القائد الدميث الجزء الثاني القسم الثاني
قال :
(ولهذا ) أي : لأن الأحاديث الصحيحة تتفاوت في الصحة وليست في درجة واحدة ؛ ( أطلق بعضهم ) أي بعض علماء الحديث ونقاده على بعض الأسانيد أنها ( أصح الأسانيد على بعضها) وليست أصح الأحاديث ، فهناك فرق بين قولهم أصح الأسانيد وأصح الأحاديث (فعن أحمد ) بن حنبل الإمام المعروف ( وإسحق ) بن راهويه صاحب الإمام أحمد ؛ وهما إمامان من أئمة السنة والحديث – رحمهما الله ؛ قالا (: أصحها: الزهري ) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، تابعي جليل وعالم حافظ ثقة كبير ( عن سالم ) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عدل حافظ ثقة إمام ( عن أبيه ) عبد الله بن عمر بن الخطاب ، الصحابي الجليل ، المعروف الذي لا يحتاج إلى تعريف ، فقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه : إن هذا الإسناد أصح الأسانيد ؛ الزهري عن سالم عن ابن عمر . (وقال علي بن المديني) الملقب بحية الوادي ، إمام من أئمة الحديث وعالم جبل في علم العلل ( والفلاس ) هو عمرو بن علي الفلاس ، حافظ ثقة من أئمة الحديث ، قالا (: أصحها ) أي أصح الأسانيد ( محمد بن سيرين ) الأنصاري البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر رحمه الله معبر ( عن عبيدة ) بفتح العين ، السلماني الكوفي فقيه ثبت ( عن علي ) بن أبي طالب الصحابي الجليل . ( وعن يحيى بن معين) صاحب الإمام أحمد وهو من أعرف الناس بالرجال كان إماما كبيرا رحمه الله (: أصحها ) أي أصح الأسانيد (الأعمش ) سليمان بن مهران الكوفي ثقة حافظ لكنه مدلس ( عن إبراهيم ) بن يزيد النخعي حافظ ثقة إمام ( عن علقمة ) بن قيس النخعي الكوفي ثقة ثبت فقيه عابد (عن ابن مسعود ) هو عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل .
في قوله " الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أنها أصح الأسانيد " نظر ؛ إلا في حالة واحدة ؛ وهي أن يصرح الأعمش بالتحديث ، فإن صرح بالتحديث صار من أصح الأسانيد ، أما مع العنعنة فلا ، لأن الأعمش مدلس ، وإذا كان مدلسا وروى الحديث بالعنعنة ،فاحتمالية أن يكون قد دلسه واردة ، فهذه توهن قليلا من حال الإسناد ، لذلك - والله أعلم - عندما ذكر الحافظ ابن حجر هذا الإسناد في أصح الأسانيد حذف الأعمش ؛ فقال أصحها : إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود ، الظاهر أنه لهذه النكتة فعل ذلك . والله أعلم ( وعن البخاري ) الإمام محمد بن إسماعيل صاحب " الصحيح " إمام كبير قال : ( مالك ) بن أنس إمام دار الهجرة ( عن نافع ) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر ) عبد الله بن عمر بن الخطاب الصحابي الجليل ( وزاد بعضهم ) وهو أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي ( : الشافعي عن مالك ) أي الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، وزاد بعضهم أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر . ( إذ هو ) أي الإمام الشافعي ( أجل من روى عنه ) لكن هذا يحتاج إلى تفصيل ، إن كان من حيث جلالة القدر فيسلم له ؛ وأما من حيث الحفظ والإتقان فعورض بعبد الله بن مسلمة القعنبي ؛ فقد قيل هو أثبت في مالك من الإمام الشافعي ، فقد قال فيه علي بن المدين ويحيى بن معين والنسائي ونصر بن مرزوق ؛ قالوا : القعنبي أثبت الناس في الموطأ ، فهو مقدم في الرواية عن الأمام مالك .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر مجموعة من الأسانيد التي قيل فيها إنها أصح الأسانيد ، لكن ما هي فائدتها ؟!
قال الحافظ ابن حجر : أفادت ترجيح ما نص على أصحيته إذا عارضه ما لم ينص على أصحيته ، وإن كان صحيحا .
أي فائدة هذه الأسانيد التي قال الأئمة الحفاظ إنها أصح الأسانيد أنها إذا تعارضت أحاديث مروية بأسانيد قيل إنها أصح الأسانيد ، مع أحاديث مروية بأسانيد لم يقل فيها إنها أصح الأسانيد ؛ أمكن ترجيح الأحاديث التي وصفت أسانيدها بأنها أصح الأسانيد على الأحاديث الأخرى .
والراجح أن الإسناد لا يطلق عليه مطلقا أنه أصح الأسانيد ؛ بل يقيد بالصحابي أو بالبلد ، فيقال مثلا : أصح أسانيد أهل المدينة ؛ مالك عن نافع عن ابن عمر . أو يقال أصح أسانيد علي بن أبي طالب ؛ محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي بن أبي طالب . أصح الأسانيد عن أبي هريرة ؛ إبراهيم عن علقمة عن أبي هريرة . أصح الأسانيد عن ابن عمر ؛ مالك عن نافع عن ابن عمر ، فنقيد إما بالصحابي أو بالبلد ، هذا أصح ما قيل في هذه المسألة .