السبت 21 جمادة الاخرة 1446 هـ
21 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 93- 109 آخر السورة   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 71-92   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 62-70   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 53-61   تفسير القرآن: تفسير سورة يونس 37-52   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-78 آخر كتاب التيمم، الحديث 345و346و347و348      

الدرس الخامس والأربعون

[الدرس الخامس والأربعون]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ..

نُنهي في يومنا هذا كتاب الطلاق
قال المؤلف رحمه الله:باب استبراء الإماء
الاستبراء: طلب البراءة من الحمل، أي نريد أن نتحقق من عدم وجود حملٍ في رحم المرأة.هذا يسمى استبراءً.
والإماء جمع أمة، وهي المرأة ذات العبودية، أي المرأة المملوكة التي تباع وتشترى، هذه هي الأَمة.
فقال المؤلف رحمه الله: باب استبراء الإماء، أي معرفة براءة أرحام الإماء من الحمل كيف يكون ذلك؟
قال رحمه الله تعالى: ((يجب استبراء الأمة المَسبيَّة والمُشتراة ونحوهما: بحيضةٍ إن كانت حائضاً. والحامل بوضع الحمل. ومنقطعة الحيض حتى يتبين عدم حملها))
إذا ملك الرجل أمة، بأي طريقة بغض النظر عن طريقة الملك، سواءً كانت طريقة الملك السبي، ما معنى السبي؟ أي أن تؤخذ المرأة في القتال، في الحرب، هذا معنى السبي، تُسبى يعني تؤسر المرأة في الحرب، فهذه تعتبر سبيَّة، فإذا أُخذت المرأة سَبِيَّةً أو اشتُرِيت شراءً أو أُهديت إليك من أحدهم، بغض النظر عن طريقة وصولها إليك، لكن إن صارت أَمة لك يحل لك وطؤها وجب استبراؤها، ولا يجوز جماعها حتى يستبرءها، والاستبراء يختلف على حسب حال الأَمة، فإذا كانت حائضاً يستبرؤها بماذا؟ بحيضة، فإذا حاضت حيضة ثم طهرت، بعد ذلك له أن يجامعها لأننا نكون قد علمنا أنه لا حمل في رحمها، وهذا لكي لا يحصل اختلاط الأنساب. وإذا كانت حاملاً فتُستبرأ بوضع الحمل. وإذا كانت لا تحيض، لا يقربها حتى يتبين أنها ليست حاملا، متى ظهر له أنها ليست حامل عندئذ له أن يقربها أن يجامعها، أخرج مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا توطؤ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" قاله في سبايا أوطاس. أخرجه أحمد وأبو داود وغيره أيضا.
قال المؤلف رحمه الله:((ولا تُستَبرَأ بكرٌ ولا صغيرةٌ مطلقاً))
البكر: التي لم يُدخل بها.
والصغيرة: المقصود بها التي لا تحيض، فلا يحصل منها حمل، لا تحمل، فهذه قال المؤلف: لا تُستبرأ مطلقاً، لماذا؟ لأن احتمالية الحمل غير واردة، فلسنا بحاجة إلى الاستبراء، وإذا كانت بكراً فهي غير مدخول بها أصلاً، فلا يحصل حمل، وإذا كانت صغيرة فهي لا تحمل، فإذاً لا يحصل حملٌ .
قال رحمه الله:باب النفقة
النفقة: ما يفرض على الرجل من مال وطعام وكساء وسُكنى لمن يعولهم، هذا تعريف النفقة.
المال معروف، والطعام معروف، والكساء: اللباس، والسكنى: السكن.
قال المؤلف رحمه الله:((تجب على الزوج للزوجة))
وجوب نفقة المرأة على زوجها ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } ، وقال: { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } .
وأما السُّنة، ففي صحيح مسلم قال: قال جابر: خطب رسول الله الناس فقال:"اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٌ عندكم-أي أسيرات- أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف" هذا الشاهد، "ولهنَّ" أي للنساء عليكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف. وفي حديث هند في الصحيحين قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :"خذي من ماله بالمعروف ما يكفيكِ ويكفي بنيك"، دل ذلك على لزوم النفقة للزوجة وللأولاد.
وأما الإجماع، فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهنّ. ذكره ابن المنذر وغيره.
الناشز الي هي الممتنعة والمترفِّعة، الممتنعة عن زوجها والمترفعة عليه التي لا تطيعه، هذه الناشز.
قال المؤلف رحمه الله:((والمطلقة رجعياً. لا بائناً، ولا في عدة وفاة، فلا نفقة ولا سكنى إلا أن تكونا حاملتين))
يعني تجب النفقة على الزوجة وعلى المطلقة طلاقاً رجعياً، نفقة الرجل على زوجته واجبة كما تقدم وعلى المطلقة طلاقاً رجعياً أيضاً، وأما المطلقة طلاقاً بائناً فلا تجب النفقة عليها إلا إذا كانت حامل. المطلقة الرجعية هي التي يحق لزوجها إرجاعها بدون عقد، هذه المطلقة طلاق رجعي.
وأما البائن فهي التي انفصلت عنه لا يحق له إرجاعها إلا بعقد جديد، وهذا الذي يسمى البينونة الصغرى، لأن البينونة بينونتان: بينونة صغرى وبينونة كبرى، البينونة الصغرى المرأة إذا انفصلت عن زوجها ولا يحق له أن يرجعها إلا بعقد جديد، هذه بانت منه بينونة صغرى.
أما البينونة الكبرى فهو الذي لا يملك رجعتها حتى تنكح زوجاً آخر، هذه تكون قد بانت منه بينونة كبرى، أي المطلقة ثلاثاً.
فالمطلقة طلاقاً رجعياً وما زالت في العدة تجب نفقتها على زوجها، وتجب لها السكنى إلى أن تنتهي العدة، فلها النفقة ولها السكنى، وأما المطلقة طلاقاً بائناً كالتي طلقها زوجها الطلقة الثالثة مثلاً فلا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملاً فتجب النفقة لها إلى أن تضع الحمل لقول الله تبارك وتعالى { وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }، وهذا يشمل أيضاً المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها ولا سكنى أيضاً إلا أن تكون حاملاً فهي داخلة في عموم الآية إذا كانت حاملاً، ويدل على أن المطلقة طلاقاً رجعياً لها النفقة والسكنى أنها زوجة يحصل بينها وبين زوجها التوارث، إذا مات زوجها وهي في العدة فترث منه وإذا كانت ترث منه دل ذلك على أنها ما زالت زوجة، فإذا كانت زوجة فلها الحق في النفقة وفي السكنى .هذا دليل
الدليل الثاني أن الله تبارك وتعالى سمّى الرجل بعلاً، سمى الرجل الذي طلق زوجته سماه بعلاً لها فهو زوج لها فقال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ }، فسمى الرجل المطلق بعلاً للمرأة، وهو الزوج.
وأما المطلقة طلاقاً بائناً فدليله حديث فاطمة بنت قيس في صحيح مسلم أنها طُلِّقت ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - نفقة ولا سُكنى.
يتلخص مما تقدَّم في نفقة الزوجة:
___ أن تكون زوجة، وهذه تجب لها النفقة والسكنى.
___ أن تكون مطلقة طلاقاً رجعياً وهذه تجب لها أيضاً النفقة والسكنى.
___ أن تكون مطلقة طلاقاً بائناً وليست حاملاً، لا تجب لها النفقة ولا السكنى.
___ أن تكون معتدة عدة وفاة وليست حامل، لا تجب لها النفقة ولا السكنى على الصحيح.
___ أن تكون حاملاً تجب لها النفقة فقط ولا سُكنى إلا في الطلاق الرجعي فقط، فتجب لها إذا كانت حاملاً ولم تكن مطلقة طلاقاً رجعياً فتجب لها النفقة فقط ولا تجب لها السكنى .
قال المؤلف رحمه الله:((وتجب على الوالد الموسِر لولده المعسِر وبالعكس)) تجب النفقة على الوالد الغني، الموسر يعني الذي عنده ما يكفيه وزيادة فهو غني، تجب لولده الفقير وكذلك تجب النفقة على الولد الغني للوالد الفقير، هذا ثابت بالإجماع، قال ابن المنذر رحمه الله: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. (..)ما نقله ابن المنذر رحمه الله.
ويدل على وجوب النفقة على الأولاد حديث هند المتقدم في الصحيحين حيث قالت هند ماذا؟ لا يعطيني ما يكفيني، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - :"خذي ما يكفيكِ وولدك بالمعروف"، يدل ذلك على وجوب نفقة الأولاد على الأب.
ويدل على وجوب النفقة على الوالدين قول الله تبارك وتعالى { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند الحاجة، ثم هو من برهما أيضاً.
ولوجوب الإنفاق على الأقارب ثلاثة شروط، فإن تحققت وجب الإنفاق وإلا فلا:
___ الشرط الأول: أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن الإنفاق على أنفسهم.
___ الشرط الثاني: أن تكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم فاضلاً عن نفقة نفسه. يعني عنده ما ينفق على نفسه وعنده زيادة على ذلك، فإذا كان عنده زائد فوجب عليه أن ينفق على أقاربه الذين بينه وبينهم توارث كما يأتي بالشرط الثالث.
___ الشرط الثالث: أن يكون المنفق وارثاً لقوله تعالى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} .
هذه الشروط الثلاثة إذا تحققت وجب على الرجل أن ينفق على أقاربه الذين يرثهم كما في الشرط الثالث.
قال المؤلف:((وعلى السَّيد لمن يملكه))
يعني تجب النفقة على السيد لعبده الذي يملك أو لأَمته، لحديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلَّف من العمل ما لا يطيق"، العبد أو الأمة لا يملكان ووقتهما ملكٌ لسيدهم وبما أنه قد حبسهم عن النفقة أن ينفقوا على أنفسهم فوجبت النفقة عليهما والحديث الذي ذكره مسلم دليل على ذلك.
قال المؤلف رحمه الله:((ولا تجب على القريب لقريبه إلا من باب صلة الرحم))
كذا قال المؤلف، والصحيح أن نفقة القريب إن كان وارثاً واجبة، فالضابط في القريب التي تجب نفقته هو الميراث بالشروط المتقدمة، لقوله تعالى{ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، وإذا لم يكن وارثاً فلا تجب عليه نفقة بل الإحسان والصلة لأقاربه.
قال المؤلف:((ومن وجبت نفقته وجبت كسوته وسكناه))
من وجبت نفقته وجبت كسوته وسكناه على التفصيل الذي قدمناه.
قال المؤلف رحمه الله: باب الرضاع
((إنما يثبت حكمه بخمس رضعاتٍ. مع تيقن وجود اللبن))
مع تيقن وجود اللبن أي أن الولد يرضع حقيقة من المرأة والمرأة يوجد في صدرها لبن يرضعه الولد، لأن سبب التحريم هو اللبن فلا بد أن يكون هذا اللبن موجوداً في صدر المرأة ويرضع الطفل من صدر المرأة رضعة كاملة مشبعة ويَعُد خمس رضعات على هذا الحال حتى يحصل التحريم، الذي يُثبت حكم الرضاع هي خمس رضعات مشبعات لما أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: "كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن، ثم نُسخ بخمس رضعات فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يُقرأ من القرآن"، والرضعة يعني يأخذ الصبي الثدي فيمتص منه ثم يستمر على ذلك حتى يتركه باختياره بغير عارض، بغير عارض يعرض له، يتركه باختياره لأنه شبع منه، خمس رضعات على هذه الصفة يحصل بها التحريم.
وقوله: مع تيقن وجود اللبن كما ذكرنا سبب ثبوت حكم الرضاع هو اللبن فإذا لم يوجد لم يحصل حكمه.
اليوم أحدثوا أمراً جديداً وهو در اللبن عن طريق الإبر، إبرة يعطوها للمرأة فتدرُّ اللبن، تهيج هرمون اللبن وتدر لبناً، فهل هذا اللبن يحرِّم كما يحرِّم اللبن الطبيعي؟ إذا كان هذا اللبن مغذياً فيُحرِّم لكن التحريم يكون من جهة الأم لا من جهة الأب إلا على سبيل أنه زوج أُمّ وليس أباً لأنه ها هنا ليس هو صاحب اللبن، في هذه الصورة ليس صاحب اللبن، فالتحريم يكون من جهة الأم فقط، فالأم هي التي أرضعت الولد واللبن لبنها فيكون التحريم، أما الأب فيكون زوج أمٍ للطفل بالرضاعة.
قال المؤلف رحمه الله:((وكونِ الرضيع قبل الفطام)) يعني يشترط في الرضاع المحرم أن يكون الرضيع قبل الفطام، قبل أن يفطم، وذلك في العامين الأولين، وردت عدة أحاديث تدل على ما ذكر المصنف، أصح شيء في ذلك وهو صحيح ومتفق عليه عن عائشة قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - :"انظرن مَن إخوانكنّ فإنما الرضاعة من المجاعة"، معنى الحديث: أن الرضاعة التي تقع بها الحرمة هي ما كان في الصغر والرضيع طفل وقوته اللبن ويسد جوعه، وأما من كان منه بعد ذلك الحال الذي لا يسد جوعه اللبن ولا يشبعه إلا الخبز واللحم وما في معناهما فلا حرمة له، فإذن الرضاع الذي يحصل به التحريم هو ما كان في أول عامين من أعوام الطفل لقول الله تبارك وتعالى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }، فتمام الرضاع بالحولين الأولين.
قال المؤلف رحمه الله:((ويحرم به ما يحرم من النسب)) هذا لقوله - صلى الله عليه وسلم - :"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" متفق عليه، وهذا كنا قد بينّاه وفصلنا الكلام فيه عند مبحث التحريم.
قال المؤلف:((ويُقبَل قول المرضعة))
أي يثت به التحريم، قول المرضعة لما أخرجه البخاري عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، أي أرضعت عقبة وأرضعت أم يحيى، قال: فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأعرض عني وقال: فتنحيت، فذكرت ذلك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"كيف وقد قيل؟" وفي رواية عند البخاري:" وكيف وقد زعم أن قد أرضعتكما؟" فنهاه عنها، وفي رواية قال:"دعها عنك" وفي رواية"ففارقها عقبة" هذا كله يدل على أن قول المرضعة وحدها أنها أرضعت فلاناً وفلانة كافياً في ذلك.
قال المؤلف:((ويجوز إرضاع الكبير ولو كان ذا لحية لتجويز النظر))
هذه المسألة محل خلاف بين العلماء، مسألة إرضاع الكبير، وجمهور العلماء على منعها وأن إرضاع الكبير غير صحيح، الذي يقول بإرضاع الكبير وأن الرضاع في الكبر مؤثِّر يستدل بحديث امرأة أبي حذيفة، قالت: يا رسول الله: إن سالماً يدخل علي وهو رجل وفي نفسي أبي حذيفة منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :"أرضعيه حتى يدخل عليكِ" أخرجه مسلم في صحيحه، وهذا الحديث اختلفوا في توجيهه، فقال جمهور علماء الإسلام أن هذه الحادثة خاصة بسالم مولى أبي حذيفة، لكن هذا القول خلاف الأصل الذي عندنا، الأصل عدم (..)، والأصل عموم التشريع ولأن الدليل يُحمل على عمومه لا على خصوصه، فالأصل عندنا بعموم مثل هذه الأحاديث، لكن هذا الأصل معارَض بالحديث الذي ذكرناه أولاً وهو الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - :"إنما الرضاعة من المجاعة" وجاءت روايات أخرى أحاديث ثانية لكن فيها ضعف لكن هذا يغني ويكفي إن شاء الله، فالأحاديث التي جاءت تدل على أن الرضاع إنما يكون في العامين الأولين يعارضا هذا الحديث وهذا الذي دفع جمهور أهل العلم إلى القول بأن هذا الحديث خاص بسالم مولى أبي حذيفة.
قال المؤلف رحمه الله: باب الحضانة
الحضانة لغة: تربية الصغير ورعايته، مشتق من الحِضن وهو الجنب، لأن المربي والكافل يضم الطفل إلى جنبه.
والحاضن والحاضنة: الموكلان بحفظ ورعاية الصغير.
وفي الشرع: تربية وحفظ من لا يستقل بأمور نفسه، تربية وحفظ من لا يستقل بأمور نفسه كالطفل والمجنون ومن شابه.
والمقصود رعاية شئونه وتدبير طعامه وملبسه ونومه وتنظيفه وغسله وغسل ثيابه وما شابه من الأمور التي يحتاجها الصغير والمجنون ومن كان نحوهم.
قال المؤلف:((الأَولى بالطفل أمه ما لم تنكح))
إذا انفصل الأب عن الأم، طُلِّقا وتنازعا في الولد، من الذي يأخذه؟ قال المؤلف: الأولى بالطفل أمه ما لم تنكح، ما لم تتزوج، وهذا أصله ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أحمد وأبي داود أن امرأة قالت يا رسول الله: إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وحجري له حواءً، وثديي له سقاءً، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال:"أنتِ أحق به ما لم تنكحي" هذا هو الشاهد، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأم: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي"، أي ما لم تتزوجي، الولد لكِ ما لم تتزوجي فإذا تزوجتِ كان الولد لأبيه.
قال الولد رحمه الله:((ثم الخالة))
استدل بحديث البراء بن عازب في الصحيحين أن ابنة حمزة اختصم فيها علي (ابن أبي طالب) وجعفر(ابن أبي طالب أيضاً) وزيد ابن حارثة، فقال علي: أنا أحق بها، هي ابنة عمي، وقال جعفر: بنت عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لخالتها، قال علي: ابنة عمي وقال جعفر: ابنة عمي فجعفر هو جعفر ابن أبي طالب، وعلي هو ابن أبي طالب، وأبو طالب أخو حمزة، فعلي وجعفر ابنا أخيه لحمزة وحمزة عمهما، أما زيد ابن حارثة فمن أين جاءت له أخوَّته لحمزة؟ أخوة الرضاع، هو أخوه في الرضاع، فهي ابنة أخيه في الرضاع، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما اختصموا فيها، قال - صلى الله عليه وسلم - :"الخالة بمنزلة الأم" خالتها كانت عند جعفر، وجعفر قال: بنت عمي وخالتها تحتي، فزوجته هي خالتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"الخالة بمنزلة الأم"، من هذا الباب قال المؤلف رحمه الله:"ثم الخالة" أي بعد الأم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الخالة بمنزلة الأم.
هذا هو وجه الاستدلال، وهذا الاستدلال فيه نظر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط حق الأم إذا نكحت وصار الحق لمن؟ للزوج، وها هنا الخالة التي هي بمنزلة الأم، متزوجة، ومع ذلك جعل لها النبي - صلى الله عليه وسلم - حقاً، وأيضاً عندما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأم:"أنتِ أحق به ما لم تنكحي" فإذا نكحت يكون الحق لمن؟ للأب، فلم يذكر الخالة مع وجود الأب، فلا تقدَّم الخالة على الأب.
قال المؤلف رحمه الله:((ثم الأب)) لقوله - صلى الله عليه وسلم - للأم:"أنتِ أحق به ما لم تنكحي" وكما ذكرنا الصحيح أن الأب يقدم على الخالة.
قال المؤلف:((ثم يعيِّن الحاكم من القرابة من رآى فيه صلاحاً))
الحاكم يعيِّن من قرابة الطفل من يرى فيه صلاحاً ويرى فيه مصلحة بأن يرعى الطفل، فيه مصلحة للطفل برعايته له فيقدم الحاكم برعاية الطفل من هو أصلح للطفل.
هذا ما ذكره المؤلف وهو الصحيح لأن المراد من ذلك هو حفظ الطفل، أصلاً المراد من الحضانة حفظ الطفل، وبناءً على ذلك يُنظر إلى مصلحة الطفل .
قال المؤلف:((وبعد بلوغ سن الاستقلال يخيَّر الصبي بين أبيه وأمه. فإن لم يوجد كفله من كان له في كفالته مصلحة))
بعد سن الاستقلال يعني عندما يستطيع الصبي أن يستقل بنفسه في تنظيف نفسه وغسل ثيابه وإعداد طعامه وما شابه، إذا تمكن من استقلال نفسه قال: عندئذ يخيَّر بين أبيه وأمه، ويستدلون على ذلك بحديث ورد عند أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خيَّر ولداً بعدما وصل سن السابعة، خيَّره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أبيه وأمه، وجاء في رواية ثانية أن الولد كان أحد والديه كافر، وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :(..) ولكن هذه الرواية ضعيفة لا تصح، إنما الذي يصح هو أصل التخيير فقط وليس فيه أن أحد الوالدين كان كافراً، والذي يظهر لي والله أعلم أن هذا التخيير عندما تكون مصلحة الولد متوفرة ومرجوة ومتحققة عند الأب وعند الأم، لكن إذا كانت مصلحته متحققة عند أحدهما وغير متحققة عند الآخر فلا ينبغي أن يخَيَّر في هذا السن لأن تخييره لا معنى له، هو صغير ولا يعقل فلا يعرف مصلحته أين تكون.
هذا والله أعلم ونكتفي بهذا القدر وبهذا نكون قد انتهينا من كتاب الطلاق
قائمة الخيارات
52 [1.9 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الثلاثاء 29 ذو الحجة 1433
عدد المشاهدات 6651
عدد التحميلات 139
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق