تفسير سورة المائدة الآية 1و2
قال أهل العلم: هي مدنية بالإجماع، وآياتها عشرون ومائة.
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ}
{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ} قال عبد الله بن مسعود: إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَارْعَهَا سَمْعَكَ -أي أصغي واسمع وركز-؛ فَإِنَّهُ خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ} أي: بالعهود، أي أوفوا بالعهود التي بينكم وبين الله، والتي بينكم وبين الناس، أي أتموها بالوفاء والكمال والتمام، ولا تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها {أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ} هي الأنعام كلها، وهي الإبل والبقر والغنم، قال الطبري: وأما النَّعم فإنها عند العرب: اسم للإبل والبقر والغنم خاصة. انتهى، أراد الله تبارك وتعالى تحليل ما حرم أهل الجاهلية على أنفسهم من الأنعام، فأهل الجاهلية كانوا قد حرموا على أنفسهم بعض هذه الأنعام، فأحلها الله للمؤمنين { إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ} أي: إلا ما سيتلى عليكم في قوله الآتي: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلى قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} ففيه تحريم بعضها في بعض الأحوال {غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ} أي: أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها إلا ما كان وحشيّاً كالظباء والبقر الوحشي والحُمُر الوحشية؛ فإنه صيد، لا يحل لكم في حال الإحرام، فلذلك قال تعالى: {وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ} فإن الله قد حكم بهذا، وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه، قال الطبري: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله، وتحريم ما أراد تحريمه، وإيجاب ما شاء إيجابه عليهم، وغير ذلك من أحكامه وقضاياه؛ فأوفوا أيها المؤمنون له بما عقد عليكم من تحليل ما أحل لكم وتحريم ما حرم عليكم، وغير ذلك من عقوده فلا تنكثوها ولا تنقضوها. انتهى
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ}
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ} هي مناسك الحج، وكان المشركون يحجون ويهدون، فأراد المسلمون أن يغيروا ما يفعله المشركون، فنهاهم الله عن ذلك، وقيل: شعائر الله محارمه، أي لا تُحِلوا محارم الله التي حرمها تعالى، قال أهل العلم: والنهي يشمل النهي عن فعلها، والنهي عن اعتقاد حلها؛ فهو يشمل النهي عن فعل القبيح، وعن اعتقاده {وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ} أي: ولا تنتهكوه بالقتال فيه، الأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، قيل المراد شهر واحد منها، وقيل الأشهر الحرم كلها {وَلَا ٱلۡهَدۡيَ} هو كل ما يهدى إلى بيت الله من بعير أو بقرة أو شاة {وَلَا ٱلۡقَلَٰٓئِدَ} أي: الهدايا المقلدة، يريد ذوات القلائد، وقال عطاء: أراد أصحاب القلائد، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا أرادوا الخروج من الحرم قلدوا أنفسهم وإبلهم بشيء من لحاء شجر الحرم كيلا يُتعرض لهم، فنهى الشرع عن استحلال شيء منها، أي فلا تتعرضوا لهم، قوله تعالى: {وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ} أي: قاصدين البيت الحرام، يعني: الكعبة فلا تتعرضوا لهم {يَبۡتَغُونَ} يطلبون {فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ } يعني الرزق بالتجارة {وَرِضۡوَٰنٗاۚ} أي: على زعمهم، لأن الكافرين لا نصيب لهم في الرضوان، وهذه الآية إلى هاهنا منسوخة بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وبقوله: { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] فلا يجوز أن يحج مشرك ولا أن يأمن كافر بالهدي والقلائد. قوله عز وجل: {وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ} أي: من إحرامكم { فَٱصۡطَادُواْۚ } أمر إباحة، أباح للحلال أخذ الصيد {وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ} لا يحملنكم { شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ } أي: بغضهم وعداوتهم {أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ} أي: لأجل أن صدوكم، ومعنى الآية: ولا يحملنكم عداوة قوم على الاعتداء لأنهم صدوكم {أَن تَعۡتَدُواْۘ} عليهم بالقتل وأخذ الأموال { وَتَعَاوَنُواْ } أي: لِيُعن بعضكم بعضا {عَلَى ٱلۡبِرِّ} فعل ما أمرتم به {وَٱلتَّقۡوَىٰۖ} ترك ما نهيتم عنه {وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ} المعاصي {وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ } أي الاعتداء على الغير بغير حق، وقيل: الإثم: الكفر، والعدوان: الظلم، وقيل: الإثم: المعصية، والعدوان: البدعة {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ} خافوا عقابه، فاجتنبوه بطاعته {إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} لمن خالف أمره.
التعليقات عدد التعليقات (0)
اضافة تعليق