من الآية 31 إلى 39 من سورة البقرة .
{ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين }
( وعلم آدم )
أي علم الله سبحانه آدم ، وهو نبيه ، أبو البشر عليه السلام .
(الأسماء كلها )
أسماء كل شيء .
( ثم عرضهم على الملائكة
) أي عرض الله أصحاب الأسماء على الملائكة.
( فقال )
الله سبحانه مكلماً الملائكة .
( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين )
أخبروني بأسماء من عرضتهم عليكم أيها الملائكة إن كنتم صادقين أن لديكم علماً بالأشياء .
{ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم }
( قالوا )
أي الملائكة إقراراً بالعجز .
( سبحانك )
التسبيح هو التنزيه ، أي ننزهك أن يحيط أحد بشيء من علمك إلا بما تشاء .
( إنك أنت العليم الحكيم )
العليم : على وزن فعيل ، من أبنية المبالغة ؛ ذو العلم الواسع المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً لما كان وما يكون من أفعاله وأفعال خلقه .
والحكيم : ذو الحكمة البالغة . والحكمة وضع الشيء في موضعه اللائق به.
وللحكيم معنى آخر ، وهو ذو الحكم والسلطان التام .
{ قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما نبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون }
.
( قال )
الله تبارك وتعالى .
( يا آدم أنبئهم )
أي أخبر الملائكة .
( بأسمائهم )
يعني : بأسماء الذين عرضهم على الملائكة .
( فلما أنبأهم بأسمائهم )
فلما أخبر آدم الملائكة بأسماء الذين عرضهم الله على الملائكة .
( قال )
الله تبارك وتعالى .
( ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض )
قال الله تبارك وتعالى لملائكته معاتباً لهم : لقد أخبرتكم أني أعلم ما خفي عنكم في السموات والأرض .
(وأعلم ما تبدون )
أي وأعلم - مع علمي غيب السموات والأرض – ما تظهرون بألسنتكم .
( وما تكتمون )
وما تخفونه في أنفسكم ، فلا يخفى عليّ شيء .
قال ابن كثير
– رحمه الله - : " هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه به من علم أسماء كل شيء دونهم ، وهذا كان بعد سجودهم له .
وإنما قدم هذا الفصل على ذلك لمناسبة ما بين المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة حين سألوا عن ذلك ، فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون ؛ ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم .
{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين }
.
( وإذ قلنا للملائكة )
أي قال الله تبارك وتعالى لملائكته ، والجمع للتعظيم .
( اسجدوا لآدم فسجدوا )
أمر الله تبارك وتعالى ملائكته بالسجود لآدم عليه السلام فأطاعوا وسجدوا جميعاً إلا إبليس . فكانت الطاعة لله ، والسجدة لآدم ؛ أكرم الله آدم بها أن أسجد له الملائكة .
قال الطبري : " وكان سجود الملائكة لآدم تكرمة لآدم ، وطاعة لله ، لا عبادة لآدم " .
( إبليس )
هو أبو الجن كما أن آدم أبو الإنس .
( أبى )
أي : امتنع .
( واستكبر )
أي تكبر عن السجود .
( وكان من الكافرين )
أي صار من الكافرين بسبب امتناعه واستكباره .
قال الإمام الطبري – رحمه الله – (1/544 ، هاجر) : " وهذا وإن كان من الله تعالى ذكره خبراً عن إبليس ، فإنه تقريع لضربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله، والانقياد لطاعته فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق. وكان ممن تكبر عن الخضوع لأمر الله، والتذلل لطاعته، والتسليم لقضائه فيما ألزمهم من حقوق غيرهم ؛ اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبارهم الذين كذبوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهم وصفته عارفين، وبأنه لله رسول عالمون. ثم استكبروا - مع علمهم بذلك - عن الإقرار بنبوته، والإذعان لطاعته، بغيا منهم له وحسدا . فقرعهم الله بخبره عن إبليس الذي فعل في استكباره عن السجود لآدم ، حسدا له وبغيا ، نظير فعلهم في التكبر عن الإذعان لمحمد نبي الله صلى الله عليه وسلم ونبوته ، إذ جاءهم بالحق من عند ربهم ، حسدا وبغيا "
{ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين }
(وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة )
يقال زوجك وزوجتك ، وهي حواء . صح تسميتها بذلك في حديث متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا بني إسرائيل لم يخنز اللحم ، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر " .
( الجنة )
جنة الخلد
( وكلا منها رغداً )
واسعاً كثيراً هنيئاً .
( حيث شئتما )
أي : في أي مكان من هذه الجنة ، وفي أي وقت .
( ولا تقربا هذه الشجرة )
أشار الله تبارك وتعالى إلى شجرة بعينها . والله أعلم بنوعها ولا يضرنا عدم العلم بها .
( فتكونا من الظالمين )
أي : إنكما إن قربتماها بالأكل منها كنتما من الظالمين ، أي : الضارين بأنفسكما بالمعصية ، وأصل الظلم : وضع الشيء في غير موضعه .
{ فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين }
(
فأزلهما الشيطان ) أي : أوقع الشيطان آدم وحواء في الزلل .
وفي قراءة { فأزالهما } : بمعنى نحاهما ، أي : كان الشيطان سبباً في تنحيتهما .
( عنها )
أي : عن الجنة .
( فأخرجهما مما كانا فيه )
فأخرج الشيطان آدم وحواء من النعيم الذي كانا فيه .
أضاف الله الإخرج إلى الشيطان ؛ وإن كان هو المخرج لهما ؛ لأنه كان سبباً لخروجهما منها بوسوسته لهما .
قال الشنقيطي – رحمه الله – في " أضواء البيان " سورة طه : " واعلم: أن في وسوسة الشيطان إلى آدم إشكالا معروفا، وهو أن يقال: إبليس قد أخرج من الجنة صاغرا مذموما مدحورا، فكيف أمكنه الرجوع إلى الجنة حتى وسوس لآدم؟
والمفسرون يذكرون في ذلك قصة الحية وأنه دخل فيها فأدخلته الجنة، والملائكة الموكّلون بها لا يشعرون بذلك ، وكل ذلك من الإسرائيليات. والواقع أنه لا إشكال في ذلك، لإمكان أن يقف إبليس خارج الجنة قريباً من طرفها بحيث يسمع آدم كلامه وهو في الجنة، وإمكان أن يدخله الله إياها لامتحان آدم وزوجه، لا لكرامة إبليس. فلا محال عقلاً في شيء من ذلك. والقرآن قد جاء بأن إبليس كلّم آدم، وحلف له حتى غره وزوجه بذلك " .
( وقلنا )
أي قال الله تبارك وتعالى .
( اهبطوا )
الخطاب لآدم وحواء وإبليس .
( بعضكم لبعض عدو )
الشيطان عدو لآدم وحواء .
( ولكم في الأرض مستقر )
يعني تستقرون فيها . فالمستقر في كلام العرب هو موضع الاستقرار .
( ومتاع )
وتتمتعون بها بما أعطاكم الله من النعم .
( إلى حين )
إلى زمن معين وهو قيام الساعة ، وليس على الدوام .
{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم }
( فتلقى آدم من ربه كلمات )
تلقى : أخذ وقبل ؛ أي : فألقى الله لآدم كلمات توبة ، فتلقاها آدم من ربه وأخذها عنه تائباً .
( فتاب )
الله ( عليه ) على آدم بقوله لها وقبوله إياها من ربه ، أي رفع الله عنه المؤاخذة وعفا عنه .
والكلمات هي قوله تعالى : {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } .
( إنه هو التواب )
صيغة مبالغة ؛ أي كثير التوبة على عباده ، وتوبته على عباده تكون بتوفيقهم للتوبة وقبولها منهم .
( الرحيم )
ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين .
تعريف التوبة : التوبة لغة ؛ هي الرجوع ، وشرعاً ؛ هي الرجوع من معصية الله إلى طاعته .
حكمها : واجبة على الفور ؛ لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً } ، ولغير ذلك من الأدلة .
شروطها :
1. الإقلاع عن الذنب .
2. الندم على ما حصل .
3. العزم على أن لا يعود إلى الذنب .
4. أن تكون في وقت قبول التوبة وهو قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من مغربها .
5. رد المظالم إلى أهلها .
{ قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
.
( قلنا اهبطوا منها جميعاً
) أي : آدم وحواء وإبليس كما تقدم ، وذريتهم .
(فإما )
أي : فإن يأتيكم .
( مني هدى )
الوحي الذي يوحيه الله إلى أنبيائه رسوله .
( فمن تبع هداي )
أي : من أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل .
( فلا خوف عليهم )
فيما سيلقونه في الآخرة ، فهم آمنون في أهوال القيامة من عقاب الله غير خائفين عذابه ؛ بما أطاعوا الله في الدنيا .
( ولا هم يحزنون )
على ما فاتهم من أمور الدنيا .
{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
( والذين كفروا )
جحدوا آياتي ، وكذبوا رسلي .
( بآياتنا )
وهي حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته ، وما جاءت به الرسل.
( أولئك أصحاب النار )
أي : أهلها .
( هم فيها خالدون )
أي : مخلدون لا يخرجون منها أبداً .