[المجلس العاشر]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد، هذا الدرس العاشر من دروس شرح الدرر البهية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى :كتاب الصلاة
الصلاة لغة هي الدعاء ،قال تعالى { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } [ التوبة/103] أي ادعُ لهم وقال - صلى الله عليه وسلم - :" إذا دعي أحدكم فليجب إن كان مفطراً فليَطعم وإن كان صائماً فليصلِّ "أي فليدعُ.أخرجه مسلم في صحيحه.
وأما في الشرع فهي الأفعال المعلومة التي تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم . هذا تعريف الصلاة لغة وشرعا، والأصل في ذكر الصلاة في الكتاب والسنة أنها بالمعنى الشرعي ،إذا جاء ذكر الصلاة في الكتاب والسنة تُفهم على المعنى الشرعي،هذا هو الأصل فيها،وهذا أصلٌ في كل معنى تختلف فيه المعاني اللغوية عن المعاني الشرعية، الأصل أن تحمل الكلام على المعنى الشرعي في الكتاب والسنة قبل المعنى اللغوي.
وحكمها معلوم، الصلاة ركن من أركان الإسلام الخمسة وجاء في حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام رمضان" وفي رواية "وصيام رمضان وحج البيت" الحديث متفق عليه،فالصلاة ركن من أركان الإسلام بل هي ثاني ركن بعد الشهادتين . قال ابن حزم رحمه الله: لا خلاف من أحد من الأمة في أن الصلوات الخمس فرضٌ ومن خالف ذلك فكافرٌ ،من أنكر صلاةً من الصلوات الخمس أو أنكر الصلوات الخمس كلها فهو كافرٌ خارج من ملة الإسلام، فأدلتها في الكتاب والسنة متواترة وإجماع أهل السنة والجماعة عليها منعقد.
قلنا: دليل الصلوات الخمس من السنة حديث طلحة بن عبيد الله قال:جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" خمس صلوات في اليوم والليلة" قال: هل علي غيرها؟ قال:"لا إلا أن تطَّوَّع" وهذا متفق عليه. قال ابن المنذر رحمه الله: ولا اختلاف أن الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والمغرب ثلاث والعشاء أربع والصبح ركعتان هذا فرض المقيم، وأما المسافر ففرضه ركعتان إلا المغرب فإن فرض المسافر فيه كفرض المقيم(يعني ثلاث) .
هذا ما يتعلق بتعريف الصلاة وبيان حكمها .
أما تاركها فقد اختلف أهل العلم في ذلك ونقل إسحاق بن راهويه وغيره إجماع علماء الإسلام على كفر تاركها، وقال عبد الله بن شقيق : ما كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، والصحيح أن تارك الصلاة كافر خارج من ملة الإسلام بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" ، إذاً هي علامة فارقة بين الإيمان والكفر ، وقال - صلى الله عليه وسلم - :" بين المرء والكفر أو الشرك الصلاة فمن تركها فقد كفر " بينهما فاصل، بين هذا وهذا الصلاة فإذا تركها الشخص فقد كفر، وقد اختلف أهل العلم في حد الصلاة الذي إن تركه الشخص يكفر، أيكفر بترك صلاةٍ فرض أم فرضين أم ثلاث خلاف بين أهل العلم والصحيح أنه لا يكون كافراً إلا بترك الصلاة بالكلية لسببين:الأول:أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من ترك الصلاة " ولم يقل: من ترك صلاةً، وفرْقٌ بين الأمرين.
السبب الثاني: أن من تشهَّد بالشهادتين وأتى بأصل الصلاة فقد ثبت إسلامه بيقين ومن ثبت إسلامه بيقين لا يجوز أن نرفع عنه الإسلام بشكٍ.
هذا هو الراجح في هذه المسألة والله أعلم، ومن قال بعدم كفره لم يأتِ بدليل واضح بيِّن يناقض الأدلة التي هي واضحة في هذا الباب .
قال المؤلف رحمه الله:(( أول وقت الظهر الزوال وآخره مصير ظل الشيء مثله سوى فيء الزوال وهو أول وقت العصر . وآخره ما دامت الشمس بيضاء نقية))
بدأ المؤلف رحمه الله ببيان أوقات الصلوات الخمس المفروضة فقال: أول وقت الظهر الزوال ، معلوم أن الصلاة لها وقت محدد من الشارع ودخول وقتها وفعلها في الوقت شرط من شروط صحة الصلاة، قال سبحانه وتعالى{ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } [ النساء/103] أي مفروضة في أوقاتٍ معينة تؤدى فيها من غير تقديمٍ ولا تأخير، وصلّى جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أوائل الأوقات وفي أواخرها ثم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - :" هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين" أخرجه الترمذي .
فهذا كله توقيت من رب العالمين فلا يجوز لأحد أن يصلي الصلاة إلا في وقتها الذي حدده ربنا سبحانه وتعالى لها . قال ابن رشد في بداية المجتهد : اتفق المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتاً خمساً هي شرط في صحة الصلاة وأن منها أوقات فضيلة وأوقات توسعة واختلفوا في حدود أوقات التوسعة والفضيلة، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تبارك وتعالى ، شاهدنا في الكلام أن الصلوات الخمس لها أوقات خمس وهي شرط في صحة الصلاة، أي لا تصح الصلاة إلا بأن تؤديها في وقتها الذي عينه الله تبارك وتعالى لها .
وقت الظهر الذي بدأ المؤلف رحمه الله به عُيِّن في الأحاديث الصحيحة وقد اتفق علماء الإسلام على أن أول وقت الظهر الزوال ، الحمد لله أراحونا من الخلافات في هذه المسألة، لماذا المؤلف بدأ بالظهر قبل غيره ؟ لأنه جاء في الصحيح أن جبريل عندما نزل وصلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبيَّن له أوقات الصلوات بدأ بصلاة الظهر لذلك المؤلف رحمه الله بدأ بالظهر ، أول وقت الظهر الزوال ، قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر زوال الشمس . وجاءت في ذلك كما ذكرنا أحاديث كثيرة منها حديث ابن عمرو في صحيح مسلم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله" إذاً هنا بيَّن لنا أن الزوال هو أول وقت الظهر ، ما معنى الزوال؟ الزوال ميل الشمس عن كبد السماء أي عن وسطها إلى جهة المغرب ،سمي زوالاً لأنهم كانوا يقدِّرون أن الشمس تستقر في كبد السماء(في وسطها) ثم تزول أي تنحط عن كبد السماء إلى جانب المغرب ، واستقرارها المظنون في كبد السماء أي في وسطها هذا كان يسمى عندهم استواء، الشمس عندما تخرج(تشرق) تشرق من أين ؟ من جهة المشرق ثم تبدأ بالصعود إلى أن تصل إلى وسط السماء، عندها نقطة تقف فيها أو يظهر لنا أنها وقفت فيها ثم تبدأ تميل إلى جهة المغرب،هذه حركة الشمس،عندما تراقب أنت الظل على الأرض،إذا أوقفت شاخصاً(عموداً) أو وقفت أنت ونظرت إلى ظلك تجد الظل ينقص في أثناء ارتفاعها ،الظل ينقص، هي ترتفع وينقص إلى أن تصل إلى كبد السماء يبقى في الشاخص ظل صغير، العمود الذي تثبته يبقى له ظل صغير يتوقف هذا الظل عن النقصان،وقوفه عن النقصان هذا هو استقرار الشمس في كبد السماء، هذا الوقوف أوله هي لحظة الاستواء،التي تسمى لحظة الاستواء وسيأتي إن شاء الله هو هذا الوقت الذي جاء النهي عن الصلاة فيه، ثم بعد ذلك تبدأ الشمس تتحرك إلى جهة المغرب فماذا يحصل مع الظل؟ يبدأ بالزيادة،بداية الزيادة هذه هي دخول وقت الظهر، هذا الذي يسمى الزوال،زالت الشمس عن كبد السماء بدأ الظل بالزيادة ، هنا يدخل وقت الظهر،إذاً علامة الزوال زيادة الظل بعد تناهي نقصانه، هذه علامة على زوال الشمس.
وأما آخر وقت الظهر فقد بُيِّن في السنة كما ذكر المؤلف ((مصير ظل الشيء مثله سوى فيء الزوال))
ما المقصود بـ فيء الزوال؟
ذكرنا نحن الآن الوصف، عندما نأخذ عموداً نوقفه تبدأ الشمس بالحركة ينقص الظل إلى أن تأتي لحظة ويتوقف، هذا الظل المتبقي عند وقوف النقصان يسمى فيء الزوال، هذا تحفظه عندك فلنقل بأن طوله كان واحد سنتيمتر ، هذا الواحد سم يسمى فيء الزوال ، قلنا عندما تتحرك الشمس من كبد السماء وتميل إلى المغرب يبدأ الظل يزداد، أول زيادته هو دخول وقت الظهر ويبقى الظل يزداد، العمود الذي وضعته أنت في أرض مستوية كي تكشف هذه الأوقات كم طوله؟ فلنقل أن طوله 5سم، عندما يصبح الظل على الأرض 6 سم يكون قد انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر، من أين جاءت الـ6سم؟ الـ5سم هي طول العمود الذي وضعته والـ1 سم هو فيء الزوال، لذلك قال المؤلف :((وآخره مصير ظل الشيء - أي أن يصير ظل الشيء- مثله))العمود هذا أن يصبح ظله مثل العمود من ناحية الطول، طوله 5سم الظل 5سم سوى فيء الزوال، غير فيء الزوال يعني زيادة على فيء الزوال الذي هو الـ1سم ، إذا أصبح 6سم يكون قد خرج وقت الظهر وبدأ وقت العصر مباشرة، واضحة الصورة الآن؟ هذه تحتاج منكم إلى تطبيق عملي غداً .
إذاً فيء الزوال قلنا هو الظل الذي يكون موجوداً عند الزوال وشرحنا الصورة بالتمام وقد ذكرها صاحب عون المعبود وذكرها أيضاً ابن قدامة في المغني وذكرها أيضاً ابن المنذر في الأوسط وأسهلها لفظاً ألفاظ ابن المنذر في الأوسط .
وأما الدليل على أن آخر وقت الظهر ما ذكر المؤلف رحمه الله هو حديث إمامة جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال الراوي: لما كان فيء الرجل مثله صلى جبريل ووقّت هذا وقتاً لبداية العصر وكما ذكرنا يكون هذا أول وقت العصر وكذلك جاء في حديث ابن عمرو قال: قال- صلى الله عليه وسلم - :" ووقتُ صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم تحضر العصر " فجعل آخر وقت الظهر هو بداية وقت العصر وجاء في العصر كما ذكرنا في حديث جبريل أنها كانت عندما كان ظل الرجل مثله ، فدل ذلك على أن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر وأول وقت العصر هو أن يكون ظل الشيء مثله .
وفي قول المؤلف قال:((وهو أول وقت العصر))أي مصير ظل الشيء مثله هو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر قال :((وآخره ما دامت الشمس بيضاء نقية ))
اختلف أهل العلم في آخر وقت العصر، هذا قول من الأقوال أن العصر يبقى وقتها قائماً إلى أن تصفر الشمس، الشمس تكون بيضاء نقية ناصعة ثم بعد ذلك تتحول إلى لون أصفر ولعلكم تلاحظون هذا،ملحوظ بشكل واضح لأن الله سبحانه وتعالى عندما وضع هذه العلامات وضعها علامات واضحة ظاهرة يعرفها العالم والجاهل، يعرفها المدني والبدوي، يعرفها الجميع لا فرق، فهذه علامة تكون واضحة،الشمس تكون بيضاء نقية ثم تتحول للون الأصفر فإذا تحولت إلى اللون الأصفر انتهى وقت العصر على ما ذهب إليه المؤلف وكما ذكرنا أن الخلاف حاصل بين أهل العلم وسبب الخلاف وجود أحاديث مختلفة، فجاء في حديث عبد الله ابن عمرو قال:" ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس "،هذا الذي اعتمد عليه المؤلف رحمه الله في تحديد وقت صلاة العصر لكن ورد في حديث آخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" لا تَفُوتُ صلاةٌ حتى يدخل وقت الأخرى" وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً:"من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" إذاً هذه الأحاديث الآن التي بين أيدينا وأيضاً مع حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصلِّ الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى" فهذه الأحاديث تدل على أن العصر لا يخرج وقتها إلا بدخول وقت المغرب، فلذلك لاختلاف هذه الأحاديث اختلف أهل العلم في هذه المسألة والراجح في ذلك أن صلاة العصر لها وقتان: وقت اختيار ووقت ضرورة، وقت الاختيار هو الذي يبدأ من مصير ظل الشيء مثله إلى أن تصفر الشمس ثم بعد ذلك يبدأ وقت الضرورة إلى أن تغرب الشمس، ماذا نعني بوقت الضرورة ؟ نعني أنه لا يجوز للشخص أن يؤخر العصر إلى أن تصفر الشمس إلا إذا كانت به ضرورة إلى ذلك ،كأن تكون المرأة مثلاً حائض فتطهر،كأن يكون الشخص مريضاً مرهقاً لا يستطيع أن يصلي يؤخرها إلى آخر الوقت هذا له عذر، يعني من كان له عذر هو الذي يؤخر إلى هذا الوقت وإلاّ فلا ، هذا معنى وقت الضرورة ووقت الاختيار .
طيب مَن أخَّر العصر إلى أن دخل وقت الضرورة هل يأثم؟ اختلف أهل العلم في ذلك فالبعض قال: يأثم والبعض قال : لا يأثم ولكن يكون فعله هذا مكروهاً وهذا هو الظاهر، الثاني هو الظاهر أنه للكراهة إلا أن يداوم على هذا الفعل ، لماذا اخترنا هذا القول؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إنما التفريط على من لم يصلِّ صلاة حتى يجيء وقت الأخرى " فجعل المفرِّط هو الذي يترك صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس، على دخولها في هذا الحديث، لذلك قلنا بأن الوقت لا يخرج نهائياً إلا إذا غربت الشمس والنبي - صلى الله عليه وسلم - جعله مفرِّطاً إذا غربت الشمس يعني إذا لم تغرب الشمس لم يكن مفرطاً تفريطاً يأثم عليه ، وقلنا بأنه إذا داوم على ذلك يدخل في التحريم لحديث أخرجه أحمد ، قال - صلى الله عليه وسلم - :" ألا أخبركم بصلاة المنافقين؟ يدع العصر حتى إذا كان بين قرني الشيطان أو على قرن الشيطان قام فنقرهن كنقرات الديك لا يذكر الله فيهن إلا قليلا" إذاً فهذه صلاة المنافقين، المداومة على تأخيرها بالشكل هذا هو من فعل المنافقين وليس من فعل المؤمنين فلذلك نقول: لا يجوز المداومة عليها ومن داوم على ذلك يأثم لكن من أراد فعلها في وقتها المستحب لها الوقت الاختياري فيفعلها قبل اصفرار الشمس. هذا هو الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
ثم قال المؤلف رحمه الله:(( وأول وقت المغرب غروب الشمس وآخره ذهاب الشفق الأحمر)) وقت المغرب يبدأ بمغيب الشمس أي باختفاء جميع القرص، هذا معنى مغيب الشمس، أن تكون هكذا في ساحة فارغة ليس فيها بنيان وترى قرص الشمس قد غاب، هاهنا تكون الشمس قد غربت، وهذا محل إجماع والأحاديث تدل على ذلك .قلنا آخرها غياب الشفق الأحمر ودليله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم، قال - صلى الله عليه وسلم - :" ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق" والشفق اختُلف فيه فقيل الشفق يعني البياض وقيل معناه الحُمرة، والثاني هو الراجح الصحيح وإن كان المعنى اللغوي يحتمل هذا وهذا لكن الراجح أنه الحمرة لأنه ثبت عن ابن عمر وهو أعلم باللسان وأفقه بالفقه أنه قال: الشفق الحمرة. وجاء أيضاً في الحديث عن عائشة أنهم كانوا يصلون العشاء من الشفق إلى ثلث الليل الأول، قالوا: والبياض لا يذهب إلا بعد انتهاء ثلث الليل الأول فيدل ذلك على أن الشفق هو الحمرة . إذاً الآن الضابط في خروج وقت المغرب وهو أيضاً وقت دخول صلاة العشاء أن يغيب الاحمرار الموجود في السماء.
قال المؤلف رحمه الله:(( وهو أول العشاء وآخره نصف الليل)) أي غياب الشفق الأحمر يُخرج وقت المغرب ويُدخل وقت العشاء، فأول وقت العشاء هو غياب الشفق، جاء في حديث بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علَّم رجلاً أوقات الصلاة بفعله فأمر بالعشاء حين وقع الشفق. وهذا الحديث في الصحيح، أمر بالعشاء حين وقع الشفق أي حين غاب الاحمرار، وأما آخره فورد أيضاً في حديث عبد الله ابن عمرو في صحيح مسلم قال: " ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل" فجعل آخر وقتها إلى نصف الليل، كيف يُحسب نصف الليل؟كيف نعرفه؟ الليل يبدأ من غروب الشمس(وليس من صلاة العشاء) وينتهي بطلوع الفجر الصادق، هذا الوقت تقسمه على اثنين يخرج عندك نصف الليل ، وليس هو الساعة الثانية عشر في الليل كما يفهمه البعض، الذين يفهمون بهذه الطريقة هذا غلط، هذا الوقت يختلف من الشتاء إلى الصيف، تارة يكون الساعة الحادية عشر ونصف ،اثنا عشر إلا ربع ،اثنا عشر ، اثنا عشر ونصف حسبما يكون قصر الليل وطوله، فلنقل بأن المغرب مثلاً يؤذن الساعة الثامنة يعني يغيب القرص الساعة الثامنة ولنقل بأن الفجر الصادق يظهر الساعة الرابعة، كم ساعة الآن عندنا هكذا؟ ثمان ساعات، نصفها أربع ساعات،إذاً نصف الليل يكون الساعة الثانية عشر(على هذه الحسبة) وتختلف أوقات الفجر والمغرب فهي ليست مستقرة .لكن هل نصف الليل هو الوقت النهائي لصلاة العشاء؟ في المسألة خلاف بين أهل العلم ، بعضهم قال: العشاء ليس له وقت اختيار وضرورة ، هو وقت واحد وهو نصف الليل ، والبعض قال: له وقت اختيار وضرورة جمعاً بين الأحاديث ، فالذي قال ليس له إلا وقت واحد ما رآى أن هناك ما يعارض حديث عبد الله ابن عمرو الذي بين أيدينا ، والذي قال بأن هناك وقت للاختيار والضرورة رآى بأن هناك أحاديث عارضت حديث عبد الله بن عمرو والقول الثاني هو الصواب أن وقت العشاء له وقتان كوقت العصر تماماً: وقت اختيار ووقت ضرورة ، ما هي الأحاديث التي عارضت هذا؟ منها حديث" إنما التفريط على من لم يصلِّ صلاة حتى يجيء وقت الأخرى" هذا حديث يشمل جميع الصلوات وتدخل فيه أيضاً صلاة العشاء، خرج من هذا الحديث شيء واحد وهي صلاة الفجر بالإجماع، صلاة الفجر يخرج وقتها بشروق الشمس بالاتفاق أنه لا يخرج وقتها بدخول وقت الظهر،بالإجماع، صلاة الفجر خرجت من هذا الحديث بالاتفاق أما غيرها فلا يوجد إجماع في المسألة، إذاً فهي داخلة في عموم هذا الحديث فلا يُستثنى من هذا إلا الفجر بالاتفاق وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخَّر العشاء إلى شطر الليل، أخر العشاء إلى نصف الليل فإذا خرج عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في نصف الليل فتكون صلاته قد حصلت بعد نصف الليل فهذه الأحاديث وأيضاً جاء في رواية في حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى العشاء عندما ذهب عامة الليل، عامة الليل في اللغة يعني أكثره وإن كان بعض أهل العلم تأوَّل هذا الحديث لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الحديث بعد أن صلّى بعد أن ذهب عامة الليل قال:"إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي" واتفق أهل العلم على أن وقت العشاء المفضل هو ذهاب ثلث الليل الأول لا بعد منتصف الليل أو بعد ذهاب أكثر الليل.
فجمعاً بين هذه الأحاديث نقول بأن للعشاء وقتين: وقت ضرورة ووقت اختيار، وقت الضرورة كما ذكرنا من التفصيل في وقت العصر .
ثم قال المؤلف رحمه الله:((وأول وقت الفجر إذا انشق الفجر وآخره طلوع الشمس)) أجمع أهل العلم على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر، كذا قال ابن المنذر رحمه الله والأحاديث في الصحيحين تدل على ذلك، قال رحمه الله(أي ابن المنذر) : وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من صلى الصبح بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس فقد صلاها في وقتها، وقال - صلى الله عليه وسلم - :"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" متفق عليه، وجاء في حديث عبد الله ابن عمرو في مسلم " ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس" إذاً هذا هو وقتها المحدد لها فإذا طلع قرص الشمس عندئذ يكون قد انتهى وقت الفجر وأشرقت الشمس، والفجر فجران: فجرٌ كاذب وفجر صادق، والفجر الذي تنبني عليه الأحكام الشرعية هو الفجر الصادق، الفجر الكاذب لا تنبني عليه أحكام شرعية، لا يبدأ به وقت صلاة ولا يتعلق به صيام إنما الأحكام تتعلق بالفجر الصادق وفرَّق أهل العلم بين الفجرين بثلاثة فروق: الأول: الفجر الكاذب ممتدٌ طولاً من الشرق إلى الغرب، يمتد بشكل طولي وليس بشكل عرضي. الفجر الصادق يمتد بالعرض من الشمال إلى الجنوب، بينما الفجر الكاذب يأخذ بشكل طولي من الشرق إلى الغرب. هذا الفارق الأول
الثاني: الفجر الكاذب تتبعه ظلمة، يضيء مدة قصيرة ثم بعد ذلك يظلم، والفجر الصادق يضيء ويزداد نوراً وإضاءة .
الفرق الثالث: الفجر الصادق متصلٌ بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة،والفجر الكاذب بينه وبين الأفق ظلمة. ما معنى الأفق؟ الجزء من السماء الذي يتصل بالأرض في نظرك، عندما تنظر إليه تظن أن هناك نقطة قد اتصلت السماء بالأرض ،هذا الجزء من السماء الذي هو بداية السماء التي أنت تراها هذا هو الأفق، الفجر الكاذب يكون من فوق بادئ وليس من تحت ويمتد غرباً ، أما الفجر الصادق يبدأ من الأفق من تحت ويمتد . هذا الفرق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب.
نكتفي بهذا القدر إن شاء الله