*فائدة أخيرة في هذا الحديث وهي جواز
قول (رمضان ) كلمة (رمضان ) دون إضافة شهر إليها .
قال بعض أهل العلم
: لا يجوز لك أن تقول رمضان دون أن تقول : شهر رمضان ، أي من غير إضافة شهر إليها .
واستدلوا لذلك بحديث أخرجه ابن عدي في الكامل
بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم الله ولكن قولوا شهر رمضان " هذا الحديث استدلوا به على عدم جواز قول ( رمضان ) دون إضافته إلى ( شهر ) وبعد أن أخرجه ابن عدي في الكامل ضعفه بأبي معشر نجيح السِّندي ، أي في سنده راوٍ اسمه نجيح السندي وكنيته أبو معشر وهو ضعيف .
وقال ابن معين
: إسناده ليس بشيء .
وقال أبو
حاتم الرازي : هذا خطأ ، إنما هو قول أبي هريرة . وقال البيهقي : وقد رُوي عن أبي معشر عن محمد بن كعب وهو أشبه ( أي هذا الحديث روي عن أبي معشر عن محمد بن كعب من قوله.
قال البيهقي : وهو أشبه أي أشبه بالصواب وأقرب إلى الصواب من رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه
: باب هل يقال ( رمضان ) أو (شهر رمضان ) ؟ ومن رأى كله واسعاً.
يعني أن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الأمر
واسع ، لك أن تقول رمضان ولك أن تقول شهر رمضان وهذا هو الصحيح ، بما أنه لم يثبت النهي في ذلك إذاً يبقى الأمر على الجواز .
بل ساق البخاري رحمه الله بعد أن ذكر ذلك
ثلاثة أحاديث جاءت بلفظ (رمضان ) ، وبلفظ ( شهر رمضان ) ؛ بالإضافة وبدون إضافة .
مما دل
على جواز الجميع .
وقال بعد ذلك : ولا تقدموا رمضان
.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
:" من صام رمضان " وقال : " لا تقدموا رمضان " هذا كله من كلام البخاري في بداية كلامه بعدما قال : ومن رأى كله واسعاً ؛ وقال : النبي - صلى الله عليه وسلم - :" من صام رمضان " وقال :" لا تقدموا رمضان " .
هذا يسمى معلقاً قد مر بنا
.
البخاري إذا حَذف الإسناد
وقال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" من صام رمضان " أو وقال : لا تقدموا رمضان ، هذا يسمى معلقا .
ولا يلزم أن يكون صحيحا ؛ لأن المعلقات ليست من شرط الصحيح ممكن أن تكون صحيحة وممكن أن تكون ضعيفة .
هذا ما يتعلق بالحديث الأول من كتاب الصيام .
وأما الحديث الثاني فهو حديث عمار بن ياسر قال
: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .
قال ابن حجر في تخريجه : ذكره البخاري تعليقا .
أي أن البخاري ذكره في صحيحه وحذف منه الإسناد بالكامل أو حذف بعضه ؛ لأنه ليس من أصل الكتاب
.
ووصله الخمسة .
إذا الحديث يوجد مذكورا بالإسناد كاملا عند أحمد في مسنده ، و أبي داود في سننه ، والترمذي في جامعه ، والنسائي في سننه الصغرى ، وابن ماجه في سننه
.
هؤلاء هم الخمسة الذين عناهم الحافظ ابن حجر في تخريجه .
ثم قال : وصححه
ابن خزيمة وابن حبان .
احتاج هنا أن يقول
: صححه ابن خزيمة وابن حبان ، لماذا ؟ لأن البخاري لم يشترط الصحة في المعلقات ، الأحاديث التي يذكرها معلقة .
فإذاً تخريج هذا
الحديث كما ذكر الحافظ أخرجه البخاري في صحيحه ولكن معلقاً ، فلا يلزم أن يكون صحيحاً.
ووصله من ؟ أصحاب الكتب الخمسة ، فتحتاج أن ترجع إلى أسانيده في الكتب الخمسة وغيرها كي تحكم عليه بما يستحقه .
قال الدارقطني بعد أن أخرجه في سننه : إسناده حسن
صحيح ، ورجاله كلهم ثقات .
وجمعَ طرقَه الحافظ ابن حجر في الفتح فأحسن رحمه الله ،
وانظر أيضاً - إذا أردت المزيد- ؛ إرواء الغليل للشيخ الألباني رحمه الله .
وبالجملة الحديث حسن .
ما المقصود بيوم الشك ؟
يوم الشك هو يوم الثلاثين
من شعبان ، إذا لم يُرَ الهلال في ليلته بسبب غيم أو نحوه .
فيجوز أن يكون من رمضان
وأن يكون من شعبان ، هذا يسمى يوم الشك .
إذا وُجد في السماء غيم أو تراب أو غير ذلك
حجب الرؤية في ليلة الثلاثين وأنت تراقب ولم تتمكن من معرفة ظهور الهلال أو عدم ظهوره ؟ هذا يسمى يوم الشك .
صيام هذا اليوم محرّم ؛ لقول عمار بن
ياسر هنا : من صام اليوم الذي يُشَك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - ، أبو القاسم من هو ؟
هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كنيته أبو القاسم .
طيب
حكم صيام يوم الشك ؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم كثير ، فمن أهل العلم من قال
بالتحريم ، ومنهم من قال بالكراهة ، ومنهم من قال بالاستحباب .. الأقوال كثيرة .
ولكن
الراجح منها أنه لا يجوز صوم يوم الشك لا فرضاً ولا نفلاً مطلقاً ، ولكن يجوز قضاءً وكفارة ونذراً ونفلاً يوافق عادة .
نفلاً يوافق عادة كالذي يصوم يوم الاثنين
والخميس .
والدليل على ذلك حديث أبي هريرة
: " إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصمه " .
إذاً جاز له أن يصوم إذا وافقت ذاك اليوم عادة من عاداته ؛ كصيام يوم الاثنين والخميس
مثلاً .
وهذا القول هو قول الإمام الشافعي ، وهو قول للإمام أحمد رحمه الله
.
وأما
الإمام مالك فذهب إلى أنه لا يجوز عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك . وهو قول للإمام أحمد .
يعني لا يجوز لك أن تصوم يوم الشك بنية رمضان أو احتياطاً لرمضان ، أما غير هذه النية فجائز عند مالك وفي قول للإمام أحمد.
ونقل ابن حزم عن جمع من الصحابة أنهم
كانوا ينهون عن صيامه ، أي عن صيام يوم الشك .
هذا ما يتعلق بالحديث الثاني .
وأما الحديث الثالث ؛ فقال الحافظ ابن حجر وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ،
فإن غم عليكم فاقدروا له "
. متفق عليه .
ولمسلم
– أي في رواية لمسلم - : " فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين " .
وللبخاري :
" فأكملوا العدة ثلاثين " .
لا نحتاج في هذا الحديث أن تكلم على تخريجه وحاله ؛ فقد كفانا ذلك الحافظ ابن حجر بقوله : متفق عليه .
أي أخرجه البخاري ومسلم ، وإذا أخرجه البخاري أو مسلم فهو صحيح إذا لم يكن منتقدا .
قوله :
" إذا رأيتموه فصوموا " الخطاب لمن ؟
لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - والضمير في قوله
" إذا رأيتموه " ؛ يعود على الهلال ، أي إذا رأيتم هلال رمضان فصوموا ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت دخول شهر رمضان رؤية الهلال ، هذا توقيت نبوي .
وقوله
" وإذا رأيتموه فأفطروا " ، أي وإذا رأيتم هلال شوال فأفطروا ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وقت خروج شهر رمضان رؤية هلال شوال .
ثم قال :
" فإن غم عليكم " ، أي إنْ حال بينكم وبينه غيم أو نحوه ، أي شيء منع رؤية الهلال .
يقال : غمَمَتُ الشيء إذا
غطَّيته .
وفي رواية مسلم
" أغمي " بنفس المعنى المتقدم . قال في لسان العرب : أغمي يومنا : دام غيمه ، يقال : أغمي علينا الهلال ؛ إذا حال دون رؤيته غيم أو قتر ، يعني غبار . هذا معنى أغمي عليه.
وفي رواية : " غَبِيَ " ، بفتح الغين وتخفيف الباء ، مأخوذة من ماذا ؟ من الغباوة ، وهي عدم الفطنة .
والمعنى الإجمالي واحد، أي إن لم تروا الهلال بسبب حائل حال دون رؤيته ؛
فاقدُروا له .
إذاً الواجب علينا أن نصوم برؤية هلال رمضان ، إذا ما تمكّنا من
رؤيته وحال دون رؤيته حائل قال : "فاقدروا له " ماذا يعني بقوله : فاقدروا له ؟
قيل معناه
: ضيِّقوا عليه ، وكيف يكون هذا التضييق ؟ قالوا يكون بأن تجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً ، تأخذ بالأقل ؛ لأن الشهر إما أن يكون تسعة وعشرين أو أن يكون ثلاثين يوماً.
وقيل هو من التقدير ، أي ارجعوا إلى الحساب .
وقيل : أي أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ، وهذا هو القول الصحيح الذي دلت
عليه الأدلة ؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم – في رواية عند مسلم : " فاقدروا له ثلاثين " .
ورواية البخاري :
" فأكملوا العدة ثلاثين " .
وفي رواية عند أحمد :
" فعدوا ثلاثين يوما " .
روايات واضحة وصريحة في أن المراد أن تكملوا شعبان ثلاثين يوما
.
وهذه الرواية التي عند أحمد صححها شيخنا الوادعي رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح .
وفي رواية عند البخاري من حديث أبي هريرة وهو الحديث الآتي :
" أكملوا عدة شعبان ثلاثين " .
لذلك
– والله أعلم – ذكر الحافظ ابن حجر روايات هذا الحديث الحديث .
قال الصنعاني رحمه الله :
الحديث دليل على وجوب صوم رمضان لرؤية هلاله ، وإفطار أول يوم من شوال لرؤية هلاله .
وظاهره
اشتراط رؤية الجميع له من المخاطبين ؛ لكن قام الإجماع على عدم وجوب ذلك ، بل المراد ما يثبت به الحكم الشرعي من إخبار الواحد العدل أو الاثنين على خلاف في<F