[الدرس الثالث]
درسنا اليوم هو الدرس الثالث من دروس شرح نزهة النظر
تحدثنا في الدرس الماضي عن المتواتر ولا يزال المصنف رحمه الله يتحدث عن هذا الموضوع فقال رحمه الله:((فإذا جمع هذه الشروط الأربعة وهي:
_ عدد كثير أحالت العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب .
_ رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء.
_ وكان مستند انتهائهم الحس .
_ وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه.
فهذا هو المتواتر.
وما تخلفت إفادة العلم عنه كان مشهوراً فقط))
هذه هي شروط المتواتر، ذكرنا في الدروس الماضية أن الخبر الذي يأتينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إما أن يكون متواتراً أو أن يكون آحاداً، هذه القسمة الثنائية عند جمهور العلماء، المتواتر هو ما توفرت فيه الشروط الأربعة التي ذكرها المصنف رحمه الله، وما لم تتوفر فيه الشروط الأربعة هذه فهو آحاد، والآحاد يشمل المشهور والعزيز والغريب، الآن نحن في موضوع المتواتر، ذكر المصنف رحمه الله أن شروطه أربع، الأول: عدد كثير يجب أن يأتي الخبر برواية عدد كثير عن عدد كثير عن عدد كثير من أول الإسناد إلى آخره، كم هذا العدد؟ ليس مرتبطاً برقم معين.
الشرط الثاني: أحالت العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب، يعني عادة من خلال ما علمنا من سنة الله تبارك وتعالى في خلقه أن هذا العدد الكثير يستحيل معهم أن يتفقوا فيما بينهم على الكذب أو أن يحصل منهم الخطأ والسهو أو يأتي منهم الخبر سهواً أو خطأً، فهذا مستحيل، علمنا هذه الاستحالة من العادة.
وأن يروي ذلك عن مثله من الابتداء إلى الانتهاء، أي لا بد الشرط الثاني هذا أن يكون متحققاً في الكثرة من أول الإسناد إلى آخره، كل كثرة موجودة في طبقة يجب أن تكون هذه الكثرة بحيث يستحيل معها أن يتواطئوا أو أن يتوافقوا على الكذب.
_ وكان مستند انتهائهم الحس، يعني لا بد أن يكون أول مَن نقل الخبر، الكثرة هؤلاء الذين نقلوه اعتمدوا في نقله على الحس(على المشاهدة أو على السماع) لا يكون خبراً عقلياً، العقلي هذا لا يسمى متواتراً، لا يثبت حكم التواتر للخبر إلا أن يكون مأخوذاً من الحس إما مُشاهد مرئي أو أن يكون مسموعاً، فالطبقة الأولى التي نقلت هذا الخبر تكون قد رأته مباشرة أو سمعته فأعطته للذين من بعدهم وهكذا..نعم
هذا هو الشرط الرابع فإذا توفرت هذه الشروط يفيد ذلك العلم، يفيد اليقين، العلم الضروري الذي يضطر إليه الإنسان.
قال:فهذا هو المتواتر. وما تخلفت إفادة العلم عنه كان مشهوراً فقط، إذا ما أفادنا اليقين، هذا الخبر يكون فقط مشهوراً ولا يكون متواتراً، المتواتر لا يكون متواتراً حتى يفيدنا اليقين.
قال:((فكل متواتر مشهور من غير عكس)) كل متواتر تخلَّف عنه العلم، أي كل متواتر تخلف عنه العلم فهو مشهور، وليس كل مشهورٍ متواترا.
((وقد يقال: إن الشروط الأربعة إذا حصلت استلزمت حصول العلم)) قد يقال هذا لأن الشروط الأربعة هذه لا توجد إلا ويوجد معها اليقين ولا بد.
قال:((وهو كذلك في الغالب)) الآن ما سلَّم مطلقاً الحافظ لهذا الأمر، ما يقول الحافظ الآن إذا توفرت هذه الشروط الأربعة إذاً عندنا يقين ولا بد، لا، يقول: هذا أمر على الغالب، لكن أحياناً يتخلف، مثل ماذا؟ قال:((وهو كذلك في الغالب، لكن قد يتخلف عن البعض لمانع ))أي يوجد مانع يمنع من حصول اليقين، مثَّلوا للمانع هذا بأن يكون السامع غبي مثلاً، قالوا: إذا كان السامع غبياً لا يحصل عنده اليقين بمثل هذه الشروط.
هذا ما مثَّل به بعضهم
((وقد وَضَح بهذا التقرير تعريف المتواتر)) خلص عرفنا المتواتر ما هو من خلال هذا التقرير، فالمتواتر هو ما رواه جمعٌ عن جمع يستحيل تواطؤهم أو توافقهم على الكذب من أول الإسناد إلى منتهاه ويكون مستندهم الحس.
هذا هو خلاصة الموضوع، هذا هو المتواتر.
قال رحمه الله:((وخلافه)) أي غير المتواتر وهو المشهور، ((قد يرِد بلا حصرٍ أيضاً)) كالمتواتر، يعني المشهور قد يأتي أيضاً بكثرة غير محصورة، ((لكن مع فقْد بعض الشروط)) كي لا يحصل تداخل ما بين المشهور والمتواتر، ((أو مع حصرٍ بما فوق الاثنين)) أي بثلاثة فصاعداً ما لم تجتمع شروط التواتر، وهذا يكون مشهوراً، ((أو بهما أي باثنين فقط)) الذي هو العزيز،((أو بواحد)) وهذا الغريب، ((والمراد بقولنا:" أن يرد باثنين": ألاّ يرد بأقل منهما، فإن ورد بأكثر في بعض المواضع من السند الواحد لا يضر، إذ الأقل في هذا يقضي على الأكثر)) الآن الأنواع التي عندنا: غريب وعزيز ومشهور ومتواتر، الآن المتواتر قسم وحده، والثلاثة هذه قسم وحدها، هذه الثلاث: الغريب والعزيز والمشهور من قسم الآحاد، والمتواتر هو متواتر وحده، ما هو ضابط الغريب؟ الغريب هو أن يكون في أقل طبقة من طبقات السند: واحد ، ما هي الطبقة؟ الطبقة هي الرواة الذين اشتركوا في السن أو في الإسناد، أي في الأخذ على الشيخ، مثلاً: أنا وشخص آخر أخذنا عن شيخ واحد ونروي حديثاً عنه، أنا وهو نكون من طبقة واحدة، لماذا؟ لأن شيخنا واحد، أو نكون أنا وهو في سن واحد فنكون من طبقة واحدة، الآن فلنقل مثلاً حديث يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر ابن الخطاب، يرويه عن عمر ابن الخطاب علقمة ابن وقاص الليثي، نبحث عن راوٍ آخر يروي الحديث عن عمر فلا نجد إلا علقمة، مثلاً: لو قلنا بأن علقمة هذا يرويه عنه ثلاثة أو أربعة، الثلاثة هؤلاء يرويه عنهم خمسة، وهكذا ، ماذا يسمى هذا؟ غريب ، لماذا؟ لأن فيه طبقة من طبقات السند فيها واحد، هذا يسمى غريباً.
الآن فلنقل بأن الحديث رواه أقل طبقة فيه اثنان، هذا ماذا يسمى؟ عزيز.
إذا الطبقة الأولى فيها اثنان والثانية فيها ثلاثة أو أربعة أو خمسة هل تؤثر؟ يبقى عزيزاً لأن النظر ليس للأكثر، الأكثر لا نبالي به، المهم عندنا أن ننظر للأقل، هذا ما يريد أن يقوله الحافظ ابن حجر، عندما قال هنا:(( فإن ورد بأكثر في بعض المواضع من السند الواحد فلا يضر إذ الأقل في هذا يقضي على الأكثر )) إذاً الغريب ما كان في أقل طبقة من طبقاته واحد، العزيز ما كان في أقل طبقة من طبقاته اثنان، المشهور ما كان في أقل طبقة من طبقاته ثلاثة فأكثر ما لم يكن متواتراً، فإذا صار متواتر انفصل عن المشهور، إما أن يكون متواتراً أو مشهوراً، إذا كان ثلاثة فأكثر فإما أن يكون متواتراً أو أن يكون مشهوراً، إن توفرت فيه الشروط المتقدمة كان متواتراً، إن لم تتوفر فهو مشهور.
قال:((فالأول: المتواتر)) أي ما له طرق بلا حصر،((وهو المفيد للعلم اليقيني)) المتواتر هو المفيد للعلم اليقيني، لا شك فيه ولا يتطرق إليه الاحتمال أصلاً، هو يقيني مئة بالمئة، فهو علم يقيني ضروري، والعلم الذي هو اليقين علمان: علم ضروري وعلم نظري، ماذا نعني بالضروري؟ العلم الذي لا يحتاج إلى نظر واستدلال، لا تحتاج أن تنظر في الأدلة وتستدل وتبحث وكذا، لا، هو يهجم عليك فلا تستطيع أن تدفعه، لا يحتاج إلى نظر ولا إلى استدلال، كوجود مكة ، هل هناك أحد يحتاج أن ينظر ويستدل هل هناك مكة أم لا ؟ لا يحتاج، هذا أمر ضروري لا تستطيع أن تدفعه عن نفسك.
علم نظري: هذا الذي يحتاج إلى نظر وتفكر وبحث عن أدلة وتصل معه إلى اليقين، هذا يسمى علم نظري، لأنه نتج عن نظرٍ واستدلال، صحيح حصل عندك يقين لكن بعد نظرٍ واستدلال، أما الضروري لا، يحصل عندك يقين من غير نظر ولا استدلال .
قال:((فأخرج النظري)) بقوله: المفيد للعلم اليقيني أخرج النظري، لما يقال: قَيْد بكذا أخرج كذا يعني يريد أن يفرق بينهما، يقول: المراد هذا وليس هذا، هذا معنى أخرج كذا، ((فأخرج النظري)) الذي يحتاج إلى نظر واستدلال،((على ما يأتي تقريره بشروطه التي تقدمت.
واليقين:)) الآن يريد أن يفسر لك الكلمة التي أتى بها، فقال: المفيد للعلم اليقيني، ماذا يريد باليقين؟قال:((واليقين: هو الاعتقاد الجازم)) أي الذي لا يتطرق إليه احتمال ((المطابق)) المطابق للواقع، قال:((وهذا هو المعتمَد أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري)) هذا هو المعتمد بناء على أن في المسألة خلاف، هل الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري أو النظري؟ هنا المؤلف يقول: يفيد العلم الضروري ، قال:((وهذا هو المعتمد أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري وهو: الذي يضطر الإنسان إليه بحيث لا يمكن دفعه)) هذا تعريف العلم الضروري من كلام الحافظ ابن حجر ، عرَّف العلم الضروري وهو الذي يضطر الإنسان إليه أي يضطر إلى العلم به، بحيث لا يمكن دفعه.
هذا هو تعريف العلم الضروري.
((وقيل: لا يفيد العلم إلا نظرياً)) هذا قول آخر، فقوله:((وقيل)) صيغة تضعيف ، يضعّف القول، هذه صورة تمريض يستعملها كثير من العلماء لتضعيف القول، أي كأنه يقول لك: قال بعضهم: كذا كذا وهو قولٌ ضعيف ، ((وقيل: لا يفيد العلم إلا نظرياً. وليس هذا بشيء)) أكَّد النفي الآن، هذا القول قول ضعيف، هذا ليس بشيء، ((لأن العلم)) أي اليقيني الحاصل ((بالمتواتر حاصل لمن ليس له أهلية النظر كالعامي))، يقول لك: العلم بالمتواتر حاصل لمن ليس له أهلية النظر كالعامي، عندما يكون العلم بالمتواتر حاصل لمن ليس له أهلية النظر كالعامي، عندما يكون العلم اليقيني حاصل للشخص من خلال التواتر ، ما ثبت عنده بالتواتر حصل عنده اليقين، ثبت ذلك وحصل عند عامة الناس من نساء وأطفال وغيرهم الذين لا يستطيعون أن ينظروا وأن يستدلوا، فكون العلم اليقيني الذي جاء عن طريق التواتر حصل لهذه الفئة من الناس إذاً فهو ضروري، لأنه حصل عند من لا يستطيعون أن يستدلوا ولا أن ينظروا، إذاً فهو علم يقيني وليس علماً نظرياً، هذا استدلال الحافظ عليهم، قال:(( إذ النظر ترتيب أمور معلومة أو مظنونة يُتوصل بها إلى معلوم أو مظنون، وليس في العامي أهلية ذلك)) النظر والاستدلال الذي تقولون أنتم أن المتواتر علم النظر، نقول لكم : النظر هو ترتيب أمور معلومة أو مظنونة يعني إما يقينية أو تحصل بها غلبة الظن، يتوصل بها إلى معلوم أومضنون، يعني مقدمات واستدلالات تقول: إن كان كذا، فكذا وكذا ، هذا يحتاج إلى استنتاجات، فهذه الاستنتاجات أو المقدمات يتوصل بها إلى نتائج، فإما المقدمات هذه تكون يقينية أو حاصلة بغلبة الظن فتوصل إما إلى أمر يقيني أو بغلبة ظن المهم أنها مقدمات واستدلالات تحتاج أن توصِل إلى معلومة، هذه المقدمات لا تستطيعها العامة الذين هم كالنساء والأطفال وغيرهم، ما يستطيعون أن يستدلوا ويأتوا بمقدمات وإلى آخره ، فإذاً إذا كان هذا لا يحصل عندهم ويحصل عندهم اليقين بالخبر المتواتر، إذاً فالخبر المتواتر ماذا يفيد ؟ يفيد اليقين الضروري.
((فلو كان نظرياً لما حصل لهم))، هذه الخلاصة ((ولاح بهذا التقرير)) أي تبين لنا بهذا التقرير الذي قدمه ((الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري/FONT>)) من خلال نقاشنا تبين لك تلقائياً ما هو العلم الضروري وما هو العلم النظري وما هو الفرق بينهما ((إذ الضروري يفيد العلم بلا استدلال، والنظري يفيده لكن مع الاستدلال على الإفادة، وأن الضروري يحصل لكل سامع، والنظري لا يحصل إلا لمن له أهلية النظر)) واضح هذا أظن ، ((وإنما أَبهمتُ شروط المتواتر في الأصل)) يعني في نخبة الفكر، الآن هذه التي بين أيدينا نزهة النظر شرح نخبة الفكر ، في نخبة الفكر لم يذكر شروط المتواتر، لماذا(الآن سؤال مقدَّر، لماذا فعلت هذا يا حافظ؟)قال : وإنما أبهمت شروط المتواتر في الأصل أي في نخبة الفكر (( لأنه على هذه الكيفية ليس من مباحث علم الإسناد))أي أن هذا ليس من عملنا أصلاً ، هذا الأمر المتواتر وبحثه وكذا هذا من أصول الفقه وليس من مباحث علم الحديث .
قال:((إذ علم الإسناد )) الذي هو العلم هذا((يُبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه))هذا الذي يهمنا، المتواتر ما يحتاج أن تبحث فيه هو متواتر ما يحتاج أن تنظر فيه صحيح أو ضعيف، إذاً نحن بحثنا في القوانين والقواعد التي توصلنا إلى صحة الحديث أو ضعفه، هذا عملنا، المتواتر ثابت يقيني ليس فيه أدنى شك ولا أدنى احتمال فلا يحتاج بحث ونظر، إذا قال لك : خبر متواتر، انتهى الموضوع ما يحتاج إلى صحيح أو ضعيف؟ لا، هو متواتر تجاوز هذه المرحلة، ((ليُعمل به أو يُترك)) يُترك العمل به، ((من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء))التي هي "حدثنا، سمعت، أخبرنا، عن" هذه صيغ الأداء التي يؤدي بها الراوي الحديث ((والمتواتر لا يُبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحثٍ)) لأنه متواتر انتهى الأمر.