القلوب، ولازمها المتابعة متابعة النبي ، وهذه أيضًا من الإيمان، ويدل على أن الناس يتفاضلون فيها.

حديث أبي هريرة هذا من أفراد البخاري عن مسلم، وأخرجه مع البخاري النسائي من أصحاب الكتب الستة.

قال ابن حجر عند ذكره لشعيب: "قوله: "شعيب" هو ابن أبي حمزة الحمصي، واسم أبي حمزة دينار، وقد أكثر المصنف من تخريج حديثه عن الزهري وأبي الزناد، ووقع في غرائب مالك للدارقطني إدخال رجل وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بين الأعرج وأبي هريرة في هذا الحديث، وهي زيادة شاذة، فقد رواه الإسماعيلي بدونها من حديث مالك، ومن حديث إبراهيم بن طهمان، وروى ابن منده من طريق أبي حاتم الرازي، عن أبي اليمان شيخ البخاري هذا الحديث مصرحًا فيه بالتحديث في جميع الإسناد"

يعني ما في مجال أن يكون فيه راو ساقط، فزيادة أبي سلمة في الإسناد خطأ قولًا واحدًا.

قال: "وكذا النسائي من طريق علي بن عياش، عن شعيب" انتهى.

إذًا لا غبار على هذا الحديث بفضل الله.

لكن هل هو أشهر أم حديث أنس الذي بعده؟ حديث أنس أشهر عند أهل العلم، لذلك أخرجه الكثير من أهل العلم من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد، هذا صحيح -حديث أبي هريرة-، لكنه ليس أشهر من حديث أنس.

"حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن عُلَيَّة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي ، ح، وحدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: عن رسول الله : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)"

"حدثنا يعقوب بن إبراهيم" هو ابن كثير العبدي، القيسي مولاهم، أبو يوسف الدَورقي.

قال ابن حبان: "من أهل بغداد، أصله من فارس" انتهى.

يروي عن أتباع التابعين، ثقة حافظ متقن، مات سنة 252، روى له الجماعة في كتبهم، ورووا عنه مباشرة، فهو شيخهم.

وروى البخاري لشيخ آخر اسمه: "يعقوب بن إبراهيم" وهو ابن سعد الزهري، أكبر من هذا سنًا، وهو ثقة، يروي عن أتباع التابعين كهذا أيضًا، ولكنه ليس شيخ البخاري، ذاك يعقوب بن إبراهيم ليس شيخًا للبخاري، لم يلقه البخاري، روى عنه أصحاب الكتب الستة بواسطة، هذا يروون عنه مباشرة فهو شيخهم، أما يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري يروون عنه بواسطة.

ولا يروي هو عن ابن عيينة، هو لا يروي عن ابن عيينة، يعني يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري لا يروي عن ابن عيينة، أما يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي يروي عن ابن عيينة، حتى تفرّق بين هذا وهذا.

إذًا، إذا نظرت إلى شيخه عرفت الفرق، البخاري يروي عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي لا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري.

ويعقوب بن إبراهيم الذي يروي عن ابن عيينة هو ابن كثير الدورقي وليس ابن سعد الزهري، بهذا تفرق بين الرجلين، فإذا روى البخاري عن شيخه يعقوب بن إبراهيم فهو الدورقي لا غير.

وهذا ينطبق على أصحاب الكتب الستة.

واشترك أصحاب الكتب الستة في الرواية عن تسعة شيوخ، رووا عنهم مباشرة، تسعة، هؤلاء تحفظونهم، هؤلاء الرواة اشترك البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في الرواية عنهم مباشرة، فهم شيوخهم، شيوخ الستة، جمعهم الإثيوبي في أبيات فقال:

اشتــــــــــــــــــــــــــــرك الأئمــــــــة الهــــــــــــــــداةُ

*****

ذوو الأصـــــــــــــــول الستـــــة الوعــــــــــاةُ

في تســــــعة من الشــــــــــــــيوخ المهرة

*****

الحافظيــــــــــن، الناقديــــــــــــــــــن، البـررة

أولئــــــــــــك الأشجُّ، وابن معمــــــــــرٍ

*****

نصرٌ، ويعقوبُ، وعمروٌ الســــــري

وابـــــن العلاءِ، وابن بشـــارٍ، كذا

*****

ابـــــن المثنـــــى، وزيـــــــــــــــــادٌ يحتـــــــــــذى

هؤلاء هم: أربعة محمدون، واثنان أسماؤهم بحرف العين: عبد الله، وعمرو، وثلاثة حروفهم زين، هذه للتسهيل.

من حفظ الأبيات أسهل له.

الأربعة المحمدون:

1- محمد بن العلاء أبو كُريب الهمْداني، الكوفي، المتوفى سنة 248.

2- ومحمد بن بشار، أبو بكر بُندار البصري، متوفى سنة 252.

3- ومحمد بن المثنّى أبو موسى العنَزي، البصري، المتوفى سنة 252.

4- ومحمد بن معمَر القيسي، البصري، المتوفى سنة 250.

هؤلاء المحمدون الأربعة.

وأما من تبدأ أسماؤهم بالعين فاثنان:

1- عبد الله بن سعيد الأشج، أبو سعيد.

2- وعمرو بن علي الفلاس.

وأما زين:

1- الزاي: زياد بن يحيى الحسّاني العدني البصري، المتوفى سنة 254.

2- وأما الياء: فيعقوب بن إبراهيم الدَورقي الذي معنا.

3- وأما النون: فنصر بن علي الجهضمي، البصري، الحفيد وليس الجد، جده بنفس الاسم نصر بن علي الجهضمي، وهذا الحفيد نصر بن علي الجهضمي، فالذي معنا هنا، شيخ أصحاب الكتب الستة فهو الحفيد لا الجد.

قال في الأبيات:

"أولئك الأشج": هو عبد الله بن سعيد الأشج أبو سعيد.

"وابن معمر": محمد ابن معمر القيسي.

"نصرٌ": نصر بن علي الجهضمي.

"ويعقوب": بن إبراهيم الدورقي.

"وعمرو": ابن علي الفلاس.

"وابن العلاء": محمد بن العلاء أبو كُريب الهمْداني.

"وابن بشار": محمد بن بشار بُندار.

"وابن المثنى": هو محمد بن المثنى أبو موسى العنَزي.

"وزياد": هو زياد بن يحيى الحسّاني.

قال: "حدثنا ابن علية" هو إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم، الأسدي مولاهم، أبو بِشر البصري، المعروف بابن عُليّة، وعُليّة أمه، كان يقول: "من قال ابن عُليّة فقد اغتابني" نحن نقولها تعريفًا، والتعريف جائز، حتى لو لم يكن يحبه، قد نص على ذلك أهل العلم في كتب المصطلح.

أصله من الكوفة، روى عنه شيوخه وأقرانه، ثقة حافظ، تعرف إيش يعني أن يروي عن الراوي شيوخه وأقرانه؟ يعني ذا شأن، ثقة حافظ فقيه، قال شعبة: "ريحانة الفقهاء، سيد المحدثين".

زعم بعضهم أنه قال القرآن مخلوق، ورجع عنه، والبعض قال لم يقل أصلًا، المهم أنه صرح بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، والحمد لله.

عابه حماد بن سلمة وابن المبارك بدخوله في عمل السلطان، ونحن سنركز على كل ما كان السلف يشنّعون عليه حتى نتعلم منهج السلف رضي الله عنهم في كل شيء.

قال حماد بن سلمة: "ما كنا نشبّه شمائل إسماعيل بن علية إلا بشمائل يونس" -كان رجلًا فاضلًا يعني- "حتى دخل فيما دخل فيه" حتى دخل في عمل السلطان، وقال ابن المبارك فيه لما دخل في عمل السلطان:

يــــــــا جاعـــــــــل العلـــــــــم لـــه بازيًا

*****

يصطاد أموال المســـــــــاكينِ

احتلــــــــــت للدنيــــــــــــــا ولذاتهـــــــــــا

*****

بحيلـــــــــــةٍ تذهـــــــب بالديـــــــنِ

فصــــــرت مجنونًا بهـــــا بعدمــــــــــــــا

*****

كنـــــــت دواء للمجانيــــــــــــنِ

أيــــن رواياتــــك فـــــي سردهــــــــــــا

*****

عن ابن عونٍ وابن سيرينِ

أيــــن رواياتـــك فيمـــا مضـــــــى؟

*****

في ترك أبــواب السلاطيـــنِ

إن قلت أُكرهتُ، فماذا كذا

*****

زل حمــــار العلم في الطيــــنِ

وفي رواية:

إن قلـــــــت أُكرهتُ فذا باطل

*****

زل حمار العلم في الطيـــــــن

فلما بلغته ترك العمل وقال:

أفٍّ لدنيـــــا أبـــــت تواتينـــــــــــــــــــي

*****

إلا بنقضي لها عُرى دينــي

عينـــــي لِحِينــــي تُديــــــر مقلتهــــــــا

*****

تطلب ما ســـــــــــرها لترديني

هذا العابد الزاهد يقول فيه ابن المبارك ما سمعتم، وقالها له كي يرده عما كان فيه، وقد فعل، فجزاهم الله خيرًا، لكن هكذا كان شأن الدخول على السلاطين عند القوم.

قال أبو داود السجستاني صاحب السنن: "وابن عُليّة تولى على الصدقة، وحبسه هارون" قال عبد الوارث لابن علية: "ذهبتَ من عندنا وأنت عالم، وجئتنا وأنت أمير -ينكر عليه-، فقال: العيال والدين، فقال: أينساك الذي لا ينسى الذرة في جحرها؟ كان ابن علية يتشبه بشمائل ابن عون، ولكنه بلي" انتهى، هذا الكلام موجود في نسخة من سنن أبي داود، كما في طبعة الرسالة، وفي حاشية نسخة خطية نفيسة من تهذيب التهذيب لابن حجر، كما في طبعة جمعية البر.

مات سنة 193، وهو ابن 83، روى له الجماعة.

طبعًا، في النهاية يوجد من أئمة السلف من دخل في عمل السلطان، والسلف كانوا يشنّعون على هذا، ويحذرون منه، حتى لا يفتن الرجل في دينه، لكن الحكم النهائي على الشخص ما الذي سيفعله بعد أن يدخل على السلطان.

"عن عبد العزيز بن صهيب" البُناني مولاهم، وبنانة بطن من قريش، البصري، الأعمى، تابعي، ثقة، قال النووي: "اتفقوا على توثيقه" مات سنة 130، روى له الجماعة.

"عن أنس عن النبي ".

"حاء": هذه حاء تعني: تحويل الإسناد، وقد تقدم معكم في المصطلح المعاني التي فسرها عليه علماء المصطلح، لكن هنا خلاصة الأمر هي: تعني تحويل الإسناد، والبدء بإسناد جديد يلتقي مع الإسناد الأول.

قال: "وحدثنا آدم" آدم هذا شيخ البخاري أيضًا، وهو ابن أبي إياس، واسمه: عبد الرحمن بن محمد بن شعيب الخرساني المروذي، أبو الحسن العسقلاني، ثقة مأمون، قال الإمام أحمد: "كان مكينًا في شعبة" وهو متعبد من خيار عباد الله، تقدم.

قال: "حدثنا شعبة" هذا من روايته عن شعبة، وشعبة بن الحجاج أبو البسطام "عن قتادة" بن دعامة أبو الخطاب السدوسي، ثقتان حافظان، تقدما.

وشعبة يروي عن قتادة يعني ما في تدليس خلاص، انتهى الأمر.

"عن أنس قال: قال النبي : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)".

نفس معنى الحديث الأول، زاد عليه: "(والناس أجمعين)" فهو تعميم بعد تخصيص، وهو من عطف العام على الخاص، قال أهل العلم: هذا كثير، يوجد في كلام العرب، وفي كتاب الله، وفي سنة رسول الله .

هذا يشمل الأخوة والأعمام والأبناء والأصحاب والنفس كلهم، لأنهم جميعًا من الناس، حتى نفسه من الناس، فلا يتم الإيمان حتى يكون الرسول أحب إليه من جميع المخلوقين.

قال ابن رجب: "محبة النبي من أصول الإيمان، وهي مقارِنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدّم عليها شيئًا من الأمور المحبوبة طبعًا"

أمور محبوبة طبعًا: يعني طبيعة الإنسان أنه يحبها.

"من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: ﴿قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم...﴾" -ذكرَ الآية التي قدمناها-، قال: "ولما قال عمر للنبي أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي... إلى آخر الحديث الذي تقدم ذكره، قال: فيجب تقديم محبة الرسول على النفوس والأولاد والأقارب والأهلين، والأموال، والمساكن، وغير ذلك مما يحبه الناس غاية المحبة، وإنما تتم المحبة بالطاعة"

شوف كيف دائمًا العلماء يربطون بين الأمرين: بين الشيء ولازمه، ما في شيء اسمه محبة الرسول بدون أن تطيعه، بدون أن تتبعه، ما في منه هذا، لأن الله سبحانه وتعالى قد جعل هذه الآية محنة، الآن انظر ماذا قال! قال: "كما قال تعالى: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾"

اتباع النبي هو مصداق المحبة، دليل المحبة، محبة من غير اتباع ما هي محبة، هذا اللازم هنا معقود في هذه الآية، لأن محبة الرسول من محبة الله، هي واحدة، وإن كانت محبة الله أعظم، محبة الرسول هي تبع أصلًا لمحبة الله كما سيأتي إن شاء الله، لكن كلاهما مع بعض، فمحبة الله إن كانت صادقة، ومحبة الرسول إن كانت صادقة، فلا بد من اتباع، هذه الآية تدل على هذا.

قال ابن رجب: "وسئل بعضهم عن المحبة، فقال: الموافقة في جميع الأحوال" -موافقة من؟ النبي -

قال: "فعلامة تقديم محبة الرسول على محبة كل مخلوق: أنه إذا تعارض طاعة الرسول في أوامره، وداع آخر يدعو إلى غيرها من هذه الأشياء المحبوبة، فإن قدم المرء طاعة الرسول، وامتثال أوامره على ذلك الداعي، كان دليلًا على صحة محبته للرسول ، وتقديمها على كل شيء، وإن قدّم على طاعته، وامتثال أوامره شيئًا من هذه الأشياء المحبوبة طبعًا دل ذلك على عدم إتيانه بالإيمان التام الواجب عليه، وكذلك القول في تعارض محبة الله، ومحبة داعي الهوى والنفس، فإن محبة الرسول تبع لمحبة مرسله عز وجل، وهذا كله في امتثال الواجبات، وترك المحرمات".

شوف الآن الذي قلنا لكم سيأتي موضوع الاستحباب.

قال: "فإن تعارض داعي النفس ومندوبات الشريعة" -مستحبات- "فإن بلغت المحبة على تقديم المندوبات على دواعي النفس"

النفس تحب النوم، صح؟ فإذا جاءك قيام الليل، هذا امتحان، شوف هنا الآن! قال: "فإن بلغت المحبة على تقديم المندوبات على دواعي النفس كان ذلك علامة كمال الإيمان، وبلوغه إلى درجة المقربين والمحبوبين المتقربين بالنوافل بعد الفرائض"

هذا الامتحان، هل أكملت الإيمان في محبة الرسول ولا لأ؟ وقفت عند درجة الواجب.

فإذا قدمت المستحبات على ما تهواه نفسك فقد أكملت هذه الدرجة، درجة المستحب من محبة الله ورسوله ، من أحسن ما تمتحن به نفسك الصيام والقيام مثلًا، قيام الليل، تحب نفسك النوم، إذا جاهدتها وقمت فقد أكملت إيمانك بالإتيان بالمستحبات، وقد وقع في قلبك من محبة الله ومحبة رسوله ما أكملت به المستحب من ذلك.

قال: "وإن لم تبلغ هذه المحبة إلى هذه الدرجة فهي درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين كملت محبتهم ولم يزيدوا عليها". انتهى، يعني: كملت الكمال الواجب.

شفت الدرجات الآن؟ إيش الذي يعمل لك ميزان لمحبتك لله ومحبتك لرسوله؟ الميزان عندك هو الاتباع الذي ينتج عن هذه المحبة، فإذا اقتصر الاتباع عندك على أداء الواجبات، فقد أتيت بإيش؟ بالكمال الواجب فقط، وإذا زاد وزدت المستحبات، فقد أكملت الإيمان المستحب في هذه الخصلة وهي خصلة محبة الله، ومحبة رسوله، وما يلزم عليها من متابعة النبي ، فالمتابعة هذه هي ميزان ما في القلب من محبتك لله، ومحبتك لرسوله.

الحديث متفق عليه من حديث عبد العزيز، وقتادة، كلاهما عن أنس، وهو من النوع الذي يسمى عند بعض علماء المصطلح: العزيز، فقد رواه عن النبي اثنان تفردا به عنه، وهو نفسه هذا الحديث الذي مثّل به ابن حجر في نخبة الفكر، وله شاهد مرسل من رواية الحسن البصري، وسنده ضعيف.

هنا تنبيه مهم، وبه نختم إن شاء الله، طبعًا هذا التنبيه بناء على ما وقع عند ابن حجر في فتح الباري.

رواية عبد العزيز عن أنس، عندنا هنا في المتن هل ذكر لفظة رواية عبد العزيز؟ قال: "عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي " توقف، ما ذكر لفظها، قال: "حاء" حول الإسناد، وجاب رواية قتادة، ثم ذكر لفظها.

هل اللفظ واحد ولا مختلف؟ رواية عبد العزيز عن أنس، ورواية قتادة عن أنس، كلامنا هنا الآن.

رواية عبد العزيز عن أنس لفظها عند مسلم، مسلم ساق لفظها فقال: (لا يؤمن عبد) وفي حديث عبد الوارث: (لا يؤمن الرجل حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين) ليس والده وولده.

وعند النسائي: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله والناس أجمعين).

قال ابن حجر: "فإن لفظ قتادة مثل لفظ حديث أبي هريرة" -لفظ قتادة عن أنس كلفظ حديث أبي هريرة المتقدم- "لكن زاد فيه: (والناس أجمعين)، ولفظ عبد العزيز مثله، إلا أنه قال كما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن يعقوب شيخ البخاري بهذا الإسناد: (من أهله وماله) بدل (والده وولده)". انتهى المراد.

طبعًا ترجع إلى كلام الحافظ ابن حجر تجد فيه هناك أنه أثبت فرقًا في اللفظ والمعنى بين رواية عبد العزيز وقتادة، فقال هنا: (من أهله وماله)، تختلف حتى من حيث المعنى عن رواية قتادة، والبخاري لم يسقها بلفظها.

لكن هنا إشكال، كيف يعطف البخاري رواية قتادة على رواية عبد العزيز، ولا يذكر رواية عبد العزيز وهي تخالف لفظًا ومعنى؟ هذا مشكل، هذا عند أهل الحديث لا يجوز، لا بد أن يتحد المعنى علشان تعطف العطف هذا، فابن حجر أثبت أن البخاري فعل هذا، ثم أخذ يعتذر له.

وهذا الكلام غير مسلّم وغير صحيح، من أين لابن حجر أن البخاري عنده رواية عبد العزيز تخالف رواية قتادة من حيث المعنى؟ قال لك دليله، والدليل هو رواية ما ساقه ابن خزيمة، ما سمعتَ هنا، قال: "كما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن يعقوب شيخ البخاري" نفس الرواية، البخاري ساقه برواية يعقوب، إذًا هي نفس الرواية، لكن ما ذكر البخاري متنها، ذكره هنا في رواية ابن خزيمة، قال: "(من أهله وماله)" وهنا في فرق في المعنى.

هذا هو دليله، وهذه يفعلها ابن حجر كثيرًا في المواطن التي البخاري لا يذكر فيها المتن يذهب ويأتي بالمتن من طريق شيخ البخاري، ويقول هذه لفظها، لا يلزم، ولا يسلم بهذا الكلام، بل أنا الذي أجزم به أن رواية عبد العزيز بنفس معنى رواية قتادة عند البخاري.

قل لي من وين؟ أقول لك بدليلين:

الأول: إمامة البخاري ودقته التي ظهرت لنا من عمله، والتي ما زالت سيأتي لنا منها الكثير، قل لي هذا تعميم وحكم عام، وربما في هذه ما صنع ما فعل.

أقول لك طيب هذا الدليل الثاني تفضل، اقرأ معي: أخرج ابن منده رحمه الله في كتابه قال: "أخبرنا محمد بن يعقوب، حدثنا محمد ابن إسحاق العسقلاني، حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، وأنبأنا الحسين بن علي، ومحمد قالا، حدثنا محمد بن إسحاق بن المغيرة، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ابن كثير" -من هذا؟ شيخ البخاري، جبنا لك نفس الذي أنت أتيت به أتيناك بواحد مثله، شوف هذا من طريق يعقوب بن إبراهيم شيخ البخاري، قال: "حدثنا إسماعيل بن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك" -نفس الإسناد ولا مش نفسه؟ نفسه، طيب إيش قال- "قال رسول الله : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)".

نفس اللفظ ولا لأ؟ نفسه ما في إلا تقديم الولد والوالد، بس.

أقول لك هذا الذي وقع عليه البخاري، وليست التي أتيت بها، وهذا أمر معلوم أصلًا، وهذا موجود كثير في كلام المحدثين، تجدهم يختلفون على الشيخ، فما يحسن بنا أن نظن بالبخاري هذا الظن بمجرد رواية وردت عندنا كهذه.

شفت الآن شيخ البخاري قد اختلفوا عليه في اللفظ هذا، لأن المحدثين يروون بالمعنى ويظنون أن هذا المعنى مطابق لذاك.

عندك أنت حصل اختلاف في المعنى، لكن عند غيرك ما يظن هذا، لكن على كل حال هذه نفس اللفظة.

قال: "وأنبأ حمزة، حدثنا أحمد، حدثنا أبو خيثم نحوه".

لما يقول نحوه أيش يعني؟ يعني ليس لفظًا، ولكن معنى.

لما يقول مثله: يعني لفظًا معنى.

لكن ما يقول لا مثله ولا نحوه، ثم يسوقه بنفس الإسناد ويترك هكذا، لا، ما يجوز هذا عند المحدثين.

وورد من طريق عبد الوارث عن عبد العزيز بنفس اللفظ رواية قتادة قال فيها: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).

نفس لفظة عبد العزيز، ليس فيها اختلاف سوى تقديم الولد.

وهذه مشكلة عند كثير من الشراح حقيقة، وهي: يعتقدون مسألة، يعتقدون فيها اعتقادًا مذهبًا يأخذونه في المسألة، ويبنون عليه تخطئة المؤلف في فعله، بناءً على المذهب الذي اختاروه، فيلزمونه بهذا المذهب ويخطئونه، ثم بعد ذلك إما أن يدافعوا عنه، أو أن ينتقدوه.

أنت بداية ما تلزمه بمذهبك، انظر عمله هو وابنِ بناء عليه.

إيش المذهب عنده هو في المسألة؟ كيف الحديث وقع له هو، ليس عندك أنت، حتى الحديث لو وقفتَ عليه من طريق شيخ المؤلف، لا يلزم أن يكون كما ذهبت إليه إن وجدت اختلافًا فيه.

فربما يكون قد وقع له عن نفس شيخه بلفظ آخر، سمعه بلفظ آخر، فيكون ذاك الذي أخذه عن شيخه قد رواه بالمعنى، وظن أن المعنى موافقًا، هذه خلاصة ما أردنا أن نذكره اليوم والحمد لله، ونكتفي بهذا القدر اليوم، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الجمعة 12 محرم 1445
عدد المشاهدات 396
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق