تفسير سورة الأنعام (151-153)
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) }
{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله، وحرموا ما رزقهم، وقتلوا أولادهم {تَعَالَوْا} أي هلموا وأقبلوا { أَتْلُ} أقرأ عليكم وأخبركم بـ {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} بحق، وليس كذباً عليه، ولا بظن بلا حجة، بل بوحي منه تبارك وتعالى {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} أي حرم عليكم أن تشركوا به شيئاً، أو ووصاكم أن لا تشركوا به شيئاً، أي لا تعبدوا معه غيره، واجعلوا عبادتكم له وحده تبارك وتعالى، كالدعاء والخوف والرجاء والذبح والنذر.. وما شابه من العبادات يجب أن نتقرب بها إلى الله وحده، ولا نتقرب بها لغيره {وَ} أوصاكم وأمركم {بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي أن تحسنوا إليهم بالبر والدعاء {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} أي خوفاً من الفقر، فقد كان بعضهم يدفن ابنه الصغير لعدم قدرته على الإنفاق عليه، فنهاههم الله تبارك وتعالى عن ذلك {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} فالله تبارك وتعالى هو الذي يرزقكم ويرزقهم {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} المحرمات التي حرمها الله تبارك وتعالى كلها اجتنبوها {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} ما ظهر يعني التي تفعل علانية، وما بطن يعني في السر {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} حرم الله تعالى قتل المؤمن والمعاهد إلا بالحق، إلا بما يبيح قتله شرعاً من ردة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» {ذَلِكُمْ} الذي ذكرت {وَصَّاكُمْ بِهِ} أمركم به {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أوامر الله ونواهيه.
{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) }
{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} وهو الذي مات أبوه، ولم يبلغ {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} يعني: بما فيه صلاحه وتثميره {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} إلى أن يبلغ ويحسن التصرف في ماله؛ فادفعوه له {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} لا تنقصوا الناس الكيل إذا كلتوهم، والوزن إذا وزنتموهم، ولكن أوفوهم حقوقهم، وإيفاؤهم ذلك: إعطاؤهم حقوقهم تامة {بِالْقِسْطِ} بالعدل {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} أي من اجتهد في أداء الحق وأخذه، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده؛ فلا حرج عليه{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم، فقولوا الحق بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تظلموا {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أي ولو كان الذي عليه الحق ذا قرابة لكم فاعدلوا؛ فلا يحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره؛ أن تقولوا غير الحق في الحكم {وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا} أي وبوصية الله التي أوصاكم بها أوفوا، وذلك بأن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله، وذلك هو الوفاء بعهد الله {ذَلِكُمْ} المتلو عليكم من الأحكام {وَصَّاكُمْ بِهِ} أمركم به ربكم {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا.
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}
{وَأَنَّ هَذَا} أي: هذا الذي وصيتكم به في هاتين الآيتين، أو الإسلام كله {صِرَاطِي} طريقي وديني {مُسْتَقِيمًا} مستوياً قويماً، لا اعوجاج فيه {فَاتَّبِعُوهُ} فاعملوا به، وتمسكوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجاً تسلكونه {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} أي: الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق {فَتَفَرَّقَ} فتميل {بِكُمْ} وتشتت {عَنْ سَبِيلِهِ} عن طريقه ودينه الذي ارتضى لكم، وبه أوصى وهو دين الإسلام الذي كان عليه النبي صلى الله عليبه وسلم وأصحابه الكرام. قال ابن كثير: إنما وحد سبيله -أي ذكر بلفظ مفرد وليس جمعاً- لأن الحق واحد، ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها. انتهى {ذَلِكُمْ} الذي ذكرت {وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها، وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها؛ فيحل بكم نقمته وعذابه.
أخرج أحمد والدارمي وغيرهما عن عبد الله، قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، وخط عن يمين ذلك الخط، وعن شماله خطاً، ثم قال: «هذا صراط ربك مستقيماً، وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» ثم قرأ: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل، فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]
التعليقات عدد التعليقات (0)
اضافة تعليق