الاحد 22 جمادة الاخرة 1446 هـ
22 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52      

تفسير سورة التوبة (36-37)

تفسير سورة التوبة (36-37)

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)}

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} أي: عدد الشهور {عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي: في اللوح المحفوظ، وهي المحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة {يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أول ما خلق السماوات والأرض قسم شهور السنة على اثني عشر شهراً

والمراد منه الشهور الهلالية، وهي الشهور التي يعتد بها المسلمون في صيامهم وحجهم وأعيادهم وسائر أمورهم.

وبالشهور الشمسية تكون السنة ثلاثَمائةٍ وخمسةً وستين يوماً وربعَ يوم، والهلالية تنقص عن ثلاثِ مائةٍ وستين يوماً بنقصان الأهلة.

والغالب أنها تكون ثلاثمَائةِ يومٍ وأربعةً وخمسين يوماً {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} من الشهور أربعةٌ حُرم وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، واحد فرد وثلاثة سرد.

{ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} هذا الذي أخبرتكم به، من أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله، وأن منها أربعةً حرماً: هو الدين المستقيم {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} فلا تعصُوا الله فيها، قالوا: الظلم: العمل بمعاصي الله، والترك لطاعته ".

قيل: قوله: (فيهن) ينصرف إلى جميع شهور السنة، أي: فلا تظلموا فيهن أنفسكم بفعل المعصية، وترك الطاعة.

قال ابن عباس: "فِي كُلِّهِنَّ، ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَجَعَلَهُنَّ حَرَامًا، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنْبَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، والعملَ الصالحَ والأجر أَعْظَمَ". انتهى

وقيل: (فيهن) أي: في الأشهر الحرم.

قال قتادة: «إِنَّ الظُّلْمَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيمًا، وَلكنَّ اللَّهُ يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ».

ورجح الطبري قول من قال: "فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسَكم باستحلال حرامها؛ فإن الله عظمها وعظم حرمتها". انتهى

{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} أَيْ: جَمِيع المشركين، وَهَذَا حِينَ أَمَرَ بقتالهم جَمِيعًا {كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} كما يقاتلكم المشركون جميعاً.

قال السعدي: أي: قاتلوا جميع أنواع المشركين والكافرين برب العالمين، ولا تخصوا أحداً منهم بالقتال دون أحد، بل اجعلوهم كلَّهم لكم أعداءً، كما كانوا هم معكم كذلك.

قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم، لا يألونهم من الشر شيئاً.

ويحتَمِل أن {كَافَّةً} حال من الواو، فيكون معنى هذا: وقاتلوا جميعُكم المشركين، فيكونُ فيها وجوب النفير على جميع المؤمنين.

وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} الآية. انتهى

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} بالعون والنصر والتأييد.

واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحُرم.

فقال قوم: كان كبيراً، ثم نسخ، وهو الأشَهَر عند أهل العلم؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ هَاهُنَا {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ مشعر بأنه أمر بذلك أمرا عاماً، ولو كَانَ مُحَرَّمًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَأَوْشَكَ أَنْ يُقَيِّدَهُ بِانْسِلَاخِهَا.

وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَهُوَ ذُو الْقَعْدَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وقال الآخرون: إنه غير منسوخ؛ قال ابن جريج: حلف بالله عطاءُ بن أبي رباح: ما يَحل للناس أن يغزوا في الحَرمِ ولا في الأشهر الحُرم إلا أن يُقاتَلوا فيها، وما نسخت.

{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)}

{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}

معنى النسيء: تأخيرُ تحريمِ شهر إلى شهر آخر، وذلك أن العرب كانت تعتقد تعظيم الأشهر الحرم، وكان ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم عليه السلام، وكانت عامة معايشهم من الصيد والغارة، فكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة أشهر على التوالي، وربما وقعت لهم حرب في بعض الأشهر الحرم، فيكرهون تأخير حربِهِم فنسؤوا- أي: أخروا- تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر.

وكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، فيحرمون صفر، ويستحلون المحرم.

فإذا احتاجوا إلى تأخير تحريم صفر أخروه إلى ربيع، هكذا شهرا بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلِّها.

{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } يريد زيادة كفر على كفرهم {يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } يعني النسيء، يضل الله بالنسيء المبتدعِ المحدثِ؛ الذين كفروا { يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} يحلون الشهر الذي حرمه الله عاماً، بنقل تحرمه إلى شهر آخر، ويحرمونه عاماً، بإعادة التحريم إليه {لِيُوَاطِئُوا} أي: ليوافقوا، والمواطأة الموافقة {عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} يريد أنهم لم يُحِلوا شهراً من الأشهر الحُرم إلا حرموا مكانه شهراً من الحلال، ولم يُحرِّموا شهراً من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الأشهر الحُرم، لئلا تكون الأشهرُ الحُرمُ أكثرَ من أربعةِ أشهرٍ كما حرَّم الله، فتكون الموافقة في العدد {فَيُحِلُّوا} بذلك {مَا حَرَّمَ اللَّهُ} من الأشهر الحرم {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} "يريد زين لهم الشيطان" أي حسن لهم وحبب إليهم سيءَ أعمالهم وقبيحها، وما خولف به أمرُ الله وطاعتُه {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} قال الطبري: "والله لا يُوفِّقُ لِمحاسِنِ الأفعالِ وجَميلِها، وما لله فيه رضًى، القومَ الجاحدين توحيدَه، والمنكرين نبوةَ محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه يَخذِلُهم عن الهدى، كما خَذَلَ هؤلاء الناس عن الأشهر الحُرم". انتهى

أخرج الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ..". الحديث.

قال العلماء: "أَمَّا ذُو الْقَعْدَةِ، فَبِفَتْحِ الْقَافِ، وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ، هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَيَجُوزُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُ الْقَافِ وَفَتْحُ الْحَاءِ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أن الأشهر الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ".

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ"

فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَسَّكُونَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَاتٍ، فَكَانُوا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى قِتَالٍ أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَهُوَ صَفَرٌ، ثُمَّ يُؤَخِّرُونَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي سَنَةٍ بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ.

وَصَادَفَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَهُمْ، وَقَدْ تَطَابَقَ الشَّرْعُ.

وَكَانُوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدْ حَرَّمُوا ذَا الْحِجَّةِ لِمُوَافَقَةِ الْحِسَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ صَادَفَتْ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانُوا يَنْسَؤونَ أَيْ يُؤَخِّرُونَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكفر} فَرُبَّمَا احْتَاجُوا إِلَى الْحَرْبِ فِي الْمُحَرَّمِ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى صَفَرٍ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَ صَفَرٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَصَادَفَ تِلْكَ السَّنَةَ رُجُوعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ". انتهى

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاثنين 6 صفر 1445
عدد المشاهدات 690
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق