السبت 21 جمادة الاخرة 1446 هـ
21 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-78 آخر كتاب التيمم، الحديث 345و346و347و348      

تفريغ شرح صحيح البخاري-15، كتاب الإيمان، الحديث 39 و40

الدرس الخامس عشر 10/02/1445 – 26/08/2023

الحمد لله رب العالمين، أما بعد: فمعنا اليوم الدرس الخامس عشر من دروس شرح صحيح البخاري وصلنا عند الحديث التاسع والثلاثين من كتاب الإيمان، تفضلوا حفظكم الله.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:

"‌‌بَابٌ: الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ»

"«حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ»"

قال المؤلف رحمه الله: "‌‌بَابٌ: الدِّينُ يُسْرٌ" المقصود به دين الإسلام الذي شرعه الله، فشريعته تبارك وتعالى كلها سمحة، سهلة، يسيرة، ليس فيها تشديد وعسر ومشقة شديدة وحرج، قال الله تبارك وتعالى: ﴿‌وَمَا ‌جَعَلَ ‌عَلَيۡكُمۡ ‌فِي ‌ٱلدِّينِ ‌مِنۡ ‌حَرَجۚ﴾ وقال سبحانه: ﴿‌يُرِيدُ ‌ٱللَّهُ ‌بِكُمُ ‌ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ﴾، وقال: ﴿‌لَا ‌يُكَلِّفُ ‌ٱللَّهُ ‌نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾ هذا كله يبرهن أن هذا الدين شرعهُ الله يسيرًا سهلًا.

"وقول النبي ﷺ: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ»" قالوا: "وقول النبي ﷺ" هنا خبره محذوف تقديره: وقول النبي ﷺ واردٌ أو ثابت، هذا بناءً على رفع كلمة قول.

قال ابن حجر: (وهذا الحديث المعلقُ لم يسندهُ المؤلفُ في هذا الكتاب، لأنهُ ليس على شرطه) ثم ذكر من وصله.

الحديث أخرجه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما عن يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الحُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قيل لرسول الله ﷺ: ‌أَيُّ ‌الْأَدْيَانِ ‌أَحَبُّ ‌إِلَى ‌اللَّهِ عز وجل؟ ‌قَالَ: الْحَنِيفِيَّةُ ‌السَّمْحَةُ».

قال ابن حجر: (وهكذا رواه عبد الأعلى، وعبد الرحمن بن مغراء، وعلي بن مجاهد، وغيرهم، عن محمد بن إسحاق، ولم أره من حديثه إلا معنعنًا) محمد بن إسحاق مدلس، والحافظ ابن حجر حافظ، قال لك في جميع الطرق التي وردت لهذا الحديث، ليس في شيء منها تصريح محمد بن إسحاق بالتحديث، ففيه هذه العلة وهي عَنْعَنَةُ ابن إسحاق، وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث، والعلة الثانية: فيه داود بن الحصين في روايته عن عكرمة خاصة ضعف، ضعيف في روايته عكرمة، قال عليُّ بن المديني فيه: "ما روى -يعني داود بن الحصين عن عكرمة- فمنكر"، وقال أبو داود: "أحاديثه عن شيوخه مستقيمة، وأحاديثه عن عكرمة مناكير". فهذا حديث منكر، ذكر الحافظ ابن حجر له شواهد في تغليق التعليق، وكذلك فعل غيره من العلماء، ولكن المنكر منكر لا يتقوى بالشواهد، فحديثُ ابن عباس هذا ضعيف.

قال ابن رجب: "وهذا الإسناد ليسَ على شرطِ البخاري، لأنهُ لا يَحتجُ بابن إسحاق، ولا برواياتِ داود بن الحصينْ عن عكرمة، فإنها مناكير عند ابن المديني، والبخاري لا يخالف في ذلك، وإن كان قد خرجَّ لهما منفردين" خرّج لداود بن الحصين، وخرج لعكرمة، لكنه لم يخرج رواية داود عن عكرمة، ثم ذكرَ شواهدهُ المتصلة وضَعَّفَها ابن رجب رحمه الله.

وأما الحافظ ابن حجر فحسّن إسناده في الفتح، وهو تساهل منه رحمه الله وتساهله في تحسين الأحاديث في الفتح كثير.

وأما معنى الحديث فقال الحافظ في الفتح: (ومعنى «أحب الدين» أي خصال الدين، لأن خصال الدين كلها محبوبة لكن ما كان منها سمحًا أي سهلًا، فهو أحبُّ إلى الله، ويدل عليه ما أخرجه أحمدٌ بسندٍ صحيح من حديث أعرابيٍ لم يُسَمِهِ أنهُ سمعَ رسول الله ﷺ يقول: «خير دينكم أيسره»، أو «الدينُ جِنْسٌ» أي أحب الأديان إلى الله الْحَنِيفِيَّةُ، والمراد بالأديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ، والْحَنِيفِيَّةُ ملة إبراهيم، والْحَنِيفُ في اللغة من كان على ملته إبراهيم، وسُمِيَّ إبراهيم حنيفًا لميله عن الباطل إلى الحق، لأن أصلَ الحَنَفْ الميل، والسَّمْحَةُ السَّهْلَةُ، أي أنها مبنية على السهولة، لقوله تعالى: ﴿وَمَا ‌جَعَلَ ‌عَلَيۡكُمۡ ‌فِي ‌ٱلدِّينِ ‌مِنۡ ‌حَرَجۚ ‌مِّلَّةَ ‌أَبِيكُمۡ ‌إِبۡرَٰهِيمَۚ﴾) انتهى الكلام.

قال ابن بطال: (معنى هذا الباب أيضًا أن الدين اسم واقع على الأعمال؛ لقوله ﷺ: «الدِّينُ يُسْرٌ» ثم بيّن الطريقة التي يجب امتثالها من الدين بقوله: «فسددوا وقاربوا» إلى آخر الحديث، وهذه كلها أعمال سماها ﷺ دينًا، والدين والإسلام والإيمان شيء واحد) انتهى كلامه رحمه الله.

"حدثنا عبد السلام بن مطهر" بن حسام بن مِصَّك بن ظالم بن شيطان الأزْدي أبو ظَفَر البصري، يروي عن أتباع التابعين، ثقة، مات في رجب سنة 224، روى له البخاري، وأبو داود.

هذه أسماء العرب قديمًا ظالم، وشيطان، وأشياء مثل هذه هكذا يجعلون الأسماء مرعبة مخيفة.

كان فيما يعتقدون قديمًا أن أسماء أبنائهم لأعدائهم وأسماء عبيدهم لهم؛ فلذلك كانوا يسمون أبنائهم بأسماء شديدة مخيفة، مرعبة، ويسمون أسماء عبيدهم أسماء لطيفة، جميلة حسنة المعاني؛ لأن هذه لهم وتلك لعدوهم، هكذا طريقتهم؛ لذلك تجدون في أسماء العرب مثل هذا كثير.

"قال: حدثنا عمر بن علي" هو ابن عطاء بن مُقدَّم المـُقدَّمي أبو جعفر البصري، أصله واسطي مولى ثقيف، ثقة كان يدلس تدليس السكوت، هذا نوع من أنواع التدليس تأتي صورته.

من أتباع التابعين مات سنة 190 وقيل بعدها روى له الجماعة.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي -وذكر عمر بن علي، فأثنى عليه خيرًا- وقال: كان يدلس، سمعته يقول حَجَاجُ سَمِعْتُهُ، يعني حدثنا آخر، قال أبي هكذا كان يدلس) انتهى.

وقال محمد بن سعد: (كان ثقةً وكان يدلس تدليسًا شديدًا، يقول سمعت، وحدثنا، ثم يسكت) هذا هو تدليس السكوت ، يقول سمعت وحدثنا ويسكت (ثم يقول هشام بن عروة والأعمش) أنت أيش تظن؟ أنه استمع من هشام بن عروة والأعمش، لكن لا، ليس الأمر كذلك؛ لأنه لم يسمع منهما، أسقط من سمع منه لما سكت، قال حدثنا ثم سكت، سكت عمن؟ عمن حدثه، أسقطه، فيقول كأنه يقول في نفسه فلان وفلان هذا الذين حدثوني، ما يسمعك هذا، ثم قال هشام والأعمش فيظن السامع أن الذي حدثه هشام والاعمش وهو يُقدِّر أن هشام و الأعمش لم يحدثاه، أي هشام والأعمش لم يحدثاني، هذه يذكرها في نفسه، ما يسمعها لك، فيقطع، شيء مسموع وشيء خفي، هكذا أنت تظنه قد سمع من هشام ومن الأعمش وهذه أيضًا مشكلة كيف التعامل معه الآن؟ سيأتي

وقال أبو حاتم: (محله الصدق، لولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادته غير أننا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة) انتهى.

هذا النوع من التدليس يسمونه تدليس السكوت أو تدليس القطع، قال شيخنا الوادعي رحمه الله فيمن يدلس هذا التدليس، قال: "يُتوقف في حديثه إلّا أن يقبله الحفاظ، أو صحح حديثه حافظ من الحفاظ، وإلّا فيتوقف فيه هذا مع تصريحه بالتحديث" انتهى كلامه رحمه الله.

يعني، حتى لو صرح بالتحديث، لا نقبل حديثه، إلا إذا نص حافظ من الحفاظ على صحة هذا الحديث، أو أنهم قبلوا منه حديثًا من الأحاديث، كما يحصل هنا في الصحيحين، يخرجون له أحيانًا، خَرَّجَ له البخاري فمثل هذا نقبله ليش؟! لأن نحن لا قدرة لنا على تمييز حديثه الذي دلس فيه من الذي لم يدلس، بخلاف هؤلاء الحفاظ يعرفون كيف يميزون بين حديثه، ويعرفون ما الذي سمعه وما الذي لم يسمعه حقيقة، فلذلك نعتمد عليهم في ذلك.

قال الحافظ ابن حجر: (ولم أرَ له في الصحيح إلا ما توبع عليه، واحتج به الباقون) انتهى.

يعني الموجود في صحيح البخاري، كله متابع عليه، ما أخرج له منفردًا.

"عن معن بن محمد الغِفاري" هو معن بن محمد بن معن نضلة الغفاري الحجازي من أتباع التابعين، ثقة، روى له البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه، قال الحافظ فيه في التقريب: (مقبول) أي: إذا توبع وإلا فلا.

مقبول يقولها الحافظ ابن حجر، وقد فسرها في مقدمة التقريب، يقول مقبول إذا توبع وإلا فلا، هكذا هو فسرها، وذلك لأنه لم يذكر فيه في تهذيب التهذيب جرحًا ولا تعديلًا، لكن أخرج له.

ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه جمع، ومثل هذا يقول فيه ابن حجر عادة في التقريب مقبول، وقال في الفتح: (وهو مدنيٌ ثقة قليل الحديث) خالف الحافظ ابن حجر حكمُه في الفتح خالف ما في التقريب، ففي الفتح قال هو ثقة قليل الحديث، وهذا هو الصحيح. هذا الصحيح، لا ما قاله في التقريب، لأن البَزَّارْ قال فيه في مسنده: (ومعنٌ رجل من أهل المدينة ليس به بأس) وفي سؤالات الحاكم للدارقطني: (قلت: فمعن بن محمد الطُفاوي؟ قال: ثقة) وهنا وثق الدارقطني رحمه الله معنًا هذا، لكن هل هو نفسه المقصود معنا أم غيره؟ هنا قال الطفاوي، الظاهر والله أعلم أنه هو نفسه، والطُفاوي هذه الظاهر أنها تَصَحَفَتْ، كما أشار إليه محقق الكتاب وبيّن ذلك، تَصَحَفَتْ من أصل اسمه الغَفاري صُحِفَتْ الطفاوي، فعلى ذلك هو ثقة، حتى لو لم يكن هذا هو المقصود، فقول البزار فيه لا بأس فيه يكفي إن شاء الله.

"عن سعيد بن أبي سعيد المقبُري" هو سعيد بن أبي سعيد، واسمه كَيسان المقبُري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورًا لها، أبو سعد المدني، تابعي، ثقة، اخْتَلَطَ قبل موته بأربع سنين، مات في حدود المائة والعشرين، وقيل قبلها، وقيل بعدها، روى له الجماعة.

قال ابن سعد: "وكان سعيد بن أبي سعيد ثقة كثير الحديث، ولكنه كبر وبقي حتى اخْتَلَطَ قبل موته بأربع سنين" انتهى.

قال الذهبي: "ما أَحْسِبُهُ روى شيئًا في مدة اختلاطَهِ، وكذلك لا يوجد له شيء منكر".

هكذا قال الذهبي، لكن هل وافقه الحفاظ؟! وهل سبقه الحفاظ إلى ذلك؟!

هذا قوله يرده قول يعقوب بن شيبة، وابن حبان، ماذا قالا؟

قال يعقوب بن شيبة: "قد كان تغير وكبر واخْتَلَطَ قبل موته، يقال بأربع سنين" وانتبه هنا ماذا قال: "حتى استثنى بعض المحدثين عنه ما كَتَبَ عنه في كِبَرِه مما كَتَبَ قَبْلَهُ"، كتبوا عنه قبل وبعد ولا لا؟ كتبوا عنه قبل الاختلاط، وبعد الاختلاط، قال: "فكان شعبة يقول: حدثنا سعيد المقبُري بعد ما كَبُرْ" انتهى.

إذًا حدث بعد ما كبر أم لا!!؟ حدث بعد ما كبر، ولكنهم ميزوا بينما كتبوا عنه قبل الاختلاط وبعده، فهذا يدل على أنهم كتبوا عنه بعد الاختلاط.

وقال ابن حبان: "وكان قد اختلط قبل أن يموت بأربع سنين" وقال: "في سماع المتأخرين عنه أوهام كثيرة"

كلام الذهبي غير دقيق ولا صحيح.

"عن أبي هريرة" رضي الله عنه "عن النبي ﷺ قال: «إن الدين»" أي: دين الإسلام، "«يسر»" واليسر نقيض العسر، ومعناه: التخفيف "«ولن يشاد الدين أحدٌ»" كما في نسخة "«إلا غلبه»" المشادة: المغالبة، والمعنى: لا يتعمق أحد في الدين ويترك الرفق إلا غلبه الدين، وعجز ذلك المتعمق، وانقطع عن عمله كله أو بعضه.

قال ابن رجب: (ومعنى الحديث: النهي عن التشديد في الدين، بأن يُحَمِّلَ الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة، وهذا هو المراد بقوله ﷺ: «لن يشاد الدين أحد إلا غلبه»، يعني أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة، فمن شاد الدين غلبه وقطعه) انتهى.

وقال ابن حجر: (قال ابن المـُنَيِّر: في هذا الحديث عَلَمٌ من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع، وليس المراد مَنْعَ طَلَبَ الأكمل في العبادة؛ فإنه من الأمور المحمودة؛ بل منع الإفراط المؤدي إلى المِلال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل، فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشمس، فخرج وقت الفريضة) هذا كما يفعل بعض الناس عندنا اليوم، في ليلة السابع والعشرين من رمضان يكبون على المساجد، وصلاة، وعبادة، وقيام ليل والبعض ينام قبل الفجر بقليل ولا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس، والبعض يصلي الفجر قبل دخول وقتها أصلًا، والبعض يصلي الفجر دون أن يعي ما يقول، فرّطوا في الفريضة من أجل أيش؟ أن يبالغوا في نافلة مستحبة، مثل هذا هو المذموم، لا تبالغ في العمل حتى يؤدي ذلك إلى الانقطاع، أو إلى أن يؤثر على ما هو أفضل، أعطي الشيء أو افعل الشيء على قدرِ استطاعتك بالشيء بطريقة لا يكون فيها إفراط ولا تفريط، بهذه الطريقة تستطيع أن تداوم، المداومة أهم من الكثرة، الكثرة تنقطع، المبالغة تنقطع، أما الاعتدال ولو بشيء قليل يدوم والعمل الدائم أحب إلى الله سبحانه وتعالى من المنقطع، حتى إن النبي ﷺ قال: «لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل» تذهب، تقوم الليل إحدى عشر ركعة، عشرين ركعة، ثلاثين ركعة، يوم يومين ثلاثة، وتنقطع، لا، قم بركعتين دائمتين أفضل من هذا القيام، إذا رأيت نفسك أنك إذا قمت بإحدى عشر ركعة استمريت، مشيت ونشاطك طيب ما في مشكلة، هذا الأكمل، طلب الأكمل مطلوب، لكن ليس على حساب المداومة، لا يكون على حساب المداومة، ولا يكون على حساب ما هو أولى وأوجب.

(وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد «إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة») مازال الكلام له، («وخير دينكم أيسره» وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع، كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله) يعني استعمال الماء مع أنه عاجز عن استعمال الماء، لكنه يستعمل الماء ويشدد على نفسه مع أنه له رخصة يتيمم، أنه ما يأخذ بالرخصة، يستعمل الماء ويشدد على نفسه ويدخل على نفسه الضرر هذا مذموم، قال: (فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر) هذا من هذه الصور -صور المبالغة المذمومة-، قال: ("«فسددوا»" أي: الزموا السداد، وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط، قال أهل اللغة: السداد التوسط في العمل) لا إفراط ولا تفريط، ("«وقاربوا»" أي: إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل، فاعملوا بما يَقْرُبُ من الأكمل)

قال ابن رجب: (المقاربة أن يقارب الغرض وإن لم يصبه، لكن يكون مجتهدًا على الإصابة، فيصيب تارة ويقارب تارة أخرى، أو تكون المقاربة لمن عجز عن الإصابة)

يعني أنت تقارب ربما مع مقاربتك تستطيع أن تصل إلى الإصابة أو ربما لا تستطيع، وأنت في جميع الأحوال مع محاولتك فأنت على خير، حتى لو كنت لا تصيب الإصابة مطلقًا، فتقارب، مقاربتك هذه مطلوبة، قال: يقارب (فيصيب تارة ويقارب تارة أخرى، أو تكون المقاربة لم عجز عن الإصابة، كما قال تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾، وقال النبي: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم») انتهى.

يعني تكون الإصابة لمن كان قادرًا على الإصابة، والمقاربة لمن لم يكن قادرًا على الإصابة، أو بالمعنى الأول، حتى وإن كنت أحيانًا تستطيع الإصابة، وأحيانًا لا تستطيع، في الوقت الذي لا تستطيع قارب، كله معاني صحيحة ومرادة.

("«وَأَبْشِرُوا»" أي: بالثواب على العمل الدائم وإن قل، والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره) يعني أبشر بالأجر على جميع الأحوال، بما أنك عملت ما تقدر عليه، قال: (وأبهم المبشر به تعظيمًا له وتفخيمًا) ما يعني أبشروا بأيش؟ تركه، ليش؟ يترك ولا يذكر تعظيما له وتفخيما لأمره.

"«وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ»" استعينوا بأوقات النشاط على العمل، هذا المقصود، سددوا، حاولوا أن تصلوا إلى الصواب، أو قاربوه، واستعينوا على ذلك بأوقات النشاط، ما هي؟ الغدوة يعني إيقاع العمل في أوقات النشاط.

الغدوة قالوا سَيْرُ أول النهار، قال: الجوهري: ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس.

أول النهار من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

"«والروحة»" هذا الوقت الثاني، السَّيْرُ بعد الزوال "«وشيء من الدُّلْجَة»" الدُلْجَة، بضم أوله وفتحه، وإسكان اللام، سير آخر الليل، وقيل: سير الليل كله، ولهذا عبر فيه بالتبعيض، فقال: «وشيء من الدلجة» ولأن عمل الليل أشق من عمل النهار.

قال الشُراحُ: وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر، وكأنه خاطب مسافرًا إلى مَقْصِدٍ فنبهه على أوقات نشاطه؛ لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعًا عجز وانقطع، يعني إذا استمر في المسير في الليل وفي النهار عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة، وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نُقلة إلى الآخرة، وأن هذه الأوقات بخصوصها، أروح ما يكون فيها البدن للعبادة.

قال ابن رجب رحمه الله: (وقوله: «واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة» يعني أن هذه الأوقات الثلاثة أوقات العمل، والسير إلى الله، وهي أول النهار وآخره، وآخر الليل، فالغَدوة أول النهار، والروحة آخره، والدلجة سير آخر الليل، وفي سنن أبي داود عن النبي قال: «إذا سافرتم فعليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل» فسير آخر الليل محمود في سير الدنيا بالأبدان، وفي سير القلوب إلى الله بالأعمال) يعني آخر الليل الوقت وقت الثلث الأخير من الليل، وهذا الوقت العمل فيه مبارك عند الله سبحانه وتعالى وقيامه عظيم.

(وخَرَّجَ البخاري هذا الحديث في أواخر كتابه، وزاد فيه: «والقصدَ القصدَ تبلغوا» يعني أن من داوم على سيره إلى الله في هذه الأوقات الثلاثة مع الاقتصاد بلغ ومن لم يقتصد، بل بالغ واجتهد، فربما انقطع في الطريق، ولم يبلغ) انتهى.

خلاصة المراد من هذا الحديث كله أن الله سبحانه وتعالى قد يسّر هذا الدين علينا والحمد لله، فلا نشدد على أنفسنا، ومن شدد على نفسه انقطع فخسر، فنأخذ باليسر الذي يسر الله سبحانه وتعالى، ونحاول أن نصل إلى السداد، إلى الصواب، بقدر ما نستطيع، من غير أن نبالغ حتى لا ننقطع، وإذا لم نستطع أن نصل إلى الأكمل، نحاول أن نقارب الأكمل، في أعمالنا كلها، في مسيرتنا إلى الله سبحانه وتعالى، وأبشروا، لن يضيع لنا أجرًا عند الله سبحانه وتعالى، والله كريم، حتى مع قلة العمل، إذا داومنا عليه ففضل الله، واسع ودلنا على ثلاثة أوقات هي أوقات النشاط للعمل، نستغلها في ذلك أول النهار، وآخر النهار، وآخر الليل.

وأي وقت تجد نفسك فيه نشيطًا على العمل فاستغله في ذاك الوقت.

هذا الحديث أخرجه النسائي، وابن حبان وغيرهما من طريق المـُقدَّم به.

قال ابن رجب في الفتح: "وهذا الحديث تفرد به البخاري" ليس مطلقا، يعني تفرد به عن مسلم "وتفرد بالتخريج لِمَعَنِ الغفاري"

وقال ابن حجر: ("حدثنا عمر بن علي" وهو المـُقَدَّمِي بضم الميم، وفتح القاف، والدال المشددة، وهو بصري ثقة، لكنه مُدَلِسٌ شديد التدليس، وصفه بذلك ابن سعد وغيره، وهذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم وصححه، وإن كان من رواية مدلس بالعنعنة لتصريحه فيه بالسماع من طريق أخرى، فقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق أحمد ابن المقدام، أحد شيوخ البخاري، عن عمر بن علي المذكور، قال: "سمعت مَعْنَ بن محمد فذكره" وهو من أفراد معن)

المشكلة حتى لو قال سمعت وحدثنا الإشكال باقي طبعًا، لكن كون الحفاظ قد قبلوه انتهى الأمر.

(وهو من أفراد معن بن محمد وهو مدني ثقة قليل الحديث، لكن تابعه على شِقه الثاني ابن أبي ذئب، عن سعيد، أخرجه المصنف في كتاب الرقاق، بمعنى ولفظه: «سددوا وقاربوا» وزاد في آخره: «والقصدَ القصدَ تبلغه» ولم يذكر شقه الأول، وقد أشرنا إلى بعض شواهده، ومنها حديث عروة الفُقَيْمي -بضم الفاء وفتح القاف- عن النبي ﷺ قال: «إن دين الله يسر» ومنها حديث بريدة، قال: قال رسول الله ﷺ: «عليكم هديًا قاصدًا، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه» رواهما أحمد وإسناد كل منهما حسن) انتهى.

فذكر ابن حجر رحمه الله هنا شاهدًا لللفظين الذَين تفرد بهما مَعَنْ في هذا الحديث «الدين يسر»، «ولن يشاد الدين» فقواهما بهذه الشواهد، وللحديث شواهد أخرى، ولم أقف على قولٍ لأحدٍ من الحفاظ ينكر هذا الحديث أو يضعفه، والحمد لله.

"‌‌بَابٌ: الصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ يَعْنِي صَلَاتَكُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ.

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ».

قَالَ زُهَيْرٌ: "حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾".

"‌‌بَابٌ: الصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ" الصلاة عمل، سماها الله تبارك وتعالى إيمانًا، وسائر الأعمال مثلها، الأعمال من الإيمان، والصلاة خصلة من خصاله.

روى الخلال، عن يحيى ابن آدم، قال: "شهد أبو يوسف عند شريك بشهادته، فقال له: قم وأبى أن يجيز شهادته، فقيل له: ترد شهادته؟ فقال: أجيز شهادة رجل يقول الصلاة ليست من الإيمان؟!"

أي أنه ينكر هذا، كيف يقبل شهادة رجل يقول الصلاة ليست من الإيمان؟!

وعن جعفر بن أحمد بن سام، عن أحمد بن حنبل قال: "قال أصحاب رسول الله ﷺ حين حولت القبلة إلى البيت: فكيف بصلاتنا التي صلينا إليها؟ فأنزل الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ فسمعت أحمد بن حنبل يقول: فجعل صلاتهم إيمانًا، فالصلاة من الإيمان"

وقال أبو عبيد القاسم ابن سلام -توفي سنة 224- في كتاب الإيمان: "والشاهد على أن الصلاة من الإيمان قول الله عز وجل: ﴿وَمَا ‌كَانَ ‌ٱللَّهُ ‌لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، وإنما نزلت في الذين توفوا من أصحاب رسول الله ﷺ، وهم على الصلاة إلى بيت المقدس، فسئل رسول ﷺ فنزلت هذه الآية، قال أبو عبيد فأي شاهد يُلتمس على أن الصلاة من الإيمان بعد هذه الآية؟" انتهى.

قال اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة: "سياق ما روي عن النبي ﷺ في أن الصلاة من الإيمان، وروي ذلك من الصحابة عن عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وأبي الدرداء، والبراء، وجابر بن عبد الله، وعنه -أي جابر-: أنه سئل ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله ﷺ؟ قال: الصلاة، وعن الحسن: بلغني أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يقولون: بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يدع الصلاة من غير عذر، وبه قال من التابعين: مجاهد، وسعيد بن جبير، وجابر بن زيد، وعمرو بن دينار، وإبراهيم النخعي، والقاسم بن مخيمرة، ومن الفقهاء: مالك، والأوزاعي، والشافعي، وشريك بن عبد الله النخعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد القاسم ابن سلام" انتهى.

وقال أبو القاسم قِوام السنة في "الحُجَة في بيان المحَجَة": (الإيمان في الشرع عبارة عن جميع الطاعات الباطنة والظاهرة، وقالت الأشعرية: الإيمان هو التصديق، والأفعال والأقوال من شرائعه لا من نفس الإيمان، وفائدة هذا الاختلاف أن من أخل بالأفعال، وارتكب المنهيات، لا يتناوله اسم مؤمن على الإطلاق) أي: عند أهل السنة يعني الإطلاق يعني بشكل مطلق هذا مؤمن كامل الإيمان يعني (فيقال هو ناقص الإيمان لأنه قد أخل ببعضه، وعندهم) أي الاشاعرة (يتناوله الاسم على الإطلاق لأنه عبارة عن التصديق وقد أتى به، دليلنا قوله تعالى: ﴿‌إِنَّمَا ‌ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ‌ٱلَّذِينَ ‌إِذَا ‌ذُكِرَ ‌ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ﴾ إلى قوله: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقًّاۚ﴾، ووصفهم بالإيمان الحقيقي لوجود هذه الأفعال، وقال تعالى) وهذا الشاهد (﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ يعني صلاتكم، فأطلق عليها اسم الإيمان وهي أفعال) انتهى.

هذه أقوال أهل السنة في أن الصلاة إيمان.

قال الإمام البخاري رحمه الله: "وقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾، يعني صلاتكم عند البيت" ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أي: لا يفعل الله ذلك تبارك وتعالى، يضيع بمعنى يترك إيمانكم سُدًا بدون مجازاة عليه، والمراد بإيمانهم هنا: صلاتهم إلى بيت المقدس، وهذا عام للذين ماتوا قبل تحويل القبلة، ومن بقوا حتى حولت، والحديث الذي سيذكره المؤلف يبين سبب نزول الآية.

قال ابن رجب: (قال عبيد الله بن موسى: هذا الحديث يخبرك أن الصلاة من الإيمان، وهذا هو الذي بوب عليه البخاري في هذا الموضع، ولأجله ساق حديث البراء فيه، وكذلك استدل ابن عيينة وغيره من العلماء، على أن الصلاة من الإيمان، وممن روي عنه أنه فسر هذه الآية بالصلاة إلى بيت المقدس ابن عباس، من رواية العوفي عنه، وسعيد بن المسيب، وابن زيد، والسدي وغيره، وقال قتادة والربيع بن أنس: نزلت هذه الآية لما قال قوم من المسلمين: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ وهذا يدل على أن المراد بها الصلاة أيضًا؛ لأنها هي التي تختص بالقبلة من بين الأعمال، ولم يَذكر أكثر المفسرين في هذا خلافًا وأن المراد بالإيمان هاهنا الصلاة، فإنها عَلَم الإيمان، وأعظم خصاله البدنية) انتهى المراد.

قال البيهقي: (وأجمع المفسرون على أنه أراد به صلاتكم إلى بيت المقدس، فثبت أن الصلاة إيمان، وإذا ثبت ذلك فكل طاعة إيمان، إذ لا فرق يفرق بينهما) انتهى.

الشاهد هنا نقل الإجماع، أجمع المفسرون على ذلك، فأراد البخاري رحمه الله بهذا الباب وغيره من الأبواب؛ كالزكاة من الإيمان، والجهاد من الإيمان... أراد بهذه الأبواب كلها الرد على المرجئة القائلين بأن الإيمان قول بلا عمل، وأن الإيمان شيء واحد، وبيّن ضلالهم ومخالفتهم الكتاب والسنة، فأثبت أن هذه الأعمال من الإيمان، وأن الإيمان ذو شُعب، وأنها من شعبه.

ولا بد من التنبه لما يقع في كتب الشروح -شروح الحديث- بعضهم يشرح بالطريقة التي أرادها البخاري رحمه الله، فيقرر عقيدة أهل السنة والجماعة، وبعضهم يقرر عقيدة المرجئة، ويحرّف كلام البخاري رحمه الله، أو أنه على أحسن أحواله يميع المسألة، يُمَيُعُها فيجعل المسألة كأنها مسألة فقهية قد اختلف فيها العلماء، فقول هكذا وقيل كذا وربما كذا، ولعله كذا، تمييع للدين، وهذا قد تأثر به الكثير من المتأخرين، هذا الأسلوب، فجعلوا مسائل العقيدة تطرح كأنها تطرح مسألة قد اختلف فيها من مسائل الطهارة، أو من مسائل الزكاة، أو غيرها من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، وصارت مسألة فقهية لا نصوص فيها لا من الكتاب ولا من السنة ولا فيها أي شيء، فلا بد من الحذر من هذا الأسلوب.

حتى الذي يأتي مبتدع ويقرر بدعته بشكل صريح، ويقول لك هذا كلام أهل السنة، وهو باطل وقولنا هو الحق، والإرجاء هو الصواب، أهون من هذا الذي يميع الدين، ويوهمك أنك كله صواب، وكله صحيح، وأنت تختار من بين الأقوال، هذا خطره أعظم من خطر الأول.

مع أن ذاك أضل في عقيدته؛ لكن هذا من حيث الخطورة أخطر؛ لأنه يصور للناس أن المسائل العقائدية يجوز فيها الاجتهاد، ويجوز فيها الصواب والخطأ، فهذا باطل الكلام، وقد تأثر كثير من الناس بهذا الأسلوب، فصارت الأمور يعني فوضى؛ في مسألة التَمَيُّزْ الذي كان يحرص عليه السلف رضي الله عنهم بين أهل السنة والجماعة وبين أهل البدع قد قضي عليه إلا عند من رحم الله سبحانه وتعالى في هذا الزمن، وصار حتى الذي يزعم أنه سني يتعامل مع المبتدع كأنه رجل قد اجتهد في مسألة فقهية خلافية لا نصوص فيها، وقال وأخطأ فيها، ويعامله بناء على ذلك يقول لك اجتهد وأخطأ، ولا يمنعه ذلك أن يكون أكيله له جليسه ومؤانسه، لا يمنعه من ذلك شيء، وهذا الأمر خطير، غاية في الخطورة، إذ فيه خلط للحق بالباطل ولبس الحق بالباطل، وتضييع الحق وتمييزه عن الباطل.

قال ابن بطال المالكي: (هذا مذهب جماعة أهل السنة، أن الإيمان قول وعمل)

قال أبو عبيد: (وهو قول مالك والثوري والأوزاعي ومن بعدهم من أرباب العلم والسنة الذين كانوا مصابيح الهدى، وأئمة الدين من أهل الحجاز والعراق والشام وغيره، وهذا المعنى أراد البخاري رحمه الله إثباته في كتاب الإيمان، وعليه بوب أبوابه كلها، فقال: "باب أمور الإيمان، وباب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وباب إطعام الطعام من الإيمان، وباب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحبه نفسه، وباب حب الرسول ﷺ من الإيمان، وباب الصلاة من الإيمان، وباب الزكاة من الإيمان، وباب الجهاد من الإيمان" وسائر أبوابه، وإنما أراد الرد على المرجئة لقولهم إن الإيمان قول بلا عمل، وتبيين غلطهم وسوء اعتقادهم، ومخالفتهم للكتاب والسنة، ومذهب الأئمة" انتهى.

وفي شرحه قال :(هذه الآية أقطع الحجج للجهمية والمرجئة في قولهم إن الفرائض والأعمال لا تسمى إيمانًا، وقولهم خلاف نص التنزيل؛ لأن الله سمى صلاتهم إلى بيت المقدس إيمانًا، ولا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في صلاتهم إلى بيت المقدس) انتهى المراد.

أخرج ابن عبد البر عن أشهب بن عبد العزيز قال: قال مالك: "أقام الناس يصلون نحو بيت المقدس 16 شهرًا، ثم أُمروا بالبيت الحرام، فقال الله تعالى: ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾ أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، قال مالك: "وإني لأذكر بهذه الآية قول المرجئة إن الصلاة ليست من الإيمان".

وروى عن الشافعي قال: الإيمان قول وعمل، واعتقاد بالقلب، ألا ترى قول الله عز وجل: ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾ يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانًا، وهي قول وعمل وعقد، وقال: ومن الدلائل على أن الإيمان قول وعمل، كما قالت الجماعة والجمهور قول الله عز وجل: ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾ لم يختلف المفسرون أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانًا" انتهى.

كلام الإمام مالك والإمام الشافعي، والإمام أحمد، كلام واضح وصريح في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة الإيمان، ويأتيك الأشعري والمرجئ وغيرهم، ويقول لك نحن شافعية، نحن مالكية ونحن حنابلة، وتجده مرجئ بعيدًا كل البعد عن عقيدة أهل السنة والجماعة، أين شافِعِيَتَكَ ومالِكِيَتَكَ وحَنْبَلِيَتَكَ؟ إنما هي الأهواء والله المستعان.

وقوله: "يعني صلاتكم عند البيت" يريد إلى بيت المقدس بهذا في اختصره جمع من السلف وقال: صلاتكم نحو بيت المقدس.

لكن اختلفوا في لفظ البخاري، قال: صلاتكم عند البيت، وليس إلى البيت المقدس، أو إلى البيت، فقال البعض: معنى كلامه يعني صلاتكم بمكة عند البيت الحرام إلى بيت المقدس، هكذا تأولوا كلامه وهذا تأويل، المهم مراد البخاري واضح.

قال النووي: "قول البخاري أي: "صلاتكم عند البيت" هكذا وقع في الأصول عند البيت، وهو مشكل؛ لأن المراد صلاتكم إلى بيت المقدس، هذا مراده، وكان ينبغي أن يقول أي صلاتكم إلى بيت المقدس، وهذا هو مراده فيتأول كلامه عليه" يعني ينبغي أن نتأول كلامه نفهمه بناء على ذلك، قال: "ولعل مراد البخاري بقوله عند البيت مكة أي صلاتكم بمكة، وكانت إلى بيت المقدس، والمراد بالبيت الكعبة، زاد الله تعالى تشريفًا وتعظيمًا" انتهى.

ذكر ابن حجر في الفتح سبب استعماله هذا اللفظ، المهم في الموضوع أن مراد البخاري واضح المراد بصلاتكم إلى بيت المقدس.

"حدثنا عمرو بن خالد" وهو ابن فروخ بن سعيد بن عبد الرحمن بن واقد، أبو الحسن الحراني، ثقة تقدم، قال أبو علي الغساني الجياني في كتابه تقييد المهمل: (قال البخاري: "حدثنا عمرو بن خالد..." وذكر الإسناد، وقال: (وذكر شأنه تحويل القبلة، قلت) الكلام للغساني (كان في نسخة أبي زيد المروزي: "حدثنا عُمر بن خالد") في نسخة من نسخ البخاري، حدثنا عُمر بن خالد، وليس عمرو بن خالد، قال: (هكذا نقله عنه أبو الحسن القابسي، وأبو الفرج عبدوس بن محمد الطليطلي، وذلك وهم والصواب عَمْرو بفتح العين، والسكون الميم، وهو عَمْرو بن خالد الحراني الجزري، وليس في شيوخ البخاري من يقال له: عُمر بن خالد) انتهى.

إذًا عُمَر خطأ، والصواب عَمْرو، والواو أدخلها العرب في كتابة عَمْرو من أجل التفريق بين عُمَر وعَمْرو، حتى لا يحصل هذا الخلط لأن ما كان في ضبط في تشكيل فتح العين، ما كان في فرق، فلذلك وضع الواو فرقًا، وكثير من العامة اليوم يقولون عمرو، وهذا جهل خطأ ما ينبغي أن تنطق بالواو، قال عَمْرو وليس عمرو، هذه الواو فقط للتفريق بين عُمَر وعَمْرو.

"قال: حدثنا زهير" هو ابن معاوية بن حُدَيج الجُعفي أبو خيثمة الكوفي، سكن الجزيرة، من أتباع التابعين، ثقة، حافظ، متقن، صاحب سنة؛ إلا أن سماعه من أبي إسحاق السبيعي كان بعد اختلاط أبي إسحاق.

مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين ومائة روى له الجماعة.

وهو متابع في روايته لهذا الحديث عن أبي إسحاق متابع عند المصنف وغيره.

قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: زهير فيما روى عن المشايخ ثبت، بخ بخ، وفي حديثه عن أبي إسحاق لين، سمع منه بأخرة.

وقال أبو زرعة: ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط.

وقال أبو حاتم: زهيرٌ أحب إلينا من إسرائيل في كل شيء إلا في حديث أبي إسحاق، وقال: زهير ثقة متقن صاحب سنة.

قال ابن حبان: (مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين ومائة في رجب، وكان حافظًا متقنًا، وكان أهل العراق يقولون في أيام الثوري: إذا مات الثوري، ففي زهير خلَف، وكانوا يقدمونه في الإتقان على غيره من أقرانه) انتهى.

"قال: حدثنا أبو إسحاق" هو عمرو بن عبد الله بن عبيد، ويقال عمرو بن عبد الله بن علي، ويقال عمرو بن عبد الله ابن أبي شعيرة أبو إسحاق السبيعي الكوفي، سبيع من همدان.

تابعي ثقة مدلس اختلط بأخرة مات سنة 127 وقيل غير ذلك، روى له الجماعة.

قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: أيهما أحب إليك: أبو إسحاق أو السدي؟ فقال: أبو إسحاق ثقة، ولكنّ هؤلاء الذين حملوا عنه بأخرة" انتهى.

وقال أبو حاتم الرازي في العلل لابنه: (يقال إن زهيرٌ) هكذا هي جاءت بالرفع زُهَيْرٌ، ليست زُهَيْرًا (يقال إن زهيرٌ سمع من أبي إسحاق بأخرة، وإسرائيل سماعه من أبي إسحاق قديم، وأبو إسحاق بأخرة اختلط، فكل من سمع منه بأخرة فليس سماعه بأجود مما يقول) انتهى.

قال ابن حجر: "عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي، أحد الأعلام الأثبات، قيل: اختلط ولم أرَ في البخاري من الرواة عنه إلا عن القدماء من أصحابه كالثوري، وشعبة، لا عن المتأخرين كابن عيينة وغيره، واحتج به الجماعة"

رواية زهير عنه هنا ترد ما قاله الحافظ ابن حجر، لأن زهير روى عنه بعد الاختلاط، قد أخرج له البخاري، نعم، هو متابع لا شك، والحفاظ أثبتوا اختلاطه، وذكروا ضعف حديث من حمل عنه بأخرة منهم زهير وابن عيينة، فلا عبرة بمنازعة المتأخرين بعد ذلك، القول قول الحفاظ في هذا.

قال أبو إسحاق: "ذهبت الصلاة مني وضعفت، فما أصلي إلا بالبقرة وآل عمران"

هذا بعد الضعف، فما لنا إلا أن نبكي على حالنا والله المستعان.

"عن البراء" في روايةٍ زيادة: "ابن عازب" وهو البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي رضي الله عنه، في نفس سن ابن عمر رضي الله عنه، صحابي ابن صحابي، نزل الكوفة، ومات بها، استصغر يوم بدر، شهد مع النبي ﷺ أحدًا، وغزا معه أربع عشرة غزوة، وفي رواية خمس عشرة غزوة، وشهد مع علي الجمل، وصفين، وقتال الخوارج، ونزل الكوفة، وابتنى بها دارًا، ومات في إمارة مصعب بن الزبير.

قال الذهبي: "له في الصحيحين اثنان وعشرون حديثًا، وانفرد البخاري بخمسة عشر حديثًا، ومسلم بستة" انتهى.

هذا الإسناد فيه علتان، وكلاهما في أبي إسحاق: التدليس والاختلاط.

ولكن كما ذكرنا، زهير متابع، زهير حمل عنه بعد الاختلاط، ولكنه متابع، تابعه جمع في الصحيحين وغيرهما، منهم إسرائيل وسفيان الثوري، وصرح أبو إسحاق بالتحديث في الصحيحين وغيرهما فزالتا والحمد لله، ما بقيت علة.

"أن النبي ﷺ كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده، أو قال: أخواله من الأنصار"

مدينة رسول الله ﷺ كانت تسمى يثرب، ثم سميت المدينة، سكانها الأوس والخزرج، سموا الأنصار لنصرتهم للنبي ﷺ، نزل النبي ﷺ على أخواله أو أجداده، هؤلاء الأنصار الذين هم الأوس والخزرج، فيهم نسب من النبي ﷺ أو للنبي ﷺ، فإنهم أجداده وأخواله من جهة جد أبيه هاشم ابن عبد مناف، فإنه تزوج بالمدينة امرأة من بني عدي بن النجار، يقال لها سلمى بنت عمرو، فولدت له ابنه عبد المطلب، فهم أخوال عبد المطلب.

قال ابن رجب: (ففي حديث البراء هذا "أن النبي ﷺ لما قدم المدينة، نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار" وظاهره يدل على أنه نزل على بني النجار) لأن بني النجار هم أخوال جده، (لأنهم هم أخواله وأجداده، وإنما أراد البراء جنس الأنصار دون خصوص بني النجار) لماذا قال هذا؟ لماذا لا يكون قد نزل على بني النجار؟! قال: (وقد خرّج البخاري في كتاب الصلاة وأبواب الهجرة من حديث أنس: "أن النبي ﷺ لما قدم المدينة، نزل في علوِّ المدينة، في حيٍ يقال لهم بنو عمرو بن عوف) هذا تخصيص، هذا تخصيص لهذا الحي (فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاؤوا متقلدين سيوفهم، قال وكأني أنظر إلى رسول الله ﷺ على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وذكر الحديث...") انتهى.

"وأنه صلى قِبَلَ" أي: إلى جهة بيت المقدس، يعني النبي ﷺ.

"بيت المقدس" المقدس مصدر ميمي كالمرجع، أو اسم مكان من القدس وهو الطُهر، أي المكان الذي يُطهّر فيه العابد من الذنوب بعبادته، أو تطهر العبادة من الأصنام، ويقال المقدَّس، أي المطهر، اسم مفعول من التقديس، أي التطهير، والنسبة إليه مقدسي.

قال أهل اللغة: يقال القُدُسْ والقُدْس، الطُّهر: اسم مصدر وله أسماء أخرى.

"ستة عشر" في رواية زيادة "شهرًا" "أو سبعة عشر شهرًا" هكذا رواه جمع من الثقات عن أبي إسحاق بالشك "ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا"

ورواه جمع آخرون بدون شك: "ستة عشر"

وروي في غير حديث البراء: "ستة عشر" في مرسل سعيد بن المسيب.

وروي في حديث ابن عباس، وفي روايات أخرى ضعيفة، في غير حديث البراء "ثمانية عشر".

وفي بعضها "سبعة عشر"، وقيل غير ذلك.

قال النووي: (وقع هنا "ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا" على الشك، وهكذا هو في أكثر الروايات، وفي رواية في صحيح مسلم وغيره عن البراء "ستة عشر" بلا شك، فيتعين اعتمادها، والله أعلم) انتهى.

وقواه ابن الملقن هذا القول، الظاهر أن الصحيح من الروايات عن أبي إسحاق: الشك وستة عشر، والجزم بستة عشر جاء في رواية أبي إسحاق، وفي غيرها.

ولا يصح ما ورد بالجزم بسبعة عشر أو ثمانية عشر، أو غير ذلك...

وعلى هذا يكون الصواب: "ستة عشر"، والله أعلم.

قال ابن الملقن: "والشهر سمي بذلك لشهرته عند الناس كلهم، لاحتياجهم إلى معرفته في عبادتهم ومعايشهم، يقال: شهرت الشيء إذا أظهرته، وفي لغة رديئة: أشهرته، حكاه الزبيدي" انتهى.

قال ابن رجب: (وقد اختلف الناس هل كان النبي ﷺ بمكة قبل هجرته يصلي إلى بيت المقدس أو إلى الكعبة) هما قولان (فروي عن ابن عباس: "أنه كان يصلي بمكة نحو بيت المقدس، والكعبة بين يديه" خرجه الإمام أحمد، وقال ابن جريج: صلى أول ما صلى إلى الكعبة) هذا القول الثاني (ثم صُرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلت الأنصار قبل قدومه ﷺ إلى بيت المقدس ثلاث حِجج، وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرًا، ثم وجهه الله إلى البيت الحرام) يعني هنا صار في نسخ ونسخ، صار عندنا نسخان (وقال قتادة: صلت الأنصار قبل قدومه ﷺ المدينة نحو بيت المقدس حولين، واستدل من قال) أي من قال صلى إلى الكعبة أولًا استدل بهذا الحديث، (إنما صلى النبي ﷺ إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، فدل على أنه لم يصلِ إليه غير هذه المدة، لكن) كلام ابن رجب (لكن يقال: إنه إنما أراد بعد الهجرة (الكلام بعد الهجرة، ليس قبل ذلك، إلى آخر ما قال رحمه الله...

الظاهر أنه كان يصلي إلى بيت المقدس، ثم أُمر بالتوجه إلى كعبة، ولا يوجد دليل صحيح يدل على خلاف هذا، والله أعلم.

"«وكان يعجبه»" أي كان يحب ﷺ "أن تكون قبلته قِبل البيت" أي: نحو الكعبة، كان يصلي إلى بيت المقدس لكنه كان يحب أن تكون قبلته إلى الكعبة، كما جاء عند البخاري في بعض طرق الحديث: "وكان رسول الله ﷺ يحب أن يُوجَّه إلى الكعبة"

قال ابن رجب: ويشهد له قوله تعالى: ﴿‌قَدۡ ‌نَرَىٰ ‌تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةً تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ﴾.

"وأنه" في رواية زيادة: "صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر" أي: أول صلاة صلاها متوجهًا إلى الكعبة صلاة العصر "وصلى معه قوم" جماعة "فخرج رجل ممن صلى معه" اختلف في هذا الرجل من هو؟ ذكر الخلاف وأدلته ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة عبّاد بن بشر، وذكره غيره أيضًا، بعضهم قال هو عباد بن بشر، منهم من قال عباد بن نهيك، وبعضهم قال هذا، وهذا أقوال، ذكرها هناك، وذكر أدلتها، يعتمدون على حديث تُوَيْلَة، هذا يحتجون به، وهو حديث ضعيف لا يثبت، ولا يصح في ذكر اسم الرجل شيء.

"فمر على أهل مسجد" من الأنصار، قيل مسجد بني سَلِمَة، وقيل مسجد بني حارثة، وقيل مسجد قُباء، قال ابن الملقن: (هؤلاء ليسوا أهل قباء) الذين جاء ذكرهم في هذا الحديث تحويل القبلة، قال: (بل أهل مسجد بالمدينة، وهو مسجد بني سَلِمة، ويُعرف بمسجد القبلتين، ومر عليهم المار في صلاة العصر، وأما أهل قُباء فأتاهم الآتي في صلاة الصبح، كما صرح به البخاري ومسلم في موضعه من حديث ابن عمر، قال ابن عمر: "بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آتٍ، فقال إن رسول الله ﷺ قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمِرَ أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشأم، فاستداروا إلى الكعبة").

قال ابن حجر في شرحه لحديث: "بينا الناس بقباء في صلاة الصبح" وهو حديث ابن عمر سيأتي إن شاء الله، قال: (وهذا فيه مغايرة لحديث البراء المتقدم) يعني الذي معنا، قال: (فإن فيه أنهم كانوا في صلاة العصر) يعني حديث البراء فيه صلاة العصر، وحديث ابن عمر في صلاة الصبح، (والجواب: أن لا منافاة بين الخبرين، لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة، وهم بنو حارثة، وذلك في حديث البراء، والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر، أو ابن نهيك، كما تقدم، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هم خارج المدينة، وهم بنو عمرو ابن عوف أهل قباء، وذلك في حديث ابن عمر، ولم يسم الآتي بذلك إليهم) وقال: (ومما يدل على تعددهما أن مسلمًا روى من حديث أنس أن رجلًا من بني سلِمة مر وهم ركوع في صلاة الفجر، فهذا موافق لرواية ابن عمر في تعيين الصلاة، وبنو سلِمة غير بني حارثة) هكذا قال ابن حجر، وقال غيره نفس كلام وبنفس طريقة الجمع.

وقال ابن رجب: (وفيه نظر) لم يسلم بهذا الكلام.

"وهم راكعون" أي وهم يصلون، وصل إليهم الرجل وهم يصلون، أصحاب هذا المسجد، وهم في ركوعهم، "فقال: أشهد بالله" أي أحلف، "لقد صليت مع رسول الله ﷺ قِبَلَ مكة" أي اتجهنا في صلاتنا مع النبي ﷺ نحو مكة، يعني اتخذنا مكة قبلتنا، أي كانت قبلتنا إلى مكة، قال اتجهنا معه إلى مكة في صلاتنا، فلما سمع أهل المسجد منه هذا قال "فداروا كما هم قِبَلَ البيت" أي غيروا قبلتهم، واتجهوا نحو البيت الحرام، وهم في صلاتهم، ما قطعوا الصلاة، استمروا في صلاتهم على حالهم بس غيروا القبلة فقط، فصلوا صلاة واحدة إلى جهتين بدليلين شرعيين.

قال ابن عبد البر: أجمع العلماء أن شأن القبلة أولُ ما نسخ من القرآن، وأجمعوا أن ذلك كان بالمدينة، وأن رسول الله ﷺ إنما صُرف عن الصلاة إلى بيت المقدس، وأمر بالصلاة إلى الكعبة بالمدينة.

وقال ابن رجب: (ولا خلاف أن ذلك كان في السنة الثانية من الهجرة، لكن اختلفوا في أي شهر كان)

"وكانت اليهود وقد أعجبهم، إذ كان يصلي قِبَلَ بيت المقدس" اليهود أعجبهم أن النبي ﷺ كان متوجهًا في صلاته إلى بيت المقدس؛ لأنهم يتوجهون إلى بيت المقدس فهي قبلتهم، فأعجبهم هذا لكونه موافقًا لهم في ذلك، "وأهلُ الكتاب" وأهل الكتاب أعجبهم ذلك أيضًا، قال أهل العلم: هو من عطف العام على الخاص، اليهود من أهل الكتاب، أهل الكتاب أعم، عطف العام على الخاص، قالوا: أو المراد النصارى خاصة، فهو من إطلاق العام والمراد الخصوص، لكن النصارى قبلتهم ليست بيت المقدس، لذلك قالوا إعجابهم ذلك ليس لكونه قبلتهم، بل بطريق التبعية لهم، كذا قال الشراح.

"فلما ولى" النبي ﷺ "وجهه قِبَلَ البيت" يعني نحو الكعبة، لما اتجه ﷺ في صلاته إلى الكعبة "أنكروا ذلك" في رواية عند البخاري ستأتي إن شاء الله تُعرّفنا من هؤلاء الذين أنكروا ذلك.

"فأنزل الله: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس وهم اليهود" هكذا الرواية "وهم اليهود ﴿‌مَا ‌وَلَّىٰهُمۡ ‌عَن ‌قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسۡتَقِيمٍ﴾" فالذين أنكروا ذلك في هذه الرواية هم اليهود، ولا يمنع أن يوجد غيرهم أيضًا أنكر ذلك كالمنافقين مثلًا والنصارى وغير ذلك، لكن اليهود هم الذين نُص عليهم في هذا الحديث.

"قال زهير:" هو ابن معاوية، قال ابن حجر: (بالإسناد المذكور) "قال زهير" يعني بالإسناد المتقدم، قال: (بالإسناد المذكور بحذف أداة العطف كعادته) يعني بدون واو-وقال زهير- "قال زهير" قال: (ووهم من قال إنه معلق، وقد ساقه المصنف في التفسير مع جملة الحديث عن أبي نعيم، عن زهير سياقًا واحدًا) ذكره كله كاملًا هناك، إذًا هذا ليس معلقًا، ومتصل كالإسناد المتقدم.

"حدثنا أبو إسحاق" السبيعي "عن البراء" بن عازب "في حديثه هذا أنه مات على القبلة" أي وهم يصلون إلى بيت المقدس "قبل أن تحول إلى مكة رجال وقتلوا" يعني مات رجال وقُتل رجال وهم يصلون إلى بيت المقدس، ما الذي سيحصل مع هؤلاء؟ ما الذي سيحصل في صلاتهم التي كانوا يصلوها وقد نسخت القبلة؟ هل سيبطل عملهم هذا أم سيؤجرون عليه؟ هذا التساؤل، لكن هنا قال قوله في الرواية رجال وقتلوا، ماتوا وقتلوا، قال ابن حجر: (ذِكر القتل لم أره إلا في رواية زهير، وباقي الروايات إنما فيها ذكر الموت فقط، وكذلك روى أبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم صحيحًا عن ابن عباس) انتهى.

حديث ابن عباس من رواية سِمَاك، عن عكرمة، عن ابن عباس، وهي معلّة.

وقال ابن حجر: (ولم أجد في شيء من الأخبار أن أحدًا من المسلمين قُتل قبل تحويل القبلة، لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع) هذا استدراك في محله وصحيح، لا يلزم إذا قتلوا أن يذكروا لنا، قال: (فإن كانت هذه اللفظة محفوظة، فتحمل على أن بعض المسلمين ممن لم يشتهر قُتل في تلك المدة في غير الجهاد) لأن الجهاد لم يشرع بعد (ولم يُضبط اسمه لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك) يعني: إذا كانت محفوظة فإذًا أكيد يوجد من قتل كما ذكر، مش شرط يكون قتل في الجهاد ممكن قتل تعذيبًا من قبل الكفار، الذين كانوا يعذبون المسلمين، ولكنه لم يذكر، لكنه ذكر أيضًا بعد ما ذكر هذا الكلام، ابن حجر ذكر بعض الروايات التي فيها احتمال أن يكون أفراد قد قتلوا في ذاك الوقت، ما في مهم، الأمر سهل إن شاء الله، إذا صحت كما قال إذا صحت فإذًا وُجد من قتل أكيد، وإذا ما صحت خلاص ينتهي الأمر.

قال: "فلم ندرِ ما نقول فيهم" أي: فلم نعلم أن طاعتهم ضائعة، هؤلاء الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس أم لا؟ "فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿‌وَمَا ‌كَانَ ‌ٱللَّهُ ‌لِيُضِيعَ ‌إِيمَٰنَكُمۡۚ﴾" أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فأجر صلاتهم تلك محفوظ وإن نُسخت القبلة، ولم يضيعها الله سبحانه وتعالى عليهم.

- فوائد هذا الحديث، من الفوائد المستنبطة التي ذكرها أهل العلم:

§ الرد على المرجئة في إنكارهم أن الأعمال من الإيمان، هذا دليل قوي جدًا عليهم، ما لهم مجال للفرار منه، فكان الواجب عليهم أن يسلموا، لكنهم أهل البدع، لذلك يقول العلماء: من خالف السنة في مثل هذه فهو من أهل البدع، ليش؟ لأنه خالف نصوصًا واضحة وصريحة ولا تحتمل، ما في مجال له، ما من عذر له في تركها وعدم الأخذ بها، خاصة أن السلف جميع نصوصهم متواترة عنهم في هذا، ما الذي جعله يترك كل هذا ويذهب إلى بدعته وضلاله؟!

§ وفيه: أن الصلاة إيمان، وقد اتفق المفسرون وغيرهم على أن المراد به هنا الصلاة، وكذا ذكره البراء في حديث الباب بفحواه، وإن لم يصرح به، والآية إنما نزلت في صلاتهم إلى بيت المقدس، وقال ابن إسحاق وغيره: ﴿ليضيع إيمانكم﴾ بالقبلة الأولى، وتصديقكم بنبيكم واتباعكم إياه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطينكم أجرهما جميعًا.

§ وفيه: بيان شرف المصطفى ﷺ وكرامته على ربه لإعطائه له ما أحب من غير تصريح بالسؤال.

§ وفيه: أن محبة الإنسان الانتقال من طاعة إلى أكمل منها ليس قادحًا في الرضى؛ بل هو محبوب.

§ وأن من لم يعلم بفرض الله، ولم تبلغه الدعوة، ولا أمكنه استعلام ذلك من غيره، فالفرض غير لازم له، والحجة غير قائمة عليه، هؤلاء القوم صلوا إلى غير القبلة، مع أنها كانت منسوخة، وأكملوا صلاتهم، ولم يقطعوها، فصلاتهم كانت صحيحة؛ لأنهم عملوا بما علموا، ولم يعلموا أكثر من ذلك، وكما قال أحد السلف: لقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، هذا لم يسئ، قد أحسن، هذا منتهى علمه، ولم يقصر في التعلم، خلاص انتهى.

§ قالوا: وجواز الصلاة الواحدة إلى جهتين بدليلين، فمن صلى بالاجتهاد إلى جهة، ثم تغير اجتهاده في أثنائها، فظن أن القبلة في جهة أخرى، ولم يتيقن ذلك، يتحول إلى الجهة الثانية، ويبني على صلاته ويجزئه، كان يصلي إلى جهة المشرق مثلًا ويظن نفسه متجهًا إلى القبلة، فجاءه بشخص ممن لهم علم بالقبلة، فقال له القبلة خلفك، ماذا يفعل؟ يقطع صلاته ويبدأ من جديد؟ أم يستدير كما هو ويكمل صلاته؟ بناء على الحديث هذا الذي معنا يستدير كما هو، ويكمل صلاته، إذا كان قد تحرى القبلة في البداية، وعمل ما يقدر عليه، فلا يكلَّف أكثر من ذلك، وصلاته صحيحة يكملها.

§ وفي الحديث: بيان ما كان في الصحابة من الحرص على دينهم، والشفقة على إخوانهم، وقد وقع لهم نظير هذا لما نزل تحريم الخمر، وسألوا عن إخوانهم الذين ماتوا، كانوا يشفقون على أعمالهم وصلاتهم.

§ ومن الفوائد: جواز النسخ ووقوعه، ولا عبرة بمن أحاله، تلك المسألة متكلم عنها في أصول الفقه هناك، البعض قد أنكر النسخ بشبهات لا قيمة لها، هذا القول قول أهل البدع، وليس قول أهل السنه، لأن الأدلة في النسخ محكمة، وصور النسخ كثيرة في الكتاب والسنة، ما أعرف أحد أنكره إلا أهل البدع فقط.

قال ابن عباس: أول ما نُسخ من القرآن شأن القبلة والصيام، وأول من صلى إلى الكعبة البراء بن معروف.

§ وأن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه؛ لأن أهل المسجد وأهل قباء صلوا إلى بيت المقدس بعض صلاتهم بعد النسخ، لكن قبل بلوغه إليهم، وهو الصحيح في الأصول.

§ وجواز نسخ السنة بالكتاب، بيت المقدس التوجه إليه ثابت عندهم بالسنة، نسخ من القرآن.

§ وقبول خبر الواحد، رجل واحد جاء وأخبرهم بالقبلة، فتوجهوا ولم ينكر عليهم النبي ﷺ ذلك؛ بل أقرهم عليه.

§ وجواز النسخ بخبرِ الواحد أيضًا.

كما علمنا بأن زهير متابع في هذا الحديث في روايته عن أبي إسحاق، تابعه إسرائيل، وسفيان، وصرح فيها أبو إسحاق بالتحديث، وتابعه أبو الأحوص، وزكريا بن أبي زائدة، وأبو بكر بن عياش، وحُمديش بن معاوية، وشريك وغيرهم، فرواه عن أبي إسحاق جمع، وصرح أبو إسحاق بالتحديث في روايته في الصحيحين وغيره، ولتحويل القبلة شواهد، ستمر بنا إن شاء الله، والحديث متفق عليه، وليس فيه علة قادحة ولا أعلم أحد من أهل العلم أعله، والحمد لله.

نكتفي بهذا القدر، وأسأل الله هذا القبول لنا ولكم والحمد لله.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الثلاثاء 4 ربيع ثان 1445
عدد المشاهدات 323
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق