الاحد 22 جمادة الاخرة 1446 هـ
22 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52      

تفسير سورة التوبة (17-22)

تفسير سورة التوبة (17-22)

{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)

{مَا كَانَ} أي: ما ينبغي ولا يليق {لِلْمُشْرِكِينَ} بالله {أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} التي بنيت لتوحيد الله، لعبادة الله وحده، ما كان لهم أن يعمروها بطاعته، وهم يشهدون على أنفسهم ومقرون بالكفر {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} فإذا سألت المشرك، قال: أنا أعبد الأصنام، أو ديني الشرك، وإذا سألت النصراني قال أنا نصراني يعني يعبد الصليب، وإذا سألت اليهودي قال أنا يهودي.

فإذا كانوا {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} وعدم الإيمان، الذي هو شرط لقبول الأعمال، فكيف يزعمون أنهم عُمَّارُ مساجد الله، والأصل منهم مفقود، والأعمال منهم باطلة؟!

ولهذا قال: {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي: بطلت وذهب أجرها؛ فالله تبارك وتعالى لا يقبل من مشرك عملاً، العمل يقبل من الموحدين فهم الذين يعمرون مساجد الله بحق {وَ} المشركون {فِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} ماكثون فيها أبداً، لا يخرجون منها.

{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)}

ثم ذكر من هم عمار مساجد الله فقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} وملائكته وكتبه ورسله {وَالْيَوْمِ الآخِرِ} يوم القيامة {وَأَقَامَ الصَّلاةَ} التي هي أفضل الأعمال البدنية، أقامها كما شرعها الله تبارك وتعالى.

{وَآتَى الزَّكَاةَ} أعطاها لمستحقيها، والزكاة أفضل الأعمال المالية {وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ} أي لم يخف إلا من الله تبارك وتعالى ولم يخش سواه، فكف عما حرم الله، ولم يقصر بحقوق الله الواجبة.

قال السعدي: فوصفهم بالإيمان النافع، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة، وبخشية الله التي هي أصل كل خير، فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة، وأهلها الذين هم أهلها. انتهى

{فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} و "عسى" من الله واجبة وحق، فهم مفلحون موفقون.

قال السعدي: "وأما من لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا عنده خشية لله، فهذا ليس من عمار مساجد الله، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادعاه".

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)}

قال الطبري: وهذا توبيخ من الله تعالى ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت، فأعلمهم جل ثناؤه أن الفخر في الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله، لا في الذي افتخروا به من السِّدانة والسقاية.

ثم ذكر الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه: قال النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أُسْقِيَ الْحَاجَّ، وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ، وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 19] الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا. انتهى

ففي هذا الحديث أن الحوار بين المسلمين أنفسهم.

وأخرج آثارا تدل على أن الفخر بالسقاية وعمارة المسجد كان من الكفار، وفي أخرى أن الحوار كان بين علي والعباس، وما أخرجه مسلم هو الصحيح من حيث الثبوت. والله أعلم

{أَجَعَلْتُمْ} أيها القوم {سِقَايَةَ الْحَاجِّ} أي: سقي الحجاج الماء {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} عمارته بالطاعة بالصلاة وغيرها {كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر {وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} لأن الله لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملاً.

والجهاد والإيمان بالله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، فلا تساووا بينها؛ لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال.

وأما الجهاد في سبيل الله فبه يحفظ دين الإسلام، ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل.

وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج، فهي وإن كانت أعمالا صالحة، فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي: والله لا يوفق لصالح الأعمال الذين وصفهم الظلم، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشر.

{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)}

ثم صرح بالفضل فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا} به وباليوم الآخر وبرسله وبما أنزل على رسوله {وَهَاجَرُوا} تركوا ديارهم في سبيل الله {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ} بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة {وَأَنْفُسِهِمْ} بالخروج بالنفس {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} بالجنة، الناجون من النار، أي: لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب، إلا من اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم.

{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)}

{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ} أي يبشر الموصوفين بهذه الصافات {بِرَحْمَةٍ مِنْهُ} لهم {وَرِضْوَانٍ} منه تعالى عليهم، فلا يسخط عليهم أبدا.

{وَجَنَّاتٍ} وبساتين {لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} لا يزول ولا يبيد، ثابت دائم أبدا لهم.

قال السعدي: "من كل ما اشتهته الأنفس، وتلذُّ الأعين، مما لا يعلم وصفه ومقداره إلا الله تعالى، الذي منه أن الله أعد للمجاهدين في سبيله مائةَ درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم." انتهى

{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)}

{خَالِدِينَ فِيهَا} ماكثين في الجنات {أَبَدًا} لا نهاية لذلك {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ} لهؤلاء {أَجْرٌ } ثواب على طاعتهم لربهم {عَظِيمٌ} وهو النعيم الذي وعدهم به في الآخرة.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاثنين 22 محرم 1445
عدد المشاهدات 281
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق