[الدرس الحادي عشر والأخير]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أمّا بعد :
فهذا المجلس الحادي عشر من مجالس شرح لمعة الاعتقاد وهو المجلس الأخير من مجالسها وبذلك نختم الكتاب بحمد الله وتوفيقه.
قال رحمه الله: "ومن السنّة تولّي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبّتهم وذكر محاسنهم والتّرحّم عليهم والاستغفار لهم والكفّ عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم، قال الله تعالى: "والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" (الحشر/10)، وقال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" (آل عمران144)".
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم عند الله تبارك وتعالى منزلة رفيعة عالية لما قاموا به من نصرة دين الله تبارك وتعالى ونصرة رسوله والجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وحفظوا دين الله تبارك وتعالى بحفظ كتابه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وبلّغوها لمن بعدهم بكلّ أمانة وبكلّ صدق، فعملهم هذا بلغ بهم مكانا عاليا ومكانا رفيعا عند الله تبارك وتعالى فأثنى عليهم جلّ وعلا في كتابه الكريم وأثنى عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سنّته وجاءت بذلك أدلّة من كتاب الله ومن سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلزم كلّ مسلم من بعدهم بأن يعرف لهم فضلهم ومكانتهم وسابقتهم، لذلك أوجب الله تبارك وتعالى علينا هذا فمن الأدلّة التي تدلّ على فضلهم ومكانتهم ما ذكره المؤلّف رحمه الله قال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه" (آل عمران/144) الذين هم الصّحابة، "أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم"، وأيضا قال الله تبارك وتعالى: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم" (التوبة/100)، فرضي الله سبحانه وتعالى عن السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار وهم صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار ولا تعدّ الجنّات لمن يرتدّ عن دين الله إنّما تعدّ الجنّات لمن يؤمن بالله ويموت على الإيمان فهذه الآية فيها ردّ على الرّافضة الذين يكفّرون صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وردّ على كلّ من سوّلت له نفسه بذلك والأدلّة كثيرة في بيان فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بيان مكانتهم فالواجب على المسلم أن يتولّاهم، أن يحبّهم، وأن ينصرهم، وأن يدافع عنهم، وأن لا يسمح لأحد بالنّيل منهم، وأن يترحّم عليهم، وأن يستغفر لهم لأنّ الله تبارك وتعالى قال: "والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" (الأنفال/59)، ولا يجوز ذكر مساوئهم فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "لا تسبّوا أصحابي فو الذّي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه"، وهذا متّفق عليه، فلا يجوز لأحد أن يذكر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسوء بل الواجب هو ذكر محاسنهم وفضلهم ونشر ذلك بين النّاس.
قال المؤلف رحمه الله: "وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "لا تسبّوا أصحابي فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه"،وسبّ الصّحابة بما يقتضي كفر أكثرهم كفر وردّة عن الإسلام لأنّ ذلك يؤدّي إلى الطّعن في شريعة الله بالكامل، فشريعة الله الكتاب والسنّة ما بلغنا إلا عن طريق أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا كفّر الشّخص أصحاب رسول الله أو طعن في عدالتهم ودينهم فقد أفسد الدّين بالكامل وضيّعه فلذلك من طعن فيهم بذلك فهو كافر مرتدّ عن دين الله.
قال المؤلف رحمه الله: "ومن السنّة التّرضّي عن أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أمّهات المؤمنين المطهّرات، المبرّآت من كلّ سوء، أفضلّهنّ خديجة بنت خويلد وعائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق التي برّأها الله في كتابه، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة ، فمن قذفها بما برّأها الله منه فقد كفر بالله العظيم".
حقوق زوجات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، الفضائل التي وردت في الكتاب والسنّة التي تدلّ على فضل الصّحابة تدخل نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في تلك الأدلّة العامّة لأنّهنّ صحابيات ولهنّ فضائل خاصّة وردت في السنّة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكفاهنّ شرفا أنّهنّ زوجات المصطفى صلّى الله عليه وسلّم فالواجب معرفة فضلهنّ ومكانتهن وحفظ أعراضهن وعدم الخوض في ذلك، والواجب أيضا معرفة شرفهنّ وأنّهنّ شريفات مؤمنات صالحات طاهرات، ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برّأها الله منه وهي فاحشة الزّنا فهو كافر مرتدّ عن دين الله لأنّه مكذّب لكتاب الله، الله سبحانه وتعالى يقول هي بريئة وهو يقول هي متّهمة، فهذا كافر مرتدّ عن دين الله كما ذكر المؤلّف رحمه الله، فمن قذفها بما برّأها الله منه وهي فاحشة الزّنا" فقد كفر بالله العظيم" وزوجات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللاتي كان فراقهنّ بالموت خديجة بنت خويلد وعائشة بنت الصّدّيق بنت أبي بكر، وسودة بنت زمعة، وحفصة بنت عمر بن الخطّاب، وزينب بنت خزيمة الهلاليّة، وأمّ سلمة هند بنت أبي سلمة المخزوميّة، وزينب بنت جحش الأسديّة، وجويرية بنت الحارث الخزاعيّة، وأمّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وصفيّة بنت حييّ بن أخطب، وميمونة بنت الحارث الهلاليّة.
هذه زوجات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللاتي كان فراقهن بالوفاة، اثنتان توفّيتا قبل المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وهما خديجة وزينب بنت خزيمة، وأمّا مارية أمّ إبراهيم ابن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهذه ليست زوجة، كانت أمة من إمائه ثمّ صارت أمّ ولد.
قال: "ومعاوية خال المؤمنين، وكاتب وحي الله، أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم"، نصّ عل فضله بالذّات وعلى وجوب تولّيه ومحبّته لأنّه أحد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نصّ عليه بالذّات لشدّة محاربة الرّافضة والشّيعة بأصنافهم لهذا الرّجل، فهم لا يحبّونه ويسبّونه، ونحن نحبّه ونتولاّه لأنّه أحد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
أمّا هل يوصف بأنّه خال المؤمنين وإخوان أمّهات المؤمنين، هل يوصف بأنّهم أخوال المؤمنين، هذا لم يرد فيه دليل لا من كتاب الله ولا من سنّة ولا تقاس الأخوّة أو الأمومة أو الأبوّة الشّرعيّة الدّينيّة بالأمومة والأبوّة النّسبيّة، فلذلك بما أنّه لم يرد في الكتاب والسنّة تسميتهم أخوال فلا ينبغي أن يسمّوا بهذا الاسم، وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله خلاف أهل العلم في جواز مثل هذه التّسميّة.
قال رحمه الله: "ومن السنّة السّمع والطّاعة لأئمّة المسلمين وأمراء المؤمنين، برّهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصيّة الله، فإنّه لا طاعة لأحد في معصيّة الله"،السّمع والطّاعة لأئمّة المسلمين هذا دلّت عليه النّصوص من الكتاب والسنّة، ولكنّ ذلك مقيّد بطاعة الله أمّا إذا أمروا بمعصيّة الله تبارك وتعالى فلا طاعة لأحد يعصي الله تبارك وتعالى، قال الله تبارك وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" (النساء/59)، يدخل في هذا طاعة الأمراء وطاعة العلماء كذلك، وقال صلّى الله عليه وسلّم: "السّمع والطّاعة على المسلم فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصيّة فإذا أمر بمعصيّة فلا سمع ولا طاعة"، وجاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: "يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع" ، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلّوا، لا ما صلّوا"، أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه، وهذ الحديث عند مسلم.
هذا الحديث الأخير يدلّ على عدم جواز الخروج عليهم ما لم نر منهم كفرا بواحا، أو ما لم يصلّوا.
قال المؤلف رحمه الله: "ومن ولي الخلافة واجتمع عليه النّاس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتّى صار الخليفة وسمّي أمير المؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشقّ عصا المسلمين"، للحديث الذي ذكرناه فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "يكون عليكم أمراء"، كما ذكرنا "تعرفون وتنكرون"، هذا يدلّ على وجود المنكر منهم، يدلّ على خروج المنكر منهم ونحن نعرفه منهم، "فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم" من انكر بقلبه فقد برئ وكره أيضا بقلبه فقد سلم، "ولكن من رضي وتابع"، ورضي بأعمالهم المنكرة، "قالوا أفلا نقاتلهم؟"، قال: "لا ماصلّوا، لا ما صلّوا"، فنهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قتالهم والخروج عليهم وإن رأينا منهم منكراً فلا يستدلّن أحد بوجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ويقول هؤلاء يفعلون المنكرات وجب الخروج عليهم من أجل النّهي عن المنكر، هذا الاستدلال باطل لأنّ تلك الأدلّة أدلّة عامّة تدلّ على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لكنّ الحاكم له معاملة خاصّة دلّت عليها هذه الأحاديث، والأدلّة الخاصّة كما هو معلوم ومقرّر عند العلماء أنّ الدّليل الخاص أولى وأقوى في الدّلالة من الدّليل العام، الدّليل العام يبقى على عمومه لكن إن وجد في المسألة دليل خاص فيعمل فيها بالدّليل الخاص، هنا ظهور المنكر من ولاة أمور المسلمين هذا ورد فيه دليل خاص بكيفيّة التّعامل معه، وقد قال عليه الصّلاة والسّلام في أحاديث أخرى قال: "اصبروا حتّى تلقوني على الحوض"، قال: "إنّكم ستجدون من بعدي أثرة وأمور تنكرونها"، قالوا: "فما نفعل يا رسول الله؟" قال: "اصبروا حتّى تلقوني على الحوض"، هذا هو كان الحل، هذه هي طريقة حل هذه المشكلة وهي الصّبر حتّى نلقى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم على الحوض فهذا يبيّن كيفية التّعامل مع الأمراء الذين عندهم من المنكرات ما عندهم فلا يجوز الخروج عليهم لأنّ الخروج عليهم يؤدّي إلى مفسدة أكبر بكثير من وجود المنكر الذي رأيناه، الخروج عليهم يؤدّي إلى تشتيت الأمّة وتفريقها، ويؤدّي أيضا إلى سفك الدّماء وانتهاك الأعراض، وإلى ذهاب الأموال، وذهاب الأمن، كلّ هذا يؤدّي إليه الخروج على الحاكم فالصّبر عليه هو الواجب في مثل هذه الحال بالقيد الذي ذكره النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "لا ما صلّوا، لا ما صلّوا"، وجاء في حديث عبادة بن الصّامت أيضا: "بايعنا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم على السّمع والطّاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا"، أي وإن وجدنا أن الحاكم يؤثر نفسه بالخيرات علينا، "وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان"، إلا إن رأيتم منهم كفرا واضحا صريحا، عندكم فيه دليل تقفون أمام الله تبارك وتعالى وتقولون هذا دليل على كفره عندئذ يكون له حكم آخر.
قال رحمه الله: "ومن السنّة هجران أهل البدع، ومباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدّين، وترك النّظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم وكلّ محدثة في الدّين بدعة".
بعد أن ذكر المصنّف وجوب هجران أهل البدع، آخر شيء ذكر ما هي البدعة، هجران أهل البدع واجب لماذا ؟ الهجر للمبتدع يكون لسببين:
السّبب الأوّل: هجر تأديبي لردعه وزجره عمّا وقع فيه من بدعة ودليل ذلك حديث كعب بن مالك، معروف الذي هجره النّبيّ صلى الله عليه وسلم واثنين معه عندما عصوا أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، فهذا هجر تأديبي على هذا الفعل.
والنّوع الثّاني من الهجر: الهجر الوقائي وهذا الهجر يكون لمن؟ لرؤوس المبتدعة الذين عندهم شبهات يلقونها إلى النّاس، فهؤلاء هجرهم واجب لأنّك لا تأمن على نفسك أن يغمسوك في بدعتهم، أن يغمسوك في بدعتهم، وهذه الغمس في البدعة وتلقّي القلب لها وتشرّبها لم يأمن عليه أئمّة السّلف، أئمّة السّلف لم يأمنوا على أنفسهم من أن تدخل البدعة في قلوبهم وتتشربها فما بالك بحالها نحن، نحن من باب أولى، فلا يقولنّ أحدكم والله أنا أجلس إلى المبتدع فما وجدت عنده من خير أخذته وما وجدته من باطل رددته، أنت عندما يأتيك الباطل ربّما لا تستطيع أن تردّه كما ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث الدّجال قال: "من سمع به فلينأ عنه فو الله لئنّ الرّجل ليأتيه وهو يحسب أنّه مؤمن فيتّبعه ممّا يبعث به من الشّبهات"، يأتيه وهو واثق بنفسه، واثق من إيمانه عندما يأتي ويرى الشّبهات التي مع الدّجال ينغمس معه في شبهاته، هذا الحديث دليل على مجانبة أيّ شيء يفتنك في دينك، أيّ شيء فيه شبهة تفتنك في دينك وجبت عليك أن تبتعد عنه ولا تحسن الظنّ في نفسك أبدا، قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرّحمن يقلّبها كيف يشاء فلا تدري عن نفسك أن تتشرّب هذه البدعة فتخسر دنياك وآخرتك.
وهذا الدّليل الذي ذكرناه في الدّجال هو دليل الهجر الوقائي، لكن هذا الهجر لا يكون لأيّ أحد، شخص لا يفهم كوعه من بوعه ولا يدري ماهي الشّبهة ولا يعرف كيف يلقيها، مثل هذا لا ينطبق عليه هذا الكلام، إنّما الكلام ينطبق على رؤوس أهل البدع.
والهجر التأديبي يعرفه العلماء متى يكون نافعا ومتى لا يكون.
أمّا الهجر الوقائي فكما ذكرنا إذا كان الشّخص من رؤوس أهل البدع أو ممّن يُنظِّر لأهل البدع ويلقي الشّبهات فهذا هجره واجب.
وبالنّسبة للجدال والخصام والخصومات: الجدال الذي هو المنازعة مع الخصم للتغلّب عليه، وهذا الجدال ينقسم إلى قسمين:
قسم يكون الغرض منه إثبات الحقّ وإبطال الباطل هذا مأمور به، إمّا يكون واجبا أو أن يكون مستحبّا على حسب الحال لقول اله تبارك وتعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" (النحل/125)، لكن هذا الجدال لا يكون من شخص فارغ أو يكون الشّخص عنده شيء من الثّقافة أو كذا، لا، هذا الجدال يكون من شخص مليء، يعرف كيف يردّ الشّبهات في المسألة التي يريد أن يجادل فيها.
أمّا النّوع الثّاني: أن يكون الغرض منه التّعنيت والانتصار للنّفس فهذا الجدال هو الجدال القبيح المذموم الذي يجب على المسلم ان يبتعد عنه، قال الله تبارك وتعالى: "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا" (النساء/109)، "ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد" (الحج/3)، لأنّ الحق عندهم واضح وبيّن ولكن يجادلون عنادا وتعنّتا فقط.
قال رحمه الله: "وكلّ محدثة في الدّين بدعة" هذا هو تعريف البدعة.
البدعة هي كلّ محدثة في دين الله، تتقرّب بها إلى الله، أيّ عمل تتقرّب به إلى الله ولا أصل له في الكتاب والسنّة فهو من البدع.
قال المؤلف رحمه الله: "وكلّ متّسم بغير الإسلام والسنّة مبتدع" أي كلّ من له سمة أي علامة يعرف بها غير الإسلام والسنّة فهو مبتدع.
"كالرّافضة، والجهميّة، والخوارج، والقدريّة، والمرجئة، والمعتزلة، والكرّاميّة، والكلاّبيّة، ونظرائهم، فهذه فرق الضّلال وطوائف البدع أعاذنا الله منها"
الرّافضة هم الذين عندهم غلو في آل البيت، فرقة من فرق الشيعة، عندهم غلوّ في آل البيت حتّى إنّهم نزّلوهم منزلة الألوهيّة ومنزلة النبوّة، فعبدوهم مع الله وتقرّبوا إليهم بأنواع القرب وكذلك جعلوهم معصومين لا يخطؤون في مسائل التّشريع فأنزلوهم منزلة الأنبياء والمرسلين، وهذا من الغلوّ وكما قال موسى بن أبي عائشة رحمه الله وهو أحد أئمّة السّلف: "ما من أمر من أوامر الله تبارك وتعالى إلا وكان للشّيطان فيها نزغتان، نزغة إلى غلوّ وإفراط، أو إلى تقصير وتفريط ، لا يبالي بأيّهما ظفر" أيّ واحدة عنده جيدة، سواء كان إفراط، غلوّ، مجاوزة حد، أو كان تقصير وميوعة، وعدم مبالاة، فهذه وهذه من مقاصد الشّيطان في أوامر الله تبارك وتعالى، هؤلاء الراّفضة غلوا في آل البيت وقصّروا وفرّطوا في صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكفّروا الصّحابة وغلوا في آل البيت وعبدوهم مع الله تبارك وتعالى، وهؤلاء الرّافضة كفّار لعدّة أسباب:
منها أنّهم يَدّعون أنّ كتاب الله محرّف.
ومنها أنّهم يرمون عائشة رضي الله عنها بالزّنا وقد نقل غير واحد من علماء الإسلام ومنهم عبد الله بن مسعود أنّ من أنكر حرفا من كتاب الله مجمعا عليه بأنّه كافر "ذكر ذلك ابن مسعود وجمع من علماء الإسلام نقلوا الاتّفاق على ذلك".
وكذلك عائشة رضي الله عنها نقلوا الاتّفاق على أنّ من رماها بالزّنا فهو أيضا كافر لتكذيبه لكتاب الله تبارك وتعالى، والرّافضة وقعوا في هذا وفي ذاك، ((كلمة غير واضحة)) في عبادتهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل السنّة وسط ما بين النّاصبة وما بين الرّافضة.
النّاصبة هم الذين نصبوا العداء لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأهل السنّة وسط، يحبّون آل البيت ويحترمونهم ويعرفون لهم قدرهم ولا يتجاوزن الحدّ فيهم، فلا إفراط ولا تفريط.
وأمّا الجهميّة فهم ينتسبون إلى الجهم بن صفوان الذي قُتل عام مائة وواحد وعشرين، مذهبهم في الصّفات التّعطيل والنفي، وفي القدر القول بالجبر، وفي الإيمان القول بالإرجاء فجمعوا البلايا.
أمّا الخوارج فهم الذين أوّل ما خرجوا على عليّ بن أبي طالب وقاتلهم عليّ بن أبي طالب وكان خروج أوّلهم في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ذاك الرّجل الذي قال اعدل يا محمّد ،و الخوارج هؤلاء معروفون بتكفير بارتكاب الكبيرة .
أمّا القدريّة هم الذين يقولون بنفي القدر عن أفعال العبد ، أنّ العبد هو الذي يخلق فعله وهو الذي يوجد فعله ،وأنّ الله سبحانه وتعالى لم يقدّر فعل العبد.
وأمّا المرجئة فهم الذين يرجؤون العمل عن الإيمان، أي يؤخّرون الأعمال عن الإيمان فلا يدخلون العمل في الإيمان، لا يدخلون أعمال الجوارح في الإيمان هؤلاء هم المرجئة.
المعتزلة أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري وكان يقول بالمنزلة بين المنزلتين بالنسبة للفاسق، فيقولون الفاسق في الدّنيا في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر وفي الآخرة هو مخلّد في نار جهنّم فوافقوا الخوارج في الحكم، وهم في الصّفات معطّلة كالجهميّة.
وأمّا الكرّاميّة فهم أتباع محمّد بن كرّام يميلون إلى التّشبيه والقول بالإرجاء.
أمّا السّالمة أتباع رجل يقال له ابن سالم يقولون بالتّشبيه.
قال المؤلف رحمه الله: "وأمّا بالنّسبة إلى إمام في فروع الدّين، كالطّوائف الأربع فليس بمذموم"، يعني أن يتّخذ الشّخص إماما في المسائل الفقهيّة هذا ما يعني به "في فروع الدّين" بعض العلماء يقسّم الدّين إلى أصول وفروع ويعنون بالأصول مسائل الاعتقاد، وبالفروع مسائل الفقه.
قال: "أمّا بالنّسبة إلى إمام في فروع الدّين كالطّوائف الأربع فليس بمذموم" ويعني "بالطّوائف الأربع" الأحناف، والمالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة.
قال أن تتّخذ إماما في الدّين في هذه المسائل فليس بمذموم.
الصّحيح أنّه مذموم إذا كان على وجه التّعصّب، إذا كان على وجه التّعصّب له وتقديم قوله على كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو مذموم، سواء كان في الاعتقاد أو في الفقه لا فرق، والابتداع في دين الله سواء كان في الاعتقاد أو في الفقه كلّه مذموم فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار"، ولم يقل بدعة العقيدة ولا بدعة الفقه، كلّ البدع مذمومة وكلّها في النّار أي أصحابها في النّار.
أمّا إذا اتّبع إماما من الأئمّة وتبنّى أصوله لأنّه يعتقد بأنّ أصوله أقرب إلى الصّواب وأصحّ وهي داخلة تحت أدلّة شرعيّة صحيحة فلا بأس بذلك بشرط أنّه إذا ورد عنده الدّليل من الكتاب والسنّة قدّم الدّليل من الكتاب والسنّة.
"فإنّ الاختلاف في الفروع رحمة" الاختلاف لا، ليس رحمة، الحديث الوارد في هذا المعنى حديث ضعيف والاختلاف كلّه شرّ.
"والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم" محمودون على اجتهاداتهم إن اختلفوا باجتهاد بعيد عن الهوى.
"مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة، واتّفاقهم حجّة قاطعة" اتّفاقهم حجّة قاطعة، صحيح لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "لا تجتمع أمّتي على ضلالة"، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ"، إذن فالحقّ لا يزول البتّة من هذه الأمّة.
قال: "نسأل الله ان يعصمنا من البدع والفتنة"آمين.
"ويحيينا على الإسلام والسنّة، ويجعلنا ممّن يتّبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحياة، ويحشرنا في زمرته بعد الممات، برحمته وفضله آمين، وهذا آخر المعتقد والحمد لله وحده وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما".
والحمد لله ونسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم.
انتهى التفريغ لهذه السلسلة المباركة إن شاء الله يوم الخميس 24 صفر 1433هـجرية الموافق لـ 19 جانفي 2012 للميلاد .
التعليقات عدد التعليقات (0)
اضافة تعليق