الاربعاء 2 رجب 1446 هـ
01 يناير 2025 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-81 كتاب الصلاة، الحديث 359و360و361و362و363و364   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (25-35)   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (17-24)   تفسير القرآن: تفسير سورة هود 9-16   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (1-8)   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13      

تفسير سورة هود (25-35)

تفسير سورة هود (25-35)

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥)}

كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلُّهم على الإسلام.

وكان نوح عليه السلام أولَ رسولٍ أرسله الله إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام، بعدما عبدت الأصنام.

قال ابن كثير: "إنما بعثَه اللَّه تعالى لمَّا عُبِدتِ الأصنامُ والطواغيتُ، وشرعَ النَّاسُ في الضلالة والكفر، فبعثَه اللَّه رحمةً للعباد، فكان أوَّلَ رسولٍ بُعِثَ إلى أهل الأرض؛ كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة". انتهى

يخبر الله تبارك وتعالى عن نوح فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} بعث الله تبارك وتعالى {نُوحًا} رسولاً {إِلَى قَوْمِهِ} قوم نوح الذين أغرقهم الله بالطوفان لما كفروا ولم يؤمنوا برسوله وما جاء به، فقال نوح لقومه: {إِنِّي لَكُمْ} يا قومِ {نَذِيرٌ} لكم، محذركم ومخوفكم إذا لم تطيعوني أن يعذبكم الله {مُبِينٌ} أي: بين ظاهر النّذَارَة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله، هذا قول، وقال آخرون: أي: بينت لكم ما أنذرتكم به، بيانا زال به الإشكال.

أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦)}}

{أن لا تعبدُوا إلا اللهَ} أي: أدعوكم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه {إني} إن لم تفعلوا ما أدعوكم إليه، واستمررتم على ما أنتم عليه من الشرك {أخافُ عليكم عذابَ يومٍ أليمٍ} أي أخاف عليكم أن يصيبك عذابٌ مؤلم موجع يوم القيامة، فمكث نوح في قومه يدعوهم إلى التوحيد {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}.

{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ‌‌(٢٧)}

{فَقَالَ الْمَلَأُ} وهم الأشراف والرؤساء {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ} يا نوح {إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} أي: إِنساناً مثلنا، لا فضل لك علينا، فكيف أوحى الله إليك دوننا؟! فلن نستجيب لدعوتك {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} سفلتنا، ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء، ثم هؤلاء الذين اتبعوك وآمنوا بما جئت به، اتبعوك {بَادِيَ الرَّأْيِ} أي: أول الرأي، يريدون أنهم اتبعوك في أول الرأي من غير تروٍ وتفكر، ولو تفكروا لم يتبعوك {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} أي لست أنت ومن معك أفضل منا في شيء حتى نتبعكم {بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} فيما تدعونه.

قال ابن كثير: هذا اعتراضُ ‌الكافرين ‌على ‌نوحٍ عليه السلام وأتباعِهِ، وذلك دليلٌ على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم، فإنه ليس بِعَارٍ على الحق رذالةُ مَن اتبعه، فإن الحقَّ في نفسه صحيحٌ، سواءٌ اتَّبعَهُ الأشرافُ أو الأراذلُ.

بل الحقُّ الذي لا شك فيه: أنَّ أتباعَ الحقِّ همُ الأشرافُ ولو كانوا فقراء، والذين يَأْبَونه هم الأراذلُ ولو كانوا أغنياء.

ثم الواقع غالبًا أن مَن يَتبِعُ الحقَّ ضعفاءُ الناس، والغالبَ على الأشراف والكبراءِ مخالفته، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}، ولمَّا سأل هرقلُ ملكُ الرومِ أبا سفيانَ صخرَ بنَ حرب عن صفاتِ النبي صلى الله عليه وسلم، قال له فيما قال: أشرافُ الناسِ اتَّبعُوه أو ضعفاؤُهم؟ قال: بل ضعفاؤُهم. فقال هرقلُ: هم أتباعُ الرسلِ.

وقولهم: {بَادِيَ الرَّأْيِ} ليس بمَذمةٍ ولا عيبٍ؛ لأن الحقَّ إذا وَضَحَ لا يبقى للرأي ولا للفكر مجال، بل لا بد من اتباعِ الحقِ - والحالةُ هذه - لكلِّ ذي زكاءٍ وذكاءِ، بل لا يُفكرُ هاهنا إلا عَيِيٌّ أو غبيٌّ، والرسلُ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إنما جاءوا بأمر جلي واضح.

وقد جاء في الحديث أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " ما دعوتُ أحدًا إلى الإسلام إلا كانت له كَبوةٌ، غيرَ أبي بكرٍ، فإنه لم يَتَلَعْثَم" أي: ما تردد ولا تروى؛ لأنه رَأى أمرًا جليًّا عظيمًا واضحًا فبادر إليه وسارع.

وقوله: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} هم لا يرون ذلك؛ لأنهم عُمْيٌّ عن الحق لا يسمعون ولا يبصرون، بل هم في ريبهم يترددون، في ظلمات الجهل يعمهون، وهم الأفاكون الكاذبون، الأقلون الأرذلون، وفي الآخرة هم الأخسرون". انتهى

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (٢٨)}

{قَالَ} نوح ردًّا على قومه {يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ} أخبروني {إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} على علم ومعرفة وبيان من الله لي ما يجب علي له من عبادته وحده، وترك عبادة الأصنام والأوثان معه {وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} ورزقني منه التوفيق والنبوة والحكمة، فآمنت به، وأطعته فيما أمرني ونهاني {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} قال ابن الأنباري: "ومعنى ذلك: فعمّاها الله عليكم إِذ كنتم ممن حُكم عليه بالشقاء". انتهى، أي: شُبِّهت ولُبِّست عليكم، خفيت عليكم فلم تهتدوا إليها فتقروا بها وتصدقوا رسولكم عليها {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} أي: أنُلْزِمُكم قبولَها؟ ونُجبِرُكم على الإيمان بها وأنتم لا تريدونها؟ وهذا استفهام معناه الإنكار، يقول: لا نقدر أن نُلزمكم من ذات أنفسنا. قال قتادة: "والله لو استطاع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه، ولكن لم يملك ذلك". انتهى

{وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ‌‌(29)}

{وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا} أي: لا أطلب منكم مالاً على الوحي وتبليغ الرسالة ونصحي لكم {إِنْ أَجْرِيَ} ما ثوابي إلا {عَلَى اللَّهِ} فلا أطلب الأجر إلا من الله تبارك وتعالى {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} ولست بمُبْعِدٍ عن مجلسي الفقراء من المؤمنين، وهذا دليل على أنهم طلبوا منه طرد المؤمنين، فرفض {إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} أي: صائرون إلى ربهم يوم القيامة فيسألُهم عن أعمالِهم {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} الواجبَ عليكم مِن حقِّ اللَّهِ، واللازمَ لكم مِن فرائضِه، ولذلك مِن جَهْلِكم سألتُموني أن أطرد الذين آمنوا باللَّهِ.

{وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ‌‌(٣٠) }

{وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ} مَن يمنعُ عذابَ الله أن ينزل بي، ويدفعه عني إِنْ طَرَدْتُهُمْ} ظلما بغير ذنب {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} فيما تقولون، فتَعْلَمون خطأه، فتَنْتَهوا عنه؟

{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١)}

{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ} يا قوم {عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} التي فيها رزقه، ولا يُفْنِيها شيءٌ، فأكونَ إنما أدعوكم لتَتَّبِعوني عليها، لأُعْطِيَكم منها {وَلَا} أقول لكم إني {أَعْلَمُ الْغَيْبَ} يعني: ما خَفِيَ مِن سرائرِ العبادِ؛ فإن ذلك لا يعلمُه إلا اللَّهُ، فلا أدعي علم الغيب، فأقول لكم اتبعوني لعلمي به { وَلَا أَقُولُ} لكم {إِنِّي مَلَكٌ } من الملائكة نزلت برسالة، بل أنا بشرٌ مثلُكم كما تقولون، أُمرتُ بدعوتكم إلى اللَّهِ، وقد أَبْلَغْتُكم ما أُرسِلتُ به إليكم {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} أي: تحتقرهم وتستصغرهم أعينكم، وهم المؤمنون الفقراء {لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} أي: توفيقا وإيمانا وأجرا {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} من الخير والشر {إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} المستحقين العذاب، أي إن قلت: لن يؤتيهم الله خيرا وطردتهم فإني إذاً لَمِنَ الفاعلين ما ليس لهم فعلُه، المعتدين ما أمَرَهم اللَّهُ به، وذلك هو الظلمُ.

{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢)}

{قَالُوا} تَعَنُّتًا وتكبرًا {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا} خاصمتنا وناظرتنا {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فيما تدعيه.

{قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣)}

{قَالَ} نوح لهم {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ} أي بالعذاب {اللَّهُ إِنْ شَاءَ} فليس ذلك إلي، هو إلى الله يأتيكم به متى يشاء {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} وما أنتم بقادرين على الإفلات من عذاب الله إن أراد بكم عذابًا.

{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)}

{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} أي: نصيحتي وتذكيري لكم {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} يُضلَّكم {هُوَ رَبُّكُمْ} له الحكم والأمر {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ‌‌(35)}}

{أَمْ يَقُولُونَ} أي قوم نوح {افْتَرَاهُ} جاء بهذا الدين من عنده، وليس من عند الله؟! {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ} إن اختلقته من عندي كما تزعمون {فَعَلَيَّ} وحدي {إِجْرَامِي} أي: عقاب إثمي ووبال جرمي، والإجرام: كسب الذنب. {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} وأَنا برِئ من كفركم وتكذيبكم.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاربعاء 25 جمادة الاخرة 1446
عدد المشاهدات 17
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق