الاحد 22 جمادة الاخرة 1446 هـ
22 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52      

الآية 177 من سورة البقرة

تفسير الآية 177 من سورة البقرة

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}

هذه الآية آية عظيمة اشتملت على الكثير من خصال الإيمان، ولو أردنا أن نعطيها حقها في التفسير لأخذت منا مجالس عدة، ولكننا سنقتصر على فهم المعنى المراد في الجملة، كي لا نخرج عن مقصودنا.

قال ابن كثير: اشتملت هذه الآية على جمل عظيمة وقواعد عميمة، وعقيدة مستقيمة. انتهى

{ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قِبلَ المشرق والمغرب} قال أهل العلم: البر: كل عمل خير يفضي بصاحبه إلى الجنة.

أي كل عمل صالح يوصلك إلى الجنة.

أن تولوا أي أن تصرفوا وجوهكم.

قِبلَ: أي مقابل أو نحو وجهة المشرق والمغرب.

ومعنى الآية باختصار: البر الذي هو فعل الخير والقربة، هو طاعة الله بفعل ما ذكر في الآية، وليس في التوجه إلى المشرق أو المغرب في الصلاة إذا لم يكن ذلك عن أمر الله تبارك وتعالى، بل طاعة الله هو البر سواء وجهك إلى المشرق أو المغرب، فطاعة الله والانقياد لأمره هو المراد، وليس مجرد الجهة التي تتجه إليها.

قال ابن كثير: فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولاً بالتوجه إلى بيت المقدس ثم حولهم إلى الكعبة، شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك وهو أن المراد: إنما هو طاعة الله عز وجل، وامتثال أوامره، والتوجه حيثما وجه واتباع ما شرع، فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل، وليس في لزوم التوجه إلى جهة من المشرق أو المغرب بر ولا طاعة إن لم يكن عن أمر الله وشرعه، ولهذا قال {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر..} الآية، كما قال في الأضاحي والهدايا {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} [الحج: 37] . انتهى

{ولكن البر} الذي يجب الاهتمام به، برُّ{من آمن بالله} أي صدق واستسلم وانقاد لله تبارك وتعالى، آمن بالله يدخل في ذلك الإيمان بوجوده وبربوبيته وأنه وحده الخالق الرازق المدبر لهذا الكون، وألوهيته، أنه وحده الذي يستحق العبادة، وأسمائه وصفاته، نثبت له ما أثبت لنفسه من الأسماء والصفات، وننفي عنه ما نفى عن نفسه {واليوم الآخر} هو يوم القيامة؛ وسمي آخراً؛ لأنه ليس بعده يوم، فلا يكون مؤمناً من لا يؤمن بهذا اليوم {والملائكة} جمع ملَك؛ وهم عالَم غيبي خلقهم الله سبحانه وتعالى من نور، وذللهم لعبادته، وهم لا يستكبرون عن عبادته، ويفعلون ما يؤمرون {والكتاب} ؛ المراد به الجنس؛ فيشمل كل كتاب أنزله الله عز وجل على كل رسول {والنبيين} يدخل فيهم الرسل؛ لأن كل رسول فهو نبي، ولا عكس: قال الله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده}

والفرق بينهم أن الرسول النبي معه كتاب، والنبي ولي رسولاً ليس معه كتاب، وكلهم مأمورون بالتبليغ.

{وآتى} أي وأعطى {المال} هو كل عين مباحة النفع، سواء كان هذا المال نقداً، أو ثياباً، أوطعاماً، أو عقاراً، أو أي شيء، عندنا اليوم في العرف لا نعرف المال سوى النقد، ولكن في اللغة وفي الشرع يطلق على ما ذكرناه فتنبهوا {على حبه} أي مع حبه، أي ينفق من المال مع محبته له، يعطيه لـ {ذوي القربى} أي أصحاب القرابة؛ والمراد قرابة المعطي؛ وبدأ بهم قبل كل الأصناف؛ لأن حقهم آكد؛ وقد ذكروا أن القرابة ما جمع بينك وبينهم الجد الرابع {واليتامى} جمع يتيم؛ وهو من مات أبوه قبل بلوغه من ذكر، أو أنثى؛ فأما من ماتت أمه فليس بيتيم؛ ومن بلغ فليس بيتيم {والمساكين} جمع مسكين، وهو الذي لا يملك من المال ما يكفيه ويكفي من ينفق عليه، ولا فرق هنا بين المسكين والفقير، المعنى واحد؛ لأنه لم يذكر الفقير، فعندما يذكر الفقير والمسكين، يكون بينهما فرق، وأما إذا ذكر واحداً منهما فمعناهما واحد.

{وابن السبيل} ؛ «السبيل» بمعنى الطريق؛ والمراد بـ {ابن السبيل} الملازم للطريق؛ فابن السبيل هو المسافر؛ وزاد العلماء قيداً؛ قالوا: المسافر المنقطع به السفر، أي ليس معه ما يوصله إلى بلده؛ لأنه إذا كان معه ما يوصله إلى بلده فليس بحاجة؛ فهو والمقيم على حدٍّ سواء؛ فلا تتحقق حاجته إلا إذا انقطع به السفر.

{والسائلين} جمع سائل؛ وهو المستجدي الذي يطلب أن تعطيه مالاً، والسائل نوعان؛ سائل بلسان المقال: وهو الذي يقول للمسؤول: أعطني كذا؛ وسائل بلسان الحال: وهو الذي يُعَرِّض بالسؤال، ولا يصرح به، مثل أن يأتي على حال تستدعي إعطاءه.

{وفي الرقاب} أي في إعتاق الرقاب.

{وأقام الصلاة} هذه معطوفة على {آمن} فيكون التقدير: ولكن البر من آمن بالله وفعل وفعل، ومن أقام الصلاة؛ و {الصلاة} المراد بها الفرض، والنفل؛ وإقامتها: المداومة عليها والإتيان بها كما شرعت؛ وليس المراد بإقامة الصلاة الإعلام بالقيام إليها؛ بل المقصود صلى الصلاة التي هي أقوال وأفعال معلومة تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم.

{وآتى الزكاة} أي أعطى زكاة ماله المفروضة لمستحقيها؛ والزكاة في اللغة: النماء والزيادة، تقول زكا الزرع إذا نما. وأما في الشرع : فهي حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة بوقت مخصوص.

{والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} والذين لا ينقضون العهد بعد المعاهدة، ولكن يوفون به ويتمونه على ما عاهدوا عليه من عاهدوه عليه.

{والصابرين} «الصبر» في اللغة الحبس، وأما في الشرع فإنه حبس النفس على طاعة الله، أو عن معصيته، أو على أقداره المؤلمة.

{في البأساء} شدة الفقر {والضراء} المرض {وحين البأس} شدة القتل.

قال ابن عثيمين رحمه الله: يعني: في حال الفقر؛ لا يحملهم فقرهم على الطمع في أموال الناس، ولا يشكون أمرهم لغير الله؛ بل يصبرون عن المعصية: لا يسرقون، ولا يخونون، ولا يكذبون، ولا يغشون؛ ولا تحملهم الضراء - المرض، وما يضر أبدانهم - على أن يتسخطوا من قضاء الله وقدره؛ بل هم دائماً يقولون بألسنتهم وقلوبهم: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً؛ كذلك حين البأس يصبرون، ولا يولون الأدبار-أي لا يفرون من المعارك- وهذا صبر على الطاعة؛ فتضمنت هذه الآية: {الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس} الصبر بأنواعه الثلاثة: الصبر عن المعصية؛ وعلى الأقدار المؤلمة؛ وعلى الطاعة؛ والترتيب فيها للانتقال من الأسهل إلى الأشد. انتهى

{أولئك الذين صدقوا} هذه شهادة من الله عز وجل؛ وهي أعلى شهادة؛ لأنها شهادة من أعظم شاهد سبحانه وتعالى؛ والمشار إليهم كل من اتصف بهذه الصفات؛ والإشارة بالبعيد لما هو قريب لأجل علو مرتبتهم.

{الذين صدقوا} أي صدقوا الله، وصدقوا عباده بوفائهم بالعهد، وإيتاء الزكاة، وغير ذلك؛ والصدق هو مطابقة الشيء للواقع؛ فالمخبر بشيء إذا كان خبره موافقاً للواقع صار صادقاً؛ والعامل الذي يعمل بالطاعة إذا كانت صادرة عن إخلاص، واتباع؛ صار عمله صادقاً؛ لأنه ينبئ عما في قلبه إنباءً صادقاً.

{وأولئك هم المتقون} أي القائمون بالتقوى؛ و «التقوى» هي اتخاذ الوقاية من عذاب الله عز وجل بفعل أوامره، واجتناب نواهيه؛ وهذا أجمع ما قيل في تعريف التقوى.

قال ابن جرير الطبري : {أولئك الذين صدقوا} من آمن بالله واليوم الآخر، ونعْتهم النعتُ الذي نعتهم به في هذه الآية، يقول: فمن فعل هذه الأشياء؛ فهم الذين صدقوا الله في إيمانهم، وحققوا قولهم بأفعالهم، لا من ولى وجهه قبل المشرق، والمغرب وهو يخالف الله في أمره وينقض عهده، وميثاقه ويكتم الناس بيان ما أمره الله ببيانه ويكذب رسله. وأما قوله: {وأولئك هم المتقون} فإنه يعني: وأولئك الذين اتقوا عقاب الله فتجنبوا عصيانه وحذِروا وعده فلم يتعدوا حدوده وخافوه، فقاموا بأداء فرائضه. انتهى

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الثلاثاء 21 شعبان 1441
عدد المشاهدات 6643
عدد التحميلات 26
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق