الاثنين 1 رجب 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-81 كتاب الصلاة، الحديث 359و360و361و362و363و364   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (25-35)   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (17-24)   تفسير القرآن: تفسير سورة هود 9-16   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (1-8)   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13      

الدرس السابع

تفريغ الدرس السابع من دروس لب الأصول

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، لا زلنا في الأحكام الوضعية، انتهينا من السبب والشرط.

قال المؤلف: "والمانع وصف وجودي ظاهر منضبط معرفٌ نقيض الحكم كالقتل في الإرث".

المانع في اللغة: اسم فاعل من المنع، والمنع معروف.

واصطلاحاً قال المؤلف: "وصف وجودي": أخرج الوصف العدمي، الوصف العدمي هو المنفي كقولنا مثلاً: عدم صحة تصرف المجنون لعدم عقله، فقولنا لعدم عقله هذا يُسمى سبباً عدمياً لماذا؟ لأنه منفي عدم العقل، فلمّا نُفي سُمي شيئاً عدمياً، معدوم ليس موجوداً، والمانع لا يكون عدمياً بل وجودياً مثبتاً كالحيض مثلاً يُعتبر مانعاً من موانع الصلاة، والحيض شيء موجود وليس شيئاً معدوماً، عدم الحيض وصف عدمي، الحيض وصف وجودي لأنه موجود، هذا معنى الوجودي، "وصف وجودي ظاهر": أي واضح ليس به خفاء ليس خفياً، "منضبط": لا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، "معرف نقيض الحكم": أي دالٌ عليه وعلامة على نقيض الحكم، ووجوده علامة دالة على وجود نقيض الحكم، مثّل لذلك المؤلف نفسه فقال: "كالقتل في الإرث": فالقتل يمنع الإرث، يمنع أن يرث القاتل من المقتول، فالقتل مانع من موانع الإرث، فلزم من وجود القتل عدم الميراث، وكذلك يُمثل بالحيض: مانع يمنع الصلاة والصوم، فيلزم من الحيض عدم الصلاة، فقوله الآن في آخر التعريف: "معرفٌ نقيض الحكم"، أي ضد الحكم، فعندما تقول: غير الحائض يجب عليها أن تصلي، فالحيض مانع من وجوب الصلاة، فالحكم: وجوب الصلاة، نقيضه: عدم وجوب الصلاة.

ويُعرّف بتعريف آخر، فيقول العلماء في تعريفه: "ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم"، كالحيض للصلاة والقتل في الإرث، يلزم من وجوده العدم، الآن نأتي لوصف الحيض، هل يلزم من وجود الحيض منع الصلاة؟ عدم الصلاة؟ نعم، فيلزم من وجوده العدم، فالمانع إذا وُجد عُدم الحكم، تمام، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم، فإذا انعدم الحيض الآن هل يلزم أن تجب الصلاة؟ لا، ولا يلزم أن تجب أيضاً، هذا هو المانع ويُمثلون له كما سمعتم بالقتل في الإرث، القاتل لا يرث، فالقتل مانع من موانع الإرث، كذلك الحيض في الصلاة، الحائض لا تُصلي، فالحيض مانع من موانع الصلاة، والمانع ثلاثة أقسام:

· مانع للدوام والابتداء معاً: كالرضاعة بالنسبة للنكاح، فإنّها تمنع من النكاح ابتداءً ودواماً، فلا يجوز عقد النكاح ابتداء إذا حصل رضاع، فإن أرضعت أمٌ ولداً حَرُم عليها أن تتزوج به، فعقد النكاح بين الأم والولد ممنوع ابتداء لأنّها أمّه من الرضاع، أو إذا كانت أخته في الرضاع كذلك يمنع النكاح، فالرضاع يمنع ابتداء النكاح، ابتداء العقد، وإذا تزوج رضيعة، بنت صغيرة، رجل تزوج بنت صغيرة، ترضع ليست مُحرّمة عليه ثم أرضعتها أمّه أو أخته، الآن في البداية جاز له نكاحها، لكن استمرار هذا النكاح بعد هذا الرضاع غير جائز، فمنع الرضاع هنا استمرار النكاح لأنها أرضعته، إن أرضعت الصغيرة أمّه أو أخته، فإنّ هذا الرضاع طارئ على العقد، يمنع من دوامه، ويجب فسخ النكاح، فإذن من الموانع ما هو مانع للدوام وللابتداء.

· والقسم الثاني، مانع للابتداء فقط دون الدوام: كالإحرام بالنسبة إلى النكاح، فإن الإحرام يمنع الابتداء، عقد النكاح في الإحرام مُحرّم على المُحرِم أن يعقد النكاح مادام مُحرِماً، لكن إذا كان متزوجاً وأحرم، هل يجب عليه ان يُطلّق؟ لا، إذن لا يمنع الدوام ولكنّه يمنع الابتداء.

· النوع الثالث، مانع للدوام دون الابتداء: كالطلاق، الطلاق لا يمنع الابتداء، ابتداء النكاح، لكن إذا حصل الطلاق بعد النكاح منع من دوامه، ولا يمنع ابتداء نكاح ثانٍ، هذا ما يتعلق بالمانع.

قال المؤلف رحمه الله: "والصّحة موافقة ذي الوجهين الشرع في الأصح"، إذا قال في الأصحّ ففي المسألة خلاف، ما هي الصّحة؟ الصّحة في اللغة: ضد السُقم، رجل صحيح: أي ليس بمريض، وهنا يقول المؤلف في الاصطلاح: موافقة ذي الوجهين الشرع، الفعل إمّا أن يكون له وجه واحد أو أن يكون له وجهان، الفعل الذي لا يكون له إلاّ وجه واحد كمعرفة الله، الآن معرفة الله، إذا عرف الشخص ربّه يُقال لها معرفة الله، طيب، إذا لم يعرف يُقال لها معرفة؟ لا يُقال لها معرفة، يُقال لها جهل، إذن ليس لها إلاّ وجه واحد، ومن الأفعال ماله وجهان وجه يوافق به الشرع ووجه مخالف للشرع كالصلاة مثلاً، إن صلى الشخص وحققّ في الصلاة شروطها وأركانها وانتفت موانعها فهذه صلاة موافقة للشرع، هذا وجه لها، فإن اختل ركنٌ أو شرطٌ أو وُجد مانع فهذه صلاة مخالفة للشرع، إذن الصلاة لها وجهان، إذا وافقت الشرع هذا وجه، وإذا خالفت الشرع هذا وجه آخر، فقالوا الصحة ماهي؟ قال: موافقة ذي الوجهين، يعني أن يوافق العمل الذي له وجهان الشرع، أن يوافق الشرع في تحقيق الشروط والأركان وانتفاء الموانع، فإذا حصل ذلك فهو صحيح، تمام إلى هنا، هذا التعريف في الأصح، أي عند المؤلف، وهذا التعريف المشهور عند المتكلمين، أمّا الفقهاء فلهم تعريف آخر، الفقهاء يقولون في تعريف الصحة: بأنها إسقاط القضاء، الصحة عندهم: إسقاط القضاء، ماذا يعنون بالقضاء هنا، سيأتي معنا إن شاء الله أنّ علماء الأصول يُقسّمون بعض الأحكام أو الأفعال يقسّمونها إلى أداء وقضاء وإعادة، ويعنون بالأداء أن يُفعل الفعل في وقته المحدد له شرعاً، ويعنون بالإعادة أن يُفعل الفعل مرة ثانية في الوقت المحدد له شرعاً، ويعنون بالقضاء أن يُفعل الفعل خارج الوقت المحدد له شرعاً، وهذا سيأتي كلّه إن شاء الله، ليس هذا موضوعنا، لكن المراد من هذا الذي ذكرته أن القضاء عندهم في الاصطلاح هو أن يُفعل الفعل خارج الوقت المحدد له شرعاً، لكنّ القضاء هنا ليس هو المراد، هنا ليس هذا المراد حتى لا يشكل عليكم الأمر، المراد في تعريف الصحة عند الفقهاء بإسقاط القضاء، يعنون بالقضاء هنا الإعادة، بمعنى أن لا يحتاج إلى فعل العبادة مرة ثانية، وهي نفس معنى الإعادة، وهذا يكون كيف إسقاط القضاء؟ يُقضى، يعني لا يطلب، لم يعد يُطلب من العبد أن يأتي بالعبادة، فلا يُطلب منه أن يعيدها، هذا معنى الصحيح عندهم في العبادات، وهذا متى يحصل؟ بتحقق الشروط والأركان وانتفاء الموانع؟ طيب، هذا في العبادات عند من؟ عند الفقهاء، أين تأتي صورة المفارقة بين كلام المتكلمين وكلام الفقهاء؟ تصوروا أنّ شخصاً صلى صلاة الظهر وظنّ أنه قد حقق أركانها وشروطها وأن موانعها قد انتفت عنها، تمام إلى هنا، هكذا في ظنّهم، وفي حقيقة الأمر هو على غير طهارة، غير متوضأ، لكن هو يظن في نفسه أنه متوضأ، هل صلاته هذه صحيحة أم فاسدة؟ على قول المتكلمين هي صحيحة، لأنها وافقت الشرع في ظنّ المصلي

طالب: إذا كان بعد انتهاء الوقت.

الشيخ: لا، نحن قبل انتهاء الوقت كلامنا، تمام، صلى صلاة الظهر قبل انتهاء الوقت وظنّ أنّه متطهر ثم بان بعد ذلك أنّه على غير طهارة، هل صلاته صحيحة أم غير صحيحة (فاسدة)؟ عند الفقهاء هي فاسدة لأنّ القضاء لم يسقط، الإعادة لم تسقط، هو ملزم بالإعادة، عند المتكلمين هي صحيحة لأنها وافقت الشرع في ظنّ المكلّف، طيب، هل الخلاف لفظي (الخلاف في التسمية) وإلّا خلاف حقيقي؟ في المسألة هذه خلاف وتحرير المقام في المسألة أن يُقال: إذا أراد المتكلمون من قولهم بأن الصلاة صحيحة لا يلزمه القضاء معها، لا يلزمه الإعادة هنا، الخلاف يكون حقيقياً يترتب عليه حكم شرعي، وإذا أرادوا أنّها مع تسميتها صحيحة إلّا أنّه يلزمه الإعادة، فالخلاف لفظي (في التسمية)، أنتم تسمونها صحيحة ونحن نسميها فاسدة وجميعاً متفقون على أنّه ملزم بإعادتها إن علم وإن لم يعلم فهو غير مآخذ وهو مأجور على صلاته، مضبوط، هذه هي النتيجة، وهل المتكلمون حقيقة يُسقطون عنه الإعادة أم لا يسقطون؟ في المسألة نزاع، البعض قال: هم لا يُسقطون عنه الإعادة، ويقولون يجب عليه أن يعيد، والظاهر أنّ هذا هو مذهب أكثر المتكلمين، فيكون الخلاف معهم خلاف لفظي، ويوجد بعض المتكلمين ونقلوه عن اثنين من المعتزلة أنّهم يقولون لا يلزمه الإعادة، وهنا يكون الخلاف معهم خلاف حقيقي، قال القرافي رحمه الله: "اتفق الفريقان على جميع الأحكام، وإنّما الخلاف في التسمية، فاتفقوا على أنّهم موافق لأمر الله وأنّه مثاب وأنّه لا يجب عليه القضاء إذا لم يطلع على الحدث، وأنّه يجب عليه القضاء إذا اطلع، وإنّما اختلفوا في وضع وصف الصحة هل يضعونه لما وافق الأمر سواءٌ وجب القضاء أم لم يجب، أو لما لا يمكن أنّ يتبعه قضاء، ومذهب الفقهاء أنسب"، كذا قال القرافي وغيره، أثبت خلاف المتكلمين في مسألة إسقاط القضاء، غيره أثبت هذا الشيء، فالمسألة محل خلاف في هذا الموضوع، وعلى كلٍ الجمهور من كلا الطرفين يقولون بإلزامه بالإعادة، وهذا هو الصحيح، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال للمسيء صلاته: "ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ".

خلاصة موضوع الصحيح: العبادة إذا كانت صحيحة أو كانت فاسدة، الصحيح إذا تحققت شروطه وأركانه وانتفت موانعه فهو صحيح، فالذي يجمع مسألة تعريف الصحيح سواء كان في العبادات أو في المعاملات أن يُقال الصحيح ما تترتب آثار فعله عليه، وهذا يجمع لنا تعريف الصحيح في العبادات وفي المعاملات لأنّ قضية إسقاط القضاء عندما تقول مثلاً هو إسقاط القضاء هذا لا ينطبق على تعريف الصحيح في المعاملات وإنّما ينطبق على تعريف الصحيح في العبادات فقط.

قال المؤلف رحمه الله: "وبصحة العبادة اجزاؤها، أي كفايتها في سقوط التعبد في الأصح"، يقول المؤلف: ينشأ الاجزاء عن صحة العبادة، فبصحة العبادة يحصل الاجزاء، بمعنى أنّه حيثما وُجد الاجزاء فهو ناشئ عن الصّحة، هذا معنى كلامه، "وبصحة العبادة اجزاؤها"، فالمؤلف يُفرّق بين الصّحة وبين الاجزاء، ويجعل الاجزاء ناتج وناشئ عن الصّحة، لكنّ الفقهاء لا يفعلون هذا، الفقهاء لا يفعلون ذلك ولا يفرقون بين الصّحة والاجزاء، فيقولون: الصحيح هو المجزئ، فإذا أجزئت العبادة عن الشخص فهي صحيحة، قال بعد ذلك في تعريف الاجزاء: "أي كفايتها في سقوط التعبد"، هذا معنى الاجزاء عنده، كفاية العبادة في سقوط التعبد، "في الأصح": أي في المسألة خلاف، فعلى قول المتكلمين الذي مشى عليه المؤلف رحمه الله يُفرّق بين الصحة والاجزاء، وأمّا على قول الفقهاء فهما واحد لا فرق، قال: "وغيرهما ترتب أثره"، يعني بقوله: "وغيرهما"، أي وغير العبادة، أي وبصحة غير العبادة كالعقود مثلاً، "ترتب أثره"، أي يترتب أثر العقد وغيره عليه بعد حصول الصّحة، فالصّحة منشأ الترتب، أي: الترتب ينشأ عن الصّحة، ترتب الأثر ينشأ عن الصّحة، فإذا باع الشخص سيارة واقتضى هذا البيع تَملُك الآخر هذه السيارة فصارت ملكاً له وجاز له أن يتصرف فيها، يكون الملك الذي حصل وجواز التصرف ناشئاً عن صحة العقد، هذا معنى كلامه، هذا عند المؤلف، وعند غير المؤلف: الصّحة في المعاملات تترتب الأثر المقصود من العقد على العقد، فالصّحة نفس ترتب الأثر المقصود من العقد على العقد، فالصّحة نفس الترتب ولا يكون الترتب ناشئاً عن الصّحة، نفس مسألة العبادات، فكلّ نكاح أباح التلذذ بالمنكوحة فهو صحيح، لأنّ التلذذ بالمنكوحة هو الأثر الذي ترتب على صحة العقد، وكلّ بيع أباح التصرف في المبيع فهو الصحيح، فإذا قلت بأن الترتب، ترتب أثر المعاملة عليها هي نفس الصحة فتكون قد قلت بقول الفقهاء، وإذا قلت الترتب ناشئ عن الصّحة فتكون قد قلت بقول المتكلمين، طيب.

قال المؤلف: "ويختص الاجزاء بالمطلوب"، الاجزاء يختص بالمطلوب من واجب ومندوب، سواء كان هذا المطلوب واجباً أو مندوباً فيُقال فيه بأنّه مجزئ فلا يتجاوزهما إلى غيرهما من عقد وغيره، "في الأصح"، وقيل يختص بالواجب، الآن ذكر العلماء أن الاجزاء تختص به العبادات، فالعبادة هي التي توصف بأنها مجزئة أو غير مجزئة، أما المعاملات فلا، طيب، من العبادات هل يختص بذلك الواجب فقط أم الواجب والمستحب؟ محل خلاف، بعضهم قال: الواجب فقط الذي يُقال له مجزئ أو غير مجزئ، وأجزأ أو لم يُجزأ، والبعض قال: لا، الواجب والمندوب، سبب خلافهم في ذلك: حديث الأضاحي الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أربع لا تجزأ في الأضاحي"، فاستعمل الاجزاء في الأضحية، واختلفوا في حكمها، نفس الأضحية اختلفوا في حكمها، فلو قلنا بأن الأضحية مستحبة دلَّ ذلك على استعمال الاجزاء في المندوب، وإذا قلنا بأنّها واجبة فيكون استعمال الاجزاء في الواجب، وأيضاً في الحديث الآخر في الأضحية أيضاً قال: "اذبحها ولا تجزأ عن أحد بعدك"، فاستعملها أيضاً في الأضحية، ولكنّ الصحيح أنّ الأضحية مستحبة، وبناءً عليه فإذن الاجزاء يُستعمل في الواجب والمستحب، الأضحية مستحبة لأنه لا يوجد دليل صحيح يدلّ على وجوبها، أعظم ما يستدلون به على الوجوب ما هو؟ حديث أبي هريرة: "من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا"، الاستدلال به على الوجوب موقوف على أمرين:

· الأول: صحة الحديث من ضعفه.

· والثاني دلالة الحديث على الوجوب.

الأولى منقوضة والثانية منقوضة، أمّا من حيث الصحة والضعف، فالصحيح أنّه موقوف وليس بمرفوع، وأمّا من ناحية الدلالة فلا يصح الاستدلال به إلّا إذا أثبتنا وجوب صلاة العيد، فإذا قلنا بوجوب صلاة العيد فلا يجوز لأحد أن يتخلف عن المصلى، وإذا لا يجوز له أن يتخلف عنها فيجب عليه أن يضحي كي يصل إلى المصلى، تمام، وإذا قلنا باستحباب صلاة العيد فنقول إذن: يجوز له أن يترك الصلاة في المصلى وأن يترك الأضحية، صح؟ والصحيح أنّ صلاة العيد مستحبة أيضاً، سنة مؤكدة على ما ذهب إليه الشافعي ومالك رحمهما الله، والدليل في ذلك حديث: هل عليَّ غيرها؟ قال: "لا، إلّا أن تطوع"، طيب، فإذن خلاصة القول أنّ الاجزاء يُطلق على العبادات، وعلى العبادات الواجبة والمندوبة، قول المؤلف هنا: "ويختص الاجزاء بالمطلوب"، أدخل فيه الواجب والمستحب، "في الأصح"، أي في المسألة خلاف كما ذكرنا.

قال رحمه الله: "ويقابلها البطلان، وهو الفساد في الأصح"، يُقابل الصّحة ماذا؟ البطلان، أي ضدّها، فإذا قلت في تعريف الصّحة: موافقة ذي الوجهين الشرع، فقل في تعريف الباطل: مخالفة ذي الوجهين الشرع، وإذا قلت في تعريف الصّحة: إسقاط القضاء، فقل في تعريف الباطل: عدم إسقاط القضاء، ثم قال: "وهو الفساد في الأصح"، أي والبطلان والفساد شيء واحد، الباطل والفاسد شيء واحد في الأصح عند الجمهور، عند الجمهور: الفاسد والباطل مترادفان لا فرق بينهما من الناحية الاصطلاحية، المسألة اصطلاحية، لكنّ الأحناف يُفرقون، الجمهور وإن كانوا لا يُفرقون إلّا أنَّ لهم بعض المسائل يفرّقون فيها فيُفرّقون بين ما أجمعوا عليه، يقولون فيه باطل وما اختلفوا فيه يقولون فيه فاسد في بعض الأحيان، خصوصاً مسائل الحجّ والنكاح، لكنّ جملة المسائل هم متفقون على أنّ الفاسد والباطل بمعنى واحد، خالف في ذلك الأحناف فقالوا في التفريق بينهما: الفاسد ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه ويفيد المِلك عند اتصال القبض به، والباطل مالم يشرع بأصله ولا بوصفه، الفاسد عندهم: ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه، والباطل مالم يُشرع بأصله ولا بوصفه، مثال المشروع بأصله دون وصفه: بيع الدرهم بالدرهمين، الآن قالوا أصل البيع هذا جائز، أصله بيع الدرهم بالدرهم وهو جائز، قالوا: ولكنّ هذا الوصف الذي زيد عليه وهو الدرهم الثاني هو الذي أفسده فيكون هذا الوصف هو الفاسد، فالبيع هذا يُسمى بيعاً فاسداً لا باطلاً، لأنّ أصل المعاملة مشروعة عندهم ولكن حصلت المخالفة بالوصف، فهو في أصله مشروع ولكن في وصفه غير مشروع، فالرّبا من هذا القبيل عندهم، ومثال غير المشروع لا بأصله ولا بوصفه بيع الميتة، بيع الخنزير، بيع الدّم، هذا ليس مشروعاً لا بأصله ولا بوصفه، وفائدة هذا التفريق عند الأحناف أنّ الفاسد يُفيد المِلك الضعيف وليس المِلك القوي، إذا اتصل به القبض يعني إذا حصل التقابض في عقد كهذا يفيد الملك، وعند الجمهور لايفيده، فالباطل عندهم لا يفيد الملك مطلقاً، أمّا الفاسد فيفيد الملك بعد حصول التقابض، هذا عند الأحناف، أمّا الجمهور فعندهم لا يُفيد الملك بتاتاً، وهو مردود على صاحبه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما جاءه أحد الصحابة بالتمر وقال له بأنه باع تمراً رديئاً بتمر جيد، باع صاعاً بصاعين، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اردده"، فأمره برده دلّ على أنّ العقد باطل وأنّه لا يفيد الملك أيضاً، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، أي مردود على صاحبه.

قال المؤلف: "والخُلف لفظي"، ها زاده المؤلف على جمع الجوامع، وله زيادات مرّت معنا، ولكن في الغالب زيادات المؤلف وشروحاته في الغالب هي مأخوذة من شرح المحلي على جمع الجوامع، وهو في الغالب تابع له، "والخلف لفظي"، أي الخلاف بين الجمهور وأبي حنيفة خلاف راجع إلى اللفظ والتسمية فقط، والمعنى واحد، فالمسألة عنده اصطلاحية، ولكنّ قول الحنفية إنّ الفاسد يُفيد الملك إذا اتصل به القبض قول ضعيف مخالف للأدلة التي ذكرنا.

قال المؤلف رحمه الله: "والأصح أن الأداء فعل العبادة أو ركعة في وقتها".

الأداء في اللغة: إعطاء الحق لصاحب الحق، ومنه قوله تعالى: ، وفي الاصطلاح قال المؤلف: فعل العبادة أو ركعة في وقتها، أي فعل العبادة في وقتها المحدد لها شرعاً، كصلاة الظهر مثلاً من زوال الشمس إلى أن يصير ظلّ الشيء مثله، هذا الوقت حدده الشارع، ففعل صلاة الظهر في هذا الوقت يُسمى أداءً، فعل العبادة كاملة في هذا الوقت أو ركعة في وقتها، أو ركعة من أين أتى بها المؤلف؟ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر"، إذن ولو فعل ركعة يُسمى أداءً، لكن هذه فيها خلاف، مسألة فعل الركعة هذه فيها نزاع، أي تسمى هذه الصلاة التي فعل ركعة منها في الوقت وبقيتها خارج الوقت أتسمى أداء أم تسمى قضاء، أم يسمى بعضها أداء وبعضها قضاء؟ نزاعات بين أهل العلم في ذلك من ناحية الاصطلاح، طيب، علماء الأصول يُعرّفون الأداء بقولهم: فعل العبادة في وقتها، والمؤلف رحمه الله اعتبر تعريفه أصح لأنّه أضاف ذكر الركعة، فأدخل فيه بعض العبادة فجعل ما فُعلت بعضه في الوقت وبعضه خارج الوقت أداء.

ثم قال: "وهو"، أي في وقت العبادة المأداة، قال: "زمن مقدر لها شرعاً"، تعريف الوقت، ما المقصود بالوقت؟ الآن لما ذكره في تعريفه قال: والأصح أن الأداء فعل العبادة أو ركعة في وقتها، ما المقصود بوقتها؟ قال: وهو زمن مقدر لها شرعاً، زمن مقدر لها كصلاة الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل الشيء مثله، هذا التقدير من قدره؟ ربّنا سبحانه وتعالى، فالتقدير تقدير شرعي، فهذا زمن مقدر لها شرعاً هو المقصود بقوله وقتها.

ثم قال المؤلف رحمه الله: "وأنّ القضاء فعلها أو إلّا دون ركعة بعد وقتها"، أي والأصح أنّ القضاء إلى آخره، القضاء لغة: يعني لمعان كثيرة، ومنها: فعل العبادة كيفما كان في وقتها أم لا، لقوله تعالى: ، أي إذا فرغتم، وننتبه لهذه المسألة، مسألة القضاء في الاصطلاح وفي الشرع، عندما تمر بك كلمة القضاء عند الفقهاء والأصوليين فافهمها على اصطلاحهم، وعندما تمر معك في آيات أو في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا تفهمها على اصطلاح الفقهاء، بل ارجع إلى معناها عند علماء التفسير، هنا مثلاً: إذا قضيتم الصلاة، أي إذا فرغتم منها، وليس معناها المعنى الاصطلاحي الذي يذهبون إليه، في الاصطلاح قال المؤلف: فعل العبادة كلّها أو فعل بعضها (الذي هو أقل من ركعة) بعد وقتها، الآن انظروا إلى القضاء بعيداً عن التشويش، نقول فعل العبادة خارج وقتها هو القضاء، خارج وقتها المحدد لها شرعاً، الآن نأتي لمسألة التبعيض هذه، الآن المؤلف رحمه الله في الفقرة السابقة في الأداء أدخل الركعة فما هو أكثر من الركعة أدخله في الأداء، تمام، ركعة، ركعتين، إذا صليت ركعة أو ركعتين في وقت الظهر أو ركعتين في وقت العصر فتسمى أداءً، ثلاث ركعات في الظهر وركعة في العصر تسمى أداءً، طيب، ركعة، ركعتين، ثلاث، إذا صليت جزء من الركعة في وقت الظهر وبقية الركعة وبقية الركعات التي معها في وقت العصر، أي أنك لم تدرك ركعة كاملة في وقت الظهر ولكنّك أدركت بعض ركعة، ماذا يكون هنا؟ يكون قضاء عند المؤلف، لذلك نبّه بهذه وقال: وأن القضاء فعلها (فعل العبادة بالكامل) أو إلّا دون ركعة، فعلها أو فعل ما هو أقل من ركعة بعد وقتها، أي أن تَفعل أقل من الوقت والبقية بعد الوقت، أو أن تَفعل العبادة بالكامل بعد الوقت يُسمى قضاءً هذا الذي يريده المصنف، تمام، نحن ذكرنا الخلاف في مسألة التبعيض هذه، لكن مسألة الكلّ ما فيها إشكال عندهم في الاصطلاح في أنها تمسى قضاءً، أمّا غالب جمهور الأصوليون إذا كانت العبادة في الوقت يُسمونها أداءً، وإذا كانت كلّها خارج الوقت أو بعضها داخل الوقت وبعضها خارجه يسمونها قضاءً، وقالوا يُسمى قضاءً مجازاً بتبعية ما في الوقت أو ما هو خارج الوقت، يعني لك أن تسميها قضاءً بناءً على أنّ الذي هو خارج الوقت قضاء وما هو داخل الوقت يُلحق بما هو خارج الوقت، ولك أن تسميها أداءً بناءً على ما كان في داخل الوقت أداء وما هو خارج الوقت يكون ملحق بما هو داخل الوقت مجازاً، هكذا قال بعض الأصوليين.

قال المؤلف: "تداركاً لما سبق لفعله مقتض"، هذه تتمة للتعريف، قال: القضاء فعل العبادة جميعها بعد وقتها أو فعلها جميعها بعد وقتها إلّا قليلاً منها، وهو أقل من ركعة، ففعل أقل من ركعة في الوقت والباقي خارج الوقت قضاء، وفعلها استدراكاً لما سبق له مقتض للفعل، أي سبق له طالب للفعل، أي جاء له أمر بأن يُفعل سواء أمر إيجاب أم استحباب، وبعض أهل العلم يخصون القضاء بالواجب فقط، وأراد المؤلف بقوله: "تداركاً لما سبق لفعله مقتض"، أراد أن يُخرج إعادة الصلاة المأداة في الوقت بعد الوقت، كالصلاة إذا أداها في وقتها ثم أعادها بعد الوقت لإقامة جماعة، فإن فعله الثاني لا يكون قضاء بل يكون نافلة، أراد أن يخرج هذا، يقول: ما كان استدراكاً لأمر قد مضى (فات) يُسمى قضاءً، لكن إذا لم يكن استدراكاً وكان الفعل مُكرراً ولكن خارج الوقت لا داخل الوقت، إذا كان الفعل مُكرراً داخل الوقت ماذا يسمى؟ إعادة، طيب، إذا كرّر الفعل خارج الوقت لا داخل الوقت؟ قال هنا: الآن إذا كرر الفعل خارج الوقت لا داخل الوقت، قال: لا يُسمى قضاء هذا، هذا لا يسمى قضاء، فأراد أن يُخرجه فأتى بهذا القيد، قال: "تداركاً لما سبق لفعله مقتض"، أي لما سبق لفعله طالب له، يعني جاء أمر بفعل هذا الفعل ولم يُفعل، فأنت تريد أن تتدارك هذا الفعل وتفعله بعد الوقت هذا يُسمى قضاء وإلا فلا، لكن هذا كلّه لا فائدة منه، لماذا؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن فعل الصلاة مرتين، الصلاة نفسها لا تُصلى مرتين لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فإذا كانت الصلاة لا تُصلى مرتين، إذن فلا تُسمى الثانية بالأولى، يعني إذا صلى الشخص الظهر مثلاً أربع ركعات في صلاة الظهر ثم بعد أن خرج الوقت وجد جماعة، صلاها في بيته ثم جاء إلى مسجد فوجد جماعة يصلون بعد خروج الوقت مثلاً وأراد أن يصلي من أجل فضل الجماعة، هل يُقال هنا بأنه صلى الظهر مرة ثانية؟ لا، هذه تكون نافلة، لا تكون ظهراً، إذن فلا داعي لهذا القيد أصلاً، إذن إذا فعلت العبادة خارج وقتها فهي قضاء، وإذا فعلت العبادة خارج وقتها وقد فعلت من قبل فهي لا تسمى هي بتلك العبارة أصلاً، فلا تكون ظهراً، تمام، واضح إلى هنا، فإذن هذا القيد الأخير الذي أتى به كي يُخرج الصورة التي ذكرناها، الصورة أصلاً غير داخلة حتى نحتاج إلى إخراجها.

قال المؤلف رحمه الله: "وأن الإعادة فعلها في وقتها ثانياً مطلقاً"، الإعادة في اللغة: تكرير الفعل مرة ثانية (مرة أخرى)، وفي الاصطلاح قال المؤلف: فعل العبادة في وقتها في وقتها الشرعي الذي حددها له الشارع، كالظهر مثلاً تُصلى من زوال الشمس إلى أن يصير ظلّ الشيء مثله، فإذا صلى في أول الوقت الظهر ثم أراد أن يُصلي في آخر وقت الظهر قبل أن يخرج الوقت، هذه تسمى إعادة، لأنّه صلى الصلاة مرة ثانية في الوقت المحدد لها شرعاً، قوله: "مطلقاً"، أي سواءٌ كان الفعل لعذر أو لغير عذر، فعل لعذر: يعني أن تكون الصلاة قد حصل فيها خلل فأراد أن يُعيدها للخلل الذي حصل، هذا يكون أعاد لعذر، أو لغير عذر: صلى الصلاة وأراد أن يصليها مرة ثانية، كذلك هذا عندهم يُسمى إعادة، لكن قلنا هذا غير صحيح، إذا كانت لغير عذر فلا تسمى الصلاة صلاة ظهر لأنّ صلاة الظهر قد تمت، انتهى، الإعادة هذه لا تسمى ظهراً، تسمى نافلة، تمام، وهذا القول الذي ذكرناه هو قول أكثر أهل العلم، أكثر أهل العلم على أنّ الإعادة مختصة بخلل في الأول، وهذا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين"، أخرجه أبو داود.

ننتهي إلى هنا لأننا سندخل في مسألة ثانية وهي مسألة الرخصة والعزيمة نؤجلها إن شاء الله إلى الدرس القادم وبهذا ننتهي.