الاحد 22 جمادة الاخرة 1446 هـ
22 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52      

الدرس الثامن

[الدرس الثـامن ]
قال المؤلف رحمه الله :
بابٌ
الذي يدخل في الأمر والنهي وما لا يدخل
يريد المؤلف - رحمه الله - أن يبين بهذه الترجمة مَنْ الذي يتناوله خطاب التكليف فيكون مكلَّفاً ومَن الذي لا يتناوله فلا يكون مكلفاً أي مَن الذي يُطلب منه الفعل والترك ومن الذي لا يُطلب منه ذلك .
والتكليف لغة : إلزام ما فيه مشقة ؛ هذا من حيث اللغة .
وأما من الناحية الاصطلاحية ؛ فالتكليف هو طلب ما فيه مشقة ، فيدخل في ذلك الواجب والمستحب والحرام والمكروه لأن الأربعة مطلوبة وأما المباح ليس فيه طلب ولكنهم أدخلوه في أقسام التكليف تكميلاً للقسمة ومسامحة كما ذهب إليه بعض أهل العلم .
فمَنْ الذي يوجَّه له الخطاب - الأمر والنهي- ويُطلب منه الفعل أو الترك ؟ هل هم جميع الناس أم المؤمنون منهم فقط ؟ أم الناس والبهائم والجمادات ؟أم مَن بالضبط ؟ قال المؤلف - رحمه الله - مبينا لنا ذلك : يدخل في خطاب الله تعالى المؤمنون إذاً أوامر الله ونواهيه وخطاباته التي في الكتاب أو في السنة يدخل فيها المؤمنون ، يعني أن خطاب الله يشمل كل مؤمن فإذا قال الله تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } شمل المؤمنين وإذا قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } شمل المؤمنين وهكذا ، فيُفهم من كلام المؤلف - رحمه الله - أن الكافرين غير داخلين في الخطاب وهذا سيأتي الكلام فيه بإذن الله، وسيبين المؤلف نفسه ؛ هل هذا الفهم صحيح أم لا ؟ .
ولكن المؤلف عمَّم أولاً وقال يدخل في خطاب الله تعالى المؤمنون ثم استثنى وأخرج بعض الأنواع فقال: والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب .
السهو لغة ضد الذِّكر ، سها شخص أي لم يتذكر .
واصطلاحاً ؛ السهو : الذهول عن المعلوم ، شيء قد علمته ثم ذَهلت عنه وذهب من ذهنك فهذا يسمى سهواً ، وفرْقٌ دقيق عند أهل العلم ما بين السهو والنسيان والغفلة وخلاف العلماء فيه كبير في الفرق بين هذه الأنواع بل بعض أهل العلم - بل وكثير منهم - ذهب إلى أنها بمعنىً واحد ولا فرق بينها ، والكثير الآخر ذهبوا إلى التفريق بينها وهذا محله الكتب الأكبر من هذا الكتاب ، فالساهي - ويدخل فيه أيضاً الناسي والغافل - غير مخاطبِين لأن التكليف مشروط بالقدرة على العلم وهؤلاء في حال السهو والنسيان والغفلة لا يعقلون ، لا قدرة لهم على العلم وأيضاً لقول الله تبارك وتعالى : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قال الله : قد فعلت ، إذاً فهؤلاء غير مخاطبين في حال السهو والنسيان والغفلة .
وكذلك الصبي - وهو من لم يبلغ -غير مخاطب لأنه ليس له عقل يتمكن به من فهم الخطاب وما يترتب على هذا الخطاب من نعيم أو عذاب ومن كان هذا حاله فلا يخاطب.
والبلوغ يكون بإتمام خمس عشر سنة هجرية أو بإنزال المني أو بإنبات شعر العانة ، وقد بيّنا هذا في دروس المصطلح ، وتزيد الأنثى بالحيض ، فقبل البلوغ هذا لا يدخل الصبي في الخطاب .
والمجنون غير مخاطب أيضاً لأنه لا عقل له يدرك به ويفهم به الخطاب والعلماء يقولون : العقل مَناط التكليف ، أي التكليف يتعلق بالعقل فلا تكليف من غير عقل والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" رُفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق- أي إلى أن يرجع إليه عقله - وعن النائم حتى يستيقظ -والنائم كذلك غير مكلف فإذا نطق في حال نومه بكلام كفري مثلاً أو بكلام فيه فسق وفجور فلا يؤاخذ -وعن الصبي حتى يحتلم - يعني حتى يُنزل - " .
ثم قال المؤلف - رحمه الله : والكفار مخاطبون بفروع الشرائع وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام لقوله تعالى حكاية عن الكفار { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ *قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين } تتمة الآية { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } المدّثر [44- 46 ].
لمَّا ذكر المؤلف - رحمه الله - فيما تقدم من كلامه أنه يدخل في خطاب الله تعالى المؤمنون وكان مفهوم كلامه أن الكفار غير داخلين في الخطاب بيَّن أن هذا المفهوم غير مراد ولا يريده ، وأوضح هنا أن الكفار داخلون في الخطاب وأنهم مخاطبون بفروع الشريعة .
اتفق العلماء على أن الكافرين مخاطبون بالإسلام لا خلاف بينهم في ذلك ، نقل الإجماع على هذا غير واحد ، وأدلة الكتاب والسنة تدل عليه وهي كثيرة فيه ، واختلفوا في فروع الشريعة كالصلاة والصيام والزكاة وأشباه ذلك فبعض أهل العلم قال : هم غير مخاطبين بها - أي بفروع الشريعة - قال :لأننا عندما نأمره نقول له: أسلم لا نقول له صلِّ ولا نقول له صم ، هذه حجتهم قالوا ولا يصح أن نقول له صلِّ ونترك أمره بالإسلام لكن هذا مردود بما سيأتي . والبعض قال : هم مخاطبون بجميع الشريعة أصولها وفروعها لا فرق ، وهو الذي ذهب إليه المؤلف - رحمه الله - وهو الصحيح الذي رجحه المحققون من أهل العلم واستدلوا بالآية التي ذكرها المؤلف وغيرها من الأدلة والشاهد في الآية قوله تعالى { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدّثر: 42] ، سقر من نار جهنم ، ما الذي أدخلكم جهنم ؟ { قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين } [ المدّثر: 43 ] ؛ هذه واحدة . ربما ينازع البعض ويقول هذه ليست من فروع الدين ، الصلاة من أصول الدين فنقول له اتركها وتعال للتي بعدها {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } [ المدّثر : 44 ] المراد بهذا الزكاة والزكاة من الأعمال التي يسمونها فروعاً { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } [ المدّثر : 45، 46 ] إذاً إدخال الزكاة في الأسباب التي سلكتهم في سقر دليل على أنهم يعذَّبون بتركها ، هذا هو وجه الشاهد. لكن إذا تقرر معنا هذا وعلمنا أنهم مخاطبون بفروع الشريعة ينبغي أن نعلم أن هذه الأعمال التي هي فروع الشريعة لا تصح منهم إلا إذا جاءوا بأصلها ، فإذا جاء كافر يريد أن يزكي لا تقبل منه زكاته ، أراد أن يصوم لا يقبل منه صيامه ، أراد أن يحج لا يقبل منه حجه ؛ حتى يُسْلِم إذاً فلا بد أن يأتي بالإسلام أولاً ثم يأتي بهذه الأعمال فلا تصح منهم هذه الأعمال إلا بالإسلام وهذا كالصلاة تماماً ، أنظر إلى الصلاة ؛ المسلم مأمور بها ولكنها لا تصح منه إلا بالوضوء فإذا ذهب يصلي من غير وضوء قلنا له صلاتك غير مقبولة ولا تصح منك حتى تتوضأ ،كذلك الكافر إذا أراد أن يعمل عملاً من فروع الإسلام قلنا له لا يقبل منك حتى تأتي بالأصل وهو الإسلام حتى تدخل في الإسلام أولاً ثم بعد ذلك تعمل والدليل على أن هذه الأعمال لا تقبل منهم إلا بالإسلام قول الله تبارك وتعالى { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ }[ التوبة: 54 ] هذا دليل على أن مَن كفر فأعماله لا تُقبل ، فلا نأمرهم بهذه الأعمال ولكننا نأمرهم بأصلها وهو الإسلام ، وإذا أسلم الكافر لا يؤمَر بقضاء ما فات وإن كان مأموراً به في حال كفره لكنه إذا أسلم لا يؤمر بالقضاء لقول الله تبارك وتعالى { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38 ] إن ينتهوا عن كفرهم ويدخلوا في الإسلام يسقط عنهم كل ما تقدم من ذنوبهم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :"الإسلام يجُبُّ ما كان قبله من الذنوب " يجبُّه يقطعه ويمحوه . أخرجه أحمد وصححه الإمام الألباني رحمه الله .
فالكافر يحاسب على كفره وعلى عدم إتيانه بالمأمورات وعلى عدم تركه المحظورات ، إذاً فالخلاصة أن الكافر مخاطب وداخل في الخطاب .
ثم قال المؤلف - رحمه الله - : والأمر بالشيء نهيٌ عن ضده والنهي عن الشيء أمرٌ بضده أما من حيث اللفظ فلا ، وأما من حيث المعنى ففي المسألة تفصيل كما سيأتي ، نفهم الصورة أولاً قبل أن نوافق أو نخالف قال : الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده ، أمركَ شخصٌ بإطباق جفن عينك أي بإغلاق عينك ، هذا أمر بإغلاق عينك فهو نهيٌ عن فتحها هذا لازم لا بد منه ؛ لأن حصول الضدين مستحيل فعندما أقول لك : أغلق عينك إذاً فلا أريد منك أن تفتحها لأنك إذا فتحتها لم تفعل بالأمر ، لم تستجب ، هذا معنى الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده ، الأمر بالشيء ، ما هو الشيء الذي أُمر به في الصورة التي ذكرناها ؟ إغلاق العين ، ضد إغلاق العين فتح العين فالأمر بإغلاق العين نهي عن فتحها هذا معنى هذه القاعدة ، قلنا من حيث اللفظ لا ؛ لأن قولي أغلق عينك يختلف عن قولي لا تفتحها هذا له لفظ وهذا له لفظ آخر هذا أمر وهذا نهي واللفظان مختلفان . وقد نبهنا على هذا لأن فيه مدخلا للأشاعرة ، هذا أمر وهذا نهي هذا له صيغة وهذا له صيغة أخرى وأوامر الله تبارك وتعالى ونواهيه بحرف وصوت لا كما تقوله الأشاعرة كلام نفسي ، عند الأشاعرة الأمر بالشيء نهي عن ضده هو عينه لا إشكال عندهم لأن كلام الله – عندهم - نفسي ليس ألفاظاً ، نحن نقول الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده وليس هو عينه هذا الفرق بيننا وبينهم لأن المسألة تتعلق بكلام الله فالأمر بالشيء نهي عن ضده أي يستلزم النهي عن ضده .
والأمر يكون له ضد واحد كما مثَّلنا ويكون له أضداد متعددة ، هناك أشياء لها ضد واحد وأشياء لها أكثر من ضد ، كما مثَّلنا فتح العين وإغلاقها ضد واحد إما فتح أو إغلاق ، السكون والحركة ضد واحد إما سكون أو حركة، لكن القيام ؛ فإذا قلت لك قم هل له ضد واحد ؟ كل واحد سيجيب بنفسه ، لا له أضداد متعددة فإذا قلت لك قم فأضداده الجلوس والاتكاء والنوم ، فالأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده فإذا قلت لك قم معناها لا تجلس أو تستلزم أنك لا تجلس ولا تتكئ ولا تنام لأنك إذا اتكأت أو جلست أو نمت في الوقت الذي أمرتك فيه بالقيام لا تكون ممتثلاً لما أمرتك به أي لم تأتِ بالقيام ، إذاً الأمر بالشيء نهي عن ضده إن كان له ضد واحد ، والأمر بالشيء نهي عن أضداده إذا كان له أكثر من ضد .
هذا بالنسبة للجزء الأول " الأمر بالشيء نهي عن ضده "
قال : والنهي عن الشيء أمرٌ بضده ؛ فكما ذكرنا في الأمر لكن هناك شيء ؛ وهو أن النهي عن الشيء إذا كان لهذا الشيء ضد واحد فهنا يكون النهي عنه أمرٌ بضده ؛ فإذا قلت لك: لا تتكلم ، يستلزم من ذلك الأمر بالسكوت ، فالنهي عن الشيء أمر بضده ، لكن إذا كان للشيء أكثر من ضد واحد هل يكون النهي عن الشيء أمر بجميع أضداده كما قلنا في الأمر؟ الجواب : لا ، فالصحيح أن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده فقط إذا كان له أضداد لا أمراً بجميع أضداده ، فالنهي عن النوم مثلاً أمرٌ بواحد من أضداده من غير تعيين فإذا قام مثلاً ولم يجلس يكون ممتثلاً أو جلس ولم يقم كذلك يكون ممتثلاً ، إذاً النهي عن الشيء الذي له أضداد أمرٌ بضدٍ واحد من أضداده غير معيَّن ، فالنهي إذا كان له ضد واحد نقول النهي عن الشيء أمر بضده وإذا كان له أضداد متعددة فنقول النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده غير معيَّن وأما الأمر فنقول الأمر بالشيء نهي عن ضده لا إشكال سواء كان له ضد واحد أو عدة أضداد . وكما ذكرنا فهذه القاعدة مستفادة من معنى الأمر لا من لفظه فلفظ الأمر يختلف عن لفظ النهي ولكن من حيث المعنى يستلزمه خلافاً للأشاعرة .
قال المؤلف - رحمه الله - : والنهي : استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب ، النهي مقابل الأمر ، ما قلتَ في الأمر فقابله في النهي ، قال المؤلف في تعريف الأمر" : استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب "، فقابله هنا في النهي فقال : "استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب" ، وما قلناه في الأمر نقوله في النهي لأن النهي يقابل الأمر فالنهي" : استدعاء الترك" ، الأمر : " استدعاء الفعل " ، فالنهي "طلب الترك " ، الأمر" طلب الفعل" .
" ممن هو دونه " أي من الأعلى إلى الأدنى بالتفصيل الذي ذكرناه في الأمر ، إذا كان من الأعلى إلى الأدنى سمي " نهياً " وإذا كان من الأدنى إلى الأعلى سمي " دعاءً " وإذا كان من المساوي سمي " التماساً "، ونقول الصحيح في تعريفه كما قلنا في الأمر :" استدعاء الترك بالقول على وجه الاستعلاء " ولا داعي لقوله : على سبيل الوجوب ؛ كي يدخل في النهي غير المحرَّم .
وللنهي صيغة كما أن للأمر صيغة ، صيغة الأمر : " افعل " - هذه الصيغة المشهورة - ، صيغة النهي" : لا تفعل - " هذه الصيغة المشهورة .
ثم قال المؤلف رحمه الله: ويدل على فساد المنهي عنه ، هذه القاعدة يعبِّر عنها الأصوليون بقولهم : النهي يقتضي الفساد وهذا هو الصحيح . في المسألة خلاف وأقوال ، البعض قال: النهي لا يقتضي الفساد مطلقاً والبعض قال النهي يقتضي الفساد مطلقاً والبعض فصَّل والتفصيلات كثيرة والخلاف فيها كبير وقد ألَّف فيها الحافظ العلائي كتابا ماتعاً في هذا الموضوع .
وقلنا إن النهي يقتضي الفساد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أي هو مردود على صاحبه وقد تقدم تعريف الفساد في العبادات والمعاملات فالمنهي عنه لا يعتد به إن كان من العبادات ؛ كأن تصلي المرأة في حال حيضها ، فصلاتها فاسدة لا يعتد بها لأنها منهية عن الصلاة في حال الحيض فإذا نهيت عن الصلاة في حال الحيض وصلت فقد عملت عملاً ليس عليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ولا ينفذ العقد كبيع الخمر - مثلاً - العقد فاسد لا يتعلق به النفوذ للنهي عن بيع الخمر فلا تترتب آثاره عليه .
وكما ذكرنا فهذه القاعدة فيها خلاف كبير ؛ والصحيح في هذه المسألة : أن النهي إذا تعلق بعين المنهي عنه أو بوصف لازم له اقتضى الفساد وهذا قول جمهور علماء الإسلام ، إذا تعلق النهي بعين المنهي عنه كالنهي عن الزنا مثلاً في قول الله تعالى :{ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنا } [الإسراء: 32 ] كلمة الزنا ليس معها وصف تعلق به النهي ؛ لا فالنهي متعلق بنفس الزنا ، فهنا النهي يقتضي الفساد وأما تعلق النهي بوصف ملازم للمنهي عنه كقول الله تبارك وتعالى { لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى } [النساء: 43] فنهى عن الصلاة لكن لا مطلقاً ولكن نهى عن الصلاة في حال ملازمة وصف الإسكار ، فهذا وصفٌ ملازم فمن كان سكرانا وقت الصلاة نُهي عن الصلاة وإذا صلى فصلاته فاسدة وكذلك النهي عن البيع الربوي ، أصل البيع غير منهي عنه ولكن البيع الربوي فيه وصف زائد ملازم للبيع نهي عن البيع لأجله ، هذا الوصف الزائد مثلاً في ربا الفضل ، الوصف الزائد هو الزيادة الحاصلة ، هذه الزيادة التي وُجدت في البيع كانت هي سبب النهي فالنهي متعلق بوصف ملازم للمنهي عنه فيكون هذا العقد عقداً فاسداً باطلاً .
ثم قال المؤلف رحمه الله : وترِدُ صيغة الأمر والمراد به الإباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين ، ذكرنا أن الأصل في صيغة الأمر أنها للوجوب وأن الأصل في صيغة النهي أنها للتحريم ما لم تأتِ قرينة تدل على أن المراد غير الوجوب أو غير التحريم فيقول مؤلفنا ها هنا :" وترِد صيغة الأمر والمراد به الإباحة " وقد مثَّلنا لذلك في فيما سبق بقول الله تبارك وتعالى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ }[ المائدة: 2 ] وذكرنا هنا أن الاصطياد أمرٌ ولكن المراد منه الإباحة وليس الوجوب وبيَّنّا السبب هناك . وقد ترِد صيغة الأمر للتهديد كما ذكر المؤلف ومثاله قول الله تبارك وتعالى : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [فصلت : 40 ] هذا للتهديد ، وأحياناً للتسوية كقوله تعالى { فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [ الطور : 16 ]، وأحياناً للتكوين كقوله تعالى { كُونُواْ قِرَدَةً} [البقرة: 65 ] وقوله أيضاً { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً } [ الأنبياء : 69] هذا معنى التكوين ، وتأتي أيضاً بمعانٍ أخرى كثيرة تُعرف بالقرائن .
وبهذا نكون قد انتهينا من مباحث الأمر والنهي وهي من أهم مباحث أصول الفقه فنكتفي بهذا القدر في درسنا اليوم ونكمل في الدرس القادم بإذن الله تعالى




قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الاربعاء 27 شعبان 1432
عدد المشاهدات 3957
عدد التحميلات 127
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق