السبت 21 جمادة الاخرة 1446 هـ
21 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-78 آخر كتاب التيمم، الحديث 345و346و347و348      

تفسير سورة آل عمران الآيات 158-161

تفسير سورة آل عمران الآيات 158-161

{وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (158)}

ولئن متم أو قتلتم أيها المؤمنون، فإن إلى الله مرجعكم ومحشركم، فيجازيكم بأعمالكم، فآثروا ما يقربكم من الله، ويوجب لكم رضاه، ويقربكم من الجنة، أي قدموا الجهاد في سبيل الله، والعمل بطاعته على معصيته والركون إلى الدنيا، وما تجمعون فيها من حطامها الذي هو غير باق لكم، بل هو زائل عنكم؛ فإن تقديم مخالفته وحطام الدنيا يبعدكم عن ربكم، ويوجب لكم سخطه، ويقربكم من النار.

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ} أي: فبرحمة من الله {لِنْتَ لَهُمْ} أي سهلت لهم أخلاقك، ولم تكن قاسياً عليهم، بل كنت رحيما بهم {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا} يعني: جافيا سيء الخلق قليل الاحتمال {غَلِيظَ الْقَلْبِ} أي قاسي القلب غير رحيم {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} أي: نفروا وتفرقوا عنك، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم، فبرحمة من الله لنت لهم {فَاعْفُ عَنْهُمْ} تجاوز عنهم {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} وادع الله لهم بالمغفرة.

قال السعدي رحمه الله: فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟!

أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين وحسن الخلق والتأليف، امتثالا لأمر الله، وجذبا لعباد الله لدين الله.

ثم أمره الله تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله، فيجمع بين العفو والإحسان. انتهى

{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} أي: استخرج آراءهم واعلم ما عندهم، هذا معنى المشاورة أن تطلب رأي من تشاوره في أمر ما، وتعلم ما عنده فيه.

واختلفوا لماذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه مع كمال عقله وجزالة رأيه ونزول الوحي عليه، ووجوب طاعته على الخلق فيما أحبوا أو كرهوا، والصحيح في هذا أن الله تبارك وتعالى أمره بهذا تطييبا لقوبهم، وكي يعمل به المسلمون من بعده، ويقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله، فإذا فعلوا ذلك بصدق وإخلاص وطلب للحق وفقهم الله للصواب. قال الحسن البصري: «قد علم الله عز وجل أنه ما به إلى مشاورتهم حاجة، ولكنه أراد أن يستن به من بعده»، وقال: "مَا تشاور قوم قط إِلا هدوا لأرشد أمورهم "، وقال قتادة: «أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء؛ لأنه أطيب لأنفس القوم، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضاً، وأرادوا بذلك وجه الله؛ عزم لهم على أَرشدِه». وقال سفيان بن عيينة: «هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر». انتهى {فَإِذَا عَزَمْتَ} جزمت وقطعت، وصممت نفسُك بعد المشاورة على فعل شيء من أمورك، وقصدت إمضاءه {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} أي: اعتمد عليه لا على المشورة، وثق به واستعنه { إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} المعتمدين عليه، اللاجئين إليه.

{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}

{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ} أيها المؤمنون على عدوكم {فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} فلن ينتصر عليكم أحد، ولو اجتمع عليكم مَن في الأرض، كما حصل في غزوة بدر {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ} يترككم فلم ينصركم لمخالفة أمره كما حصل في غزوة أحد، والخذلان: ترك النصرة {فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} أي: من بعد خذلانه؟ لا أحد {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} أي فليعتمدوا بقلوبهم على الله لا على الخلق، مع الأخذ بالأسباب التي منها طاعته وعدم معصيته، ولا يخافوا عدوهم وإن قل عددهم وكثر عدد عدوهم.

{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)}

{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أي أن يخون أصحابه في أموال الغنيمة، أي النبي لا يخون أصحابه فيأخذ من أموال الغنيمة من غير وجه حق خفية وخيانة، هذه ليست من صفات الأنبياء {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فالغلول الذي هو الأخذ من أموال الغنيمة خفية وخيانة؛ محرم وكبيرة من كبائر الذنوب، أجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغُلول وأنه من الكبائر.

ومن يفعله يأتي بالذي غله يوم القيامة يحمله على رقبته فيُفتضح به ويحاسب عليه، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ الْغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: " لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ". انتهى، متفق عليه

(لا ألفين) أي لا أجدن أحدَكم على هذه الصفة، ومعناه لا تعملوا عملا أجدكم بسببه على هذه الصف (رُغاء) الرغاء صوت البعير (حمحمة) هي صوت الفرس دون الصهيل (ثُغاء) هو صوت الشاة (نفس لها صياح) أي إنسان يصرخ، فالصياح صوت الإنسان (رِقاع) جمع رقعة، والمراد بها هنا الثياب (تخفق) تضطرب (صامت) الصامت من المال: الذهب والفضة.

والمعنى: إن كل شيء يَغُله الغال يجيء يوم القيامة حاملاً له ليُفتضح به على رؤوس الأشهاد، سواء كان هذا المغلول حيواناً أو إنساناً أو ثياباً أو ذهباً وفضة.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ، فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ»، قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ». انتهى

{ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} ثم تعطى وتجزى كل نفس جزاء ما عملته في الدنيا تاماً من غير نقص يوم القيامة {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} لا يظلمون ولا يعتدى عليهم.

التعليقات عدد التعليقات (0)

اضافة تعليق
قائمة الخيارات
0 [0 %]
السبت 10 ذو القعدة 1442
عدد المشاهدات 651
عدد التحميلات 9
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق