الاحد 22 جمادة الاخرة 1446 هـ
22 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52      

الدرس الثاني والأربعون

[الدرس الثاني والأربعون]



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله-: كتاب الطلاق
الطلاق لغة هو: الحل ورفع القيد مطلقاً، يقال: طلُقت المرأة وأُطلقت أي سُرِّحت، ويقال: أطلق الفرس إذا خلَّاها.
هذا أصل الكلمة من الناحية اللغوية.
وأما في الاصطلاح فهو: رفع قيد النكاح بنقض الطلاق ونحوه، رفع قيد النكاح، كأن العقد الذي يكون بين الزوج والزوجة قيداً يربط الزوج بالزوجة، وهذا الطلاق يفك هذا القيد.
قال المؤلف -رحمه الله-:(( وهو جائز: من مكلف مختار))
أما مشروعية الطلاق فأمْر معلوم ضرورة، وهو من قطعيات الشريعة، وقد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى: { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة/229]، وقال: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق/1]، وفي الصحيحين أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقال -صلى الله عليه وسلم- لعمر (لأبيه)، قال: " مُرْهُ فليراجعها، فإذا طهرت فإن شاء فليطلقها". وأما الإجماع فأجمعت الأمة على جواز الطلاق وعلى مشروعيته. وأما أنه يجوز من مكلف (المكلف هو البالغ العاقل) لا من غيره، فلقوله -صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاث: فذكر الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يعقل، والنائم حتى يستيقظ" فلا يقع طلاق الصبي والمجنون والنائم.
وبقوله:"مختار" أخرج المُكره، فالمكره على الطلاق لا يقع طلاقه، الإكراه بغير وجه حق لا يقع به الطلاق، لقوله-صلى الله عليه وسلم-: "رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" والمُكرَه لا اختيار له ولا إرادة، والإرادة أساس التكليف للأحكام الشرعية.
قال المؤلف -رحمه الله-:((ولو هازلاً))
أي "وهو جائز من مكلف مختارٍ ولو هازلاً"، أي ولو كان هذا المكلف المختار هازلاً، يعني غير جادّ، مازحاً، المكلف المختار يقع طلاقه ولو لم يكن جاداً بل كان مازحاً أو لاعباً يقع طلاقه عند المؤلف وعند جمهور العلماء، واستدلوا بقوله-صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثٌ جِدُّهن جِدّ وهزلهن جِدّ: النكاح والطلاق والرجعة" أخرجه أبو داود وغيره وهو حديث ضعيف لا يصح، فإذا كان الحديث ضعيفاً فيبقى معنا عموم قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، وهذا الهازل اللاعب لم يكن ناوياً للطلاق فلا يقع طلاقه على الصحيح والله أعلم . نقل بعضهم الإجماع، فلو صح الإجماع في المسألة لقلنا به، لكن الإجماع لا يصح.
قال المؤلف: ((لمن كانت في طهرٍ لم يمسها فيه. ولا طلقها في الحيضة التي قبله. أو في حملٍ قد استبان))
هذا الطلاق يسمى بطلاق السنة، الطلاق الذي شرعه الله -سبحانه وتعالى-، يكون على حال المرأة المذكور ها هنا،أي حال؟ قال: "لمن كانت في طهر"، أي طلاق المرأة جائز إذا كانت طاهراً طهراً لم يمسها فيه، أي في طهرٍ لم يجامعها فيه. " ولا طلقها في الحيضة التي قبله" فإذا طلقها في حيضةٍ مثلاً، هنا نلزمه بأن يرجعها، كما حصل مع ابن عمر، ولا يطلقها في الطهر الذي بعدها مباشرة، لا، ينتظر حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر بعد ذلك إن شاء طلَّق وإن شاء أمسك. إذاً، الطلاق لا يكون في طهرٍ سُبِق بحيضٍ وقع فيه طلاق، هذا معنى قوله: "ولا طلقها في الحيضة التي قبله" فإذا طلقها في حيضةٍ فلا يطلِّق بالطهر الذي بعد هذه الحيضة .
قال: "أو في حملٍ قد استبان" أو في حملٍ قد اتضح وعُرِف بأن المرأة حامل، عندئذ يجوز له أن يطلق فيكون الطلاق طلاق سنة.
إذاً، يطلقها في طهرٍ لم يجامعها فيه، أو يطلقها وهي حامل.
هذا هو طلاق السُّنة.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق/1]، قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما: الطهر من غير جماع، هذا معنى الطلاق في العدة، الطهر من غير جماع، أي في طهر لم يجامعها فيه. وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: إنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- ذلك فتغيظ فيه رسول الله(أي غضب من هذا الفعل) ثم قال: "ليراجعها"، هذا أمر من النبي -صلى الله عليه وسلم- بإرجاعها، " ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله عز وجل"، هذا الحديث يبين لنا الطلاق السني.
لاحظ هنا ماذا قال: يُرجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، الآن هذا طهر سُبق بحيضة قد وقع فيه طلاق، قال: ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، إذاً لا يطلق في الطهر الذي بعد الحيضة مباشرة، لا، يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فإذا طهُرت بعد ذلك وقبل أن يجامعها، له أن يطلق إن أراد أن يطلق. قال: فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها، هذا هو الضابط، فتلك العدة كما أمر الله عز وجل . بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- العدة المقصودة في الآية، وهذا الحديث هو دليل المؤلف في قوله: "ولا طلقها في الحيضة التي قبله"، لأنه إذا طلقها في الحيضة، لزمه أن يمسكها حتى تطهر من حيضتها التي طلقها فيها، ثم يبقيها عنده في طهرها ذاك، ثم تحيض، وبعد الانتهاء من الحيضة الثانية له أن يطلقها، هذا الذي دل عليه حديث ابن عمر.
وأفاد أيضاً حديث ابن عمر على جواز طلاق المرأة وهي حائض.
وأما أنه لا يطلقها في طهرٍ جامعها فيه ففي رواية في الصحيحين في نفس الحديث، قال: "فإن طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها أو يمسكها" هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري"فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها ".
وأما قوله:"أو في حملٍ قد استبان" أي يجوز له أن يطلقها في هذا ، ما دليله؟ دليله نفس الحديث، حديث ابن عمر في رواية عند مسلم قال: "ثم ليطلقها طاهراً أو حاملا" فهذا يدل على أن طلاق المرأة وهي حامل طلاق سُنة.
هذا هو طلاق السُّنة الموافق للشرع
قال المؤلف -رحمه الله-:((ويَحرُمُ إيقاعه على غير هذه الصفة. وفي وقوعه ووقوع ما فوق الواحدة من دون تخلل رجعةٍ خلافٌ، والراجح عدم الوقوع))
قال: "ويحرم إيقاعه على غير هذه الصفة"، على غير الصفة المذكورة، أي في طهر لم يجامعها فيه، أو وهي حامل، ولا يكون في طهر قد سُبق بحيض، أما إن كان في طهر قد سُبق بحيضة أو كان وهي حائض أو وهي نفساء فهذا كله يسمى طلاقاً بدعياً مخالفاً للشرع، وهذا يكون طلاقاً بدعياً لأنه مخالف لأمر الله بالطلاق في العدة المتقدم في الآية، الله -سبحانه وتعالى- أمر بطلاق المرأة إذا أردنا أن نطلق، أن نطلِّق للعدة، وإذا لم يقع على الصورة التي ذكرها المصنف -رحمه الله- فلا يكون طلاقاً للعدة.
وهل يقع الطلاق البدعي مع الإثم أم يأثم فاعله ولا يقع؟
هنا خلاف ونزاع كبير بين العلماء، الطلاق البدعي لا شك أن صاحبه يأثم، إذا طلق وهو يعلم أن هذا الطلاق محرَّم يأثم على طلاقه هذا، الإثم لا إشكال فيه.
الآن الإشكال عندنا في الوقوع، هل يقع هذا الطلاق الذي يسمى طلاقاً بدعياً أم لا يقع؟ اختلف العلماء في ذلك كما ذكرنا خلافاً كبيرا، وخلاصة الأمر والصحيح في المسألة هو ما ذكره المصنف رحمه الله، قال: "والراجح عدم الوقوع". هذا هو الصحيح في المسألة.
ويستدل المصنف وغيره ممن يقول بعدم الوقوع، بأن مثل هذا الطلاق مخالف لشرع الله -تبارك وتعالى-، فلا يندرج تحت العمومات التي وردت في الطلاق، وأيضاً قال-صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، عمله هذا مردود غير معتد به وهو غير معتبر في الشرع، فمن ادعى بعد ذلك أنه يقع فعليه بدليلٍ صحيح في ذلك، ولا يصح في ذلك شيء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-، وإنما صح عن ابن عمر أنه اعتبر الطلاق في الحيض، اعتبره واقعاً، وحسَبها طلقة، ولكن هذا اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنه وليس فيه أمراً توقيفياً عن المعصوم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وظاهر الأدلة مع الذين قالوا بعدم الوقوع، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أيضاً.
وقول المؤلف: "وما فوق الواحدة إذا لم يتخلله-أي الطلاق- رجعة خلاف"
أي إذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالقٌ طالقٌ طالق، مباشرة، أو قال لها: أنتِ طالقٌ ثلاثاً، دون أن يطلقها ثم يرجعها، ثم يطلقها ثم يرجعها، ثم يطلقها، لا، بنفس اللحظة بدون إرجاع.
هذه المسألة أيضاً من المسائل التي اختلف فيها العلماء اختلافاً كثيراً، أتقع ثلاث طلقات أم تقع طلقة واحدة؟ أم لا تقع شيئاً أصلاً؟
والصحيح أنها تقع واحدة فقط، فهذا الذي كان في عهد النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم إنما كانت الثلاثة تُجعل واحدة على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وأبي بكرٍ وثلاثاً من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: نعم. فهذا يدل على أنها كانت على عهد النبي-صلى الله عليه وسلم- وأيضاً في عهد أبي بكر وفي بداية عهد عمر -رضي الله عنه-، كانوا يعتبرون الثلاث واحدة، فهذا هو المعتبر وهو إن شاء الله الصحيح.
قال المؤلف -رحمه الله-:فصل
((ويقع في الكناية مع النية))
يقع الطلاق باللفظ الصريح، كأن يقول الرجل لزوجته: أنتِ طالق، أو طلّقتكِ، أو أنتِ مطلقة، هذه كلمة طالق وما يَتصرف منها، هذه ألفاظ تعتبر ألفاظ صريحة في الطلاق، إذا قال لها: أنتِ طالق، أو طلَّقتكِ، أو أنتِ مطلقة، فهنا هذا لفظ صريح، لا نحتاج فيه إلى أن نرجع إلى النيات، لكن، عندنا ألفاظ أخرى غير صريحة، وهي التي عبَّر عنها المصنف بــ "الكناية"، هذه الألفاظ غير الصريحة لا يقع الطلاق بها إلا مع النية، كقوله مثلاً: اذهبي إلى بيت أهلك، رجل قال لامرأته: اذهبي إلى بيت أهلك، هل تعتبر طالقاً ؟ هذا اللفظ ليس لفظ طلاق، اللفظ ليس من ألفاظ الطلاق الصريحة، لكن ربما يُستعمل ويراد به الطلاق، إذاً فيُكنى به عن الطلاق، فما الفارق بينه وبين أن يقول لها مثلاً: اذهبي إلى أهلكِ زيارة ؟ النية، النية هي الفارق، إذاً هنا الطلاق الذي يقع بألفاظ الكناية هذا لا بد فيه من اعتبار النية، فإن قال لزوجته: اذهبي إلى أهلك وأراد بذلك الطلاق، وقع الطلاق، أما إذا قال لها: اذهبي إلى أهلك ولا يريد بذلك الطلاق، لا يقع الطلاق، كما حصل مع كعب ابن مالك، الحديث في الصحيحين في قصة كعب الطويلة، لما أمره النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يعتزل امرأته، ماذا قال لها؟ الحقي بأهلك، ماذا يريد من ذلك ؟ ما أراد طلاقها، أراد أن تبقى عند أهلها حتى يفرج الله عنه، فلم يقع ذلك طلاق، لكن جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أيضاً أنه قال لابنة الجَوْن: الحقي بأهلك، فطلقها، الكلمة واحدة، الحقي بأهلك، الحقي بأهلك. وجاء أيضاً عن إسماعيل عليه السلام عندما أمره أبوه أن يغيِّر زوجته، قال لها: الحقي بأهلك، وأراد بذلك الطلاق، فوقع طلاقاً فطلقها.فإذاً يدل هذا على أن طلاق الكناية يقع، لكن، بالنية، فإذاً الألفاظ عندنا نوعان: ___ ألفاظ صريحة، وهذه لا تحتاج إلى أن نرجع فيها إلى النيات.
___ وألفاظ غير صريحة، وهي التي يقول لها: كنايات، وهذه لا بد فيها من النية.
قال المؤلف-رحمه الله-:((وبالتخيير إذا اختارت الفرقة))
إذا قال الرجل لزوجته: اختاري البقاء معي أو الطلاق، فاختارت الطلاق، يقع الطلاق في هذه الحالة. هذا ما يريده المصنف -رحمه الله-، قال: "وبالتخيير إذا اختارت الفرقة" أي بتخيير المرأة، إذا خيَّرها زوجها وقال لها: الأمر إليكِ، إن شئتِ أن تبقي معي، ابقي، وإن شئتِ أن أطلقكِ، طلَّقتكِ، أو أنتِ طالق، أو طلِّقي نفسك، أنتِ حرة، اختاري هكذا أو هكذا، فاختارت الطلاق، يقع الطلاق في هذا التخيير، لقول الله تعالى لنبيه: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } [ الأحزاب/29/28]، وبعد نزول هذه الآية، خيَّر النبي-صلى الله عليه وسلم-نساءه، وقالت عائشة: خيَّرنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فاخترنا الله ورسوله، فلم يَعُدَّ ذلك علينا شيئاً، أي فلم يجعل النبي-صلى الله عليه وسلم- هذا التخيير وهذا الاختيار الذي اخترنه، لم يجعله طلاقاً، ولكن هذا يدل على أن التخيير له أثر، لأنه لو لم يكن لتخييرها أثر لم يكن لتخييرهنَّ معنى، فما المعنى من التخيير إذا اخترنَ الطلاق ولا يقع الطلاق؟ طيب ما معنى التخيير؟ لا، لا معنى له، فإذاً، التخيير له أثر في ذلك.
قال المؤلف:((وإذا جعله إلى غيره وقع منه))
يعني إذا وكَّل في الطلاق شخصاً وطلقَّ الشخص زوجة الأول الموكِّل، زيد وكَّل عمرو بأن يطلق زوجته، فعمرو طلَّق زوجة زيد، وقع الطلاق في هذه الحالة، فالتوكيل جائز في الطلاق لأنه حق من حقوق الرجل، يملكه هو، فله أن ينيب فيه كبقية الحقوق، يجعل له نائباً يقوم عنه بهذا العمل.
من طريف ما يُذكر في هذا، أن رجلاً كان متزوج أربع نسوة، وحصل بينه وبينهنَّ مشادَّة، وله جيران يسمعونه إذ البيوت متلاصقة، فأغضبنه، فقال للأولى: أنتِ طالق، فتكلمت الثانية فطلقها، فتكلمت الثالثة فطلقها، فتكلمت الرابعة فطلقها. فقامت امرأة الجيران وقالت له: حسبي الله عليك، أتطلق أربعة في يوم واحد؟ قال: وأنتِ طالق إن أذن زوجك، قال: قد أذِنت، قد أذنت، فطلقت المرأة، فطلق الخمسة في لحظة واحدة.
قال المؤلف:((ولا يقع بالتحريم))
أي بقوله لها مثلاً: أنتِ علي حرام، فحرَّمها على نفسه. قال المؤلف: "لا يقع الطلاق في ذلك"، أي بمجرد التحريم لا يقع الطلاق، أن يقول لها: أنتِ علي حرام.
والصحيح أن في هذه المسألة تفصيلاً: فإذا نوى الطلاق بلفظ التحريم، فهو طلاق واقع، كبقية الكنايات، كالكناية التي قدمنا: الحقي بأهلك، وأراد بها الطلاق، وقع الطلاق، كذلك هذه، إذا قال: أنتِ علي حرام وقصد الطلاق، وقع الطلاق لأنه يصبح من طلاق الكنايات.
وإذا لم ينوِ ذلك، لم ينوِ الطلاق، فعليه كفارة يمين، لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [ التحريم2/1]، فهذا التفصيل هو الراجح والصحيح في هذه المسألة.
قال المؤلف:((والرجل أحق بامرأته في عدة طلاقها، يراجعها متى شاء إذا كان الطلاق رجعياً، ولا تحل له بعد الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره))
الرجل أحق بامرأته في عدة طلاقها، عدة الطلاق هي المدة الزمنية المحدودة المحصورة التي تمسك فيها المرأة عن الزواج بعدما يطلقها زوجها، فبعدما يطلق الرجل المرأة وجب عليها أن تعتد، وستأتي المدة التي تجب عليها أن تبقى معتدة فيها، وإذا كانت المرأة لا زالت في فترة العدة فلزوجها أن يردها، وترجع زوجة له من غير عقد جديد، ولا يجوز لأحد أن يتزوجها في هذه المدة، فزوجها ما زالت له الأحقية فيها، ما زالت زوجة له لا تنفصل عنه إلا بعد الانتهاء من العدة، فالرجل أحق بامرأته في عدة طلاقها وذلك في الطلاق الرجعي أي بعد الطلقة الأولى والطلقة الثانية، فبعد الطلقة الأولى له أن يردها وبعد الطلقة الثانية له أن يردها، لكن بعد الطلقة الثالثة ليس له أن يردها إلا بعد أن تنكح زوجاً آخر برغبة، ويدخل بها، ثم إذا طلقها فلزوجها الأول أن يتزوجها بعد ذلك، قال تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } [ البقرة/228]، هذه عدة المطلقة ثلاثة قروء، والقرء قيل: الحيض، وقيل: الطهر، وسيأتي الحديث عن هذا إن شاء الله. وقالت عائشة: "كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها"، ما في تحديد بثلاثة طلقات*، "وهي امرأته إذا راجعها وهي في العدة"، تبقى امرأته إذا راجعها وما زالت في عدتها، "وإن طلقها مئة مرة أو أكثر، حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقكِ فتبيني مني" أي فتنفصلي عني، تنهي العدة وتنفصلي، لا أطلقكِ بهذا الشكل "ولا آويكِ أبداً، قالت: كيف ذلك؟" يعني لا تبقين زوجتي على طول ولا في نفس الوقت أطلقكِ حتى تنفصلي عني، " قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقكِ فكلما همَّت عدتكِ أن تنقضي، راجعتكِ" أي يتركها معلقة، "فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها، فسكتت حتى جاء النبي-صلى الله عليه وسلم-فأخبرته، فسكت حتى نزل القرآن { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة/229]"، ثلاث مرات هي، المرة الأولى والثانية ثم بعد ذلك الثالثة، إما أن يمسكها بمعروف أو أن يسرحها بإحسان، فتكون هي (..) هذا الحديث أخرجه الترمذي.
وأما كونها لا تحل له بعد الثالثة حتى تنكح زوجاً آخر، فلقوله تعالى: { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا-أي الزوج الثاني- فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا -أي الزوج الأول مع المرأة-إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ } [ البقرة/230]، وفي الصحيحين قال-صلى الله عليه وسلم- لامرأة رفاعة القرظي: "لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" يعني حتى يجامعها زوجها الثاني ولا يكفي مجرد العقد، بعد أن يطلق الرجل زوجته المرة الثالثة، ينفصل عنها ولا يجوز له أن يرجعها حتى تتزوج زوجاً ثانياً نكاح رغبة وليس نكاح تحريم أي يتزوجها ويطلقها من أجل أن يردها للأول، لا، نكاح رغبة، يكون راغباً بها ويريدها ويقع بينهما جماع حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته، يعني يقع بينهما جماع، ثم بعد ذلك إن طلقها فللأول أن يردها.
______________
*: قال الشيخ حفظه الله: ثلاث أيام. وعدلتها خلال التفريغ إلى ثلاث طلقات والله أعلم بالصواب.

(..): كلمة غير مفهومة.
قائمة الخيارات
40 [2.5 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الثلاثاء 29 ذو الحجة 1433
عدد المشاهدات 4186
عدد التحميلات 121
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق