[الدرس الواحد والثلاثون]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمّا بعد:
قال المؤلف رحمه الله: ويندب تعجيل الفطر وتأخير السّحور.
يُندب أي يستحب تعجيل الفطر وتأخير السّحور، تعجيل الفطر للصائم وتأخير السّحور لمن أراد أن يصوم، يستحب له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه، وسُألت عائشة رضي الله عنها أيضاً، قيل لها رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما يُعَّجل الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يُؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، قالوا عبد الله بن مسعود، قالت كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه مسلم في صحيحه، وعن أنس قال إن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسّحرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله إلى الصلاة فصلى، قال أنس: "كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية" متفق عليه، هذا كله يدلّ على أنه يُستحب تأخير السّحور ويُستحب تعجيل الإفطار.
قال المؤلف رحمه الله: يجب على من أفطر لعذر شرعي أن يقضي.
أصل ذلك قول الله تبارك وتعالى: "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر"، أي من كان منكم مريضاً أو على سفر فأفطر فيجب عليه أن يقضي مكان الأيام التي أفطرها أياماً أخرى، فمن أفطر لعذر كالمسافر والمريض يجب عليه القضاء، أمّا من أفطر لغير عذر فهذا لا ينفعه وإن صام الدهر كله لا ينفعه قضاء، فالواجب عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه.
قال المؤلف رحمه الله: والفطر للمسافر ونحوه رخصة إلا ان يخشى التلف أو الضعف عن القتال فعزيمة.
يريد بالرخصة هنا المؤلف رحمه الله التخيير بين الفعل والترك، أي هو مخير بين أن يفطر أو أن يصوم، ولكن إذا كان يخشى على نفسه الضرر الشديد أو الضعف عن القتال للمجاهد فهذا يجب عليه أن يفطر كي يتقوى على الجهاد ويبقي على نفسه ويدفع الضرر عن نفسه.
وهل الأفضل للمسافر الفِطر أم الصيام؟ حصل خلاف شديد بين أهل العلم بسبب اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك وأصح الأقوال إن شاء الله أنه ينظر إلى الأخف والأيسر عليه فيفعله.
من الأحاديث التي وردت في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال له يا رسول الله أجد مني قوة على الصوم فهل عليَّ جناح؟ فقال: "هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه"، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام فقال صلى الله عليه وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم، قال أبو سعيد: فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، كانت رخصة أي مخيرين في الفعل والترك ثم نزلنا منزلاً آخر فقال إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزيمة ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، وقول المؤلف رحمه الله: والفطر للمسافر ونحوه، المراد بنحو المسافر الحُبلى والمرضع من النساء، فالفطر للحُبلى والمرضع رخصة لهما فلهما أن يفطرا ولهما أن يصوما إلا إن كان في صيامهما ضرراً عليهما أو على الجنين فيجب الفطر والقضاء بعد ذلك ولا إطعام عليهما على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن كان خالف البعض إلاّ أنه لا دليل عنده على إلزامهما بالقضاء وهما كالمريض لا يجب عليهما سوى القضاء فقط، والدليل على أن الصيام في حق الحبلى والمرضع رخصة قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم" أخرجه احمد وأبو داود.
قال المؤلف رحمه الله: ومن مات وعليه صوم صام عنه وليه.
وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" وهو حديث متفق عليه، أي فليصم عنه وليه، فهو أمر للولي أن يصوم عن وليه الميت، ولكنه أمر استحباب عند جمهور علماء الإسلام، والصوم المقصود صوم نذر وقضاء، ولا يختص بصوم النذر، بعض أهل العلم خصَّ ذلك بصوم النذر لكن الحديث لا تخصيص فيه بصوم النذر فيبقى على عمومه، فالحديث عام ولا دليل على تخصيصه بنوع من أنواع الصيام فيبقى على العموم، والمراد بالولي القريب.
قال المؤلف رحمه الله: والكبير العاجز عن الأداء والقضاء يُكَّفر عن كل يوم بإطعام مسكين.
والكبير المقصود به الكبير في السن الذي لا يستطيع الصيام، لا يستطيع أن يصوم رمضان ولا أن يقضي فيما بعد رمضان، قال المؤلف: يُكَّفر عن كل يوم بإطعام مسكين، أي يُطعم عن كل يوم أفطره مسكيناً يُطعمه مداً من طعام، ولكن ما الدليل على هذا الإطعام، يستدلون بقول ابن عباس في الآية التي قال الله فيها "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين"، قال ابن عباس هذه الآية ليست منسوخة هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً، أخرجه البخاري، هذا ما اعتمدوا عليه في إلزام الكبير والمرأة الكبيرة الذين لا يستطيعون الصوم بالإطعام، ولكن خالف ابن عباس في هذه سلمة بن الأكوع، قال كان من أراد أن يُفطِر يفتدي، (من أراد أن يفطر، الصيام كان بالخيار ما بين أن تصوم أو أن تفدي، تطعم مسكين عن اليوم أنت بالخيار)، قال: كان من أراد أن يفطر يفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، فنُسخ هذا الحكم وهو حكم التخيير، وظاهر الآية مع سلمة وليس مع ابن عباس، لأن الله سبحانه تعالى قال: "وعلى الذين يطيقونه"، لا على الذين لا يطيقونه، فرق بين الأمرين، لكنَّ ابن عباس يستدل بقراء له هي قراءة شاذة "وعلى الذين يطوقونه"، أي الذين يصعب عليهم الصيام، قراءة شاذة، وكما تقرر في أصول الفقه أن القراءة الشاذة لا يُعتمد عليها، إنما الاعتماد يكون على القراءة المتواترة، فعلى ذلك لا يكون عندهم حجة على إلزام الكبير الذي لا يقدر على الصيام بالإطعام لكن إن أطعم خروجاً من الخلاف فجزاه الله خيراً أفضل لكن لا نلزمه بذلك وهذا الذي ذهبنا إليه هو مذهب الإمام مالك (إمام دار الهجرة) وقول للإمام الشافعي.
قال المؤلف رحمه الله: والصائم المتطوع أمير نفسه لا قضاء عليه ولا كفارة.
الذي يصوم صيام نافلة متطوعاً له أن يُكمل صيامه وله أن يُفطر قبل أن يكمله، فله أن ينقضه ويتركه وله أن يُكمل الصيام، دليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال:"هل عندكم شيء؟"، فقلنا: لا، قال: "فإني إذنً صائم"، ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حَيْسٌ، فقال: "أرينيه فلقد أصبحت صائماً" فأكل. متفق عليه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أصبح صائماً ثم أكل و ترك صيامه، دلَّ ذلك على أن المتطوع أمير نفسه، قال طلحة: فحدثت به مجاهداً (مجاهد بن جبر)، فقال: ذاك بمنزلة الرجل يُخرج الصدقة من ماله فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها (أعطاها قياساً على الصدقة يخرجها الشخص من ماله ويقول أريد أن أتصدق بهذه ثم بعد ذلك إن شاء أكمل الطريق وتصدق وإن شاء ترك ولم يتصدق، كذلك صيام التطوع).
قال المؤلف رحمه الله:باب صوم التطوع. أي صيام النافلة.
قال: يستحب صيام ست من شوال.
هذا لحديث أبي أيوب الأنصاري عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر"، ويكون كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان ثلاثون يوماً بعشرة كم؟ ثلاثمائة، ستة أيام في عشرة كم؟ ستين، وأيام السنة كاملة ثلاثمائة وستين يوماً، فهذا صيام الدهر كامل، فيكون كل سنة يصوم بهذه الطريقة يكون قد صام الدهر كله، والأفضل أن تصام الستة متوالية وعقب رمضان مباشرة بعد أن تفطر اليوم الأول يوم العيد ثم بعد ذلك تسرد ستة أيام من شوال، لكن إن فرقها جائز أو أخرها حتى في أواخر شوال أيضاً جائز، لأن هذا كله يشمله قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أتبعه ستاً من شوال".
قال رحمه الله: وتِسعِ ذي الحجة.
أي ويستحب صيام تسع ذي الحجة، أي الأيام التسع الأولى من ذي الحجة ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم هذه الأيام، ورد حديث ضعيف لا يصح في ذلك، وإنما حديث عن حفصة قالت: أربع لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن: "صيام عاشوراء والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة" أخرجه أحمد والنسائي وأخرجه أبو داود بلفظ آخر وفيه اختلاف كثير جداً في متنه وإسناده فلا يصح، والعمدة في ذلك على ما ذكرته عائشة رضي الله عنها وهو في صحيح مسلم قالت: "ما رأيت رسول اللهصلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط"، هذا ما ذكرته رضي الله عنها وهذا هو المعتمد في ذلك، لكن صيام هذه الأيام داخل في العمل الصالح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني أيام العشر، فقالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"، أخرجه أبو داود، فيجوز صيام هذه الأيام على أنّ الصيام من العمل الصالح، ومن أراد أن يعمل عملاً آخر غير الصيام ويكتفي به عن الصيام فله ذلك، والأفضل للإنسان في مثل هذه الحالات أن يُرّكز على العمل الذي يجد من نفسه نشاطاً فيه ويتمكن من الإكثار منه فيُكثر منه في هذه الأيام.
قال رحمه الله: ومُحَرَّم.
أي يستحب صيام محرم (شهر الله المحرم) لحديث أبي هريرة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الصيام بعد رمضان أفضل؟ قال: "شهر الله المحرم"، وآكده يوم عاشوراء، يُستحب صيام يوم عاشوراء ويوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوم يوم عرفة يُكفر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية"، هذا يدل على استحباب صيام هذين اليومين (يوم عرفة التاسع من ذي الحجة، ويوم عاشوراء اليوم العاشر من محرم) ويستحب أيضاً أن يصام اليوم التاسع من المحرم مع اليوم العاشر مع عاشوراء مخالفة لليهود، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"، وذلك أنه حين صام اليوم العاشر قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع"، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستحب صيام اليوم التاسع مع اليوم العاشر.
قال رحمه الله: وشعبان.
أي ويستحب صيام شعبان لحديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم قالت: "وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" الحديث في صحيح مسلم.
قال رحمه الله: والاثنين والخميس.
لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتحرى صوم يوم الاثنين والخميس كما في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما.
قال رحمه الله: والأيام البيض.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله"، وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: "صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك صيام الدهر" متفق عليه، وأخرج النسائي وغيره عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" ، فصيام هذه الأيام أفضل من غيرها، لكن إذا صمت أي ثلاثة أيام من الشهر فقد حصل لك الأجر.
قال رحمه الله: وأفضل التطوع صوم يوم وإفطار يوم.
هذه أفضل صور التطوع في الصيام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو: "صم أفضل الصوم صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم" متفق عليه، وفي رواية عند مسلم: "وهو أعدل الصيام"، ورواية عند البخاري: "لا صوم فوق صوم داود"، فهذه أكمل الصور في صيام التطوع.
قال رحمه الله:ويكره صوم الدهر.
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عبد الله بن عمرو عن صيام الدهر، وكذلك نهى من أراد أن يصوم ولا يُفطر، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد" متفق عليه، ومعنى صيام الدهر المنهي عنه هو الذي كان يفعله ابن عمرو والذي أراد أن يفعله أحد الثلاثة الذين تقالوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألوا عن عبادته فقال أحدهم: أمّا أنا فأصوم ولا أفطر، هذا هو صيام الدهر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فصيام الدهر هو صيام السنة كلها بلا فطر فيها وهو محرم مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: وإفراد يوم الجمعة.
جاء في حديث جابر في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الجمعة، وفي حديث أبي هريرة في الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصومن أحدكم الجمعة إلّا يوماً قبله أو بعده"، وفي حديث جويرية بنت الحارث دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهي صائمة فقال: "أصمت أمس؟" (الخميس) قالت: لا، قال: "أتريدين أن تصومي غداً؟" (السبت)، قالت: لا، قال: "فأفطري"، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلاّ ان يكون في صوم يصومه أحدكم"، خلاصة هذه الأحاديث كلها أنّه لا يجوز إفراد يوم الجمعة بصيام إلاّ إذا كان في صوم كان يصومه أحدنا، مثل شخص كان يصوم يوماً ويفطر يوماً فجاء من هذه الأيام التي ينبغي أن يصومها يوم جمعة فيجوز له أن يصوم، أو جاء يوم عرفة في يوم جمعة يجوز له أن يصومه من غير أن يصوم معه يوماً قبله أو يوماً بعده، لأنه هو الصيام كان يصومه ولم يتعمد تخصيص يوم الجمعة بصيام، أمَّا صيام يوم السبت فلم يصحَّ فيه حديث عن النبي r في النهي عن صيامه ورد فيه حديث قال فيه الإمام النسائي رحمه الله وهو حديث مضطرب، وكذلك وافقه الحافظ ابن حجر على ذلك وضعفه غير واحد من علماء الإسلام والحق معهم، فالحديث لا يصح، فيجوز صيام يوم السبت مطلقاً كبقية الأيام.
قال رحمه الله: ويَحرم صوم العيدين.
لحديث أبي سعيد في الصحيحين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومين يوم الفطر ويوم النحر، والمقصود اليوم الأول فقط ليوم الفطر ويوم النحر هذان العيدان فقط، وليس بعدهما عيد، يوم النحر بعده ثلاثة أيام (أيام التشريق)، أما يوم الفطر فهو واحد فقط.
قال رحمه الله: وأيام التشريق.
ويَحرم أيضاً صيام أيام التشريق وهي اليوم الثاني والثالث والرابع التي هي بعد العيد يوم النحر، وتحريم صيام هذه الأيام لنهيه صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب" متفق عليه، وفي صحيح البخاري عن عائشة وابن عمر قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي" إذن فلا يُصام في هذه الأيام.
قال رحمه الله: واستقبال رمضان بيوم أو يومين.
أي ويَحرم استقبال رمضان بيوم أو يومين، فيَحرم أن نصوم قبل أن يثبت هلال رمضان اليوم الذي يُشك فيه، يَحرم صومه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتقدّمن أحدكم رمضان بصوم يوم او يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصمه" متفق عليه، يعني إذا جاء اليوم الأخير من شعبان الذي يُشك أهو من شعبان أم من رمضان، إذا جاء في يوم أنت اعتدت أن تصوم مثل هذا اليوم فلك أن تصوم، أمّا أن تتقصد أن تصومه احتياطاً لرمضان فلا يجوز، قال عمَّار: "من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"، وأما حديث: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"، فهو حديث ضعيف يخالفه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان إلا قليلاً كما قالت عائشة رضي الله عنها وكما تقدم معنا، وأمَّا حديث: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" فقد أعله غير واحد من أهل العلم، وحكم عليه الإمام أحمد بالنكارة، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به عمداً، فهذا يدل على أنهم كانوا يستنكرون هذا الحديث ولا يقبلونه لأنه مخالف لأحاديث أقوى منه وأصح في جواز الصيام بعد شعبان
نكتفي بهذا القدر والحمد لله.