من الآية 40 إلى 43 من سورة البقرة
{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون }
(يا بني إسرائيل ) يا أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن . كان يعقوب يدعى إسرائيل ، ومعنى إسرائيل: عبد الله .
(اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) نعمتي مفرد مضاف تعم جميع النعم التي أنعمها الله على بني إسرائيل . قال الطبري : ونعمته التي أنعمها على بني إسرائيل جل ذكره ؛ اصطفاؤه منهم الرسل ، وإنزاله عليهم الكتب، واستنقاذه – أي تخليصه ـ إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضراء من فرعون وقومه، إلى التمكين لهم في الأرض، وتفجير عيون الماء من الحَجَر، وإطعام المنّ والسّلْوى.
فأمر جل ثناؤه أعقابَهم – أي أولادهم - أن يكون ما سلف منه – أي ما تقدم من نعم - إلى آبائهم على ذكر منهم ، وأن لا ينسوا صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم، فيحل بهم من النقم ما أحل بمن نسي نعمه عنده منهم وكفرها وجحد صنائعه عنده .
( وأوفوا بعهدي ) أي ائتوا به وافياً تاما ؛ وعهده سبحانه وتعالى أنه عهد إليهم أن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا برسله، كما قال تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً } .
( أوف بعهدكم ) أي أعطكم ما عهدت به إليكم وافياً وهو الجزاء على أعمالهم المذكور في قوله تعالى : {لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار}
( وإياي فارهبون ) الرهبة الخوف الشديد .
{ وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون }
(وآمنوا بما أنزلت ) ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن .
(مصدقا لما معكم) القرآن مصدق لما مع اليهود من بني إسرائيل من التوراة.
فأمرهم بالتصديق بالقرآن، وأخبرهم جل ثناؤه أن في تصديقهم بالقرآن تصديقا منهم للتوراة؛ لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه واتباعه مثل الذي في الإنجيل والتوراة ؛ ففي تصديقهم بما أنزل على محمد تصديق منهم لما معهم من التوراة، وفي تكذيبهم به تكذيب منهم لما معهم من التوراة .
(ولا تكونوا أول كافر به) ولا تكونوا يا أهل الكتاب أول من يكذب بالقرآن ويجحده مع أن عندكم من العلم به ما لا يوجد عند غيركم .
قال الإمام الطبري : يا معشر أحبار أهل الكتاب صدقوا بما أنزلت على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن المصدق كتابكم، والذي عندكم من التوراة والإنجيل المعهود إليكم فيهما أنه رسولي ونبيي المبعوث بالحق، ولا تكونوا أول من كذب به وجحد أنه من عندي ، وعندكم من العلم به ما ليس عند غيركم. وكفرهم به : جحودهم أنه من عند الله .
(ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها، فإنها قليلة فانية.
وقيل: معناه لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع بالكتمان واللبس لتستمروا على رئاستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب.
فائدة : أخذ الأجرة على تعليم العلم .
قال ابن كثير في تفسيره :
فأما تعليم العلم بأجرة، فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة ، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله بأجرة، فإن لم يحصل له منه شيء وقطعه التعليم عن التكسب، فهو كما لم يتعين عليه، وإذا لم يتعين عليه فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء ؛ كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد في قصة اللديغ «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» .
وقوله في قصة المخطوبة «زوجتكها بما معك من القرآن» .
فأما حديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة شيئا من القرآن فأهدى له قوسا فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله» فتركه ، رواه أبو داود. وروي مثله عن أبي بن كعب مرفوعا، فإن صح إسناده فهو محمول عند كثير من العلماء منهم: أبو عمر بن عبد البر؛ على أنه لما علمه لله لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة فإنه يصح كما في حديث اللديغ وحديث سهل في المخطوبة، والله أعلم.
( وإياي فاتقون ) خافون في ذلك دون غيري .
قال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله .
{ ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون }
( لا تلبسوا ) لا تخلطوا، واللبس: هو الخلط .
( الحق بالباطل ) قال قتادة : ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، وأنتم تعلمون أن دين الله الإسلام، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله.
(وتكتموا الحق ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم المكتوب عندهم في كتبهم .
( وأنتم تعلمون ) أن محمدا رسول الله ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
{ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}
قال مقاتل: قوله تعالى لأهل الكتاب:
(وأقيموا الصلاة) أمرهم أن يصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
(وآتوا الزكاة) أمرهم أن يؤتوا الزكاة، أي: يدفعوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
(واركعوا مع الراكعين) أمرهم أن يركعوا مع الراكعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير : وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة، وبسط ذلك في كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله. انتهى كلامه .
وقد تكلم القرطبي في تفسيره عند هذه الآية على مسائل الجماعة والإمامة فأجاد وأفاد رحمه الله .
التعليقات عدد التعليقات (0)
اضافة تعليق