الخميس 20 جمادة الاولى 1446 هـ
21 نوفمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-77 كتاب التيمم، الحديث 344   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-12   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-11   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-76 كتاب التيمم، الحديث 338و339و340و341و342و343   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-10   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-9   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-75 أول كتاب التيمم، الحديث 334و335و336و337   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-74 آخر كتاب الحيض، الحديث 324و325و326و327و328و329و330و331و332و333   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-73 كتاب الحيض، الحديث 318و319و320و321و322و324,323   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-8      

القائد الدميث شرح الباعث الحثيث الجزء الثامن القسم الأول

 

القائد الدميث شرح الباعث الحثيث

الجزء الثامن

القسم الأول


تقدم معنا في الدروس الماضية مبحث الصحيح والحسن وتقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف
وذكرنا أن الصحيح هو ما اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه ، ولا يكون شاذاً ولا معللا

وعنى أهل الحديث بالاتصال : سماع كل راوٍ من الذي يليه
والإسناد عندهم هو سلسلة الرواة الموصلة إلى المتن
فاتصال الإسناد أي سماع كل راوٍ من رواة الإسناد من الذي يليه من أول الإسناد إلى منتهاه ، ويجب أن يكون راوي الحديث الصحيح عدلاً .

وعنى أهل العلم بالعدل المسلم البالغ العاقل الخالي من أسباب الفسق وخوارم المروءة .

واشترطوا أيضاً كي يقبلوا منه الحديث أن يكون حافظاً ضابطاً ، والضبط هو الحفظ وهو نوعان : ضبط صدر وضبط كتاب ، وضبط الصدر أن يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء ، وضبط الكتاب هو صيانته لديه مذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه
و من شروط الصحيح أن لا يكون شاذاً والشاذ هو مخالفة المقبول لمن هو أولى منه ، فإن خالف الراوي الثقة أو الصدوق من هو أولى منه بالحفظ أي أحفظ منه أو مَن هم أكثر منه عدداً يسمى حديثه شاذاً أي لا يعتبر صحيحا ، وأما المعلل فهو ما فيه علة خفية قادحة فالحديث إذا كان معللا لا يكون صحيحاً .
هذا هو الصحيح وهذه شروطه التي قدمنا ذكرها .

وعرفنا الحسن وذكرنا أن الحسن قسمان : الحسن لذاته والحسن لغيره .
الحسن لذاته هو ما اتصل إسناده بنقل العدل الذي خف ضبطه عن المقبول إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معللا
هذا الحديث يسمى حسناً لذاته .
صفة الحديث الحسن لذاته هي نفس صفة الحديث الصحيح إلا أنه يختلف عنه بأن أحد رواته قد خف ضبطه عن ضبط أصحاب الصحيح فما كان حفظه قوياً ومتيناً كحفظ أصحاب الصحيح وجائز أن يكون في إسناد الحديث الحسن راوٍ واحد أو أكثر قد خف ضبطهم ، فإذا وجد في إسناد الحديث الحسن راوٍ واحد أو أكثر قد خف ضبطهم يسمى هذا الحديث حديثاً حسناً لذاته ، أي هو حسن بمفرده قائم بذاته ، ولكن قد حصل في بعض رواته بعض الخلل في حفظه ولكن هذا الخلل لم ينزله عن رتبة الاحتجاج ، هذا الحسن لذاته .

وذكرنا أن الحسن له قسم آخر وهو الحسن لغيره
والحديث الحسن لغيره هو الذي يكون في أصله ضعيفاً ، بسبب ضعف أحد رواته ولكن ضعفه ليس شديداً ؛ لأن الضعف منه ما هو شديد ومنه ما هو خفيف فإذا كان الضعف شديداً لا يتقوى الحديث ولا يشتد بغيره ، أما إذا كان الضعف خفيفاً تقوى إذا جاء ما يشهد له أو من يتابع راويه فإذا جاء ما يشهد له أو وجدنا متابعة لراويه الضعيف تقوّى به وشد عضده وارتقى إلى أن يكون حسناً لغيره بعد أن كان ضعيفا ، وهذا كشهادة المرأة مع المرأة ، شهادة المرأة وحدها لا تُقبل لكن إن أعانتها أختها وشهدت معها قُبِلت واحتج بها وعُمل بها كذلك الحسن ؛ فالحديث الضعيف ضعفاً خفيفاً إذا وُجد حديث آخر ضعيف ضعفاً خفيفاً يشهد له يقويه ويُعمل به لأن غلبة الظن هنا حاصلة في أن هذا الحديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا الحديث الحسن لذاته والحسن لغيره

وذكرنا بداية أن الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف وتقدمت معنا بعض هذه المباحث

ومن المباحث التي تقدمت معنا أيضاً أن البخاري رحمه الله ومسلماً قد جمعا الكثير من الأحاديث الصحيحة في كتابيهما ولكنهما لم يستوعبا كل الأحاديث الصحيحة في كتابيهما وتركا الكثير منها ويوجد في غير البخاري ومسلم من الأحاديث الصحيحة الشيء الكثير؛ في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي مسند أحمد وفي غيرها من كتب السنن والمسانيد ، وذكرنا أن الأحاديث التي في كتب الصحاح وفي كتب السنن لا يطلق القول بصحتها إلا أحاديث الصحيحين التي لم تُنتقد ؛ فكلها صحيحة وتؤخذ بالتسليم أما التي انتقدت فهذه لا تؤخذ بالتسليم بل يُنظر فيها ، ينظر كلام الناقد ويقارَن بينه وبين تصحيح صاحب الصحيح ؛ البخاري أو مسلم وينظر الصواب مع من ويُتَّبَع ، هذا هو الراجح في الأحاديث التي انتُقدت على الصحيحين
والراجح أيضاً في أحاديث الصحيحين التي لم تُنتقد أنها تفيد اليقين ؛ سواء الأحاديث المتواترة أو أحاديث الآحاد التي احتُفت بالقرائن - ومنها أحاديث الصحيحين كلها - فهذه تفيد اليقين وأما حديث الآحاد الذي لم يحتف بالقرائن فيفيد الظن ، فهذه مباحث مرت معنا فيما تقدم من الدروس الماضية ، وهذا تلخيص سريع لمجملها

وفي أثناء شرحنا للباعث أنهينا الكلام عن كتاب المصابيح للبغوي ثم قال المؤلف رحمه الله :
( قال ) أي ابن الصلاح ( والحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن إذ قد يكون شاذاً أو معللا )


أي إن مر بك قولٌ لبعض أهل الحديث في حديث من الأحاديث: إسناده صحيح أو إسناده حسن ، لا يلزم من قوله في الحديث إسناده صحيح أو إسناده حسن أن الحديث صحيح أو حسن لماذا ؟
لأننا ذكرنا بأن شروط الصحيح خمسة ، وكذلك شروط الحسن ؛
اتصال السند بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معللا
هذه خمسة شروط لا بد أن تتوفر في الحديث الصحيح والحسن مع فارق الضبط التام في الصحيح و الضبط الخفيف في الحسن
هذه الشروط الخمسة إن توفرت حُكم على الصحيح بالصحة أو بالحُسن ، لكن قول المحدث في الحديث : إسناده حسن أو إسناده صحيح ضَمِنَ لنا ثلاثة شروط من شروط الصحة أو الحُسْن ؛ فإذا قال في الحديث إسناده صحيح يعني أنه حديث رواه الثقات وسمع كل واحد منهم من الآخر من أول الإسناد إلى منتهاه ، هذا الذي ضَمنه لنا ، وهو معنى قوله إسناده صحيح ولا يعني ذلك أنه ليس بشاذٍ ولا معلل ، لم يضمن لنا عدم الشذوذ وعدم العلة ممكن أن يكون الحديث إسناده صحيح ولكنه معلل أو إسناده صحيح ولكنه شاذ ، وممكن أن يكون إسناده حسناً ولكنه مُعَلّ أو شاذ

أما إذا قال : هذا حديث صحيح فقد التزم بقوله هذا بأن هذا الحديث قد توفرت فيه الشروط الخمسة : إتصال السند بنقل العدل الضابط مع عدم الشذوذ وعدم العلة

إذاً ، فلا يلزم من قولك إسناده صحيح أن يكون الحديث صحيحاً ولا إسناده حسن أن يكون الحديث حسناً .

ومثال ذلك : حديث تحريك الأصبع الذي رواه زائدة بن قدامة ، فإذا نظرت في إسناده قلت إسناده صحيح ، لكن إذا جمعت طرقه تبينت لك المخالفة و تبين لك أن زائدة قد خالف الرواة الآخرون في ذكر التحريك . كذلك الحديث المعلل ؛ إذا نظرت إلى إسناده تجده إسنادا صحيحاً ولكن إذا جمعت طرقه تبينت لك العلة فيه .

والمحدث الحافظ لا يقول في الحديث إسناده صحيح وإسناده حسن ويترك الحكم بالصحة عليه مطلقاً إلا وفي نفسه شيء من هذا الحديث كما قال الحافظ ابن حجر .
قال - رحمه الله - : " الإمام من أئمة الحديث لا يعدل عن قوله صحيح إلى قوله صحيح الإسناد إلا لأمر ما " أي وُجد شيء في نفسه بسبب هذا الشيء حكم على الإسناد ولم يحكم على الحديث بالكامل فينبغي التنبه لهذا فبعض طلبة العلم يقع في هذا الزلل ويقول في الحديث : صححه الدارقطني و صححه فلان ، وإذا رجعت إلى كلام الدارقطني وغيره وجدته يقول إسناده حسن أو إسناده صحيح ، فهذه الكلمة لا تكفي في الحكم على الحديث بالحُسن أو بالصحة .
ثم قال المؤلف رحمه الله :

( وأما قول الترمذي. " هذا حديث حسن صحيح " فمشكل، لأن الجمع بينهما في حديث واحد كالمعتذر، فمنهم من قال: ذلك باعتبار إسناد حسن وصحيح )


يريد المؤلف - رحمه الله - أن يصل إلى معنى قول الترمذي في بعض الأحاديث هذا حديث حسن صحيح ، وقد علمنا أن الصحيح شيء والحسن شيء آخر ، فالحسن أنزل من الصحيح رتبة فكيف يجتمع معه ويكون الحديث حسناً صحيحاً ؟

هذا مما أشكل على أهل العلم فاختلفوا في فهم مراد الترمذي من هذه الكلمة ، فقال المؤلف هنا: ( فمُشكل ) أي هذا الكلام مشكل ؛ كيف جمع بينهما ؟
فطريقة فهم كلام الترمذي ؛ أن بعض أهل العلم قال : ذلك باعتبار إسنادين : حسن وصحيح أي كأن الترمذي عنده للحديث الذي قال فيه حسن صحيح إسنادان ، الإسناد الأول : صحيح والإسناد الثاني حسن ، أي كأنه يقول : هذا الحديث جاء بإسناد صحيح وجاء بإسناد حسن ، هذا اجتهاد لبعض أهل العلم في فهم معنى كلام الترمذي حديث حسن صحيح فاعترض عليه ابن كثير - رحمه الله - فقال

(قلتُ : وهذا يردّه أنه يقول في بعض الأحاديث : هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه(
وهذا اعتراض في محله ؛ إذاً المعنى الذي ذُكِر في تفسير كلام الترمذي لا يصح ،لأنه يقول في بعض الأحاديث : هذا حديث حسن صحيح غريب - أي تفرد به بعض الرواة - لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، أي ليس له إلا إسناد واحد ، إذاً فالقول بأن الترمذي يريد بقوله حسن صحيح أن له إسنادين ؛ غير صحيح ،مردود بما ذكر ؛ فما هو الصواب ؟
عندنا قول آخر
قال :

( ومنهم من يقول : هو حسن باعتبار المتن صحيح باعتبار الإسناد(
أي أنه يريد بقوله (حسن ) وصف المتن بأنه حسن ، و بقوله ( صحيح ) الحكم على الإسناد بأنه صحيح.
هذا قول آخر
والمراد بوصف المتن بأنه حسن : المعنى اللغوي أي أن هذا المتن تُقبل عليه النفوس وتصغي إليه الأسماع ؛ لأن متنه جميل يُستظرَف ويُستعذب ويعجب معناه سامعه ويستحسنه . فاعترضوا عليه ، قال : (وفي هذا نظر أيضا ) أي لا يسلم ( فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم وفي الحدود والقصاص ونحو ذلك ) وهذه الأحاديث التي فيها وصف جهنم ووصف لعذابها ونارها ، وفيها حدود وقصاص قتل وتقطيع وجلد ، هذه لا ينطبق عليها معنى الحسن اللغوي إذاً فهذا القول أيضاً ضعيف .
قال ابن كثير - رحمه الله - : (والذي يظهر لي أنه يُشرِّب الحكم بالصحة على الحكم بالحسنِ كما يُشرِّب الحُسْنَ بالصحة )
يعني أن الترمذي - رحمه الله - عنده درجة وسطى بين الصحيح والحسن ، فإذا كان الحديث في أنزل درجات الصحة يعطيه شيئاً من معنى الحسن فينزل إلى رتبة متوسطة بينهما فيصبح حسناً صحيحا وإذا كان الحديث في أعلى مراتب الحسن يُشرِّبه شيئاً من الصحة فيصبح في درجة متوسطة بين الصحيح والحسن .

قال ابن كثير - رحمه الله - : (فعلى هذا يكون ما يقول فيه حسن صحيح أعلى رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح ، و يكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة ) أي التي ليس معها الحسن ( أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحُسْنِ .والله أعلم ) أي درجة وسطى هي أنزل من درجة الصحيح وأعلى من درجة الحسن .

هذا ما ذهب إليه ابن كثير - رحمه الله - في تفسير كلام الترمذي ، وهو أقرب الأقوال إلى الصواب ؛ وإن اعترض عليه بعض أهل العلم ولكنهم لم يعترضوا عليه بشيء واضح إنما قالوا هذا كلام فيه تحكم ، وعلى كل حال لا نستطيع أن نجزم بأن الترمذي أراد هذا المعنى أو الذي قبله أو الذي قبله وعلى كل حال نحن نحكم على كل حديث موجود في سنن الترمذي ولم يخرجه البخاري ولا مسلم ؛ بما يستحقه من صحة وضعف بعد البحث عن طرق الحديث ومعرفة حال رجاله ومعرفة شواهده ومتابعاته ، فنحكم عليه بما يستحق من صحة وضعف ؛ هذا هو الراجح في هذه المسألة .


النوع الثالث : الحديث الضعيف

(قال ) : أي ابن الصلاح في علوم الحديث ( وهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن المذكورة فيما تقدم ) أي إذا انتفت صفة من صفات الحديث الصحيح أو صفة من صفات الحديث الحسن نزل من رتبة الصحيح إلى رتبة الضعيف .

فالحديث الذي لم تجتمع فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن يكون حديثاً ضعيفاً ولا بد .

( ثم تكلم على تعداده وتنوعه ) لأن الحديث الضعيف له أنواع (باعتبار فقده واحدة من صفات الصحة أو أكثر أو جميعها ) ، أي : إذا فقد الحديث الصحيح صفة من صفاته أعطانا نوعاً من أنواع الضعيف ، وإذا فقد صفتين أعطانا نوعاً آخر ، وإذا فقد ثلاث أعطانا نوعاً ثالثاً ، وإذا فقد أكثر من صفة أعطانا أكثر من نوع من أنواع الضعيف .

قال : ( فينقسم حينئذ إلى الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل وغير ذلك ) وكلها ستأتِي - إن شاء الله - معنا في أنواع مفردة في المباحث القادمة .

قائمة الخيارات
1 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الخميس 14 ربيع الاول 1432
عدد المشاهدات 3748
عدد التحميلات 91
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق