[المجلس الحادي عشر]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فهذا الدرس الحادي عشر من دروس شرح الدرر البهية
نحن الآن في كتاب الصلاة، انتهينا من المواقيت في الدرس الماضي
قال المؤلف رحمه الله تعالى:(( ومن نام عن صلاته أو سها عنها فَوَقْتُها حين يذكرها)) هذا ورد فيه نص نبوي قال فيه - صلى الله عليه وسلم - :" من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها" متفق عليه، وجاء أيضاً في الحديث الذي قدمنا ذكره في الدرس الماضي" ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يُصَلّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى " ،إذاً النوم ليس فيه تفريط فيجوز للشخص إذا نهض من نومه أن يصلي صلاته فذاك هو وقتها لقول الله تبارك وتعالى { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [ طه/14] كما ذكر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .
ثم قال:((ومن كان معذوراً وأدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها)) من كان معذوراً، عنده عذر كالحائض مثلاً تطهر، هذه تدرك الصلاة بإدراكِ ركعة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" ولكن ليس معنى ذلك أن يكتفي بالركعة،لا، ولكن يكمل ، من أدرك هذه الركعة والوقت باقٍ،وقت الصلاة لم يخرج أدرك ركعة من الصلاة في وقتها فله أن يكمل بعد ذلك وإن خرج الوقت، هذا معنى الحديث.
ثم قال رحمه الله:((والتوقيت واجبٌ))بيَّنا ذلك في الدرس الماضي، التوقيت واجب أي ويجب عليك أن تصلي الصلاة في وقتها الذي عيّنه الله تبارك وتعالى لها ولا يجوز لك أن تخرجها عن ذاك الوقت.
ثم قال رحمه الله: ((والجمع لعذرٍ جائزٌ))الجمع بين الصلاتين هو أن تصلي الصلاتين في وقت واحدةٍ منهما كأن تصلي الظهر والعصر في وقت الظهر أو أن تصلي الظهر والعصر في وقت العصر، الأول يسمى جمع تقديم والثاني يسمى جمع تأخير وكذلك المغرب والعشاء، تصلي المغرب والعشاء في وقت المغرب، هذا يسمى جمع تقديم أو تصلي المغرب والعشاء في وقت العشاء، هذا يسمى جمع تأخير، ولا جمع إلا بهذه الصورة، يعني لا يصح أن تجمع العصر مع المغرب ولا يصح أن تجمع الفجر مع العشاء ولا الفجر مع الظهر، هذا لا يصح بالاجماع، إنما الجمع يكون بالصفة التي ذكرنا ظهرٌ مع عصر أو مغرب مع عشاء فقط، هذه صورة الجمع الجائزة، وهذا الجمع لعذر جائز الذي ذكره المؤلف هنا يتكلم عن الجمع في الحضر وليس في السفر، ليس الجمع في السفر، هذا مسألة ثانية ستأتي إن شاء الله في صلاة المسافر لكن كلامنا هنا عن الجمع في الحضر، في حال الإقامة ، هذا الجمع ذكر المؤلف أنه جائز، ما هو الدليل الذي اعتمد عليه المؤلف رحمه الله في جواز هذا الجمع؟ الدليل على ذلك حديث ابن عباس في الصحيح ، قال:" صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوفٍ ولا سفر" قال ابن عباس عندما سئل ما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك؟ قال:" أراد أن لا يحرج أمته" ، في هذا الحديث صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوفٍ ولا سفر وفي رواية أخرى" جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر" . كلاهما عند مسلم ، وفي رواية عند مسلم أيضاً قال عبد الله بن شقيق :خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة -يعني كاد المغرب أن يذهب فيريدون أن يصلوا-قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني، الصلاة الصلاة -يكرر دائماً الصلاة الصلاة- فقال ابن عباس: اتعلِّمني بالسنة لا أمَّ لك؟ ثم قال : رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء (ما اطمأنت نفسه، بقي عنده ريب في هذا الأمر) فأتيت أبا هريرة فسألته فصدَّق مقالته-يعني صدَّق ما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه-) فهذا يدل على أن من أصابه حرج في المحافظة على إقامة الصلاة في وقتها المعين فله أن يجمع ويكون هذا عذراً، واختلف أهل العلم في الأعذار التي يجوز للشخص أن يجمع بين الصلاتين في الحضر لأجلها، من هذه الأعذار: السفر والمطر والمرض، السفر هذا له حكم مستقل سيأتي إن شاء الله ثابت بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أما المرض والمطر فأُخذا من هذا الحديث الذي بين أيدينا، فقال هنا: جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير خوفٍ ولا مطر ومن غير خوفٍ ولا سفر ، مفهومه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع في حال المطر، وعندما سألوا ابن عباس قال: أراد أن لا يحرج أمته، هذا هو تعليل ابن عباس لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فالعلة إذاً علة الجمع هي وجود الحرج فمتى وُجد حرج في المحافظة على وقت الصلاة في وقتها المعين لك عندئذ أن تجمع إما جمع تأخير أو جمع تقديم، من هذا الحرج مثلاً طبيب يريد أن يدخل إلى العملية لإجراء عملية لمريض ووقت العملية جاء بعد العصر ويدوم إلى بعد العشاء ماذا يفعل؟ ينوي الجمع ، يجمع المغرب والعشاء جمع تأخير ويدخل على عمليته، هذا من الحرج وهكذا في أنواع الحرج مختلفة لا تحصر فمن أصابه حرج في محافظته على الصلاة في وقتها فله أن يجمع بدلالة هذا الحديث وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى وتسهيله لهذا الدين على عباده .
ثم قال المؤلف رحمه الله: ((والمتيمم وناقص الصلاة أو الطهارة يصلون كغيرهم من غير تأخير)) ناقص الصلاة كالذي به مرض يمنعه من القيام مثلاً فهذا سماه المؤلف ناقص الصلاة، الذي به مرض يمتنع به من أن يقوم، لا يستطيع القيام مريض فيجلس ، هذا يسمى عند المصنف ناقص الصلاة، قال: هذا يصلي كغيره من غير تأخيرٍ لوقت الصلاة، يصلي الصلاة في وقتها من غير تأخير لها، وناقص الطهارة كالذي لا يتمكن من غسل يديه مثلاً أو لا يتمكن من غسل رجله لعذر ما أو كالمتيمم أيضاً، هؤلاء يسمونهم ناقصي الطهارة ، كل هؤلاء لا فرق بينهم وبين تام الصلاة وتام الطهارة، لا فرق بينهم البتة في مسألة التوقيت .
ثم قال رحمه الله:((وأوقات الكراهة: في غير مكة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس . وعند الزوال في غير الجمعة. وبعد العصر حتى تغرب)) ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين وغيرهما أنه نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ونهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وجاء في حديث عقبة ابن عامر قال:" ثلاث ساعاتٍ كان ينهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن نصلي فيهنّ أو نقبر فيهنّ موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع(حتى ترتفع قدر رمح كما جاء في بعض الروايات، حين تطلع الشمس بازغة يعني عندما ينتهي وقت الفجر وتبدأ الشمس في الشروق، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع،وارتفاعها يكون قدر رمح أي في نظر العين وهذا قدر عشر دقائق تقريباً من طلوع الشمس) وحين يقوم قائم الظهيرة (أي حال استواء الشمس، حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق والمغرب وذكرنا التوقيت في الدرس الماضي وذكرنا نقطة الاستواء، عندما تستوي الشمس هذه النقطة هي التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فيها، تقدر بعشر دقائق تقريباً قبل دخول الوقت، قال:وحين تَضَيَّف الشمس حتى تغرب ( أي حين تميل الشمس إلى الغروب حتى تغرب، ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال:أيضاً هذه تكون عندما يكون الشمس ارتفاعها قدر رمح من جهة المغرب قبل أن تغرب).
هذه هي الأوقات التي وردت في الأحاديث النهي عن الصلاة فيها، مجموعها خمس أوقات، لكن ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى بعد صلاة العصر وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أقرّ رجلاً صلى سنة الفجر بعد صلاة الفجر فأقره على ذلك، والصلاة التي كان يصليها بعد العصر هي أصلاً كانت قضاءً لسنة الظهر ثم بعد ذلك داوم عليها فكونه داوم عليها دل ذلك على جواز الصلاة في ذاك الوقت، فاختلفت أقوال أهل العلم في الجمع بين هذه الأحاديث، والذي يظهر والله أعلم أن حديث عقبة بن عامر قاضٍ على الأحاديث الأخرى ويبين حديث عقبة أن المراد من النهي هي الأوقات التي ذُكرت في حديثه وليس جميع الوقت بعد العصر وليس كل الوقت بعد الفجر ولكن المراد ذاك الوقت القليل وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحاديث العلة من النهي عن ذلك فجاء أن الشمس تغرب بين قرني شيطان وفي تلك الساعة يسجد لها عبَدَتُها لذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في هذه الأوقات وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب على الصلاة بعد العصر وكان بعض الصحابة يصليها فجاء مرة فضرب بعض الصحابة فقال له: زِدّ ضرباً والله لا أتركنَّ سنة رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها، ذكر له عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب عليها خشية أن يتدرج الناس في ذلك حتى يُصَلّوا في أوقات النهي التي ذكرها عقبة بن عامر،فدل ذلك على أن عمر كان يضرب عليها كي يسد الباب أمام الناس كي لا يصلوا إلى المحذور الشرعي .
أما ما استثناه المؤلف رحمه الله في قوله :((وأوقات الكراهة في غير مكة)) أي أن غير مكة، كل الأماكن غير مكة داخلها النهي أما مكة بالذات فلا يدخلها النهي، ودليل ذلك ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" يا بني عبد مناف : "من ولي منكم من أمر الناس شيئاً فلا يمنعنَّ أحداً طاف بهذا البيت وصلى أيَّة ساعة شاء من ليلٍ أو نهار" ، فقوله هنا: "فلا يمنعنَّ أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعةٍ شاء" هذه عامة تشمل جميع الأوقات من ليل أو نهار كما جاء في الحديث، فيدخل في ضمن ذلك أوقات النهي، فيدل هذا على أن مكة مخصوصة لا نهي فيها، وأما الجمعة التي استثناها المؤلف رحمه الله فاستدل العلماء على استثنائها بأحاديث منها حديث أبي قتادة قال: كره النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال:" إن جهنم تُسْجَرُ إلا يوم الجمعة" وهو ضعيف، وكذلك ورد حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه ، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وهذا أيضاً ضعيف، لكن العمدة في ذلك على ما ذكره البيهقي رحمه الله فقال: (واعتمادي في المسألة على حديث أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال:" من اغتسل يوم الجمعة فصلى ما قُدِّر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام ..إلخ الحديث" فالشاهد في الحديث قوله :" فصلى ما قُدِّر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام" ، وجاء الحديث الذي بعده أوضح من ذلك فقال:" من اغتسل يوم الجمعة واستاك ولبس أحسن ثيابه وتطيب بطيب إن وجده ثم جاء ولم يتخطَّ الناس فصلى ما شاء الله أن يصلي فإذا خرج الإمام سكت فذلك كفارة إلى يوم الجمعة الأخرى" ، قال البيهقي: رواته كلهم ثقات ، وجه الاستدلال من هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحب التبكير وندَب إلى الصلاة إلى أن يخرج الإمام، حث على الصلاة إلى أن يخرج الإمام على المنبر، فدل ذلك على جواز فعل الصلاة في نصف النهار، إذ لو كان ممنوعاً منه لما مدَّ الإذن في الصلاة إلى خروج الإمام، فدل ذلك على أن هذا الوقت بالذات مستثنى، بل قال الصنعاني رحمه الله: (أيّد ذلك فعل الصحابة) ، الصحابة كانوا لا يمتنعون عن الصلاة في هذا الوقت.
بذلك ينتهي هذا الفصل
وأفضل الأوقات لتأدية الصلاة هو أول وقتها فقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل الأعمال قال:" الصلاة في أول وقتها " يستثنى من ذلك الظهر عند شدة الحر فقد قال - عليه الصلاة والسلام - :" أبرِدوا بالصلاة عند شدة الحر " أبردوا بالظهر عند شدة الحر، وجاء أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخَّر صلاة العشاء إلى أن ذهب ثلث الليل الأول وقال - عليه الصلاة والسلام - :" إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي فدل ذلك على أن أفضل وقت العشاء هو بعد أن يذهب ثلث الليل الأول، من متى يُحسب الليل؟ من المغرب إلى أن يذهب ثلث الليل يكون هذا الوقت أفضل أوقات صلاة العشاء ( هذا في حال أنه كان معذوراً مثلاً أو بالنسبة للنساء في البيوت أو كانت الصلاة في المسجد جماعة لا تشق على أهل القرية أو أهل الحي واتفقوا على يؤخروها إلى ثلث الليل، كل هذا يدخل في الفضيلة أما إذا كانت صلاة الجماعة تقام بعد العشاء مباشرة فواجب أن يحضر صلاة العشاء في المسجد ويصليها في أول وقتها)
نكتفي بهذا القدر إن شاء الله