الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أما بعد:
هذا آخر مجلس من كتاب الصلاة، ولم يبق الشيء الكثير من كتاب الصلاة لكننا سنتوقف عنده كي تعدون أنفسكم لإجراء الاختبار.
قال المؤلف رحمه الله:
يعني بصلاة الكسوفين صلاة الخسوف وصلاة الكسوف، خسوف القمر وكسوف الشمس ويقال أيضاً خسوف الشمس وكسوف القمر فلا فرق بينهما، يقال كسوف الشمس والقمر ويقال خسوف الشمس والقمر، والكسوف هو انحجاب ضوء الشمس أو القمر بسبب غير معتاد، وهما تخويف من الله لعباده، يحدثان تخويفاً من الله لعباده كما سيأتي، ودليل مشروعية صلاة الكسوف حديث الصحيحين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم"، وثبت عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه صلى عندما خسفت الشمس في عهده –صلى الله عليه وسلم-، وقال ابن قدامة صلاة الكسوف ثابتة بسنة رسول –صلى الله عليه وسلم- على ما سنذكره ولا نعلم بين أهل العلم في مشروعيتها (كسوف الشمس) خلافاً، وأكثر أهل العلم على أنها مشروعة لخسوف القمر. انتهى كلامه.
قلت: والسنة ثبتت أيضاً في كسوف الشمس والقمر فلا عبرة بمخالفة من خالف في خسوف القمر.
قال المؤلف رحمه الله: "هي سنة".
قال النووي رحمه الله: صلاة خسوف الشمس والقمر سنة مؤكدة بالإجماع، والأوامر الواردة فيها مصروفة بحديث الأعرابي وبالإجماع أيضاً.
قال المؤلف رحمه الله: "وأصح ما ورد في صحتها ركعتان في كل ركعة ركوعان وورد ثلاثة وأربعة وخمسة".
أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة قالت: "خسفت الشمس في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فصلى وقام الناس وراءه فقام قياماً طويلاً ثم ركع ركوعاً طويلاً ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثلما فعل في الأولى ثم انصرف" واضحة الصورة وإلا أوضحها لكم، تكبر بشكل عادي تصلي وتقرأ قراءة طويلة ثم تكبر الله أكبر وتركع ركوعاً طويلاً ثم تقول سمع الله لمن حمده وتقرأ قراءة طويلة ثم تركع ركوعاً طويلاً ثم ترفع سمع الله لمن حمده ثم تسجد والركعة الثانية بنفس الصورة هذه بالنسبة للاثنين أما الثلاث فنفس الصورة ولكن تزيد ركوعاً ثالثاً والأربع كذلك أربع ركوعات في الركعة الواحدة، هذه الصور التي ذكرها المؤلف، لكن الوارد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه صلى صلاة الكسوف مرة واحدة بعدما مات ابنه إبراهيم فهنا حصل إشكال في الروايات التي وردت بأكثر من صورة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- صلاها على صور مختلفة واختلفت وجهات نظر العلماء في ذلك وأصح الروايات وهي التي في الصحيحين أنه –صلى الله عليه وسلم- صلاها بركوعين في كل ركعة، هذه أصح الروايات والباقي بما أنه ثبت أنه –صلى الله عليه وسلم- صلاها مرة واحدة لا أكثر إذاً فالبقية تكون شاذة أو منكرة على حسب إسنادها، إذن فالصحيح أن هذه ليست من سنن التنوع ولكنها من الروايات الصحيحة والروايات الشاذة، فالرواية الصحيحة هي التي ذكرناها لكم والبقية لا يعول عليها وإن كان بعضها في صحيح مسلم.
قال المصنف رحمه الله: "يقرأ بين كل ركوعين، وورد في كل ركعة ركوع".
يقرأ بين كل ركوعين كما وصفنا لكم، وورد في كل ركعة ركوع واحد أي كصلاة الفجر، لكن القراءة ثابتة في أحاديث الصحيحين ويجهر بها وينادي قبل ذلك الصلاة جامعة هذا كله ثابت، جاءت قراءة في الصحيحين من حديث عائشة قالت: "فصفَّ الناس وراءه وكبر فاقترأ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً ثم قال سمع الله لمن حمده فقام ولم يسجد وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى" إلى آخر الحديث، فهذا يدل على القراءة في الركوعين، وأما الجهر بها فجاء في حديث عائشة في الصحيح أيضاً أنها قالت: "جهر النبي –صلى الله عليه وسلم- في صلاة الخسوف بقراءته" وقول المؤلف: "ورد في كل ركعة ركوع" ورد في صحيح مسلم من حديث سمرة وأنكر عروة على أخيه ذلك (عروة بن الزبير راوي حديث عائشة) قالوا لعروة (وهذا في صحيح البخاري): إن أخاك يوم خسفت الشمس بالمدينة لم يزد على ركعتين مثل الصبح، قال: أجل لأنه أخطأ السنة، فجعل هذا الفعل خطأً وأن السنة خلاف ذلك، إذن الصواب أن تصلى بالصورة التي ذكرناها والتي ثبتت فيها الأحاديث في الصحيحين، والأحاديث الثابتة فيها من حديث عائشة ومن حديث ابن عمر ومن حديث ابن عباس ثبتت في الصحيحين وفي غيرهما وبعد أن يقرأ ويصلي يخطب لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- خطب بهم بعد الصلاة وذكّرهم وحثهم على الدعاء والصدقة والاستغفار والصلاة كما في الصحيحين وقد بوّب على الخطبة الإمام البخاري في صحيح باباً مستقلاً.
قال المؤلف رحمه الله: "وندب الدعاء والتكبير والصلاة والتصدق والاستغفار".
أي يستحب ذلك كله، لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت احد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره" وهذا الحديث في الصحيح، وفي رواية: "فافزعوا إلى الصلاة" وهو في الصحيحين، وفي رواية: "فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا" وهو في الصحيحين، وهذا يشمل كل ما ذكره المصنف رحمه الله.
قال المؤلف رحمه الله:
معنى الاستسقاء طلب السقيا من الله تبارك وتعالى عند قحط المطر ودليل مشروعيتها فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- كما سيأتي إن شاء الله.
قال المؤلف رحمه الله: "يسن عند الجدب ركعتان بعدهما خطبة تتضمن الذكر والترغيب في الطاعة والزجر عن المعصية ويستكثر الإمام ومن معه من الاستغفار والدعاء برفع الجدب"، صلاة الاستسقاء سنة لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- فعلها ولا يوجد ما يدل على وجوبها، "تسن عند الجدب" أي عند انقطاع المطر ويُبس الأرض، هذا معنى الجدب أن تنقطع المطر وتيبس الأرض، ونهي ركعتان لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- صلاها كذلك وخطب بعد الركعتين خطبة، جاء ذلك في حديث أبي هريرة قال: "خرج النبي –صلى الله عليه وسلم- يوماً يستسقي بنا فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله عز وجل وحوّل وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ثم قلب ردائه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن" أخرجه أبو داود وغيره، هذا يدل على أن الصلاة أولاً والخطبة ثانياً، لكن جاءت أيضاً أحاديث تدل على أنه دعا وخطب ثم بعد ذلك صلى والأمر في هذا واسع إن شاء الله.
وكان –صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه في دعاء الاستسقاء وكذلك يفعل الناس خلفه (يرفعون أيديهم ويدعون)، وأما الترغيب في الطاعة والزجر عن المعصية، لأن ترك الطاعة وكثرة المعاصي هي سبب الجدب، لذلك يرغب الإمام في الطاعة وينفر الناس عن معصية الله قال الله تبارك وتعالى: "ولو أن أهل القرى لآمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون".
قال المؤلف رحمه الله: "ويحولون جميعاً أرديتهم".
تحويل الرداء يكون بهذه الصورة يرتدي الرداء بهذا الشكل ثم يحوله بهذا الشكل (هكذا يكون تحويل الرداء)، وهذا قال أهل العلم يُفعل تفاؤلاً بتغيير الحال (من حال إلى حال أحسن)، وأما قوله "ويحولون جميعاً" فعمم الحكم وجعل التحويل ليس خاصاً بالإمام بل يفعله الإمام والمأمومون، لكن هذا الكلام مبني على رواية عند الإمام أحمد رواية شاذة غير صحيحة جميع الأحاديث التي وردت في الصحيحين وخارج الصحيحين فيها أن الإمام هو الذي حول رداءه وهو النبي –صلى الله عليه وسلم- وليس فيها أن المأمومين هم الذين حولوا، ما عدا رواية واحدة عند الإمام أحمد في حديث عبد الله بن زيد قال: "ويحول الناس معه" لكن هذه الزيادة زيادة شاذة لا تصح، والصحيح أن التحويل خاص بالإمام فقط، وأما وقتها ففي أي وقت تصلى ما عدا أوقات النهي فقط لأنه لم يرد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- تخصيصها بوقت معين، ويجوز الاستسقاء أيضاً من غير صلاة، إذا كان بعد صلاة مثلاً أو لم يكن بعد صلاة كما فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة دخل عليه أعرابي وقال له بأنه قد هلكت المواشي وما شابه من قلة المطر، فرفع النبي –صلى الله عليه وسلم- يديه ودعا بدعاء واستسقى فنزل المطر (حصل الاستسقاء من غير صلاة) إذاً يكون الاستسقاء بصلاة خاصة ويكون أيضاً بدعاء فقط من غير صلاة.
هذا ما يتعلق بصلاة الاستسقاء
تنبيه أخير أنه لم يرد في الشرع ما يدل على استحباب الصيام لصلاة الاستسقاء إنما هو مذهب ذهب إليه بعض أهل العلم استحساناً بناءً على أن الدعاء يستجاب للصائم لكن هذا الاستدلال غير صحيح لأنه لو كان يُستحب الصيام لأمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- وكذلك إخراج الدواب وما شابه هذا لا يعرف له أصل في السنة صحيح، والله أعلم.
نكتفي بهذا، وبهذا نكون قد انتهينا من كتاب الصلاة من الدرر البهية.