السبت 21 جمادة الاخرة 1446 هـ
21 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-78 آخر كتاب التيمم، الحديث 345و346و347و348      

الدرس الثامن

[الدرس الثامن]



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أمّا بعد :
فهذا المجلس الثامن من مجالس شرح لمعة الاعتقاد
انتهينا في الدّرس الماضي من تعريف الإيمان، ويُكْمل المصنّف رحمه الله ما يتعلق بهذا المبحث، فيقول:فصل
الإيمان بكلّ ما أخبر به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم
أي سواء كان من الأمور المشاهدة أو الغائبة عنّا التي لا نراها والتي لا تُعرف إلا بالأخبار الصادقة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكلّ ما ثبت عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم وجب الإيمان به، سواء أدركَتْه عقولنا أم لا ؟وسواء شاهدناه بحواسّنا أم لا ؟النّاس لا يتفاضلون بالإيمان بالمشاهَد، المشاهَد الحسّي يؤمن به الجميع، ولكن الميزة تكون بالإيمان بالأمور الغيبيّة التي غابت عنّا، بغضّ النّظر عن كونها من نوع ما لا يُدرك إلا بالعقل أو لا، وممّا لا يُدرك إلا بالحسّ أو لا، كلّ هذا الغيبي، الإيمان به يُميّز المؤمن من غيره، قد أثنى الله سبحانه وتعالى على الذين يؤمنون بالغيب .
قال المصنّف رحمه الله:"ويجب الإيمان بكلّ ما أخبر به النّبي صلّى الله عليه وسلّم " فهذا من مقتضى الإيمان به، فإن كنت بحقّ مؤمناً بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وأنّه مبعوث من عند الله تبارك وتعالى، وأنّه صادق فيما يخبر به، إذاً يَلزمك أن تؤمن بكلّ ما أخبر به عن ربّه تبارك وتعالى.
قال:"ويجب الإيمان بكلّ ما أخبر به النّبي صلّى الله عليه وسلّم وصحّ به النّقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنّا -بغضّ النّظر - نَعلم أنّه حقّ وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطّلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناماً فإنّ قريشاً أنكرته وأكبرته، ولم تنكر المنامات"
من الغيبيات التي يجب أن نؤمن بها حديث الإسراء والمعراج، الإسراء هو سَيْر اللّيل، والمعراج هي الآلة التي يُعرج بها أي يُصعد بها، وعَرَجَ أي صعد فهو في الشرع السُّلّم الذي عرج به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأرض إلى السّماء ،هذا المعراج ، فالإيمان بالإسراء والمعراج من الإيمان بالأمور الغيبيّة التي لم نرها، ولكنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرنا بها، وكون النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبرنا بها وهو الصّادق الذي لا يخبر إلا بصدق، إذاً فيجب علينا أن نؤمن بها .
وقول المصنّف رحمه الله:"وكان يقظة لا مناماً" هذا ردّ على الذين يقولون بأنّ قصّة الإسراء والمعراج وما حصل مع النبي صلّى الله عليه وسلّم كان في منامه، وهذا باطل، وردّ عليهم المصنّف، قال: قريش أنكرت على النّبي صلّى الله عليه وسلّم واستعظمت هذا الخبر- الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم - وقريش لم تكن تنكر المنامات، كانوا يؤمنون بها ويعرفون المنامات، ولكنّهم أنكروا هذا الخبر، خبر الإسراء والمعراج، ممّا يدلّ على أنّهم فهموا من النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه حقيقة وليس مناماً، وهذا ردّ في محلّه وهو قويّ عليهم، أمّا قصّة الإسراء والمعراج فهي قصّة طويلة ومعلومة، النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في مكة فجاءه جبريل عليه السلام فأخذه على دابّة يقال لها "البُراق"، دابّة عظيمة سَرَت بالنبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة إلى بيت المقدس، فنزل صلّى الله عليه وسلّم وربطها عند البيت ونزل وصلّى بالأنبياء في بيت المقدس، ثمّ عرج به جبريل إلى السماء فمرّ بالسّماء الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة وكلّم الله تبارك وتعالى ففرض الله عليه خمسين صلاة، فلمّا رجع النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى السماء السادسة وكان فيها موسى أخبره أنّ أمّته لا تقدر على ذلك، فرجع صلّى الله عليه وسلّم إلى ربّ العزّة تبارك وتعالى فبقي الحال على هذا إلى أن أنزلها الله تبارك وتعالى إلى خمس صلوات وأعطانا بها أجر خمسين صلاة فضلاً وتكرّماً منه سبحانه وتعالى، فلمّا رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى موسى في السماء السادسة قال له أن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى وأن يطلب التخفيف ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: إنّي استحييت من الله من كثرة ما راجعته في الأمر فاستقرّت الصّلوات على خمس صلوات، هذا ملخّص لقصّة الإسراء والمعراج وهي طويلة وموجودة في الصحيحين وفي غيرهما، فهو خبر ثابت صحيح لا شكّ فيه لا ينكره إلا أهل البدع والضلال وأهل الكفر والجحود والإنكار، أما أهل السنة والجماعة فيؤمنون به أنّه حقيقيّ وأنّه صحيح كما أخبر صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم .
قال المؤلف رحمه الله: "ومن ذلك " أيضاً من الأمور التي يجب على المسلم أن يؤمن بها لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرنا بها ، "أنّ ملك الموت لمّا جاء إلى موسى عليه السّلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربّه فردّ عليه عينه" هذه القصّة في الصّحيحين متّفق عليها، وفي غيرهما أيضاً، جاء ملك الموت بصورة إنسان إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه فلطمه موسى عليه السلام ففقأ عينه، فرجع ملك الموت إلى الله سبحانه وتعالى فأعاد الله تبارك وتعالى عليه عينه ثمّ قال له :(ارجع إليه وقل له يضع يده على متن ثور فله بكلّ ما غطّى يده بكلّ شعرة سنة، فقال موسى: ثمّ ماذا ؟ فقال: ثم الموت، فقال: إذاً الآن، فسأل الله سبحانه وتعالى أن يدنيه من الأرض المقدّسة رمية حجر، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:" فلو كنتُ ثمّة لأريتكم قبره إلى جانب الطّريق عند الكثيب الأحمر") أي عند الرّمل المجتمِع، والخبر هذا في الصّحيحين، أنكره بعض أهل البدع فقالوا : كيف يلطم موسى الملك ويفقأ عينه ؟ فردّ عليهم أهل العلم بأنّ موسى لم يكن يعلم بأنّ هذا ملك الموت، جاءه على صورة إنسان، إنسان جاء ليقبض روحك ماذا تفعل ؟ إنسان جاء ليقتلك ماذا تفعل ؟ فدافع عن نفسه بهذه الطّريقة، إذاً فلا نكارة في الأمر
قالوا: إذاً، لماذا لم يُقتصّ من موسى ؟ يعني أسئلة عقلية محضة وهي من السخافة بمكان، لم يقتص من موسى لأمرين:
__ الأمر الأول : أن الله تبارك وتعالى قد شرع لمن نُظر في بيته من غير إذنه أن يفقأ عين من نظر لأنّه من حقّه، ذاك معتدٍ.
هذا الأمر الأوّل
__ الأمر الثاني: مَن قال لهم بأنّ ملك الموت كان يريد القصاص وأنّه طالَب بالقصاص ؟ فشُبَههم مردودة وباطلة ولكن يتعلقون بأدنى شبهة لردّ أحاديث النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لضعف الوازع الديني في قلوبهم وضعف تصديقهم بما أخبر به صلّى الله عليه وسلّم .
قال المؤلف رحمه الله:"ومن ذلك أشراط السّاعة" أي وممّا يجب على المسلم أن يؤمن به بأنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر به: أشراط السّاعة.
الأشراط جمع شرط، وهو في اللغة العلامة، والسّاعة في اللغة هو الوقت، والمراد به هنا: القيامة، فأشراط السّاعة: علامات قيام يوم القيامة .
قال المصنّف رحمه الله:" ومن ذلك أشراط السّاعة مثل خروج الدّجال"
الدّجال صيغة مبالغة من الدّجل وهو الكذب، وهو رجلٌ ملبِّس يخرج في آخر الزّمان يدّعي الرّبوبيّة، ومعه فتن يفتن النّاس بها، من ذلك أنّه معه جنّة ونار، ولكنّ جنّته نار، وناره جنّة كما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفتنته عظيمة حتى إنّه ما جاء نبيّ إلا وحذّر أمّته من هذا الرّجل وكان آخرهم نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، وهو خارج في أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فهي آخر الأمم، وكما ذكرنا فتنته عظيمة ومِن عِظمها أوصى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالاستعاذة منه في دبر كلّ صلاة، فنحن نستعيذ منه في اليوم أكثر من خمس مرّات لعظم فتنته، وقال صلّى الله عليه وسلّم في حديث آخر:" من سمع به فلينأى عنه" فإنّ الرّجل يأتيه وهو يظنّ أنّه قادر عليه وعلى فتنته فينجرف معه ممّا معه من شبهات ومن فتن - نسأل الله العافية والسلامة - وهذا الحديث الأخير الذي ذكرناه بمعناه يدلّ على وجوب مجانبة مَن معه فتنة في الدّين، ومن هؤلاء أهل البدع والضّلال، فالشّخص يظنّ من نفسه كما نسمع كثيراً من الشّباب يقول: أنا أذهب وأسمع فما أجده حق آخذ به وما أجده باطلاً أتركه، هذا مسكين، لماذا ؟ لأنّه لا يخلو حاله: إمّا أن يكون لا يعرف معنى الشّبهة وما تفعل في القلب، أو أنّه جاهل بالعلم أصلاً، فمِن جهله يظنّ أنّ عنده من العلم ما يتمكّن معه من ردّ الشّبهات، أنت إذا كنت ممّن له قدرة على ردّ الشّبهات والضّلالات، لماذا تذهب وتتعلّم عند فلان وفلان أصلاً ؟ أنت مثلك ينبغي أن يُعلِّم، فإذا لم تكن كذلك فإذاً ليست عندك القدرة على ردّ الشّبهات التي تُعرض عليك، فمعلّمك هو الذي يعطيك، فكيف ستعرف خطأه من صوابه ؟ فهذا الكلام كلام شخص لا يعي ما يقول، وقد قال السّلف رضي الله عنهم، قال أبو قِلابة: "إيّاكم ومجالسة أهل البدع فإنّي أخشى عليكم أن يغمسوكم فيها"، فيضيّعون عليكم دينكم، وكان السّلف الذي هم أئّمة الإسلام في وقتهم لا يجالسون أهل البدع ولا يسمحون لهم أن يجالسوهم، لماذا ؟ ألم يكن الواحد منهم قادر على معرفة الحق ّ من الباطل ؟ قادر، ولكن ما أدراه أن تُلقى هذه الشّبهة في قلبه فتعلق، كما قال محمّد بن سيرين وغيره، فإذاً، مَن خشي على دينه وأراد أن يبقى في مأمن فليبتعد عن أهل البدع والضّلال .
قال:"مثل خروج الدّجال" والدّجال ينكره العقلانيّون الذين لا يؤمنون إلا بما وافق عقولهم، فيقولون: الأشياء التي أُخبِر أنّه يأتي بها، هذه لا تدخل على الدّماغ ولا تركب مع العقل، عقولكم فاسدة من أين لكم أنّها لا تركب ولا تدخل ولا يمكن أن تحصل ؟ كلّه كلام فاسد وباطل، أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها تحصل فستحصل، شئتم أم أبيتم، ومن دلائل نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومن دلائل صدقه أنّه ما أخبر بشيء ماضٍ ولا أخبر بشيء سيكون إلا وكان كما أخبر، وما استطاع أحد في الدّنيا أن يُثبت كذباً في خبره، وهذا من دلائل نبوّته. اليوم كم تطوّرت من أحداث ؟ وكم وصل الناس إلى مباحث ما كانت تُعرف من القديم خاصة مسائل الأجنّة وهذه التي حدّث عنها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّفصيل، الاكتشافات الحديثة ما وجدت إلا أن تُثبت ما أخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم، هذا ممّا يؤكّد صدق نبوّته صلّى الله عليه وسلّم، وما استطاع جماعة أن يجمعوا على كذب خبر جاء عنه صلّى الله عليه وسلّم ولن يستطيعوا، لأنّ المُخبِر هو ربّ العالمين تبارك وتعالى الذي خلق هذا الكون ويعلم ما فيه .
قال:"ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله" عيسى عليه السلام معروف أنّه رُفع في الأزمان الماضية، وكما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم سينزل في آخر الزمان، عند المنارة في دمشق، وسيقتل الخنزير ويكسر الصليب وسيُدرك الدّجال بباب لُدّ ويقتله هناك، "لُدّ" مدينة من مدن فلسطين بجانب الرّملة يدركه على بابها فيقتله هناك عيسى عليه السّلام، وهذا يكون في آخر الزمان بعد أن يظهر المهدي، وظهور المهدي أوّل علامات السّاعة الكبرى.
"وخروج يأجوج ومأجوج"، يأجوج ومأجوج أمّتان من النّاس، أخبر الله تبارك وتعالى عنهم في كتابه الكريم، وذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم في عدّة أحاديث أنّهم سيخرجون في آخر الزّمان فقد قال عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصّحيحين:"فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلّق بإصبعه الإبهام والّتي تليها" ومازال يُفتح إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى بخروجهم، وجاء في الحديث أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:" إنّها لن تقوم السّاعة حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدّخان، والدّجال، والدّابّة، وطلوع الشّمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد النّاس إلى محشرهم" رواه مسلم في صحيحه.
قال المصنّف رحمه الله: "وخروج الدّابّة" وهي دابّة تخرج آخر الزمان تَخْطِم النّاس، تسِمُهُم، تضرب عليه سمات (علامات) على جباههم: كافر، مسلم، الكافر تخطم له بالكفر، والمسلم بالإسلام.
"وطلوع الشّمس من مغربها"، أيضاً الواجب علينا أن نؤمن بذلك لأنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر بذلك، أنّها في آخر الزّمان تُشرق الشّمس من المغرب وعندئذ لا يُقبل من أحد توبة .
"وأشباه ذلك ممّا صحّ به النّقل"، الشّاهد في هذا كلّه أنّ هذه الأخبار كلّها يجب علينا أن نؤمن بها وأن نصدّق لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرنا بها وهذا من أصول الإيمان العظيمة .
نكتفي بهذا القدر إن شاء الله.
قائمة الخيارات
47 [2.6 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الاربعاء 1 محرم 1434
عدد المشاهدات 7824
عدد التحميلات 105
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق