الحديث الثالث والرابع :
قال شيخنا الو ادعي
– رحمه الله - :
قال الإمام أحمد – رحمه الله – (8257) :
ثنا أبو عبد الرحمن ثنا سعيد ثنا محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يزال لهذا الأمر " أو " على هذا الأمر عصابة على الحق، ولا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله " .
هذا حديث حسن . وسعيد : هو ابن أبي أيوب . وأبو عبد الرحمن : هو عبد الله بن يزيد المقرئ .
وقال الإمام أحمد – رحمه الله – (8465) : ثنا يونس ثنا ليث عن محمد – وهو ابن عجلان – به .
وقال الإمام أحمد – رحمه الله – ( 2/ 379) ( ح) : حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن ابن عجلان ، به .
وأخرجه البزار كما في " كشف الأستار " ( 4/111) .
الشرح :
·
لا يزال لهذا الأمر ، أو على هذا الأمر : أي : لا ينقطع وجود جماعة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم متمسكين بدين الله الحق الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قرب قيام الساعة .
·
عصابة على الحق : العصابة هي الجماعة من الناس ، والمراد بهم هنا أهل الحديث ؛ كما قال الإمام أحمد وغيره
·
لا يضرهم خلاف من خالفهم : هذا يدل على أنهم سيخالفون في دعوتهم وعقائدهم ، ولكن ذلك لن يضرهم وستبقى كلمتهم أعلى وأقوى من كلمة مناوئيهم بنصرة الله لهم .
·
حتى يأتيهم أمر الله : في الرواية المتقدمة : " حتى تقوم الساعة "، وفي الرواية الآتية : " حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " .
ولا يوجد بين هذه الروايات تعارض ؛ بين ذلك الحافظ ابن حجر عند جمعه بين هذا الحديث والأحاديث التي تدل على أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس ؛ في " الفتح " ( 13/96) عند شرحه لحديث : " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس عند ذي الخلصة " ؛ فقال : " ... وفي معنى هذا الحديث ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر قال : " لا تقوم الساعة حتى تدافع مناكب نساء بني عامر على ذي الخلصة " ، وابن عدي من رواية أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة رفعه " لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى " .
قال ابن بطال : هذا الحديث وما أشبهه ليس المراد به أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء ؛ لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف ويعود غريبا كما بدأ .
ثم ذكر حديث لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ...الحديث .
قال : فتبين في هذا الحديث تخصيص الأخبار الأخرى وأن الطائفة التي تبقى على الحق تكون ببيت المقدس إلى أن تقوم الساعة .
قال : فبهذا تأتلف الأخبار .
قلت : ليس فيما احتج به تصريح إلى بقاء أولئك إلى قيام الساعة ؛ وإنما فيه حتى " يأتي أمر الله " فيحتمل أن يكون المراد بأمر الله ما ذكر من قبض من بقي من المؤمنين ، وظواهر الأخبار تقتضي أن الموصوفين بكونهم ببيت المقدس أن آخرهم من كان مع عيسى عليه السلام ، ثم إذا بعث الله الريح الطيبة فقبضت روح كل مؤمن لم يبق إلا شرار الناس .
وقد أخرج مسلم من حديث ابن مسعود رفعه : " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " . وذلك إنما يقع بعد طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وسائر الآيات العظام .
وقد ثبت أن الآيات العظام مثل السلك إذا انقطع تناثر الخرز
بسرعة وهو عند أحمد وفي مرسل أبي العالية " الآيات كلها في ستة أشهر " وعن أبي هريرة " في ثمانية أشهر " وقد أورد مسلم عقب حديث أبي هريرة من حديث عائشة ما يشير إلى بيان الزمان الذي يقع فيه ذلك ولفظه "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى " وفيه " يبعث الله ريحا طيبة فتوفي كل من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم " وعنده في حديث عبد الله بن عمرو رفعه " يخرج الدجال في أمتي .." الحديث وفيه " فيبعث الله عيسى ابن مريم فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال حبة من خير أو إيمان إلا قبضته " وفيه "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيأمرهم بعبادة الأوثان ثم ينفخ في الصور " ، فظهر بذلك أن المراد بأمر الله في حديث لا تزال طائفة ؛وقوع الآيات العظام التي يعقبها قيام الساعة ولا يتخلف عنها إلا شيئا يسيرا ،ويؤيده حديث عمران بن حصين رفعه " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال " أخرجه أبو داود والحاكم ، ويؤخذ منه صحة ما تأولته فإن الذين يقاتلون الدجال يكونون بعد قتله مع عيسى ثم يرسل عليهم الريح الطيبة فلا يبقى بعدهم إلا الشرار كما تقدم ،ووجدت في هذا مناظرة لعقبة بن عامر ومحمد بن مسلمة فأخرج الحاكم من رواية عبد الرحمن بن شماسة أن عبد الله بن عمرو قال لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية ؛ فقال عقبة بن عامر :عبد الله أعلم ما يقول؛ وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك " فقال عبد الله : أجل ويبعث الله ريحا ريحها ريح المسك ومسها مس الحرير فلا تترك أحدا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة ؛ فعلى هذا فالمراد بقوله في حديث عقبة " حتى تأتيهم الساعة " ؛ ساعتهم هم وهي وقت موتهم بهبوب الريح . والله أعلم . انتهى
قلت :
وقال النووي في شرح صحيح مسلم عند شرحه لحديث : " لا تزال طائفة من أمتي ..." قال : " هذا الحديث سبق شرحه مع ما يشبهه فى أواخر كتاب الإيمان ، وذكرنا هناك الجمع بين الأحاديث الواردة فى هذا المعنى ؛ وأن المراد بقوله صلى الله عليه و سلم " حتى يأتي أمر الله " ؛ من الريح التى تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة . وأن المراد برواية من روى " حتى تقوم الساعة " ؛ أي : تقرب الساعة وهو خروج الريح . والله أعلم .
رجال الإسناد الأول :
·
أبو عبد الرحمن : هو عبد الله بن يزيد المقرئ القرشي ، أبو عبد الرحمن القصير ، قال الحافظ ابن حجر : ثقة فاضل .
·
سعيد : هو سعيد بن أبي أيوب الخزاعي مولاهم المصري ، أبو يحيى بن مقلاص ، ثقة ثبت .
·
محمد بن عجلان : المدني أخرج له البخاري تعليقاً ، ومسلم في المتابعات ، قال الحافظ ابن حجر : " صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة "
قلت
: أحاديث أبي هريرة التي اختلطت عليه هي أحاديث سعيد المقبري وليس كل أحاديث أبي هريرة فتنبه .
قال المروزي : سألته – يعني الإمام أحمد عن ابن عجلان ، فقال : ثقة ، قلت : إن يحيى قد ضعفه ، قال : كان ثقة ، إنما اضطرب عليه حديث المقبري ؛ كان عن رجل جعل يصيره عن أبي هريرة .
انظر " شرح علل الترمذي " لابن رجب (1/410 – دار الرازي ) ، وانظر " الثقات " (7/387) لابن حبان ، وقال يحيى بن سعيد : " مضطرب الحديث في حديث نافع " .
·
القعقاع : هو القعقاع بن حكيم الكناني المدني ، وثقه أحمد وابن معين ، وقال أبو حاتم : ليس بحديثه بأس ، وذكره ابن حبان في " الثقات " فهو ثقة .
·
أبو صالح : هو ذكوان السمان الزيات المدني ، قال الحافظ : " ثقة ثبت " .
·
أبو هريرة : الدوسي الصحابي الجليل ، مختلف في اسمه ، أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً ؛ لذلك فمن طعن فيه فإنما أراد الطعن في الإسلام
قال الإمام الشافعي والإمام البخاري : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره .
من مناقبه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له ولأمه ، قال " اللهم حبب عُبيدك هذا – يعني أبا هريرة – وأمه إلى عبادك المؤمنين ، وحبب إليهم المؤمنين ،
قال أبو هريرة : فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني " أخرجه مسلم ( 2491) .
رجال الإسناد الثاني :
·
يونس : هو يونس بن محمد بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب ثقة ثبت .
·
الليث : هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي ، أبو الحارث المصري ، الإمام المشهور ، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور .
رجال الإسناد الثالث :
·
قتيبة : هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي ، أبو رجاء البغلاني ، قال الحافظ : " ثقة ثبت " .
ثم قال شيخنا
– رحمه الله – " هذا حديث حسن " ، أي : لذاته ؛ وإلا فالحديث صحيح متواتر ، ولكن الشيخ – رحمه الله – اقتصر على الحكم على ذات الحديث دون النظر إلى شواهده ، وهو عمل كثير من المحدثين ، يعرف ذلك من مارس علم الحديث ، ومن اقتصر على دراسة كتب المصطلح ربما أنكره . والله المستعان .
تخريج الحديث :
والحديث أخرجه الطبري في " تهذيب الآثار " (1153) ، وابن حبان في " صحيحه " (6835) وغيرهما ؛ عن محمد بن عجلان به .
وروي عن أبي هريرة، من أوجه أخرى بزيادات فيه ، توسع ابن عساكر في ذكرها في " تاريخ دمشق " (1/254، فما بعدها ).
وله شواهد كثيرة ذكر بعضها شيخنا الو ادعي في هذا الكتاب ، وذكر مجموعة منها في " الصحيح المسند من دلائل النبوة " (ص 340-343، القلم ) ، وكذا فعل ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1/256، فما بعدها ) والطبري في " تهذيب الآثار" ، والألباني في " الصحيحة " ( 1/1/540- 541) .
ثم قال شيخنا
– رحمه الله – في " الجامع الصحيح " :
قال أبو داود
– رحمه الله – (جـ 7ص 162) :
حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن قتادة عن مطرف عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله
– صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين على من ناوأهم ، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " .
هذا حديث صحيح على شرط مسلم .
الحديث رواه الإمام أحمد (4/429) فقال : ثنا بهز ثنا حماد بن سلمة عن قتادة ، به .
الشرح :
·
من ناوأهم : أي من عاداهم ، قال ابن الأثير : أي : ناهضهم وعاداهم . يقال ناوأت الرجل نواء ومناوأة إذا عاديته ، وأصله من ناء إليك ونؤت إليه ، إذا نهضتما .
·
المسيح الدجال : الدجال ؛ من الدجل وهو الكذب والتمويه وخلط الحق بالباطل وسمي مسيحاً ؛ قيل :لأنه ممسوح العين ، وقيل لأنه يمسح الأرض ويقطعها . وهو شخص يظهر آخر الزمان يدعي الربوبية ، أعور العين مكتوب بين عينيه كافر ، معه جنة ونار ، فجنته نار وناره جنة ، وتكون له فتنة عظيمة حذر منها الأنبياء جميعاً، تقاتله الطائفة المنصورة مع عيسى عليه السلام فيقتله عيسى بباب لد .
رجال الإسناد الأول :
·
موسى بن إسماعيل : المنقري ، أبو سلمة التبوذكي البصري ، ثقة ثبت .
·
حماد : هو ابن سلمة بن دينار البصري ، أبو سلمة ، ابن أخت حميد الطويل . ثقة عابد أثبت الناس في ثابت ، وتغير حفظه بأخرة .
·
قتادة : هو ابن دعامة السدوسي ، أبو الخطاب البصري ، ثقة ثبت .
·
مطرف : هو مطرف بن عبد الله بن الشخِّير العامري ، أبو عبد الله البصري ، ثقة عابد فاضل .
·
عمران بن حصين : هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي ، أبو نجيد ، أسلم عام خيبر وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكان فاضلاً ، مات بالبصرة .
رجال الإسناد الثاني الذين لم يذكروا في الإسناد الأول :
·
بهز : هو بهز بن أسد العمي ، أبو الأسود البصري ، ثقة ثبت حجة.
تخريج الحديث :
أخرجه الحاكم (2/81) و (4/497) وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . والطبري في " تهذيب الآثار " (1159) والطبراني ( 18/116)، والبزار (3524) وغيرهم عن قتادة به .
وتابع قتادة ؛ أبو العلاء بن الشخير وعبد الرحمن بن المورق . أخرجه أحمد (4/434) ، والطبري في " تهذيب الآثار " (1161و1162) ، والطبراني (18/111و 124) وغيرهم . وانظر " الصحيحة " ( 270و 1584و 1959) .