تفسير سورة الأعراف من الآية ( 202- 206)
{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) }
{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ} وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين{فِي الْغَيِّ} أي تساعدهم الشياطين على المعاصي وتسهلها عليهم وتحسنها لهم، المد الزيادة، يعني يزيدونهم في الغي يعني الجهل والسفه {ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} أي: لا يكُفّون عن ذلك ولا يسأمون.
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) }
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ} يعني: إذا لم تأت المشركين بآية أي برهان وحجة يقترحونها هم تدل على صدق ما جئت به {قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا} هلا افتعلتها، وأنشأتها من اختيارك؟ {قُلْ} لهم يا محمد {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} فأنا عبد متبع مدبَّر، والله تعالى هو الذي ينزل الآيات، وليس لي أن آتي من عند نفسي بشيء {هَذَا} يعني القرآن {بَصَائِرُ} حجج وبيان وبرهان {مِنْ رَبِّكُمْ} هذا دلائل تقودكم إلى الحق. أرشِدْهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبين الدلالات وأصدق الحجج والبينات {وَهُدًى} وبيان يهدي المؤمنين إلى الطريق المستقيم {وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} رحم الله به عباده المؤمنين، فأنقذهم به من الضلالة والهلكة.
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) }
{وَإِذَا قُرِئَ} عليكم أيها المؤمنون {الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} أصغوا له سمعكم؛ لتتفهموا آياته وتعتبروا بمواعظه، وأنصتوا إليه لتعقلوه وتتدبروه {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ليرحمكم ربكم بتدبره والعمل به.
قال السعدي: هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب الله يتلى، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات.
والفرق بين الاستماع والإنصات: أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه.
وأما الاستماع له، فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لاَزَم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب الله، فإنه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا، وإيمانا مستمرا متجددا، وهدًى متزايداً، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تُلِيَ عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير.
ومن أوكد ما يؤمر به مستمع القرآن، أن يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية إذا قرأ إمامه، فإنه مأمور بالإنصات، حتى إن أكثر العلماء يقولون: إن اشتغاله بالإنصات، أولى من قراءته الفاتحة، وغيرها. انتهى
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) }
{وَاذْكُرْ} يا محمد {رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} قال السعدي: الذكر لله تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بهما، وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله، فأمر الله عبده ورسوله محمداً أصلاً، وغيرَه تبعاً، بذكر ربه في نفسه، أي: مخلصاً خالياً. انتهى {تَضَرُّعًا} تذللاً، أي افعل ذلك تخشعاً لله وتذللاً له {وَخِيفَةً} وخوفاً من الله.
{وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} أي: وكن متوسطاً لا تجهر، هكذا يستحب أن يكون الذكر لا يكون نداء وجهراً بليغاً {بِالْغُدُوِّ} أول النهار {وَالآصَالِ} آخره.
{وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} عن ذكر الله.
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته تبع له.
قال ابن كثير: المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال، لئلا يكونوا من الغافلين. انتهى
{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}
{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}يعني الملائكة المقربين {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} لا يتكبرون {عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ} وينزهونه، ويذكرونه، فيقولون: سبحان الله {وَلَهُ} وحده لا شريك له {يَسْجُدُونَ} قال السعدي: فليقتد العباد بهؤلاء الملائكة الكرام، وليداوموا على عبادة الملك العلام. انتهى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً». أخرجه مسلم