تفسير سورة البقرة الآيات 278- 281
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
{يا أيها الذين آمنوا} الخطاب للمؤمنين {اتقوا الله} هذا أمر بالتقوى، فهي واجبة، أي اتخذوا وقاية من عذابه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه {وذروا ما بقي من الربا} أي اتركوا طلب ما بقي لكم من الربا {إن كنتم مؤمنين} أي: إن كنتم مؤمنين حقاً فدعوا ما بقي من الربا.
قال أهل العلم: «كان ربا يتبايعون به في الجاهلية، فلما أسلموا أمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم»، أي فقط لهم رؤوس أموالهم، وأمروا بترك الزيادة الربوية.
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}
{فإن لم تفعلوا} يعني: فإن لم تتركوا ما بقي من ربا {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} أَذِن بمعنى عَلِم، أي: فاعلموا أنتم وأيقنوا بحرب من الله ورسوله {وإن تبتم} أي رجعتم إلى الله سبحانه وتعالى وتركتم أكل الربا {فلكم رؤوس أموالكم} {رؤوس} جمع رأس؛ و «الرأس» هنا بمعنى الأصل؛ أي لكم أصول الأموال؛ وأما الزيادة الربوية فليست لكم، ثم علل الله عز وجل هذا الحكم بقوله تعالى: {لا تظلمون} لأنكم لم تأخذوا الزيادة {ولا تُظلمون} لأنها لم تنقص رؤوس أموالكم.
{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)}
{وإن كان ذو عسرة} أي: وإن كان الذي عليه الدين معسراً، يعني لا يجد ما يقضي به دينه الذي هو من رأس مالكم، لا من الزيادة {فنظرة إلى ميسرة} أي فعليكم أن تُنظِروه إلى ميسرة، أي فيجب الصبر عليه إلى أن ييسر الله له ويجد قضاء، ولا تزيدوا عليه شيئاً مقابل تأخير السداد.
قال أهل العلم: وكذلك كل دين على مسلم، فلا يحل لمسلم له دين على أخيه يعلم منه عسرة؛ أن يسجنه ولا يطلبه، حتى ييسره الله عليه. انتهى
{وأن تصدقوا} أي وأن تتصدقوا بأن تسقطوا الدين عنه وتسامحوه {خير لكم} أي من إنظاره {إن كنتم تعلمون} إن كنتم تعلمون الفضل في الصدقة، وما أوجب الله من الثواب لمن وضع عن غريمه المعسر دينه.
{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}
{واتقوا يوماً} أي اتقوا عذاب يوم، أي احذروه؛ والمراد به يوم القيامة؛ لقوله تعالى: {ترجعون فيه إلى الله} أي تردون فيه إلى الله.
{ثم توفى كل نفس} أي تعطى، والتوفية بمعنى الاستيفاء؛ وهو أخذ الحق ممن هو عليه؛ فـ {توفى كل نفس} أي تعطى ثوابها، وأجرها المكتوب لها، إن كان عملها صالحاً، أو تعطى العقاب على عملها، إن كان عملها سيئاً {ما كسبت} أي ما حصلت عليه من ثواب الحسنات، وعقوبة السيئات {وهم لا يظلمون} أي لا يُنقصون شيئاً من ثواب الحسنات، ولا يُزاد عليهم شيئاً من عقوبة السيئات. والله أعلم