السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد،،
فهذا المجلس التاسع من مجالس شرح الورقات
قال المؤلف رحمه الله :(( وأما العام : فهو ما عم شيئين فصاعدا . من قوله : عممت زيداً وعَمراً بالعطاء ، وعممت جميع الناس بالعطاء))
باب العام والخاص من المباحث المهمة جداً في علم أصول الفقه فينبغي الاعتناء به كالأمر والنهي الذي تقدم ، هذه مباحث مفيدة ومهمة جداً لكثرة ما تحتاج إليها في فهم النصوص الشرعية واستنباط الأحكام منها ، فبمعرفة هذه الدلالات يتمكن الشخص من فهم النصوص الشرعية .
العام لغة : الشامل لذلك قال المؤلف في تعريف العام اصطلاحا : ما عم شيئين فصاعداً أي ما شمل شيئين فصاعداً وهذا بناءً على أن أقل الجمع اثنان ، قوله : (فصاعداً) أراد به أن يكون الشمول شمولاً عاماً ليس محصوراً ، وقوله : (من قوله : عمَمْتُ زيداً وعَمراً بالعطاء ، وعممت جميع الناس بالعطاء ) أي أصل كلمة العام اشتقاقها من اللغة من قولهم : عممتهم بما معي أي شملتهم بالعطاء (هذا الأصل اللغوي للكلمة) واختلف الأصوليون في تعريف العام كاختلافهم في غيره وأقرب الأقوال إلى الصواب وأقلها انتقاداً قولهم : (العام : هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضعٍ واحدٍ دَفعةً بلا حصرٍ) هذا أقرب التعاريف إلى الصواب .
فقولهم : (اللفظ) يؤخذ من هذا أن العموم يؤخذ من اللفظ فيقال : هذا لفظ عام وسيأتي إن شاء الله الكلام عن هذا الموضوع ، فاللفظ نفسه هو الذي يوصف بالعموم فتقول: أكرموا الطلبة ، تقول : (الطلبة) لفظ عام يشمل جميع أفراده ، فإذا وجهت لك أمراً وقلت لك : أكرم الطلبة وذهبتَ وأكرمتَ طالبين أو ثلاثة لا تكون ممتثلاً لأن اللفظ عام ، اللفظ عام إذاً يجب أن تُكرِم جميع الطلبة كي تكون ممتثلاً ، إذاً اللفظ يوصف بأنه عام .
وقوله :(المستغرق لجميع ما يَصلح له) أي يشمل جميع من يدخل في اللفظ كما مثلنا : أكرِم الطلبة ، كلمة الطلبة هذه تشمل كل طالب ، كل طالبٍ يدخل في هذه اللفظة ، (فهو لفظ) : (الطلبة) لفظ حرفٌ وصوت (مستغرق لجميع ما يصلح له ) : الطلبة لفظٌ ومستغرقٌ لجميع من يصلح أن يوصف بالطلب ، أي يشمل جميع من يدخل في اللفظ فإذا لم يكن شاملاً للجميع لا يكون عاماً كقولك مثلاً : أكرِم بعض الطلبة ، هذا لا يكون عاماً لأن الأمر موجه إلى إكرام البعض لا إكرام الكل ، هذا لا يكون عاماً لأنه غير مستغرق لجميع الطلبة ولكن إذا قلتَ : أكرِم الطلبة ، هذا يكون عاماً لأنه يشمل جميع الطلبة .
وقولهم : ( بحسب وضعٍ واحد) أي يجب أن يكون اللفظ موضوعاً عند العرب لمعنىً واحد فالطلبة الآن هذا لفظ موضوع لمعنىً واحد وهو : مَن وُصف بالطلب أو مَن كان طالباً يُطلَق عليه هذا اللفظ ، لكن لفظ العين مثلاً هذا اللفظ موضوع لعدة معاني وليس لمعنىً واحد وإن كان يشمل عندما تقول العين هكذا وإن كان اللفظ يشمل عين الإنسان ويشمل عين الماء ويشمل عين الجاسوس ويشمل عين الذهب إلا أنه الشمول هذا من ناحية أن العرب وضعت هذه اللفظة لعدة معاني لا من ناحية العموم ، فيجب أن يكون اللفظ عند العرب موضوعاً لمعنىً واحد كي يكون عاماً .
وقولهم : (دفعة) أي مرة واحدة وأرادوا بذلك إخراج المطلق فهو لفظ مستغرق ولكن استغراقه بَدلي لا دفعة واحدة تقول : (أكرم طالباً) لاحظ هنا : أكرِم طالباً ، ما قلت أكرم الطلبة فرِّق بين اللفظين ، أكرم طالباً هنا المراد إكرامه من حيث العدد كم واحد ؟ واحد لكن من حيث الوصف هل هذا لواحد معيَّن ؟ لا ، فكلُّ مَنْ كان طالباً إذا أكرمت واحداً منهم تكون ممتثلاً فـ زيد وعمرو وبكر وخالد ...إلخ هؤلاء كلهم طلبة ، قَوْلي لك : (أكرِم طالباً ) الوصف يشملهم جميعاً لكن الأمر المراد منه أن تكرم واحداً من هؤلاء الطلبة إلا أنه غير معيَّن ، هذا يسمى المطلق أما العام لا ، العام يشمل جميع أفراده ، أكرم الطلبة : أي جميع الطلبة ، إعتِق رقبة : كم رقبة المراد ؟ واحدة ، لكن هل هي معيَّنة ؟ لا غير معينة ، أيُّ شخص رقيق عبد أعتَقْتَه امتثلت فهو من حيث الوصف عام ، كلُّ مَنْ كان عبداً يدخل تحت هذا اللفظ (اعتق رقبة) لكن ليس المراد أن تعتق كل من اتصف بهذا الوصف ، لا ، المراد واحد لكنه غير معيَّن ، هذا يسمى مطلقاً أما العام لا ، المراد الجميع كلُّ مَنْ شملهم اللفظ يرادون في الأمر ، فمثل هذا يسمى عاماً وذاك يسمى مطلقاً ، فقولهم هنا : (دفعة) أي مرة واحدة يشملهم الجميع ، الأمر يشمل الجميع مرة واحدة أما ذاك الذي هو المطلق لا ، يشملهم الأمر على وجه البَدَل أي أنك إذا أعتقت واحداً أجزأ عنك ولا يُطلب منك أن تُعتق ثانٍ وثالث ، بينما العام لا ، دَفعة واحدة عموم شمولي استغراق شمولي وليس استغراقاً بَدَلِياً ، هذا معنى قولهم : (دفعة) أرادوا أن يخرجوا المطلق ويفرِّقوا بين العام والمطلق .
وقولهم : (بلا حصر) أخرجوا بذلك ألفاظ العدد مثل عشرة مثلاً محصور بعدد معين عشر أنفار ، هذا لا يسمى عاماً ، الحصر ينافي العموم فإذا قلتُ لك : أكرم عشرةً من الطلبة ، هذا لا يكون عاماً ، لا يكون عاماً حتى أقول لك : أكرم الطلبة لا أَحصُرُهُمْ ، الصورة التي ذكرناها لا تكون عامة لأنها محصورة بعدد معيَّن لا يشمل الجميع ، فالحصر ينافي العموم .
هذا تعريف العام عند الأصوليين
والتعريف الذي ذكره المؤلف عليه اعتراضات منها : أنه غير مانع لأن لفظ زوج ولفظ شَفْع تدل على اثنين وليست صيغة عموم ، على كلٍ التعريف عليه انتقادات عند الأصوليين والتعريف الراجح هو الذي ذكرناه لكم .
ثم قال المؤلف رحمه الله :(( وألفاظه أربعة : الاسم الواحد المعرف باللام (1) .واسم الجمع المعرف باللام(2) . والأسماء المبهمة كـ (مَنْ) فيمن يعقل ، و(ما) فيما لا يعقل ، و(أي) في الجميع ، و(أين) في المكان ، و(متى) في الزمان ، و(ما) في الاستفهام والجزاء وغيره (3)، و(لا) في النكرات كقوله: لا رجل في الدار(4) )) هذه ألفاظ العموم التي ذكرها المؤلف رحمه الله .
للعموم صيغ تدل عليه ، إذا رأيتها في اللفظ أخذتَ منها العموم واستدللت على أن اللفظ عام ، فذكر لنا المؤلف رحمه الله منها أربعاً ، نحن نذكرها كاملة بالتفصيل كي تُحفظ كما أذكرها لكم لأنها مهمة جداً ومن حيث الاستعمال مستعملة بكثرة ، فما هي هذه الصيغ ؟
أولاً : لفظة (كل) و(جميع) و(كافة) و(قاطبة) و(عامة) هذه صيغ عموم تدل على العموم بمادتها ، نفس الكلمة موضوعة للعموم قال الله تبارك وتعالى { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [ القمر/49] الآن انتبه معي كيف تَستَعمل هذه الألفاظ { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } الآن من الألفاظ التي ذكرناها أيُّ لفظٍ عندنا هاهنا في الآيه { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ذكرنا (كل) و(جميع) و(كافة) و(قاطبة) و(عامة) ، معنا لفظ (كل) الشاهد إذاً قوله : (كل شيء) { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } يدخل في ذلك في الآية كل مخلوق ، فكل مخلوق خلقه الله تبارك وتعالى بقدر فـ (كل) هذه من ألفاظ العموم ، وقال سبحانه { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [ الأعراف/158] الشاهد قوله : (جميعاً) { إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً }هذه لفظة عامة تشمل جميع الناس { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } الخطاب للناس { إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } أيها الناس، الشاهد قوله :إليكم جميعاً ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - مبعوث للناس كلهم ، وقال سبحانه { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ } [ سبأ/28] الشاهد قوله : كافة للناس أي لكل الناس .
هذه الصيغة الأولى من صيغ العموم
الصيغة الثانيه : أسماء الشرط وهي مذكورة في كتب النحو عندما نقول : أسماء الشرط تنتبهون ، للشرط أدوات فيقول العلماء تجدهم يقولون : أدوات الشرط ، الأدوات تختلف عن الأسماء ، الأدوات تشمل الحروف والأسماء ، تشمل حروف الشرط وأسماء الشرط ، نحن نتكلم عن أسماء الشرط فقط ، أسماء الشرط المذكورة في كتب النحو ومنها: (مَنْ) وهي للعاقل هذه تفيد العموم كقول الله تعالى{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ } [ الجاثية/15] هذه (مَنْ) شرطية فهي تفيد العموم ، الشاهد قوله{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً } مَنْ تشمل كل من يعقل فكل من يعقل إذا عمل صالحاً فعمله لنفسه ، هكذا تُفهم الآية ، فكل من يعقل إذا عمل صالحاً فعمله لنفسه ، مَنْ مِنْ صيغ العموم لأنها من أسماء الشرط . وكذلك (أين) من أسماء الشرط وهي للمكان كقول الله تعالى{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ } [ البقرة/115]الشاهد قوله { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ } هذا عام في المكان لأن (أين) تدل على المكان ، هذا عام في المكان أي كل مكانٍ تتجهون إليه في الصلاة فثم وجه الله . و(ما) فيما لا يعقل كذلك من أسماء الشرط (م) وتُستَعمل فيما لا يعقل هذا غالباً كقول الله تبارك وتعالى{ مَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ } [ البقرة/197] فهذا يشمل القليل والكثير ، والخير مما لا يعقل وهذا يشمل القليل والكثير { مَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ }سواء كان قليلاً أو كان كثيراً .
و(متى) أيضاً من أسماء الشرط وهي للزمان تعُمُّ في الزمان نحو : متى تقُمْ أقُمْ ، أي : في أي وقت تقوم أقوم أنا ، متى تقم أقم تدل على العموم في أي وقت تقوم أقوم أنا فهذا عام يشمل جميع الأوقات .
هذا مثال لأسماء الشرط وأسماء الشرط كلها تفيد العموم بإمكانكم أن تراجعوها مَنْ لا يحفظها يراجعها في أي كتاب من كتب النحو .
ثالثاً : من صيغ العموم أسماء الاستفهام كقوله تعالى { فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ } [ الملك/30] سؤال{ فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ } فالسؤال عام يشمل كل من يأتيكم بماء مَعين أي أسأل عن كل من يأتيكم بماء معين ، الجواب معروف الذي يأتينا بالماء المعين هو الله سبحانه وتعالى فقط لكن السؤال عام عن كل من يأتينا بماء معين اسم الاستفهام هو من لفظ عام عن كل من يأتينا بماءٍ معين ، اسم الاستفهام هو : (مَنْ) لفظٌ عام يشمل كل من يعقل أو قُلّ : كل من يعلم بدل من يعقل كي يدخل في ذلك الله سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه لا يوصف بأنه يعقل لأنه ما ورد ذلك لا في الكتاب ولا في السنة لذلك عدَل بعض أهل العلم عن كلمة أن (مَنْ) تستعمل فيمن يعقل إلى قولهم : (مَنْ) تستعمل فيمن يعلم ، وكذلك قول الله تبارك وتعالى { مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } [ القصص/65] سؤال عن أي جواب أجابوا به المرسلين أي جواب أجابوا به المرسلين مسئول عنه داخل تحت السؤال فهو عام يشمل جميع الأجوبه ، وكذلك قوله تعالى { أَيْنَ تَذْهَبُونَ } [ التكوير/26] (أين) اسم استفهام يعم فالسؤال عام عن جميع الأماكن التي تذهبون إليها ، فأسماء الاستفهام جميعها للعموم لكن كما نبَّهنا في أسماء الشرط كذلك ننبه في أسماء الاستفهام ، أسماء الاستفهام هي التي تفيد العموم أما حروف الاستفهام كـ (الهمزة) مثلاً و(هل) لا تفيد العموم وإنما الذي يفيد العموم الأسماء فقط أسماء الاستفهام وقولك : أدوات الاستفهام تشمل الأسماء والحروف .
الرابع من صيغ العموم : الأسماء الموصولة كـ (الذي) و(الذين) و (اللاتي) و(ما) و(من) وغيرها كقول الله تبارك وتعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى } [ النازعات/26] الشاهد قوله : (لِمَيْ يَخشى) أصلها (لمنْ يخشى) (مَنْ) هذا هو الشاهد في الموضوع فـ (مَنْ) اسم موصول تفيد العموم تشمل كل من يعقل ، وكقوله تعالى { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت/69]الشاهد قوله : (والذين) من الأسماء الموصولة ، اسم موصول يعم أيَّ واحدٍ يجاهد في الله فكل من يجاهد في الله سيهديه الله سبله .
خامساً : النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام الإنكاري وكذلك النكرة في سياق الإثبات للامتنان.
النكرة هي كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون الآخر مثل : (رجل) رجل اسم شائع في جنس الرجال لا يختص به رجل دون رجل يشمل الجميع ، وكذلك فرَس وكتاب كذا يُعرِّفها أهل اللغة ولتقريبها للفهم يقولون : ( النكرة : كل ما صَلُح دخول الألف واللام عليه ) هذه سهلة كل ما صلح دخول الألف واللام عليه فهو نكرة ، رجل يصلح أن تقول الرجل أم لا يصلح ؟ يصلح ، إذاً رجلٌ نكرة ، فرس : الفرس إذاً فرس نكرة ، كتاب : الكتاب إذاً كتاب نكرة وهكذا ، هذه النكرة وهي ضد المعرفة ، فرجلٌ كما ذكرنا نكرة وتفصيل النكرة والمعرفة في كتب النحو ، هذه النكرة إذا وقعت في سياق النفي أي إذا وقعت في جملة منفية تفيد العموم ، مثاله قول الله تبارك وتعالى { وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ } [ آل عمران/62] (وما) هذه ما النافية { وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ } أين النكرة الآن ؟ إله ، الله : معرفة بل هي أعرف المعارف لفظ الجلالة ، مِنْ : حرف جر ، ما بقي إلا (إله) طب إله أضف لها ألف ولام (الإله) يصح إذاً فهي نكرة ، (إله)نكرة سبقها نفي (ما) { مَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ } إذاً (إله) هذه نكرة في سياق النفي تعم جميع الآلهة فجميع الآلهة منفية {مَا مِنْ إِلَـهٍ } إلا الله تبارك وتعالى ، ومثال النكرة في سياق النهي قول الله تبارك وتعالى { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [ النساء/36] حاولوا معي الآن أن تستخرجوا النكرة من هذه الآية { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } واعبدوا : فعل ، الله : لفظ الجلالة ، لا : ناهية حرف للنهي ولا تشركوا ينهانا الله عن الشرك ، تشركوا : فعل ، به : جار ومجرور ، شيئاً : اسم ، نكرة أو معرفة ؟ تعالوا نُدخل عليه الألف واللام ، نقول : الشيء ، يصح ؟ نعم يصح ، إذاً فهو نكرة ، أين النهي ؟ ولا تشركوا به شيئا : إذاً شيئاً هذه نكرة في سياق النهي فتفيد العموم أي : لا تجعلوا لله نداً لا صنماً ولا ولياً ولا ملَكاً ولا نبياً ولا أي شيء لأن (شيء) نكرة في سياق النهي فتفيد العموم ، إذاً فلا يجوز أن نجعل لله شريكاً بأي شيء ، لا نجعل شريكا مع الله لا ملك ولا ولي ولا صالح ولا نبي ولا غير ذلك استدلالاً بالعموم الذي في الآية وهو قوله { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }شيئاً نكرة في سياق النهي تفيد العموم .
ومثال النكرة في سياق الشرط ، الشرط المقصود هنا بالشرط اللغوي الآن لا نتكلم عن الشرح الاصطلاحي الذي تقدم معنا نتكلم عن الشرط اللغوي ومثال النكرة في سياق الشرط قول الله تبارك وتعالى { إِن تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } [ الأحزاب/54] (إن) حرف شرط جازم و(شيئاً) نكرة { إِن تُبْدُوا شَيْئاً }، (شيئاً) نكرة كما تقدم ، فـ (شيئاً) نكرة تَقدَّمها شرط ، فـ (شيئاً) نكرة في سياق الشرط فهي تفيد العموم ، إن تبدوا أي شيء أو تخفوه ، كلمة (شيء) هنا عامة تشمل أي شيء لأنها نكرة في سياق الشرط .
بقيت معنا النكرة في سياق الاستفهام الإنكاري ، ليست النكرة في سياق الاستفهام فقط ، لا ، لا بد أن يكون الاستفهام استفهاماً إنكارياً فقط هو الذي يعم ، مثاله {مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ } [ الأنعام/46] (مَنْ) هذه استفهامية سؤال ، {مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ } أول الآية { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ } [ الأنعام/46] (مَنْ)اسم استفهام ، (إله): نكرة يصح أن تُدخل عليها الألف واللام تُصبح الإله إذاً فهي نكرة ، (مَنْ إله) فالسؤال عن كل إلهٍ غير الله يأتيكم بالسمع والبصر وما ذُكر في الآية ، فهذا استفهام لكن هل هو استفهام للسؤال للمعرفة ؟ لا ، الله سبحانه وتعالى يعلم أنه لا أحد يستطيع أن يأتيهم بهذه إن أخذها الله منهم إلا هو سبحانه إذاً فلماذا هذا السؤال ؟ هذا سؤال استفهام إنكاري يُنكر الله سبحانه وتعالى عليهم أن يشركوا به وهو الذي يمدهم بالسمع والبصر ، فالسؤال ليس المراد منه المعرفة ولكن المراد منه الإنكار على المشركين فهو بمعنى قوله : لا إله غير الله يأتيكم به ، نفس المعنى ففرقٌ بين السؤال الذي يُقصد به الإنكار وبين السؤال الذي يُقصد به المعرفة ، السؤال الذي يقصد به الإنكار هذا للإنكار وليس للعلم كأن تأتي وتُكرم شخصاً تعطيه بيتاً وتعطيه سيارة وتزوِّجه وتحسن إليه ، أنت تعلم بأنك فعلت معه هذه الأشياء فيذهب ويشكوك للناس بأنك لم تفعل معه ذلك فتأتي وتقابله تقول له : ألم أزوِّجك ؟ ألم أعطك بيتاً ؟ ألم أطعمك ؟ سؤال كهذا ليس استفهاماً أنت عرف أنك فعلت معه هذا ولكن للإنكار عليه كيف يجحد ما فعلته معه ، هذا الاستفهام الذي يسمى الاستفهام الإنكاري فالنكرة في سياق الاستفهام الإنكاري تفيد العموم .
بقيت آخر شيء مما ذُكر في هذه النقطة : النكرة في سياق الامتنان ، مثالها قول الله تبارك وتعالى { وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً } [ الفرقان/48] الشاهد هنا (وأنزلنا من السماء ماءً) ماءً نكرة ، أَدخِل عليها الألف واللام يصح ، الماء ، إذاً فماءً نكرة ،{ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً } ، هذه النكرة التي هي الماء جاءت في سياق الامتنان أي ذكر الله ذلك في معرض الامتنان على عباده وتذكيرهم بالنعمة (بنعمته عليهم) فهذه تفيد العموم فيدخل في ذلك كل ماءٍ نزل من السماء فهو طهور ، فالنكرة في سياق الامتنان تفيد العموم ، النكرة في سياق الإثبات للامتنان تفيد العموم .
السادس من صيغ العموم : المعرَّف بالإضافة مفرداً كان أم مجموعاً . المفرد المضاف والجمع المضاف يعُم كقول الله تبارك وتعالى { وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } [ المائدة/7] نعمة : مفرد وليس جمعاً وهو مضاف نعم ، نعمة الله : مضاف ومضاف إليه ، { وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } فبما أنها نعمة مفرد وأضيفت فهي تعم جميع النعم ، أذكروا جميع نعم الله عليكم ، لأن نعمة مفرد مضاف أضيفت إلى لفظ الجلالة فهي عامة تشمل جميع نعم الله تبارك وتعالى ، فأصبحت كلمة نعمة هذه عامة مع أنها هي في الأصل مفردة وهي نكرة لكن لمّا أضيفت أصبحت عامة شاملة واكتسبت التعريف بالإضافة . وكذلك قول الله تبارك وتعالى { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } [ النساء/11] الشاهد هنا قوله : في أولادكم ، أولادكم هذه أصلها أولاد ثم جاءت الكاف التي هي الضمير ، أولادكم أضيفت إلى الكاف ، أولاد : جمع أضيف للضمير فهو جمع مضاف فيعم جميع الأولاد { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } فيشمل أولاد المسلمين والكافرين وغيرهم .
السابع من صيغ العموم : المعرف بـ (أل) الاستغراقية مفرداً كان المعرَّف أم مجموعاً ، (أل) الاستغراقية سميت استغراقية لأنها تستغرق جميع الأفراد وعلامة (أل) الاستغراقية أن يحل محلها (كُلّ) نحو : أكرِم الطلبة أي أكرِم كل الطلبة ، يصح أن نقول : أكرِم كل الطلبة ؟ نعم ، إذاً فـ (أل) هنا استغراقية ، ومثل قول الله تبارك وتعالى { إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } [ العصر/3/2] ، (إنَّ الإنسان) هنا فيها ألف ولام ، ضع مكان الألف واللام (كل) : إنَّ كلَّ إنسانٍ في خسرٍ إلا الذين آمنوا إذاً فهي تفيد العموم ، (أل) هذه استغراقية ، وكقول الله تبارك وتعالى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء } [ النساء/34] كل الرجال قوامون على كل امرأة ، هذه هي صيغ العموم وهذا معنى (أل) الاستغراقية .
ذكر المؤلف رحمه الله أربع صيغ من صيغ العموم فقط للتسهيل على المبتدئ والتي ذكرها هي: الاسم الواحد المفرد المعرَّف بالألف واللام وهو داخل في الصيغة السابعة التي ذكرناها وهي المعرف بـ (أل) الاستغراقية .وذكر اسم الجمع المعرف باللام كذلك داخلٌ في المعرف بـ (أل) الاستغراقية . وذكر الأسماء المبهمة ويعني بها الأسماء الموصولة وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام والأسماء المبهمة هي التي لا يتبين معناها إلا بغيرها وهي هذه الثلاثة التي ذكرناها لكم الأسماء الموصولة وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام . وذكر أنَّ (مَنْ) تُستعمل فيمن يعقل وذكرنا أن بعض الأصوليين يعبر بقوله : فيمن يعلم لأن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالعقل لأنه لم يرِد ذلك لا في الكتاب ولا في السنة وكون (مَن) للعاقل و(ما) لغير العاقل هذا على الغالب . وقال : ( و(أي) في الجميع ) أي فيما يعقل وفيما لا يعقل تُستعمل في الجميع ، وقوله :( لا في النكرات) أي النكرة في سياق النفي سواء كان النفي بـ لا كما مثَّل به المصنف أو بغيرها .
هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله ونحن ذكرنا صيغ العموم كلها لتتميم الفائدة فلا بد أن تُحفظ هذه الصيغ التي ذكرناها لأهميتها .
نكتفي بهذا القدر