الاحد 22 جمادة الاخرة 1446 هـ
22 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52      

الآيات 183 -186 من سورة البقرة

تفسير سورة البقرة 183- 186

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}

{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} أي فُرض، أي فرض الله عليكم الصيام، و{الصيام} في اللغة الإمساك؛ ومنه قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوماً} يعني إمساكاً عن الكلام بدليل قولها: {فلن أكلم اليوم إنسياً} [مريم: 26] ؛ وأما في الشرع فإنه التعبد لله بترك المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس {كما كتب} كما فرض{على الذين من قبلكم} من الأمم السابقة؛ اليهود والنصارى ومن قبلهم؛ كلهم كتب عليهم الصيام؛ ولكنه لا يلزم أن يكون كصيامنا في الوقت، والمدة {لعلكم تتقون} ؛ «لعل» للتعليل؛ ففيها بيان الحكمة من فرض الصوم؛ أي تتقون الله عز وجل؛ هذه هي الحكمة الشرعية التعبدية للصوم؛ وما جاء سوى ذلك من مصالح بدنية، أو مصالح اجتماعية، فإنها تبع.

{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}

{أياماً معدودات} أي صيام أيام قليلة معدودة {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر} المريض والمسافر من الذين آمنوا يشملهم الأمر، ولكن أراد الله تبارك وتعالى أن يرخص لهم تخفيفا ورحمة على هذه الأمة فاستثناهم بهذه الآية، فقال: {فمن كان منكم مريضاً} يعني مرضاً يشق به الصوم؛ أو يتأخر به البرء؛ أو يفوت به العلاج، ودليل التخصيص بمرض يشق به الصوم ما يُفهم من العلة {أو على سفر} أي السفر المبيح للفطر {فعدة من أيام أخر} أي فأفطر فعدة، أي أيام مغايرة، أي فيفطر ويقضي في أيام أخرى عندما يزول العذر.

{وعلى الذين يطيقونه} أي يستطيعونه، وهذا التفسير هو الصحيح الذي دلت عليه السنة الصحيحة كما سيأتي إن شاء الله {فدية} أي فداء يفتدي به عن الصوم، فكان الذي يستطيع الصيام مخيراً بين الصيام أو الفدية، ثم بين الفدية فقال: {طعام مسكين} والفدية الجزاء، أي يطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من الطعام بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - من غالب قوت البلد، هذا قول فقهاء الحجاز، وقال بعض فقهاء أهل العراق: عليه لكل مسكين نصف صاع لكل يوم يفطر، والمراد بالمسكين من لا يجد ما يكفيه ويكفي من ينفق عليه {فمن تطوع خيراً} أي زاد على مسكين واحد فأطعم مكان كل يوم مسكينين فأكثر، قاله مجاهد وعطاء وطاوس، وقيل: من زاد على القدر الواجب عليه فأعطى صاعا وعليه مد فهو خير له {وأن تصوموا خير لكم} يعني صومكم خير لكم من الفدية.

{إن كنتم تعلمون} المعنى: إن كنتم من ذوي العلم فافهموا.

وهذه الآية التي فيها التخيير بين الصيام والفدية منسوخة

قال الإمام البخاري في صحيحه: قال ابن عمر، وسلمة بن الأكوع: نسختها {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولتكملوا العدة، ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}

وقال: وقال ابن نمير، حدثنا الأعمش، حدثنا عمرو بن مرة، حدثنا ابن أبي ليلى، حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك، فنسختها: {وأن تصوموا خير لكم} [البقرة: 184] فأمروا بالصوم.

وأخرج حديث ابن عمر.

وروى بإسناده عن سلمة بن الأكوع، قال: " لما نزلت: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} «كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها»

ولفظ مسلم: عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أنه قال: «كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين»، حتى أنزلت هذه الآية: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}

وخالف في هذا ابن عباس وقرأ: (يطَوَّقونه) وهي قراءة شاذة ليست من القراءات العشر المتواترة، وكل قراءة ليست متواترة فهي شاذة، واتفقوا على تواتر سبع قراءات، واختلفوا في ثلاثة، وعلى كل العبرة بالقراءة المتواترة، وبما قاله سلمة وابن عمر فهو الموافق للقراءة المتواترة. والله أعلم

وتفصيل المسألة في كتب الفقه.

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}

{شهر رمضان} أي الأيام المعدودات هن شهر رمضان، والشهر هو مدة ما بين الهلالين؛ وسمي بذلك لاشتهاره، واختلف أهل العلم لماذا سمي برمضان؛ فقال البعض: لأنه أول ما سميت الشهور بأسمائها صادف أنه في وقت الحر والرمضاء؛ فسمي شهر رمضان.

{الذي أنزل فيه القرآن} أي شهر رمضان الذي أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن فيه ؛ ومعروف أن النزول يكون من فوق؛ لأن القرآن كلام الله عز وجل؛ والله سبحانه وتعالى فوق السموات على العرش؛ و {القرآن} «أل» هنا للجنس؛ وليست للعموم على الصحيح، فلم ينزل كل القرآن في زمان واحد بل المقصود أول نزوله؛ فمعنى: {أنزل فيه القرآن} أي ابتدئ فيه إنزاله، كقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [الدخان: 3] ، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] أي ابتدأنا إنزاله؛ لأن القرآن كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في سنين وشهور متعددة وفي مكة وفي المدينة ومن أول البعث إلى أن مات صلى الله عليه وسلم، ولكن بدء نزوله في رمضان، هذا قول، والقول الثاني أنه نزل كاملاً إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً على حسب الأسباب والوقائع، والأول أصح. والله أعلم

{هدًى للناس} أي أنزل لهداية الناس.

{وبينات} أي وآيات بينات، والمعنى: أن القرآن اشتمل على الآيات البينات أي الواضحات؛ فهو جامع بين الهداية، والبراهين الدالة على صدق ما جاء فيه من الأخبار، وعلى عدل ما جاء فيه من الأحكام.

{من الهدى} المنافي للضلال {والفرقان} والمراد أنه يفرق بين الحق، والباطل.

قال ابن كثير: هذا مدح للقرآن الذي أَنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه واتبعه، وبينات أي دلائل وحجج بينة واضحة جلية لمن فهمها وتدبرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال، والرشد المخالف للغي، ومفرقا بين الحق والباطل والحلال والحرام.

{فمن شهد منكم الشهر} أي من أدرك دخول شهر رمضان وهو مقيم غير مسافر، وصحيح غير مريض{فليصمه} أي فليصم نهاره {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} هذه الجملة سبقت؛ لكن لما ذكر سبحانه وتعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، وكانت هذه الآية ناسخة لما قبلها قد يظن الظان أنه نسخ حتى فطر المريض والمسافر؛ فأعادها سبحانه وتعالى تأكيداً لبيان الرخصة.

قال ابن كثير: هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر، أي كان مقيما في البلد حين دخل شهر رمضان، وهو صحيح في بدنه أن يصوم لا محالة، ونسخت هذه الآية الإباحة المتقدمة لمن كان صحيحاً مقيماً أن يفطر ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم كما تقدم بيانه، ولما حتَّم الصيام أعاد ذكر الرخصة للمريض وللمسافر أن يفطر بشرط القضاء، فقال :{ومن كان مريضاَ أو على سفر فعدة من أيام أخر} معناه: ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام معه أو يؤذيه، أو كان على سفر، أي في حالة السفر، فله أن يفطر، فإذا أفطر فعليه عدة ما أفطره في السفر من الأيام، ولهذا قال {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} أي إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض والسفر مع تحتمه في حق المقيم الصحيح تيسيراً عليكم ورحمة بكم. انتهى

{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} تعليل لقوله تعالى: {ومن كان مريضاً أو على سفر} إلخ؛ و {يريد} أي يحب؛ فالإرادة شرعية؛ والمعنى: يحب لكم اليسر، لهذا تجد هذه الشريعة سهلة ميسرة، لا مشقة فيها حقيقة إلا عند أصحاب الضلال الذين لا يريدون أن يتقيدوا بأحكام الله فصاروا يرونها شاقة ويغيرونها إلى التحلل منها بدعوى الدين يسر، والحقيقة لا مشقة ولا عسر ولكنهم لا يريدون التقيد بالأحكام الشرعية كما نزلت بل يريدون الاستمتاع بالدنيا على أهوائهم، فأحدثوا منهجا جديدا في الفقه وهو اتباع منهج التيسير، ولا يعنون به ما يسره الشرع، بل الأخذ بالقول الأسهل وإن كان باطلاً مصادماً للأدلة.

{ولتكملوا العدة} أي وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم، فلا يبقى في صيامكم نقص {ولتكبروا الله} أي: ولتقولوا: الله أكبر، ومعنى الله أكبر، أنه كبير في عظمته وكبريائه، وكبير في ذاته؛ فإن السماوات السبع، والأرض في كف الرحمن كحبة خردل في كف أحدنا؛ والله أكبر من كل شيء، أخذ كثير من العلماء مشروعية التكبير في عيد الفطر من هذه الآية {على ما هداكم} أي تكبروه لهدايتكم، وهذه الهداية تشمل: هداية العلم؛ وهداية العمل؛ وهي التي يعبر عنها أحياناً بهداية الإرشاد، وهداية التوفيق؛ فالإنسان إذا صام رمضان وأكمله، فقد منّ الله عليه بهدايتين: هداية العلم، وهداية العمل {ولعلكم تشكرون} أي كي تشكروا الله على ما أنعم به عليكم، والشكر يكون بالاعتراف بالنعم والإقرار بها بالقلب واللسان، والعمل بالطاعة.

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}

{وإذا سألك} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ والمراد بقوله تعالى: {عبادي} المؤمنون؛ وقوله تعالى: {عني} أي عن قربي، وإجابتي، فالجواب عن سؤالهم: {فإني قريب} قريب بسمعه فيسمع دعاء الداعي {أجيب دعوة الداع إذا دعان} و«الدعاء» بمعنى الطلب و {الداعِ} أصلها «الداعي» بالياء، كـ «القاضي» و «الهادي»؛ لكن حذفت الياء تخفيفاً {دعان} أصلها دعاني بالياء، فحذفت الياء تخفيفاً.

فالله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى واسطة بينه وبين خلقه في دعائه، دعاؤك يكون منك إلى الله مباشرة، هذا ما أراده تبارك وتعالى فلا يجوز أن تبحث عن واسطة تدعوه وتتقرب إليه؛ ليقربك إلى الله ويستجيب دعائك فهذا شرك كما كان يفعل كفار قريش، وكما يفعل اليوم الرافضة والصوفية.

{فليستجيبوا لي} أي فليطيعوني، الاستجابة بمعنى الإجابة، أي: فليجيبوا إلي بالطاعة، والإجابة في اللغة: الطاعة، وإعطاء ما سئل، فالإجابة من الله تعالى: العطاء، ومن العبد: الطاعة {وليؤمنوا بي} أي وليؤمنوا بأني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان {لعلهم يرشدون} أي كي يرشدوا، أي كي يهتدوا.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الجمعة 24 شعبان 1441
عدد المشاهدات 3990
عدد التحميلات 26
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق