القائد الدميث شرح الباعث الحثيث الجزء الحادي عشر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :
فهذا المجلس الحادي عشر من شرح الباعث الحثيث .
يقول المؤلف رحمه الله
(
النوع العاشر : المنقطع )
تقدم معنا في شرح البيقونية أن المنقطع هو ما سقط من إسناده راو أو أكثر بشرط عدم التوالي أي يشترط أن يكون الساقطون من الإسناد غير متتابعين .
مثلا إذا ورد عندنا إسناد يرويه الإمام البخاري عن عبد الله بن يوسف التّنّيسي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
إذا روى هذا الحديث مالك عن ابن عمر مباشرة يسمى هذا الإسناد منقطعا لماذا ؟
لأن مالكا لم يدرك ابن عمر ، بينهما واسطة وهو نافع فهذا يسمى منقطعا لأن الساقط واحد
أما إذا روى عبد الله بن يوسف التنّيسي عن ابن عمر فيسمى هذا معضلا وليس منقطعا ؛ لأن الساقط من الإسناد اثنان : الأول مالك ، والثاني نافع وهما متواليان ، مالك وبعده نافع مباشرة ، فهذا يسمى معضلا .
أما إذا كان السقط في مواضع مختلفة متفرقة في الإسناد فيسمى منقطعا سواء كان الساقط واحدا أو أكثر .
قال المؤلف رحمه الله :"النوع العاشر : المنقطع " .
(
قال ابن الصلاح ) في كتابه علوم الحديث ( وفيه ) أي في المنقطع ( وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب ) أي في تعريف المنقطع في حد ذاته مذاهب ، وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب .
(
قلت ) الكلام لابن كثير ( فمنهم من قال : هو أن يسقط من الإسناد رجل أو يذكر فيه رجل مبهم ) صورتان للمنقطع لأصحاب هذا القول :
الصورة الأولى : أن يسقط من الإسناد رجل كما تقدم معنا ، إذا سقط مالك من الإسناد الذي مثّلنا به سابقا الذي يرويه البخاري عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن نافع عن ابن عمر
إذا سقط مالك أو نافع فهذا يسمى منقطعا .
والصورة الثانية : أن يكون في الإسناد راو مبهما ، فإذا كان في الاسناد راو مبهم يسمى عند هؤلاء منقطعا كذلك ويسمى عند آخرين في إسناده راو مبهم ولا يسمى منقطعا ، وهذا مرّ معنا على أنه نوع مستقل في البيقونية ، الذي فيه راو مبهم كأن يقول فيه مالك
– مثلا - عن رجل عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا يسمى عند طائفة من أهل العلم منقطعا مع أنه ليس فيه سقط أصلا لكن فيه راو لم يسم .
هذا المذهب الأول.
ثم قال ابن كثير ( ومثَّل ابن الصلاح الأول ) أي الصورة الأولى وهي مافيه سقط في إسناده ( بما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة مرفوعا :" إن ولّيتموها أبا بكر فقوي أمين" ..الحديث ، قال : ففيه انقطاع في موضعين ) عندما تنظر في هذا الإسناد تظنه متصلا ؛ لأن عبد الرزاق في الأصل قد سمع من سفيان الثوري وسفيان الثوري قد سمع من أبي إسحاق السبيعي وأبو إسحاق سمع من زيد بن يثيع عن حذيفة إلى آخره
فظاهر هذا الإسناد أنه متصل .
لكن ابن الصلاح يقول : فيه انقطاع في موضعين :
(
أحدهما ) أي أحد الموضعين ( أن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري ) مع أن عبد الرزاق سمع من سفيان الثوري أحاديث أخرى ، ولكن هذا الحديث لم يسمعه منه مباشرة ( إنما رواه عن النعمان بن أبي شيبة الجندي عنه ) فتبين أن بين عبد الرزاق والثوري واحد فقط وهو النعمان بن أبي شيبة الجندي عنه ، كيف عرفوا ذلك ؟
يعرفونه بجمع طرق الحديث ، إذا جمعت طرق الحديث تبين لك هذا .
هذا مثال الصورة الأولى .
(
قال : والثاني ) أي الموضع الثاني الذي وقع فيه الانقطاع في هذا الإسناد ( أن الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق ؛ إنما رواه عن شريك عنه) فتبين أن في الإسناد سقطاً آخر بين الثوري وأبي إسحاق السبيعي ، مع أن الثوري سمع من أبي إسحاق أحاديث غير هذا ولكن لم يسمع هذا منه مباشرة ، فالسقط واقع في موضعين ، لكن الحافظ ابن حجر رحمه الله اعترض على هذا التمثيل لماذا ؟
قال: " إنما يصلح هذا المثال للمدلَّس ؛ لأن كلّ راو من رواته قد لقي شيخه فيه وسمع منه ، وإنما طرأ الانقطاع فيه من قبل التدليس . انتهى
نعم حصل فيه انقطاع لاشك لكن الانقطاع هنا لم يحصل نتيجة لأن أحد هؤلاء الشيوخ لم يلق شيخه حتى يسمى هذا منقطعا ، هذا شرط المنقطع .
إذا روى مثلا مالك عن ابن عمر قلنا هذا منقطع ؛ لأن مالكا أصلاً لم يسمع من ابن عمر نهائيا لم يلقه ، فمثل هذا يسمى منقطعا ، أما هذه الصورة التي معنا إذا الراوي لقي شيخه في الأصل وسمع منه لكن دلس في بعض المواضع وروى عنه حديثا لم يسمعه منه ، لا يسمى منقطعا بل يسمى مدلسا.
فهنا وقع الانقطاع بسبب التدليس .
وأما الصورة التي نريد التمثيل لها ؛ فالانقطاع يقع فيها بسبب عدم اللّقي أصلا ، لأن الراوي لم يسمع من الذي روى عنه أصلا بتاتا فهذا المثال منتقَد عند الحافظ ابن حجر رحمه الله .
ثم قال الحافظ : " والأَولى في مثال المنقطع أن يذكر ما انقطاعه فيه من عدم اللقاء كمالك عن ابن عمر ، والثوري عن إبراهيم النخعي وأمثال ذلك . انتهى
لأن مالكا لم يسمع من ابن عمر أصلا ، وكذلك الثوري لم يسمع من النخعي .
ثم قال ابن كثير ( ومَثَّل الثاني ) ومثّل الثاني ماذا ؟ الصورة الثانية للمنقطع ، وهي رواية المبهم ، ذكرنا في البداية أن ابن كثير رحمه الله ذكر عن قوم أن المنقطع عندهم على صورتين :
الصورة الأولى هي التي ذكرناها التي يكون في الاسناد سقط فهذا يسمى منقطعا .
الصورة الثانية عندهم : أن يكون في الاسناد راو لم يسم الآن يريد أن يمثل لهذه الصورة .
قال ( بما رواه أبو العلاء بن عبد الله بن الشّخّير عن رجلين عن شداد بن أوس حديث : " اللهم إني أسألك الثبات في الأمر " )
الشاهد في هذا المثال قوله : عن رجلين ، فلم يذكر اسمهما فهما مبهمان ، هذه الصورة ليس فيها سقط لذلك سماها بعض أهل العلم ما فيه راو مبهم وأخرجوه من المنقطع وهو الصواب .
ثم أخذ رحمه الله يبين بعض المذاهب الأخرى للمنقطع فقال ( ومنهم من قال المنقطع مثل المرسل وهو كل ما لا يتصل إسناده غير أن المرسل أكثر ما يطلق على ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم )
بعضهم يجعل اصطلاح المرسل اصطلاحا عاما يطلق على كل انقطاع يحصل في السند فيدخل فيه المعلق والمنقطع والمعضل ويدخل فيه المرسل إرسالا خفيا وإرسالا ظاهرا ويدخل فيه المرسل الذي أضافه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كلّ هذه الأنواع عندهم تدخل في المرسل عند بعض أهل العلم ، وهذا يستعمله المتقدمون من أهل العلم كثيرا ، المتقدمون يطلقون المرسل على كلّ منقطع.
ولكن أكثر ما يطلق المرسل على ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
فاصطلاحات أهل العلم هذه ينبغي أن تكون على دراية ومعرفة بها لكن الراجح ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسمى مرسلا سواء كان التابعي صغيرا أم كبيرا لا فرق .
والمنقطع ما سقط من إسناده راو أو أكثر بشرط عدم التوالي ، السّقط في الإسناد في أثنائه .
المعضل : ما سقط من الإسناد اثنان فأكثر بشرط التوالي .
المعلق : ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر
هذه الاصطلاحات يحصل بها التمييز بين الأنواع
ثم ( قال ابن الصلاح : وهذا أقرب ) أي إطلاق المنقطع على كل ما لا يتصل ( وهو الذي صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم ، وهو الذي ذكره الخطيب البغدادي في كفايته ، وحكى الخطيب عن بعضهم أن المنقطع ما روي عن التابعي فمن دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله) هذا التعريف للمنقطع قريب من معنى المقطوع ؛ وفيه إدخال المصطلحات ببعضها ، ولذلك قال بعد أن ذكره ( وهذا بعيد غريب) غير مشهورعند أهل الحديث وإن ذكره بعضهم .
ثم قال المؤلف رحمه الله :
(
النوع الحادي عشر : المعضل )
(وهو ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا ) بشرط التوالي لا بد من هذا القيد كي نفرق بينه وبين المنقطع، ويدخل فيه أحيانا المرسل ( ومنه ما يرسله تابع التابعي ) تابع التابعي هو الذي لقي التابعي ، إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أقل شيء يكون قد سقط من الإسناد اثنان ؛ التابعي والصحابي فيسمى معضلا ، هذا أقل شيء وربما يكون الساقط تابعيين وصحابيا أو أكثر .
(
قال ابن الصلاح : ومنه قول المصنفين من الفقهاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لأن بعض المصنفين أقل شيء بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أوأكثر ، ويعني بالمصنفين الذين هم بعد عصر التابعين ؛ لأن التابعين لمك يصنفوا في الفقه ، ويدخل في هذا ؛ المعلق فأحيانا المصطلحات تتداخل .
(
قال: وقد سماه الخطيب في بعض مصنفاته مرسلا ، وذلك على مذهب من يسمي كل ما لا يتصل إسناده مرسلا ) كما ذكرنا المرسل يطلق عند بعض أهل الحديث على كل ما لا يتصل إسناده كذلك المنقطع يطلق عند بعض أهل الحديث على كل ما لا يتصل إسناده
(
قال ابن الصلاح : وقد روى الأعمش عن الشعبي قال : ويقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول لا ، فيختم على فيه ...الحديث . قال : فقد أعضله الأعمش ؛ لأن الشعبي يرويه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فقد أسقط منه الأعمش أنسا والنبي صلى الله عليه وسلم فناسب أن يسمى معضلا )
الشعبي هو عامر الشعبي وهو تابعي ، أقل شيء سقط من الإسناد اثنان الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم ، أسقط ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الإسناد وأسقط الصحابي ؛ فيكون هذا أيضا داخلا في صورة المعضل .
هذا ما يتعلق بالمعضل ما سقط منه اثنان فأكثر بشرط التوالي ، وعلى هذا يخرج منه بقيد التوالي ؛ لكن يدخل فيه المعلق ويدخل فيه أيضاً أحيانا المرسل إذا علمنا أن الساقط في حال الإرسال تابعي وصحابي أو أكثر ، إذا سقط من الإسناد تابعي وصحابي ، وروى الحديث تابعي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرسلا ومعضلا أيضا ؛ لأنه سقط من الإسناد اثنان ، هذه الصورة أيضا تدخل في المعضل ؛ لكن ليس كل المرسل يدخل لأن المرسل ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربما يكون الساقط صحابي فلا يدخل في صورة المعضل ، فربما تتداخل الاصطلاحات.
(
قال: وقد حاول بعضهم أن يطلق على الإسناد المعنعن اسم الإرسال أو الانقطاع )
الإسناد المعنعن
هو الذي يقول فيه راويه " عن فلان " ولو في موضع واحد من الإسناد ، فإذا قال مالك - مثلا - في الإسناد الذي مثّلنا به " عن نافع " ؛ يكون الإسناد معنعنا .
قال الإمام البخاري رحمه الله
– مثلا - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك عن نافع قال حدثنا ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا .
هذا يسمى الإسناد إسنادا معنعنا لماذا ؟ لأنه وجدت فيه كلمة عن واحدة ، فإذا قالها أكثر من راو يسمى معنعنا كذلك .
ما حكم الاسناد المعنعن ؟
إذا قال الراوي حدثنا فلان أو أخبرنا فلان أو أنبأنا فلان أو سمعت فلان هذه كلها ألفاظ صريحة في السماع ، والراوي بما أنه عدل لا يكذب في خبره ؛ فيكون سمع من شيخه من غير شك لأن احتمال الكذب عليه والخطأ بعيد ، لكن إذا قال الراوي عن فلان ، هذه صيغة تحتمل أن يكون قد سمع الخبر عن فلان وتحتمل أن لا يكون قد سمعه منه فهي غير صريحة في السماع ، وبما أنه تحتمل اختلف أهل العلم في حكمها ، فقد حاول بعضهم أن يطلق على الإسناد المعنعن اسم الإرسال أو الانقطاع ، أي يحكم على الإسناد الذي فيه " عن " بأنه منقطع ، ليس متصلا .
هل هو حجة أم ليس بحجة ؟مسألة أخرى لكن هو هنا يقول هذا يسمى مرسلا أو يسمى منقطعا ، وهذا القول شاذ باطل .
فهذا القول مع القول بأن المنقطع أو المرسل ليس بحجة يأتي على أكثر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيهدمها ، فتكون أكثر الأحاديث ليست متصلة ولا يحتج بها ، فتذهب الأحاديث أدراج الرياح ، هذا القول باطل لا يعمل به ؛ فأهل الحديث اصطلحوا على أن يقولوا "عن" فيما أخذوه عن شيوخهم ، وحصل تجاوز من بعضهم في ذلك ، وهذا تحرّز منه العلماء بأصول وضوابط وضعوها أخرجوا هذه الصور .
(
قال : والصحيح الذي عليه العمل ) أي عمل علماء الحديث بل نقل عليه بعض أهل العلم الإجماع كما سيأتي ( أنه متصل محمول على السماع ، إذا تعاصروا مع البراءة من وصمة التدليس)
أي علماء الحديث وغيرهم حملوا قول الراوي "عن فلان" على الاتصال بشرطين :
الأول :
أن يكون الراوي قد عاصر شيخه ، عاش هو وإياه في عصر واحد ، في زمن واحد بإمكانه أن يلتقي به وأن يأخذ عنه .
الشرط الثاني
:
أن يكون برئيا من وصمة التدليس ليس مدلسا - بكسر اللام - المدلس لا يقبل منه أن يقول "عن فلان" لأنه مدلس علمنا منه أنه يقول "عن" ولم يسمع من شيخه فلذلك اشترط العلماء أن يصرح بالتحديث كي يقبل حديثه ، إذا ظهر منه التدليس في حديث واحد توقفوا في حديثه مباشرة ولا يقبلونه حتى يصرح بالتحديث ؛ يقول "حدثنا" أو"سمعت" يقبل منه وأما غير هذا فلا .
إذا "عن" تحمل على السماع عند علماء الحديث بشرطين :
الشرط الأول : المعاصرة وهذا فيه خلاف سيأتي .
الشرط الثاني : أن يكون المحدّث - بكسر الدال - بريئا من التدليس ، فإذا كان مدلسا لا يقبل منه حتى يصرح بالتحديث .
إمكانية المعاصرة مع إمكانية اللقي كيف تعرفها ؟
بمعرفة المواليد والوفيات فتنظر في الراوي الذي روى عن شيخه متى ولد ؟ وتنظر في شيخه متى توفي ؟
فإذا وجدت مثلا التلميذ ولد عام مئتين من الهجرة والشيخ توفي عام مئتين وثلاثين ، وكلاهما من أهل الكوفة .
هل عاشا في نفس العصر ؟ نعم يوجد عندنا ثلاثون عاما عاش فيها التلميذ مع الشيخ وفي نفس البلد ؛ فإمكانية لقائه له قوية ، إذا فيحمل حديثه على السماع إذا كان بريئا من التدليس .
قال ( وقد ادّعى الشيخ أبو عمرالداني المقرئ إجماع أهل النقل على ذلك ) إجماع أهل النقل على أن الحديث المعنعن يقبل .
وأبو عمر الدّاني قد سبقه إلى نقل هذا الإجماع الحاكم فقال في معرفة علوم الحديث :" الأحاديث المعنعنة التي ليست فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل " ونقل الإجماع أيضا الخطيب البغدادي في الكفاية . كذا قال الحافظ ابن حجر ، إذن فالخلاف فيها خلاف شاذ .
(
قلت ) الكلام لابن كثير ( وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه ) أي شرط المعاصرة ، مسلم يكتفي بالمعاصرة ، إذا ثبت عنده أن الشيخ الذي روى عن شيخه بلفظة "عن" أنه عاصر شيخه عاش معه في نفس العصر وإمكانية اللقاء بينهما واردة وقوية يحمل ذلك الإمام مسلم على الاتصال ( وشنّع في خطبته على من يشترط مع المعاصرة اللقي ) هذا مذهب ثان في المسألة .
المذهب الأول : الإكتفاء بالمعاصرة مع إمكانية اللقاء بين الشيخ والتلميذ .
المذهب الثاني : اشتراط اللقي أي ثبوت اللقاء بين الراوي وشيخه الذي عنعن عنه بأن يعلم اجتماعهما في مكان واحد ولو مرة واحدة ؛
فإذا علمنا ذلك ؛ علمنا أنه قد سمع منه فيقبل عند الفريق الثاني .
وأما مجرد المعاصرة فقط مع عدم العلم بالاجتماع لا يقبل عند هذه الطائفة ومنهم الإمام البخاري وعلي بن المديني .
(
حتى قيل إنه يريد البخاري ، والظاهر أنه يريد علي بن المديني ؛ فإنه يشترط ذلك في أصل صحة الحديث )
أي علي بن المديني عنده الحديث المعنعن لا يصح إلا إذا ثبت عنده أن التلميذ قد اجتمع بشيخه ولقيه ولو مرة واحدة .
قال ( وأما البخاري فإنه لا يشترطه في أصل الصحة ولكن التزم ذلك في كتابه الصحيح ) أي أن البخاري لا يشترط اللقي ليصحح الحديث بل يصحح الحديث وإن لم يتحقق اللقي عنده ويكتفي بالمعاصرة ، ولكنه في صحيحه لم يخرج حديثا فيه إلا إذا توفر فيه شرط اللقي فيكون قد اشترط في صحيحه الأكمل والأصح ، هذا قول ابن كثير
لكن رد الحافظ ابن حجر هذا القول وهو من أعلم الناس بمذهب البخاري الحديثي .
فقال رحمه الله : ادعى بعضهم أن البخاري إنما التزم ذلك في جامعه لا في أصل الصحة ، وأخطأ في هذه الدعوى ، بل هذا شرط في أصل الصحة عند البخاري ؛ فقد أكثر من تعليل الأحاديث في تاريخه بمجرد ذلك . انتهى أي علل الأحاديث في تاريخه الكبير بعدم لقي الراوي للراوي عنه ؛ فهذا دل على أن هذا شرط في أصل الصحة عنده وليس شرطا فقط في الصحيح ، هذا ماذكره الحافظ وقوله هو الصواب .
قال ( وقد اشترط أبو المظفر السّمعاني مع اللّقاء طول الصحبة ) هذا قول ثالث في المسألة وهذا أشد من الأول والثاني ، هذا مع اللّقاء يشترط طول الصحبة أيضا ، أن يكون التلميذ قد طالت صحبته لشيخه كي يقبل عنعنته عن شيخه .
(
وقال أبو عمرو الدّاني : إن كان معروفا بالرواية عنه قبلت العنعنة ) هذا مذهب آخر .
(
وقال القابسيّ : إن أدركه إدراكا بيّنا ) واضحا لا إشكال فيه .
هذه بعض الأقوال في هذه المسألة والراجح الصحيح ما ذهب إليه الإمام البخاري وعليّ بن المديني وهو قول أكثر المتقدمين كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله في كتاب شرح العلل وقال : وأكثر المتأخرين على قول مسلم " رحمهم الله جميعا . والله أعلم وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .