تفسير سورة يونس [7-10]
{إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ[7]}
{إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي: لا يطمعون بلقاء الله، الذي هو أكبر مقصود، وأعلى ما يطمع به العقلاء، بل أعرضوا عن ذلك، وربما كذبوا به {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بدلاً عن الآخرة.
{وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} أي: ركنوا إليها، وجعلوها غايتهم، ونهايةَ مقصِدِهم، وشغلوا أنفسهم بشهواتهم وملذاتهم فيها، وتركوا الآخرة.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} معرضون عنها لاهون، فلا ينتفعون بالآيات القرآنية.
{أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [8]}
{أُولَئِكَ} الذين هذا وصفهم {مَأْوَاهُمُ النَّارُ} أي: مقرهم ومسكنهم الذي لا يتحولون عنه النار.
{بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} بسبب ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الكفر والشرك وأنواع المعاصي.
فلما ذكر عقابهم ذكر ثواب المطيعين، فقال:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ[9]}
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: جمعوا بين الإيمان الظاهر والباطن، إيمان القلب واللسان والأعمال الصالحة، على وجه الإخلاص والمتابعة.
{يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} أي: بسبب ما معهم من الإيمان، يرشدهم الله إلى الجنة، وإلى الأعمال الموصلة إليها في الدنيا {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ} الجارية على الدوام {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} قال السعدي: أضافها الله إلى النعيم، لاشتمالها على النعيم التام، نعيم القلب بالفرح والسرور، والبهجة والحبور، ورؤية الرحمن وسماع كلامه، والاغتباط برضاه وقربه، ولقاء الأحبة والإخوان، والتمتع بالاجتماع بهم، وسماع الأصوات المطرِبات، والنغمات المُشجِيَات، والمناظر المفرحات. ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب، والمناكح ونحو ذلك، مما لا تعلمه النفوس، ولا خطر ببال أحد، أو قدر أن يصفه الواصفون.
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [10]}
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} أي عبادتهم فيها لله، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائض، وآخرها تحميد لله، فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء، وإنما بقي لهم أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة، ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، وتفرح به الأرواح، وهو لهم بمنزلة النَّفَس، من دون كلفة ومشقة.
{و} أما {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا} فيما بينهم عند التلاقي والتزاور، فهو {سَلامٌ} أي السلام، أي: كلام سالم من اللغو والإثم، موصوف بأنه سلام، وقد قيل في تفسير قوله {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، أن أهل الجنة -إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما- قالوا سبحانك اللهم، فأحضر لهم في الحال.
فإذا فرغوا قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. كثير منه قاله السعدي رحمه الله.