تفسير سورة البقرة الآية 259
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
{أو كالذي مر على قرية} القرية هي البلد التي هي محل مجتمع الناس.
وهذه الآية معطوفة على التي قبلها، وتقديرها: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}، وهل رأيت كالذي مر على قرية؟ تتعجب من حكايته.
واختلفوا في ذلك المار من هو، وفي القرية أي القرى هي، ولم يرد دليل صحيح يدلنا عليهما فلا يهمنا، فلو كانت معرفتهما مفيدة لنا لذكرهما لنا ربنا تبارك وتعالى، المهم الحادثة، فهو رجل مر على قرية، والفائدة المقصودة من ذكر هذه القصة، أولاً بيان قدرة الله على إحياء الموتى وبعثهم يوم البعث وإقامة الحجة على منكري ذلك، والثاني بيان صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إذ أخبر بأخبار ما كان يعلمها إلا علماء بني إسرائيل وأما هو وقومه فكانوا أميين لا علم لهم بهذه الأخبار، وكان بنو إسرائيل يعلمون منه ذلك، فعلموا أن هذا لا يكون إلا بوحي من الله، هذا خلاصة ما ذكره ابن جرير في تفسيره . والله أعلم
{وهي خاوية} أي خالية من أهلها وسكانها {على عروشها} أي على سقوفها، ومعناه أن سقوفها سقطت ثم وقعت الحيطان عليها {قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها} أي كيف يحيي الله هذه القرية بعد خرابها؟ هذا سؤال على وجه الاستبعاد، أي هذا أمر بعيد لا يمكن {فأماته الله مائة عام ثم بعثه} أي: أماته قبض روحه ثم أحياه بعد مائة عام {قال كم لبثت} قال الله له بواسطة الملك: كم مكثت من مدة؛ والمدة مائة عام.
{قال لبثت يوماً أو بعض يوم} هذا جواب الرجل، شك، قال إما يوم أو جزء من اليوم { قال} الله له بواسطة الملك {بل لبثت مائة عام} هذه الحقيقة، مكثت مائة عام {فانظر إلى طعامك} أبهمه الله عز وجل فلم يبينه من أي نوع هو، و «الطعام»: كل ما له طعم من مأكول ومشروب؛ لكنه إذا قرن بالشراب صار المراد به المأكول {وشرابك} لم يبين نوع الشراب، فالله أعلم بهما {لم يَتَسَنَّهْ } أي: لم يتغير بمر السنين عليه {وانظر إلى حمارك} أي كيف يحييه الله عز وجل وأنت تنظر، فنظر فإذا هو عظام، فركب الله تعالى العظام بعضها على بعض فكساه اللحم والجلد وأحياه وهو ينظر بعينيه {ولنجعلك آية للناس} معناه: ولنجعلك آية أي عبرة ودلالة على البعث بعد الموت، وقدرتنا على ذلك {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} أي عظام الحمار، قرأ أهل الحجاز والبصرة: (ننشرها) بالراء، معناه: نحييها، وقال الآخرون بالزاي، أي نرفعها من الأرض ونركب بعضها على بعض {ثم نكسوها لحما} أي يغطي العظم باللحم فينبت اللحم عليه، ثم كسي العظام لحما فصار حماراً ، فاجتمع عنده آيتان من آيات الله: إبقاء ما يتغير على حاله، وهو طعامه، وشرابه؛ وإحياء ما كان ميتاً وهو حماره، ورأى بنفسه كيفية إحيائه {فلما تبين له} أي اتضح له ذلك عياناً فعلم قدرة الله على ذلك بما رآه بعينيه وبما حصل له {قال} الرجل لما رأى ذلك {أعلم أن الله على كل شيء قدير} أي أنا عالم بهذا، وقد رأيته عياناً، فأنا أعلم أهل زماني بذلك، وقرأ آخرون «قال اعلم» على أنه أمر له بالعلم. والله أعلم