شرح المنظومة البيقونية
( الدرس الرابع )
لفضيلة الشيخ
أبي الحسن علي الرملي
-
حفظه الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب
العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد ؛ فهذا المجلس الرابع من مجالس شرح البيقونية .
قال الناظم رحمه الله
:
مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أتَى ...مِثْلُ أمَا واللهِ أنْبانِي
الفــَتـــــــــى
كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قائمـــــــــــا.... أوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّـــــمَا
يُعَرِّف الناظم رحمه الله في هذين البيتين نوع المسلسَل
.
المسلسل لغة :
هو المتصل بعضه ببعض ، ومنه سلسلة الحديث ؛ لأن حلقاتها متصلة بعضها ببعض.
والحديث المسلسل في اصطلاح أهل الحديث : هو ما تتابع رجال إسناده على صفة واحدة .
كما
مثَّل الناظم رحمه الله مِثل أن يقول الراوي : أمَا والله أنْبأنِي الفــَتى : أي أنبأني شيخي ( أنبأني الراوي ) ، كالحديث الذي يذكره علماء الحديث في كتب المصطلح وهو حديث معاذ بن جبل ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" يا معاذ : والله إني أحبك ، أوصيك يا معاذ لا تدعنَّ في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " .
فعندما حدَّث معاذ بن جبل بهذا الحديث قال للذي يريد أن يأخذه عنه :
إني أحبك فلا تدعن ... إلى آخر الحديث .
والذي بعده كذلك ، والذي بعده كذلك .
فكل
واحد منهم أراد أن يحدِّث بهذا الحديث قال : إني أحبك ... ثم حدَّث به ، فكان هذا الحديث مسلسلاً بالمحبة ، هذه صورة .
وصورة أخرى : كالتسلسل بالفعل ، كأن يحدِّث مثلاً
النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابي الحديث وهو قائم ، ويأخذه أبو هريرة مثلاً أو غيره من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيحدثه لمن بعده وهو قائم ، والذي بعده يحدثه للذي بعده وهو قائم إلى آخره ، فيكون هذا الحديث مسلسلاً بالقيام .
أيضاً كالحديث الذي يكون مسلسلاً بالفعل ، وهو التبسم مثلاً ، كأن يتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحدِّث الصحابي بالحديث ، ثم يتبسم الصحابي ويحدث التابعي بالحديث ، ثم يتبسم التابعي ويحدث الذي بعده بالحديث ، وهكذا ، فيكون هذا مسلسلاً بالتبسم .
أو أن يكون رواة الحديث مثلاً متصفون جميعاً بصفة واحدة كأن يكونوا - مثلاً - جميعاً من أهل البصرة ، فيكون الإسناد مسلسل بالبصريين .
أو أن يكونوا من أهل الشام ، يكون
الإسناد مسلسلاً بالشاميين ، أو أن يكون الإسناد مسلسلاً بالمصريين - مثلاً - يكون جميع رواة الإسناد من أهل مصر فيكون مسلسلاً بالمصريين .
أو يكون التسلسل بصيغة
التحديث كأن يُروى حديث مثلاً من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكون صيغة التحديث بين كل اثنين هي ( حدّثنا ) ، يقول مالك : حدثنا نافع ، يقول نافع : حدثنا ابن عمر ، يقول ابن عمر : حدثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا يكون مسلسلاً بالتحديث .
هذه صورة الحديث المسلسل .
يقول أهل الحديث : في
الغالب الأحاديث المسلسلة تكون ضعيفة .
هذا وصف التسلسل في حد ذاته لا علاقة له
بقبول الحديث أو ردِّه ، يعني لا يُقال في الحديث لأنه مسلسل ضعيف أو لأنه مسلسل صحيح ، لا .
يُنظر إلى الحديث وإلى شروط الصحيح وشروط الحسن وشروط الضعيف ، ما هو
المتوفر فيه منها ؟ ويُحكَم عليه بما يناسبه .
ثم قال الناظم رحمه الله :
عَزيزُ
مَروِيْ اثنَيِنِ أوْ ثَلاثهْ ....مَشْهورُ مَرْوِيْ فَوْقَ ما ثَلاثــَهْ
يريد الناظم في هذا البيت أن يُعَرِّف الحديث العزيز والحديث المشهور .
نحن
بالمناسة نذكر أقسام الحديث باعتبار وصوله إلينا .
فمن حيث وصول الحديث
إلينا إما أن يكون الحديث قد وصل إلينا بإسناد أو بإسنادين أو بثلاث أو بأسانيد متعددة ( الحديث الواحد ) .
مثلاً
: حديث " إنما الأعمال بالنيات " ممكن أن نبحث عن هذا الحديث ولا نجده إلا بإسناد واحد أو نبحث عنه فنجده بإسنادين أو بثلاث أو بأربعة أو بأكثر من ذلك ، بهذا الاعتبار قسَّم العلماء ، الحديث إلى قسمين : حديث ٍمتواتر وحديث آحاد .
فما
هو الحديث المتواتر ؟
الحديث المتواتر :
هو الحديث الذي رواه جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب ( من أوله إلى آخره ) ويكون مستندهم في النقل ؛ الحس .
ماذا يعني هذا
الكلام ؟
هذا الكلام يعني : أن يكون الحديث مثلاً قد رواه جمع ، مثلاً نقول : رواه
عشرون رجلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه عن العشرين ، عشرون مثلهم أو أكثر ( أو ثلاثون أو أربعون ) الكثرة لا تهم ، المهم أن يكون أقل طبقة فيه فيها جمع ، عن جمع عن جمع من أول الإسناد إلى آخره ، ويُشترط في هذا الجمع من الرواة أن يكونوا بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب - يعني يستحيل أن يتفقوا على الكذب لا قصداً ولا خطأً - إذا كان الإسناد من أوله إلى آخره على هذه الصورة وكان مستند نقلهم في الأصل هو الحس ( يعني المشاهدة أو السماع ) لا مجرد الرأي العقلي ؛ لا ، المشاهدة أو السماع يكون هذا الحديث متواتراً .
كأن يسمع جماعة من الصحابة حديثاً من النبي - صلى
الله عليه وسلم - هذا مستنده الحس لأنهم أخذوه بالسمع ، والسمع من الحواس فأخذوه بالسمع فكان مستندهم هو السمع ، فإذا نُقل الحديث على هذه الصورة التي ذكرناها يكون متواتراً لماذا ؟ لأنه يفيد اليقين في هذه الحالة ، إذا كان الحديث متصفاً بهذه الصورة أفاد اليقين أي استيقن الشخص أن هذا الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - .
هذا بالنسبة للحديث المتواتر .
أما حديث الآحاد
؛ فهو ما ليس بمتواتر ؛ أيْ أيّ حديث لم تجتمع فيه شروط التواتر فهو حديث آحاد .
وهو ثلاثة أنواع : غريب وعزيز ومشهور
) حديث غريب ، وحديث عزيز وحديث مشهور ).
المؤلف عندنا هاهنا عرَّف العزيز والمشهور
وسيعَرِّف الغريب في بيت آت .
نحن نذكرها كلها استطراداً وعندما يأتي نشير إليه
إشارة .
فقال رحمه الله في العزيز : َعَزيزُ مَروِيْ اثنَيِن أوْ ثَلاثهْ .
فالعزيز عند الناظم رحمه الله : ما كان في أقل طبقة من طبقات سنده راويان أو ثلاثة .
نقف هاهنا وقفة نبين ما المراد بالطبقة أولاً :
الطبقة :
هم الرواة المتشابهون في السن أو الأخذ ( يعني الأخذ عن الشيخ ) .
إما أن يكون الرواة قد اتفقوا في السن لأن يكون
سنهم واحدا أو قريبا من بعضه ؛ فهؤلاء يسمون طبقة ، أو أن يكون الرواة قد اشتركوا في الأخذ عن شيخ معين فيسمَّون هؤلاء طبقة .
وهذا النوع الثاني هو الذي نريده.
الطبقة
عندنا ها هنا هم الرواة الذين اتفقوا في الرواية عن الشيخ كأن يروي مثلاً : زيد وعمر يرويان مثلاً عن أبي الحسن ، هذان الراويان في هذا المكان يسمَّيان طبقة ، طبقة زيد وعمر ( طبقة ) ، طبقة أبي الحسن ( طبقة ) ، فإذاً ، كل جهة من هذه الجهات تسمى طبقة .
مثلاً لو روى الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم
- أبو هريرة ، ورواه عن أبي هريرة أبو صالح ، فهنا أبو صالح نسميه طبقة وأبو هريرة نسميه طبقة ثانية ؛ فإن روى الحديث آخر عن أبي هريرة ؛ مثلاً : إن رواه الأعرج عن أبي هريرة مع أبي صالح ، أبو صالح والأعرج يكُونان طبقة واحدة لأنهما اتفقا في الأخذ عن أبي هريرة .
هذا معنى الطبقة .
فطبقات الإسناد يعني مثلاً عندنا مالك عن نافع عن ابن
عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
مالك : طبقة .
ونافع : طبقة .
وابن عمر : طبقة .
إذا نظرنا في الإسناد فوجدنا أن ابن عمر روى الحديث معه اثنان من الصحابة ، ورواه عن
الثلاثة عن الصحابة هؤلاء خمسة ، ورواه عن الخمسة ، عشرة من الرواة ، إذاً ، نقول : الطبقة الأولى التي هي طبقة الصحابة كم راوٍ فيها ؟ فيها ثلاثة .
الطبقة الثانية الذين
هم يروون عن الصحابة كم فيها ؟ خمسة .
الطبقة الثالثة كم فيها ؟
عشرة .
هكذا تكون
الحسبة عندنا هاهنا .
إذاً ؛ أقل طبقة عندنا في هذا الإسناد ثلاثة .
الثلاثة هذه هي العبرة ، هي التي ننظر إليها ، لا ننظر إلى الكثرة ، الكثرة
ليست مهمة عندنا ، المهم أن ننظر في أقل طبقة كي نحكم على الحديث أنه غريب أو عزيز أو مشهور ، فإن كانت أقل طبقة من طبقات السند اثنين ( أي فيها راويان ) أو ثلاثة ( أي ثلاثة رواة ) فهذا عند الناظم رحمه الله يسمى ماذا ؟ هذا الحديث يسمى عزيزاً .
عند بعض أهل الحديث لا يسمون ما كانت فيه أقل طبقة من طبقات
السند ثلاثة ، لا يسمونه عزيزاً ؛ يسمونه مشهوراً .
فيقولون : الغريب ما كان في أقل طبقة
من طبقات سنده واحد ، والعزيز ما كان في أقل طبقة من طبقات سنده اثنان ، والمشهور : ما كان في أقل طبقة من طبقات سنده ثلاثة فأكثر ما لم يصل إلى درجة المتواتر ( ثلاثة فأكثر ما لم يصل الحديث إلى حد التواتر ) .
هذا هو الغريب والعزيز والمشهور .
الغريب :
ما كان في أقل طبقة من طبقات سنده راو واحد .
بمعنى أننا إن وجدنا طبقة من طبقات السند ليس فيها إلا
راوٍ واحد لم يتابعه أحد على رواية هذا الحديث نسميه غريباً.
إن كان في أقل طبقة من
طبقات السند ثلاثة فأكثر ما لم يبلغ إلى حد التواتر نسميه مشهوراً .
هذا تعريف
الغريب والعزيز والمشهور .
بقي عندنا أن نَعرف أن المشهور يُطلق على معنيين : على معنى اصطلاحي ومعنى غير اصطلاحي .
المعنى الاصطلاحي هو الذي ذكرنا .
أما المعنى غير
الاصطلاحي فيُطلق على ما اشتهر على الألسنة ، مثاله : حديث " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " هذا حديث مشهور عند عامة الناس اليوم ومشهور عند الفقهاء ، لكن مشهور بمعنى ماذا ؟
مشهور على ألسنة الفقهاء والعامة ، وليس معناه أن أقل طبقة في طبقاته ثلاثة
رواة ، لا ، معناه أنه مشهور عند الفقهاء وعند عامة الناس .
فالمشهور إذاً عند أهل
الحديث يطلق على هذين المعنيين .
ثم قال الناظم رحمه الله :
مُعَنْعَنٌ كَعَن
سَعيدٍ عَنْ كَرَمْ ...وَمُبهَمٌ مَا فيهِ رَاوٍ لْم يُسَـمْ .
الناظم رحمه الله يريد أن يُعرِّف في هذا البيت الحديث
المُعَنْعَنْ ، والحديث المبهم ، فما هو نوع المعنعن ؟ وما هو نوع المبهم ؟
المعنعن :
هو الحديث الذي يرويه أحد رواته أو أكثر من واحد عمَّن فوقه بصيغة ( عن ) .
لو نظرت إلى إسناد من الأسانيد ورأيت واحداً من الرواة
قال فيه : عن فلان فهذا الإسناد يسمى إسنادا معنعنا ، أي فيه عنعنة ( فيه راوٍ من الرواة قال : عن فلان ) و (عن ) هذه صيغة من صيغ التحديث .
صيغ التحديث منها :
حدثنا ، سمعت ، أخبرنا .
يقول الإمام البخاري : حدثنا عبد الله
بن يوسف ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
هناك صيغة تحديث : حدثنا .
صيغة تحديث : سمعت .
صيغة تحديث : أخبرنا .
صيغة تحديث
: أنبأنا .
ويوجد صيغة تحديث اسمها : عن .
فلماذا أفرد علماء الحديث هذه الصيغة بالذات
بالكلام ؟
لأن صيغة : حدثنا وسمعت وأخبرنا وأنبأنا كلها صيغ سماع صريحة ما تحتاج
إلى وقفة ، عندما يقول لك شخص : حدثني فلان ؛ ما عندك إشكال ولا شك أن هذا الشخص قد سمع الحديث مباشرة من شيخه .
وأما ( عن ) ففي أصل وضعها اللغوي لم توضع كصيغة سماع
أو تحديث صريحة ، فإن قلت : فلان عن فلان أي : أخذ الحديث عنه ، لكن هل يلزم من ذلك السماع ؟
اصطلاحاً : هو محمول على السماع ، اصطلاحاً وليس بالوضع اللغوي ، لكن
اصطلاحاً لفظة ( عن ) محمولة عند أهل الحديث على السماع عند جمهور أهل الحديث ، وهناك خلاف ولكنه خلاف شاذ .
لكن متى تحمل على السماع ؟ هكذا مطلقاً لا ، هناك شروط ، ما
هي هذه الشروط ؟
عندنا ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكون الراوي عدلاً من الناحية
الدينية ، ومن ناحية الحفظ حتى نحمل كلمة ( عن ) منه على السماع ، ينبغي أن يكون الراوي عدلاً ؛ كي لا يكون قد كذب في التحديث ، ويكون حافظا كي لا يكون قد أخطأ إذا كان سيء الحفظ ربما يخطئ.
الشرط الثاني : ثبوت لقاء الراوي لشيخه ؛ لأنك ممكن أن تجد راويا يحدث عمن يليه بصيغة عن وهو لم يلقه ، يقول : عن فلان وهو حقيقة لم يسمع منه ولم يلقه أصلاً فهذا تجده في الأسانيد .
إذاً ؛ لا بد أن يَثبت عندك أن هذا الراوي الذي قال عن شيخه ؛ أنه لقيه ، ولو
ثبت عندك في حديث واحد قال حدثنا أو سمعت في حديث واحد ، خلاص يثبت عندك أنه قد لقي شيخه وأخذ عنه فتطمئن بعد ذلك لبقية الأحاديث .
هل يجب أن يثبت عندك اللقاء ؟
يعني لا بد أن تكون قد وقفت على تحديث أو سماع من هذا الراوي عن شيخه أم يُكتفى فقط بأن يكون قد عاصره ومن الممكن أن يلقاه ؟
ها هنا حصل خلاف بين أهل العلم سنتوسع
في ذكره في الباعث إن شاء الله تعالى ، ولكنني أفهمكم الموضوع بشكل عام .
ثبوت اللقاء
كما ذكرنا لكم يجب أن يثبت عندك أن هذا الراوي قد التقى بشيخه وهذا كيف يثبت عندك ؟ بأن تجده في أحد الأسانيد يقول : حدثنا فلان ، أو سمعت فلان ، هذا يثبت لنا أنه قد لقي شيخه لأنه هو ليس كذاباً ، هو عدل وهو حافظ ، إذا قال : حدثنا أو سمعت إذاً ، فقد ثبت عندنا أنه لقيه .
أو أن تجد حديثه عن شيخه في صحيح البخاري أو في
صحيح مسلم .
في صحيح البخاري : البخاري اشترط أن لا يضع في صحيحه حديثاً إلا بهذه
الصفة ، أن يكون قد ثبت عنده أن هذا الراوي قد لقي شيخه حتى يضع حديثه في كتابه .
مسلم شرطه أخف من شرط البخاري ، ما هو ؟
مسلم يشترط أن يثبت عنده أن هذا الشيخ قد
عاش في نفس العصر مع شيخه الذي يروي عنه بصيغة ( عن ) ، وإمكانية اللقاء بينهما ممكنة كأن يعيشا مثلاً في بلاد واحدة ، يكون هذا مثلاً بصرياً وشيخه بصري ، إذا ثبت عندنا أنهما عاشا في عصر واحد وأنهما عاشا في بلاد واحدة فالغالب على الظن أنه قد سمع منه ، هذا شرط مسلم . البخاري لا يكتفي بهذا ، لا بد أن يثت عنده أنه لقيه .
هذا
هو الفرق بين شرط البخاري وشرط مسلم في السماع .
الشرط الثالث كي نحمل ( عن ) على السماع : أن لا يكون الراوي مدلساً .
الراوي المدلس : هو الذي ثبت له السماع من شيخه لكنه يروي عنه
أحاديث بصيغة العنعنة وهو لم يسمعها منه أصلاً .
هو في الأصل سمع منه أحاديث لكن
حديث أو حديثين سمعهما من شخص آخر ولم يسمعهما من شيخه مباشرة ، فحذف الشيخ الآخر وروى هذا الحديث عن شيخه بصيغة ( عن ) أوْهم الناس هكذا بأنه أخذه عن شيخه مباشرة ، فالذي يطَّلع على الإسناد يقول : فلان قد سمع من شيخه وثبت عندنا أنه سمع من شيخه فإذاً هذا الإسناد يُحمل على السماع .
لكن عندما يَثبت أنه مدلس وأنه يفعل هذا
الأمر وأنه يحدِّث عن شيخه بصيغة ( عن ) بأحاديث لم يسمعها منه ، مع أنه شيخه وسمع منه في الأصل ولكنه يحدث عنه بأحاديث لم يسمعها منه ؛ عندما يثبت عنه مثل هذا لا نقبل منه أن يقول لنا في الحديث ( عن ) ، فمتى نقبله ؟
نقبله إذا قال : حدثنا أو سمعت ؛ لأنه
ليس كذاباً ولكنه مدلِّس ، إذا قال : حدثنا أو سمعت أو أخبرنا أو أنبأنا صيغة صريحة لا تحتمل ، إذا حدَّث بصيغة صريحة قبلنا خبره وإذا لم يحدث بصيغة صريحة لم نقبل عنعنته ، هذا الشرط الثالث .
إذاً ؛ انتهى عندنا هنا أن صيغة ( عن ) من الرواة
مقبولة بثلاثة شروط :
الأول : أن يكون الراوي ثقة .
الشرط الثاني : أن يكون قد ثبت
عندنا أنه التقى بشيخه .
الشرط الثالث : أن لا يكون الراوي مدلساً أي يروي عن شيخه
ما لم يسمعه منه من الأحاديث بصيغة ( عن ).
فإذا توفرت هذه الشروط الثلاثة حكمنا على
صيغة ( عن ) بأنها صيغة مقبولة ويُقبل الحديث التي وردت فيه .
هذا معنى العنعنة .
فالناظم رحمه الله قال : مُعَنْعَنٌ كَعَن سَعيدٍ عَنْ كَرَمْ
فذكر المعنعن وذكر
مثالاً له ( ذكره بالمثال ) .