الخميس 20 جمادة الاولى 1446 هـ
21 نوفمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-77 كتاب التيمم، الحديث 344   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-12   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-11   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-76 كتاب التيمم، الحديث 338و339و340و341و342و343   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-10   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-9   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-75 أول كتاب التيمم، الحديث 334و335و336و337   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-74 آخر كتاب الحيض، الحديث 324و325و326و327و328و329و330و331و332و333   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-73 كتاب الحيض، الحديث 318و319و320و321و322و324,323   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-8      

القائد الدميث إلى شرح الباعث الحثيث

القائد الدميث إلى شرح الباعث الحثيث

الجزء الأول

الحمد لله الذي وصل من انقطع إليه بدينه القويم ، ورفع من أسند أمره إليه باتباع سنة نبيه الكريم ، وهدى من وفقه إلى صراط مستقيم ، وصل اللهم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد ؛

فنبدأ إن شاء الله تبارك وتعالى مستعينين به بشرح الباعث الحثيث للحافظ ابن كثير – رحمه الله .

وقبل أن نبدأ بمادة الكتاب نقدم مقدمة صغيرة بين يديه بإذن الله سبحانه وتعالى .

علم الحديث - بارك الله فيكم - علم جليل ؛ وذلك لأنه يتعلق بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وثمرته عظيمة ، حيث يمكننا من معرفة ما يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مما لا يصح .

وبه نخرج من حيز التقليد إلى دائرة الاجتهاد في معرفة ما يقبل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وما يرد ، ووقوفنا على الحديث ؛ هل هو صحيح أم ضعيف ؛ يقوي إيماننا به ويزيده ؛ فليس إيمان المقلد كإيمان المجتهد . هذه الثمرة الأولى .

والثمرة الثانية من ثمار تعلم هذا العلم ؛ الدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنها ، فبتعلم هذا العلم ؛ نستطيع أن نرد عن السنة شبهات أهل البدع والضلال التي كثرت في هذا الزمان ، فهذه من ثمار تعلم هذا العلم .

أما تعريفه ، فالحديث لغة : هو الجديد والخبر .

واصطلاحا : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلُقية .

اقتصر بعض أهل الحديث على هذا التعريف ، وزاد بعضهم : وما أضيف إلى الصحابي أو إلى التابعي من قول أو فعل .

هذا بالنسبة لتعريف الحديث ، وهناك مصطلحات أخرى مرادفة لتعريف الحديث ، ينبغي لطالب العلم أن يحيط بها علما ؛ منها : السنة ، والخبر ، والأثر .

فالمصطلحات أربعة ؛ الحديث والسنة والخبر والأثر ، بعض أهل العلم يذهب إلى أن هذه المصطلحات مترادفة ؛ أي أنها بنفس المعنى ؛ أي أن الحديث والسنة والخبر والأثر هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية ، هذا قول من أقوال أهل العلم .

وقول لبعض أهل العلم يقولون بالتفريق بين الحديث والخبر ، فيقولون : الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم – أي ما اختص بالنبي صلى الله عليه وسلم – والخبر ما جاء عن غيره من صحابي أو تابعي أو غيره ، هذا قول ثان .

وقول ثالث ؛ أن الخبر أعم من الحديث ؛ أي أن الخبر يشمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء عن غيره ، أما الحديث فيختص بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هذه أقوال أهل العلم في التفريق بين الحديث والخبر .

وأما التفريق بين الأثر والخبر ؛ ففرق بينهما فقهاء خراسان ؛ فسموا كلام السلف أثرا ، يسمون كلام الصحابة والتابعين وأتباع التابعين أثرا ، وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمونه خبرا .

والبعض جعل الخبر والحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والأثر أعم منهما ، أي جعلوا الخبر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء عن غيره .

هذه كلها اصطلاحات ، ولا مشاحّة - أي لا مضايقة ولا منازعة - في الاصطلاح ، سمي أنت ما شئت واختار من الاصطلاحات ما شئت ، وعموما مادام الاصطلاح لا ينبني عليه حكم فاسد ؛ فلا مشاحّة فيه ، والأمر سهل ؛ ولكن تحتاج أن تكون مطلعا على اصطلاحات القوم ؛ كي تفهم كلامهم فهما صحيحا على مرادهم .

وأما السنة والحديث ؛ فبعض أهل العلم يجعلون السنة والحديث مترادفين ، وبعضهم يجعل السنة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله أو فعله أو تقريره فقط ، ويخرج الصفة الخلقية منها ، وهذا قول الأصوليين .

فالأصوليون يقولون : السنة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ، ويقفون هنا ، ولا يدخلون الصفة فيها ؛ لماذا ؟ يقولون الصفة لا نستفيد منها أحكاما شرعية ، ونحن نريد السنة التي هي مصدر من مصادر الشريعة .

أما أهل الحديث ؛ فبما أنهم يريدون أن يعتنوا بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يهمهم أن يؤخذ منه حكم أو لا يؤخذ ،فقالوا الحديث كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية .

وأما السنة عند الفقهاء ؛ فهي ما أمر به الشارع أمرا غير جازم . فهي هنا حكم تكليفي ، ويقابلها الواجب ، والفرض ، والحرام ، والمكروه ، والمباح .

وأما السنة عند أهل الحديث ؛ فما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية ، سواء كان هذا الشيء الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم واجبا أو مستحبا ؛ لا فرق .

وتطلق السنة عند العلماء ، بمعنى ما يقابل البدعة ، كما يقولون طلاق سني وطلاق بدعي . وتطلق السنة أيضا بمعنى الشريعة ، كما يقول عليه الصلاة والسلام : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " .

إذن الحديث : ما أضيف إلى النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو ما أضيف إلى صحابي أو تابعي من قول أو فعل ، عند السلف رضي الله عنهم .

أما علم الحديث ، فعلم الحديث ينقسم إلى قسمين ؛

علم الحديث دراية ، وعلم الحديث رواية .

علم الحديث دراية ؛ هو علم مصطلح الحديث ؛ وهو معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي .

أما علم الحديث رواية ؛ فهو ما يختص بالمتن من معرفة غريبه ومعناه ، وضبط ألفاظه وتحريرها ومعرفة هل هذا المتن مضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم إلى غيره ، وهل هو مقبول أم هو مردود ، هذا كله من علم الحديث رواية .

ما الفرق بين العلمين ؟

الفرق بين العلمين ، أن العلم الأول معرفة القواعد العامة لعلم الحديث الذي هو علم مصطلح الحديث . تطبيق هذه القواعد ومعرفة غريب الحديث – أي معرفة الكلمة الغريبة في الحديث التي لا يفهم معناها – فمعرفة غريب الحديث ومعرفة معنى الحديث كل هذا من شغل علم الحديث رواية ، فهذا هو الفرق ، كالفرق بين أصول الفقه والفقه ، فأصول الفقه هي عبارة عن قواعد عامة تعينك على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية .

أما استنباط الحكم من الدليل الشرعي من القرآن والسنة هذا فقه ، الصورة هنا كالصورة هناك تماما .

وبعض أهل العلم يقلب ، فيسمي الأول علم الحديث رواية ، ويسمي الثاني علم الحديث دراية ، والأمر في هذا سهل إذ المسألة مسألة اصطلاحية.

كيفية التصنيف في هذا العلم .

يبين لنا ذلك الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في " نزهة النظر " ، قال – رحمه الله - :

فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت للأئمة في القديم والحديث ، فمن أول من صنف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي كتابه " المحدث الفاصل " لكنه لم يستوعب – أي لم يستوعب جميع أنواع الحديث – والحاكم أبو عبد الله النيسابوري – هؤلاء من أول من صنف علم الحديث - لكنه لم يهذب ولم يرتب – كعادة التصنيف في بدايته - وتلاه أبو نعيم الأصفهاني ، فعمل على كتابه " مستخرجا " ، وأبقى أشياء للمتعقب .

ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي ، فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه " الكفاية " – الكفاية في علم الرواية ، وهو كتاب مطبوع - وفي آدابها كتابا سماه (( الجامع لآداب الشيخ والسامع )) .

وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف - أي : الخطيب البغدادي - فيه كتابا مفردا ، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة : كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه – أي لابد أن يرجعوا إلى كتبه ، فهم يحتاجونها ويعتمدون عليها ولا بد .

هذا بالنسبة لأول من صنف في هذا العلم كتابا مستقلا ، أما في تصنيف بعض موضوعات هذا العلم ، فقد سبق إليه كما فعل الإمام الشافعي – رحمه الله – في كتابه " الرسالة " ، وكذلك في كتابه " الأم " ، وهناك كلمات منقولة عن الإمام أحمد – رحمه الله – وعن أبي داود ، وعن غيرهم من علماء السلف .

أما الكتاب الذي بين أيدينا فهو كتاب الحافظ ابن كثير ، كما علمنا أن الخطيب البغدادي – رحمه الله – صنف في علم المصطلح ، وقل فن من فنون هذا العلم إلا وقد صنف فيه كتابا مستقلا ، فجاء بعد ذلك ابن الصلاح فجمع من تأليفات الخطيب البغدادي كتابا سماه " علوم الحديث " أو " معرفة أنواع علوم الحديث " ، واشتهر ب"مقدمة ابن الصلاح "، هذا الكتاب انتشر ولقي قبولا بين أهل العلم وطلابه في زمن ابن الصلاح – رحمه الله – وبعد زمنه ، فاختار ابن كثير – رحمه الله – هذا الكتاب كي يختصره ، لأنه وجد أن هذا الكتاب قد نفع الله به ؛ فأراد أن ييسره ويسهله على طلبة العلم ، فاختصر هذا الكتاب بالكتاب الذي بين أيدينا ، وهو كتاب " الباعث الحثيث " .

أما عن اسم الكتاب ، وهل هو " اختصار علوم الحديث " أو " الباعث الحثيث " ، فهو لا شك أنه اختصار لعلوم الحديث ، لكن ماذا سماه ابن كثير ؛ الله أعلم ، لا يوجد عندنا ما نستطيع معه الجزم باسم هذا الكتاب .

الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة ، وهو أول من طبع هذا الكتاب ؛ قال في أثناء كلامه عن كتاب علوم الحديث لابن الصلاح ؛ قال : فاختصره – أي ابن كثير – في رسالة لطيفة سماها الباعث الحثيث على معرفة علوم الحديث .

أضاف الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة التسمية لابن كثير ، فيقول بأن ابن كثير هو الذي سمى هذا الكتاب الباعث الحثيث ، وسماه بهذا الاسم الشيخ صديق حسن خان في كتابه " أبجد العلوم " وهو قبل محمد عبد الرزاق حمزة ، لكن الشيخ أحمد شاكر ينفي أن يكون ابن كثير هو واضع اسم كتاب الباعث الحثيث ، على كل حال ، فكما قال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – بعد أن ذكر ما ذكره ، قال " والأمر في هذا قريب " . أي سهل ، بما أن هذا الاسم انتشر عند أهل العلم وطلابه ، فلا بأس من جعله اسما على هذا الكتاب ، وخاصة أن كثيرا من الكتب قد سميت بأسماء لم يضعها أصلا أصحابها ، كصحيح البخاري ، فلم يسمه الإمام البخاري بـ "صحيح البخاري" ولكن انتشر عند أهل العلم بهذا الاسم ، والأمر في هذا قريب وسهل إن شاء الله .

مادة الكتاب :

قال راوي الكتاب عن ابن كثير :

(بسم الله الرحمن الرحيم ، قال شيخنا الإمام العلامة، مفتي الإسلام ) المفتي هو الذي يتصدى للفتوى بين الناس ( قدوة العلماء ) الذي يقتدي به العلماء ( شيخ المحدثين ) أي كبيرهم في زمنه ( الحافظ ) لقب من ألقاب المحدثين ، يستعمله أهل الحديث ، وللمحدثين ألقاب منها ؛ المحدث ، و الحافظ ، و الحاكم ؛

المحدث هو من عرف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال ، وميز صحيح الحديث من سقيمه، وعرف غريبه ومعناه . هذا هو المحدث الذي اشتغل بعلم الحديث واعتنى به من ناحية القبول والرد ومن ناحية فهم معناه .

أما الحافظ ؛ فهو الذي جمع صفة المحدث وزاد عليه حفظ قدر كبير من الأحاديث ، فعلى ذلك يكون الحافظ أعلى درجة من المحدث .

أما الحاكم ؛ فهو من أحاط علمه جميع الأحاديث المروية متنا وإسنادا وجرحا وتعديلا وتاريخا ، وعلى حسب ظني وعلمي أنه لا يوجد إنسان يحيط علما بكل الأحاديث المروية صحيحها و ضعيفها ، لكن لو قالوا : أكثر المرويات متنا وإسنادا وجرحا وتعديلا وتاريخا ، لكان هذا الأمر قريبا .

ولقب الحاكم بناء على تعريفهم أعلى من لقب المحدث والحافظ .

( المفسر ) هو العالم بتفسير القرآن ( بقية السلف الصالحين ) أي من بقي من خيار السلف الصالحين (عماد الدين ) هذا لقب لقبه به أهله أو أهل العلم في زمنه ؛ وهذه الألقاب : عماد الدين ، ومحيي الدين ، وزين الدين ، وصلاح الدين ؛ كانت مشتهرة في ذلك الزمن ، ومعناه الذي يستند الدين إليه . واللقب : ما أشعر بمدح أو ذم ( أبو الفداء ) هذه كنيته ، والكنية ما بدئ بأب أو أم ، كـ أبي فلان و أم فلان ( إسماعيل بن كثير القرشي ) نسبة إلى قريش ( الشافعي ) نسبة إلى الإمام الشافعي ، فقد كان شافعي المذهب رحمه الله ( إمام أئمة الحديث والتفسير ) أي في زمنه (بالشام ) هي بلاد الشام التي هي الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان ، وحدودها مع جيرانها تختلف قليلا ، لكن بالجملة هي هذه الدول الأربعة ( المحروس ) أي حفظه الله سبحانه وتعالى ( فسح الله للإسلام والمسلمين في أيامه، وبلغه في الدارين ) دار الدنيا ودار الآخرة ( أعلى قصده ومرامه ) أي أعلى ما يقصده وما يريده (

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى ) الآن بدأ كلام ابن كثير رحمه الله .

( أما بعد : فإن علم الحديث النبوي - على قائله أفضل الصلاة والسلام - قد اعتنى بالكلام فيه جماعة من الحفاظ ) حفاظ الحديث ( قديماً وحديثاً، كالحاكم ) الحاكم النيسابوري ، و قلنا إن الحاكم لقب له أما هو ؛ فمحمد بن عبد الله بن حمدويه المعروف بابن البيع ، مات سنة 405 هـ رحمه الله ، ومن أشهر كتبه كتاب " المستدرك على الصحيحين " وله كتاب في علم مصطلح الحديث ، وهو كتاب " معرفة علوم الحديث " مطبوع ( والخطيب ) أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي ، مات سنة 463 هـ له كتب كثيرة من أشهرها وأنفسها كتاب " تاريخ بغداد " وله في علم المصطلح أيضا كتب كثير من أشهرها كتاب " الكفاية في علم الرواية " وهو مطبوع أيضا ( ومن قبلهما من الأئمة ) أي وألف في هذا الفن من قبل الحاكم والخطيب جماعة أيضا ، كأبي محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي ، له كتاب " المحدث الفاصل " ( ومن بعدهما ) أيضا لهم تأليفات ( من حفاظ الأمة ) كابن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن أبي عمرو ، مات سنة 643 هـ ، له كتاب " علوم الحديث " أو " معرفة علوم الحديث " مطبوع ، وهو الكتاب الذي عمل ابن كثير على اختصاره كما سيأتي .

قال ابن كثير رحمه الله :

( ولما كان من أهم العلوم وأنفعها ) أي علم الحديث ، بل هو أهم العلوم بعد علم كتاب الله تبارك وتعالى ( أحببت أن أعلق فيه مختصراً نافعاً) أحب أن يكون له مشاركة في هذا العلم ، كونه من أهم العلوم (جامعاً لمقاصد الفوائد ) أي أنه لم يضيع شيئا من المطلوب لدراسة هذا العلم ، مع أنه أراد أن يكون كتابا مختصرا ، وذكر هذا الكلام رحمه الله لينفي توهم أنه ربما يكون قد أخل بالمقصود بسبب الاختصار ، فقوله هذا يعني أنه مع أنه اختصر الكتاب لكنه لم يخل بمقصود فوائد هذا العلم ( ومانعاً من مشكلات المسائل الفرائد ) أي أن هذا المختصر سيكون مانعا من الإشكالات الموجودة في بعض المسائل الفريدة التي تحتوي عليها بعض المطولات ، فلن يكون فيه إشكالات بل سيكون الكلام سهلا ميسرا لطلبة العلم - .

(ولما كان الكتاب ) الذي هو " علوم الحديث " ( الذي اعتنى بتهذيبه ) التهذيب بمعنى التصفية والتنقية ، هذبه أي صفاه ونقاه واختاره من بقية الكتب ( الشيخ الإمام العلامة، أبو عمرو بن الصلاح تغمده الله برحمته من مشاهير المصنفات في ذلك ) أي لما كان هذا الكتاب الذي هو كتاب ابن الصلاح من الكتب المشهورة في علم الحديث (بين الطلبة لهذا الشأن ) بين طلبة علم الحديث (وربما عُني بحفظه بعض المهرة من الشبان ) لشهرة هذا الكتاب واعتناء طلبة العلم به ( سلكت وراءه ) أي سرت خلفه ( واحتذيت حذاءه ) أي اقتديت به ( واختصرت ما بسطه ) أي ما توسع فيه ( ونظمت ما فرطه ) أي رتبت ما فرقه ، يعني سبب اختياره لكتاب ابن الصلاح واختصاره له ؛ أنه اشتهر بين طلبة الحديث ، واعتنوا به ، وحفظه بعضهم ، فاختصر ما توسع فيه ابن الصلاح ، ورتب الكتاب ترتيبا متناسقا . وهذا كله شرح من ابن كثير يبين فيه سبب اختيار هذا الكتاب ، ولماذا أراد أن يشارك في هذا العلم - .

( وقد ذكر من أنواع الحديث ) أي ذكر ابن الصلاح رحمه الله في كتابه " علوم الحديث " من أنواع الحديث ( خمسة وستين، وتبع في ذلك الحاكم أبا عبد الله الحافظ النيسابوري شيخ المحدثين ) عندما ألف ابن الصلاح رحمه الله كتابه " علوم الحديث " ذكر في كتابه خمسة وستين نوعا من أنواع علوم الحديث ، وتبع في ذلك الحاكم ، أي أن الحاكم سبقه إلى ذلك ( وأنا - بعون الله - أذكر جميع ذلك ) أي الأنواع الخمسة والستين سيذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله ( مع ما أضيف إليه من الفوائد الملتقطة من كتاب الحافظ الكبير أبي بكر البيهقي ) أفادنا الحافظ ابن كثير أنه لا يريد أن يقتصر على اختصار كتاب ابن الصلاح فقط ، بل يريد أن يزيد فوائد أخرى يأخذها من كتاب الحافظ أبي بكر البيهقي - ؛ ( المسمى بـ ) كتاب ( " المدخل إلى كتاب السنن " ، وقد اختصرته أيضاً ) أي أن ابن كثير اختصر كتاب المدخل أيضا ، وأخذ منه فوائد وأضافها إلى هذا الكتاب ( بنحو من هذا النمط ) بنفس الطريقة التي اختصر فيها كتاب ابن الصلاح اختصر كتاب " المدخل إلى كتاب السنن " ( من غير وكس ) الوكس ؛ هو النقص (ولا شطط ) الشطط مجاوزة القدر ، أي من غير نقص ولا زيادة ( والله المستعان، وعليه التكلان ) وأنا أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينني على شرحه وأن لا يكلني إلى نفسي .

( ذكر تعداد أنواع الحديث ) أنواع الحديث التي ذكرها ابن الصلاح رحمه الله :

( صحيح، حسن، ضعيف، مسند، متصل، مرفوع، موقوف، مقطوع، مرسل، منقطع، معضل، مدلَّس، شاذ، منكر، ما له شاهد، زيادة الثقة، الأفراد، المعلَّل، المضطرب، المدْرَج، الموضوع، المقلوب، معرفة من تقبل روايته، معرفة كيفية سماع الحديث وإسماعه، وأنواع التحمل من إجازة وغيرها، معرفة كتابة الحديث وضبطه، وكيفية رواية الحديث وشرط أدائه، آداب المحدث، آداب الطالب، معرفة العالي والنازل، المشهور، الغريب، العزيز، غريب الحديث ولغته، المسلسل، ناسخ الحديث و منسوخه، المصحَّف إسناداً ومتناً، مختلف الحديث، المزيد في الأسانيد،خفي المرسل، معرفة الصحابة، معرفة التابعين، معرفة أكابر الرواة عن الأصاغر، المدبج ورواية الأقران، معرفة الإخوة والأخوات، رواية الآباء عن الأبناء، عكسه) أي رواية الأبناء عن الآباء ( من روى عنه اثنان متقدم ومتأخر، من لم يرو عنه إلا واحد، من له أسماء ونعوت متعددة، المفردات من الأسماء، معرفة الأسماء والكنى، من عرف باسمه دون كنيته، معرفة الألقاب، المؤتلف والمختلف، المتفق والمفترق، نوع مركب من اللذين قبله ، نوع آخر من ذلك، من نسب إلى غير أبيه، معرفة الأنساب التي يختلف ظاهرها وباطنها، معرفة المبهمات، تواريخ الوفيات، معرفة الثقات والضعفاء، من خلّط في آخر عمره، معرفة الطبقات، معرفة الموالي من العلماء والرواة ، معرفة بلدانهم وأوطانهم .

فهذا تنويع الشيخ أبي عمرو وترتيبه رحمه الله ) هذه الأنواع التي ذكرها أبو عمرو رحمه الله في كتابه " معرفة علوم الحديث " ورتبها أيضا في كتابه على الترتيب المذكور ( قال ) أي ابن الصلاح ( وليس بآخر الممكن في ذلك ) هذا التنويع ليس بآخر الممكن ، بل بإمكانه أن يزيد أنواعا أخرى ( فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى) أي يمكن تنويع علوم الحديث إلى أكثر مما ذكر ( إذ لا تنحصر أحوال الرواة وصفاتهم، وأحوال متون الحديث وصفاتها ) لأن هذا التنويع مبني على صفات الرواة وعلى صفات متون الحديث وأحوالها ؛ وكون صفات الرواة وأحوالهم وصفات متون الحديث وأحوالها تختلف وتتنوع إلى أنواع كثيرة ؛ فمن الممكن أن ننوع علوم الحديث إلى أنواع كثيرة أيضا ، هذا ما أراده ابن الصلاح رحمه الله .

قال ابن كثير – رحمه الله – متعقبا له :

( قلت : وفي هذا كله نظر ) أي عليه اعتراض ، ولا يسلم له ( بل في بسطه هذه الأنواع إلى هذا العدد نظر ) أي إن هذا العدد كثير ، لا يسلم له به ( إذ يمكن إدماج بعضها في بعض ، وكان أليق مما ذكره ) كان أفضل لو دمج بعض الأنواع في بعض .

ومن الأمثلة على إمكانية دمج بعضها ببعض ، دمج رواية الآباء عن الأبناء ؛ في رواية الأكابر عن الأصاغر ؛ لأن الآباء أكابر والأبناء أصاغر ، فتدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر ، فلا داعي لتقسيمه إلى نوعين - .

( ثم إنه قد فرق بين متماثلات منها بعضها عن بعض، وكان اللائق ذكر كل نوع إلى جانب ما يناسبه ) في البداية اعترض على التقسيم إلى خمسة وستين نوعا ، فقال يمكن أن تدمج بعضها في بعض ؛ فتكون الأنواع أقل ، والآن الاعتراض على ترتيب هذه الأنواع بهذه الصورة .

فقال هنا إن ابن الصلاح فرق بين أنواع متماثلات ؛ كتفريقه بين المدلس والمرسل الخفي ؛ فبينهما علاقة ، لذلك تجد الحافظ ابن حجر في " النزهة " جمع بينهما ولم يفرق ؛ لاشتراكهما في كونهما سقطا خفيا في الإسناد ، لذا جمع بينهما الحافظ ابن حجر في " نزهة النظر " .

وكذلك فرق بين هذين النوعين وغيرهما من الأنواع التي فيها سقط في الإسناد ، كالمعلق والمنقطع والمعضل والمرسل فكلها تشترك في كونها سقط في الإسناد ، فكان ينبغي أن يجمعها مع بعضها ويذكرها ذكرا واحدا ليفرق بينها طالب العلم ، ويتمكن من التمييز بين الأنواع .

واعتذروا عن ذلك لابن الصلاح ؛ بأنه كان يحرر النوع ، ثم يمليه على طلبته مباشرة ، فما أسعفه الوقت لترتيب كتابه .

وهناك أنواع أخرى معمول بها لم يذكرها ابن الصلاح – رحمه الله كالمعروف والمحفوظ ، وهي أنواع لم يذكرها ابن الصلاح أصلا ، وذكرها الحافظ ابن حجر في " نزهة النظر " ، ونحن إن شاء الله سنذكر كل نوع أهمله ابن الصلاح في موطنه المناسب في شرحنا هذا .

قال ابن كثير - :

( ونحن نرتب ما نذكره على ما هو الأنسب ، وربما أدمجنا بعضها في بعض، طلباً للاختصار والمناسبة ) ابن كثير رحمه الله بعدما تعقب المؤلف بهذين التعقبين اللذين ذكرهما ، قال إنه سيتدارك هذا الأمر ؛ لكن ابن كثير نفسه لم يفعل ذلك ؛ بل تبع ابن الصلاح في التنويع وعلى الترتيب أيضا ، والله أعلم بالسبب الذي جعله يترك ما نوى فعله ( وننبه على مناقشات لا بد منها، إن شاء الله تعالى) وله مناقشات جيدة ونافعة ومفيدة وتعقبات صحيحة ، وهذا من فوائد كتاب ابن كثير رحمه الله ، فإنه لم يكن اختصارا جامدا ؛ بل اختصر الكتاب ، وزاد عليه بعض الفوائد النافعة . والله أعلم

 

قائمة الخيارات
31 [1.9 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الخميس 8 شوال 1431
عدد المشاهدات 3760
عدد التحميلات 25
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق