الاثنين 1 رجب 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-81 كتاب الصلاة، الحديث 359و360و361و362و363و364   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (25-35)   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (17-24)   تفسير القرآن: تفسير سورة هود 9-16   تفسير القرآن: تفسير سورة هود (1-8)   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-80 كتاب الصلاة، الحديث 351و352و353و354و355و356و357و358   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-79 أول كتاب الصلاة، الحديث 349و350   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-15 الأخير   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-14   الصوتيات: شرح العقيدة الشامية-13      

الدرس الثامن والأربعون

[الدرس الثامن والأربعون]



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
قال المؤلف رحمه الله:((والعُربون. والعصير إلى من يتخده خمرا. والكالئ بالكالئ. وما اشتراه قبل قبضه. والطعام حتى يجري فيه الصاعان)) .
ولا يجوز بيع العربون.
العربون: أن يُعطي البائع درهماً أو دراهم، مالاً على أنه من الثمن، يعني أن يُعطى البائع درهماً أو دراهم على أنه من الثمن، وإن رد السلعة ولم يدفع بقية الثمن كان ذلك للبائع. الصورة معروفة ومتعامل بها اليوم، تأتي تريد كتاب مثلاً وأنت متردد في شراء هذا الكتاب وتخشى إن تركت شراءه الآن أن يضيع عليك وأن يُباع فتحجز هذا الكتاب بدفع مبلغ من المال لصاحبه وتقول له: إن أتيتك في الوقت الفلاني أخذته وأعطيتك بقية المال، وإن لم آتِ أو لم أشترِ فالمال الذي عندك، الذي هو العربون يكون لك.هذه صورته، واختلف أهل العلم في حكمه.
نحن يهمنا في دروسنا هذه بيان صورة المسألة وحكم المسألة ودليلها، طبعاً كثير من المسائل الفقهية مختلَف في تفريعاتها ولكن كَوْن هذا الكتاب كتاباً للمبتدئين نكتفي به بهذه الأمور: تصوُّر المسألة مع ذكر الدليل، معرفة المعنى الذي جاءت له المسألة وحكم المسألة ونكتفي بهذا القدر من موضوع البحث، وبعد أن تُعرف هذه الأمور، بقية المسائل تصبح سهلة، والخلافات بين العلماء والأقوال مجرد أن تقرأ في كتاب كبير تستطيع أن تفهم على العلماء بشكل سهل بما أنك فهمت صورة المسألة وعرفت دليلها وعرفت حكمها.
الآن حكم بيع العربون هذا اختلف فيه أهل العلم ما بين مجوِّز ومانع، فبعضهم جوَّز بيع العربون هذا والبعض منع، وسبب الخلاف اختلاف الأدلة فقد جاء عند مالك في الموطأ من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العربان" وأخرجه أبو داود وغيره أيضاً، وبيَّن الإمام البيهقي رحمه الله ضعف هذا الحديث، والعُربان والعربون بمعنى واحد لا فرق، والحديث ضعيف بيَّن الإمام البيهقي رحمه الله ضعفه في السنن الكبرى.
هذا حديث فيه النهي عن بيع العربون.
وأخرج بن أبي شيبة في المصنف عن زيد بن أسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحلَّ العربان في البيع، يعني أحل بيع العربون، وهو مرسل، من رواية زيد بن أسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن أسلم ليس صحابياً، فالحديث مرسل فهو ضعيف أيضاً، إذن فحديث التحريم ضعيف، وحديث الإباحة أيضاً ضعيف، ولا يصح حديث مرفوع في هذا الباب، فالذين حرَّموا استندوا على الحديث المتقدم وقالوا بأنه من أكل أموال الناس بالباطل ، فهذا البائع الذي أخذ المال هنا أخذه من غير وجه حق، والذين أحلوا استدلوا بالحديث الآخر الذي هو أيضاً ضعيف، وضعَّفوا الحديث الأول وردّوا القول الذي يقول بأنه من أكل أموال الناس بالباطل، قالوا بل هو مالٌ أُخذ للضرر الذي يلحق البائع من تأخير البضاعة عنده، ما أُخِّرت البضاعة هذه ولا حُجزت إلا لأن هذا الشخص قد أرادها، على أساس أنه قد أراد شراءها، لذلك أُخرت ربما يأتيها بيع ولا تباع بسبب هذا الشخص فحصل تعطيل وحصل ضرر على البائع نتيجة هذا الحجز الذي حجزه المشتري، فلما تركه صار المال الذي حُجز من حق البائع فليس هو من أكل أموال الناس بالباطل في شيء .
وهذا القول الثاني هو القول الصحيح، أن بيع العربون جائز لأن الأصل عندنا حِلّ المعاملات، الأصل عندنا حل البيع ما لم يأتِ دليل صحيح على تحريمه، وهذه المسألة ليس فيها دليل صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والتعليل الذين عللوا به أيضاً لا يسلَّم فلم يبقَ إلا القول بالجواز، وهذا القول منقول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن ابن عمر وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وأما بيع العصير إلى من يتخذه خمراً، فالمراد بالعصير عصير العنب، فإن الشخص إذا أبقاه وخزَّنه تحول إلى خمر مسكر، هذا العصير الي هو عصير العنب، ومن علم أن مشتريه أراد أن يتخذه خمراً حرُم عليه أن يبيعه إيّاه، حرم عليه بيعه إياه، لقول الله تبارك وتعالى { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ المائدة/2]، فهذا عندما يعلم أن هذا الشخص يريد أن يأخذ العصير ويتخذه خمراً فقد أعانه على هذا الفعل، وهو داخل فيما نهى الله تبارك وتعالى عنه.
وأخرج أبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :"لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه"، ففي الحديث إشارة إلى كل معاونٍ عليها ومساعد فيها، كل معاون عليها ومساعد فيها فله نصيب من هذه اللعنة.
والبيع باطل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وهذا البيع ليس عليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهكذا الحكم في كل ما يُقصد به الحرام، هذا الحكم عام في كل ما يُقصد به الحرام كبيع السلاح في وقت الفتنة، بيع السلاح في وقت الفتنة التي تقع بين المسلمين، إذا أخذ المسلمون يقتل بعضهم بعضاً، فلا يجوز لك كتاجر أسلحة أن تبيع أسلحة للمسلمين، لماذا؟ لأنك تعلم أن هذا الشخص اشترى السلاح كي يقتل به مسلماً آخر، وهذه عظيمة من العظائم، كبيرة من الكبائر، وأنت تكون قد أعنته عليها فلا يجوز هذا الفعل وهو داخل في قول الله تبارك وتعالى{ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ المائدة/2].
أو بيع السلاح لقُطّاع الطرق كذلك، لأن قطاع الطرق يقتلون به الناس سواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين من المستأمنين أو غيرهم، فمثل هؤلاء لا يجوز بيع السلاح لهم لأنهم من المفسدين في الأرض.
وبيع الأَمة للغناء كذلك يدخل في هذا، بيع الأمة للغناء يدخل في هذا الباب كذلك لأن الغناء محرَّم، فبيع الأمة لأجل هذا الغناء لتغني للشخص يحرم أيضاً لأنه من التعاون على الإثم والعدوان.
أو إجارة داره لبيع الخمر، شخص جاءك وأنت عندك دكاكين، وأراد أن يستأجر منك دكاناً ليبيع الخمر، يفتحها خمّارة أو يفتحها كما يسمونه اليوم النادي الليلي، كازينو، بار، أو ما شابه من الأشياء أو محل لبيع الدخان، فمثل هذا داخل كله في قول الله تبارك وتعالى { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ المائدة/2].
طيب، شخص أراد أن يفتح محلاً للأنترنت يجوز أو لا يجوز؟ هذا موجود كثير ونُسأل عنه كثير، يريد أن يفتح محل للأنترنت؟
الطالب: يجوز.
الشيخ: لماذا يجوز؟
الطالب: لأنه ليس كله حرام.
الشيخ: صح ليس كله حرام لكن الغالب على استعمال الأنترنت ما هو ؟
الطلبة: الحرام.
الشيخ: هذا هو، الغالب على استعمال مقاهي الأنترنت في الأفلام الإباحية والموسيقى والغناء وما شابه من الفساد، هذا مَن يسأل الذين هم خبراء بمثل هذه المقاهي يعرف، فكون الغالب على استعماله من هذا النوع فلا يجوز فتحه.
والإثم الذي ورد في الآية هو: ترك ما أمر الله بفعله.
والعدوان: مجاوزة ما حدَّ الله في الدين، مجاوزة ما فرض الله عليكم في أنفسكم وفي (..).
وأما بيع الكالئ بالكالئ، أصله مأخوذ من كلأَ الدَّين أي أخَّر، فأصله مأخوذ من التأخير، والمراد به عند الفقهاء بيع الدَّين بالدين، هكذا يعبرون عنه الفقهاء، وهو بيع الغائب، بيع الشيء الغائب عن مجلس العقد.
هذا بيع الكالئ بالكالئ، يعني بيع الشيء الغائب عن مجلس العقد بالشيء الغائب عن مجلس العقد، فكل ما غاب فيه الثمن والمبيع يكون من بيع الكالئ بالكالئ، كأن يشتري مثلاً شخص ما، يشتري شاة بمئة دينار، زيد وعمرو، زيد عنده شاة تساوي مئة دينار، وعمرو جاء إليه في بيته وأراد أن يشتري منه هذه الشاة بمئة دينار، ولا زيد عنده الشاة معه في المجلس ولا عمرو معه المئة دينار في المجلس، جاءا وجلسا وتعاقدا على البيع على أن هذا له الشاة وهذا له المئة دينار، أمر غائب، لا المئة دينار موجودة ولا الشاة موجودة فكلاهما غائب، الثمن والمبيع، هذا البيع باطل بالإجماع، بيع الغائب بالغائب، فإذا حضر أحد الأمرين في مجلس التعاقد صح البيع، إذا دُفعت المئة دينار في المجلس ثم سلَّمه بعد ذلك الشاة التي هي ليست مجهولة عنده معلومة، صح البيع، أو سلَّمه الشاة وقال له: أعطيك المئة دينار فيما بعد لكن الشاة سُلِّمت في مجلس العقد صح البيع، لكن أن تكون الشاة غائبة وتكون المئة دينار أيضاً غائبة هذا لا يجوز، وهذا نقلوا فيه الإجماع، ورد فيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" أخرجه الحاكم وغيره، ولكن الإمام أحمد رحمه الله ضعَّف هذا الحديث ونقل الاتفاق على تحريم ذلك، والعقد باطل.
وأما ما اشتراه قبل قبضه.
فيحرم بيع الشيء قبل قبضه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تُباع السلع حتى تُسْتَوْفى"، حتى تقبض أخرجه مسلم، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: أما الذي نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فهو الطعام المباع حتى يُقبض، قال ابن عباس: ولا أحسِب كل شيء إلا مثله. كل شيء مثل الطعام فليست المسألة خاصة بالطعام كما ذهب إليه بعض أهل العلم، ابن عباس يقول: وأحسب كل شيء مثله، ويؤكد ما ذهب إليه ابن عباس حديث حكيم ابن حزام قال: قلت يا رسول الله: إني أبتاع هذه البيوع فما يَحِلُّ لي منها وما يَحْرُمُ علي؟ قال: يا ابن أخي: "لا تبيعنَّ شيئاً حتى تقبضه"، فهذا لفظ عام، لا تبيعنَّ شيئاً حتى تقبضه وهذا أمر عام في الطعام وفي غيره.
قال البيهقي: هذا إسناد حسنٌ متصل.
فإذا ذهبت إلى البنك وأردت أن تشتري منه سيارة، فقال لك: اذهب وانظر إلى السيارة التي تريدها من المعرض وائتنا بثمن السيارة من هناك، تذهب إلى المعرض وتأتي لهم بثمن السيارة أن ثمنها عشرة آلاف دينار، فيبيعك البنك هذه السيارة بعشرين ألفاً، والسيارة مكانها في المعرض، حتى وإن كان البنك قد وقَّع عقداً مع المعرض على أن يشتري هذه السيارة، لا يُقبل منه لماذا؟ لأنه لم يقبض السيارة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الشيء حتى يُقبض، وإن تم العقد بينه وبين صاحب المعرض، وإن تم الشراء بينه وبينه إلا أن القبض لم يتحقق، فالقبض هنا لم يتحقق، فالسيارة لا زالت في المعرض، لا زالت عند صاحبها الأول في المعرض، ولا يتحقق القبض في هذه الحالة حتى يخرجها البنك من المعرض، في هذه الحالة يكون قد قبضها، فإن باعها بعد ذلك من غير أن يُلزم المشتري بأي نوع من الإلزام قبل ذلك فيجوز وإلا فلا، الآن صورة البنوك الموجودة اليوم بهذه الصورة، يبيعك السيارة أو أي شيء آخر بهذه الطريقة وهي عبارة عن معاملة للتحايل على الربا، أصل الصورة ماذا؟ تذهب إلى البنك، تأخذ منه عشرة آلاف دينار دَيْن، قرض، فيعطيك عشرة آلاف ويكتب عليك عشرين ألفاً تردَّها، فهو ربا صريح، (..)لا خفاء فيه، وهذه البنوك البعيدة حتى عن تسمية الإسلامية تتعامل بهذه الطريقة، تقول لك: نحن نأكل الربا صراحة، البنوك الإسلامية أرادت أن تضمن المال بنفس الطريقة التي فيها ضمان قضية الربا، فماذا أرادت أن تفعل؟ فعلت هذه الصورة في البيع كي تعطي المسألة صورة الحل، الصورة صورة بيع ، حقيقة لا في بيع ولا شيء، الصورة صورة بيع، فهذا منهي عنه فلا يجوز للشخص أن يبيع شيئاً حتى يقبضه، كيف يكون القبض؟
الآن عندنا الشراء شيء والقبض شيء آخر، عقد الشراء إذا جئت للشخص وقلت له: أريد أن أشتري منك هذه السيارة وقال لك: بعتك وهو استلم وقال: خلاص أنا اشتريت، تم العقد بينهما، فإذا تفرقا خلاص لا يجوز لأحدهما أن يرجع فيما عقده مع الآخر، لكن مسألة التقابض مسألة زائدة.
كيف يتم التقابض الآن؟ عندنا الأشياء إما أن تُناوَل وتعطى كجهاز الهاتف هذا، هذا يناوَل، فقبضه بمناولته.
أو أن تكون الأشياء مما يُنقل، كالسيارة مثلاً، الشيء هذا السيارة تُنقل، فإذا أخرجها المشتري من المكان الخاص بالبائع يكون قد قبَضها، قبْضها يكون بنقلها من المكان الذي يختص بالبائع.
طيب إذا كان الشيء لا يُنقل ولا يناول كالعقارات والأراضي، كيف تقبض؟ بالتَّخْلِيَة، إيش يعني التخلية؟ تأتي أنت وتريد أن تشتري هذا البيت، أبيعك البيت، يتم العقد بيني وبينك وتنصرف أنت إلى بيتك، إلى الآن ما حصل القبض، إذا جئتني فقلت لك: تفضل المفتاح وهذا البيت أمامك قد فرَّغته لك، فهنا الآن قد خلَّيت بينك وبين هذا البيت وفرَّغته من حاجتي، فخليت بينك وبين البيت تتصرف به كما تشاء، هنا يكون القبض قد حصل وتم، وإذا تركت لك الأرض إذا كانت مزرعة مثلاً، تركتها وخرجت منها وخلَّيت بينك وبينها تستفيد منها كما تشاء، عندئذ يكون التقابض قد حصل، هكذا يكون التقابض، وكل شيء بعد ذلك على حسب العرف يكون تقابضاً.
وحكمة النهي عن بيع السلع قبل قبضها، إغلاق الطريق على المتحايلين على الربا، كما يحدث الآن عند كثير من البنوك الإسلامية، فهو سد للذريعة.
وكذلك قبل القبض تكون السلعة في ضمان البائع، أنت اشتريت سيارة من زيد، زيد هو البائع، السيارة ما دامت عنده فهو الذي يضمنها، إذا سقط السقف عليها وحطمها هو الذي يضمنها وإن كنت أنت اشتريتها، لكنها ما زالت في ضمانه إلى أن يقبضها المشتري، فإذا أُهلكت أو أُعدمت يكون ضمانها على البائع، فإذا باعها المشتري يكون باع ما لم يضمن، يكون باع ما لم يتحمل تبعاته، فمثل هذا الحال لا يجوز، أنت عندما تريد أن تربح في شيء، ينبغي أن تكون أنت متحمل تبعات هذا الشيء، فالغُنم بالغُرْم ، فإذا كنت تَغرَم تغنم وإذا كنت تغنم تغرم، أما أن تغنم بدون غرم أو تغرم بدون غنم لا.
وأما الطعام الذي يجري فيه الصاعان، فقد ورد فيه حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان" صاع البائع وصاع المشتري.
هذه طريقة من طرق قبض الطعام، فلا يُكتفى فيه بالكيل الأول، عندما تأتي وتشتري من زيد طعاماً ويكيله لك، عندما أنت تريد أن تبيعه، تريد أن تكيله كيلاً جديداً للبيعة الجديدة. هذا معى الحديث .
ثم قال المؤلف رحمه الله:((ولا يجوز الاستثناء في البيع إلا إذا كان معلوماً ومنه استثناء ظهر المبيع))
صورة المسألة أن تقول لرجل مثلاً: بعتك عبيدي إلا عبداً، أو بعتك سياراتي إلا سيارة، الآن العبد هذا المستثنى معلوم؟ غير معلوم، فيه جهالة أو لا؟ فيه جهالة بالبيع هنا، السيارة التي استُثنيت معلومة أو ليست معلومة ؟ مجهولة، إذاً فيه غرر، عندنا غرر في مثل هذا البيع، حتى يكون المستثنى معلوماً، عندئذ يجوز، فإذا قلتَ: بعتك عبيدي إلا زيداً، وزيد هذا كان عبداً من عبيدي معلوم، فمثل هذا الاستثناء جائز.
قال المؤلف: ومنه استثناء ظهر المَبيع، أي من الاستثناء المعلوم الجائز، استثناء ظهر المبيع كأن يكون عندك جمل أو سيارة، تبيع هذا الجمل لشخص، تقول له: ولكن أشترط أن أركب الجمل من هذا المكان إلى البيت الفلاني أو إلى المدينة الفلانية، هنا استثناء من البيع ولكنه استثناء معلوم، دليل هذا حديث جابر عند مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثُّنَيّا، بيع الثُّنَيّا يعني الاستثناء في البيع، بعتك عبيدي إلا عبداً.
وعند أبي داود زيادة"إلا أن يُعلم" يعني إلا أن يكون المستثنى معلوماً، والدليل على أن استثناء ظهر المبيع جائز حديث جابر في الصحيحين أنه باع النبي - صلى الله عليه وسلم - جملاً وقال: فاستثنيت حُملانَه إلى أهلي، جابر يقول: بعت الجمل للنبي - صلى الله عليه وسلم - واستثنيت حملانه إلى أهلي، يعني قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أشترط أن يحملني هذا الجمل إلى أهلي وكانوا في الطريق إلى المدينة. وفي رواية قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :"لك ظهره إلى المدينة"، يعني لك أن تركبه وأن يوصلك إلى المدينة، فهنا اشترط جابر رضي الله عنه شيئاً معلوماً إلى وقتٍ معلوم، فيجوز مثل هذا الاستثناء، أما إذا كان الاستثناء غير معلوم فهنا لا يكون الاستثناء جائز.
قال المؤلف رحمه الله:((ولا يجوز التفريق بين المحارم. ولا أن يبيع حاضرٌ لباد.والتناجُشْ. والبيع على البيع. وتلقي الرُّكبان. والاحتكار والتسعير. )) هذا كله غير جائز.
قال: ولا يجوز التفريق بين المحارم.
أي عند بيع العبيد والإماء، كأن يفرِّق الشخص بين الأختين أو بين الأخوين أو بين الأم وابنها أو بين الأب وابنه، هؤلاء كلهم من المحارم فلا يجوز التفريق بينهم على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، واستدل المؤلف ومن معه على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ فرَّق بين والدة وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وهو حديث ضعيف، هذا حديث أبي أيوب الأنصاري وهو حديث ضعيف، وكذا حديث علي"أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما وفرَّقت بينهما فذكرت ذلك له فقال: أدركهما فارتجعهما ولا تبعهما إلا جميعاً" يعني مع بعضهما لا تفرِّق بينهما، أخرجه أحمد وابن خزيمة والحاكم وغيرهما وهو ضعيف أيضاً.
وفي حديث أبي موسى قال:"لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من فرَّق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه" أخرجه ابن ماجه وهو ضعيف كذلك، والخلاصة أنه لا يصح عندي شيء في هذا الباب من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن نقل أهل العلم اتفاق الفقهاء على منع البيع الذي يؤدي إلى التفريق بين الأم وولدها الصغير، هو واحد اتفقوا عليه، التفريق بين الأم وولدها الصغير وليس بين المحارم كلهم، لم يتفقوا على هذا إنما الاتفاق حصل فقط في منع التفريق بين الأم وابنها في البيع. قال ابن المنذر رحمه الله في كتابه الأوسط وهو من أنفس كتب الفقه الذي يسمى اليوم بالفقه المقارَن، فقه مبني على طريقة أهل الحديث، فقه سلفي بمعنى الكلمة، مبني على طريقة أهل الحديث، كتاب الأوسط لابن المنذر رحمه الله، من أنفس الكتب حقيقة .
قال: وأجمع كل مَنْ نحفظ عنه من أهل العلم على التفرقة بين الولد وبين أمه، والولد طفلٌ لم يبلغ سبع سنين ولم يستغنِ عن أمه غير جائز.
هذه الصورة المتفق عليها، أن الولد إذا كان أقل من سبع سنين ولم يستغنِ عن أمه في الطعام والشراب والملبس فيحتاج إليها في كل هذا، هنا لا يجوز التفريق بينه وبين أمه عند البيع، هذا محل اتفاق، فإذا وقع البيع فالبيع باطل.
واختلفوا في السن التي يجوز التفريق بعدها، وما اتفقوا عليه هو أن الولد إذا كان لا يزال لا يستغني عن أمه في الطعام والشراب والملبس فلا يجوز التفريق بينهم، وذكر ابن المنذر أن ذلك إلى السنة السابعة، واختلفوا بعد ذلك، فمن قائل إلى البلوغ ومن قائل حتى بعد البلوغ، أقوال، ما أجمعوا عليه نقول به أنه لا يجوز التفريق بين الأم وولدها إلى السن السابعة لأن الولد لا يستغني عن أمه في هذه السن، وبعد ذلك مَنْ أتى بقولٍ فعليه بدليله، فلا يؤخذ بقولٍ بلا دليل، هذا الدليل معنا في الإجماع على أن سن السابعة لا يجوز التفريق بينه وبين أمه بها ولا قبل ذلك، لكن بعد سن السابعة نقول يجوز، لماذا؟ لعدم الدليل .
أما مسألة المحارم فهذا كما ذكرنا الأحاديث الواردة فيها ضعيفة لا تصح فلا يُعتمد عليها.
ثم قال رحمه الله:((ولا أن يبيع حاضر لِباد)) الحاضر هو المدني، المقيم في المدينة، والباد نسبة إلى البادي، والمراد القادم من البادية لبيع سلعته، فالحاضر في المدينة لا يبيع لشخص جاء من خارج المدينة لبيع سلعته.
صورة المسألة: أن يحمل البدوي متاعه إلى بلد يريد أن يبيعه بسعر يومه فيأتيه الحاضر فيقول له: ضع متاعك عندي واتركه أبيعه لك شيئاً فشيئاً بثمنٍ أغلى من السعر الذي ستبيع به، لأنه الذي يأتي من الخارج يريد أن يبيع وينصرف، يريد أن يرجع إلى أهله، فيضطر أن يبيع بأقل من سعر السوق، فإذا أخذ الحاضر البضاعة من هذا الشخص وباعها له سيبيعها بسعر السوق وربما أغلى، هذا الذي نهي عنه. قال ابن عباس رضي الله عنه: لا يكون له سمساراً. لا يفعل هذا الفعل ، هذا حماية لأهل السوق، لدفع الضرر عن أهل السوق.
العلة بيَّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث، جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يبِع حاضر لباد" هذا في حديث أبي هريرة (..)، أما في حديث ابن عمر قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر لباد" .
وفي حديث جابر عند مسلم أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علة النهي فقال:" لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" فكانت العلة عند أهل العلم نفع الحاضر أهل البلد ودفع الضرر عنهم برُخص الأثمان والتوسعة في السِّعر، لأن المصلحة الخاصة إذا تعارضت مع المصلحة العامة، تقدَّم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
ثم قال المؤلف:((والتناجُش)) التناجش من النجش وأصله الاستثارة، وهو أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها ولكن ليَسمعه غيره فيزيد على زيادته، بعضهم يصنع هذه الحيلة معروفة، يكون اثنين متفقان مع بعضهما، أحدهما يضع السلعة يبيعها، ويرى الناس مجتمعين عنده فيذهب الآخر ويأتي ويضع ثمناً في السلعة هذه هو لا يريد أن يشتري ولكن يريد الناس أن يضعوا ثمناً أعلى من الثمن الذي وضعه هو. هذا هو بيع النجش، هذا فيه خداع واضح لذلك نهي عنه، وهو محرَّم، والمشتري إذا اشترى سلعة بهذا الفعل فهو مخيَّر، إن شاء أخذ السلعة وإن شاء ردها. جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "لا يُتلقى الركبان لِبَيْع، ولا يبع بعضكم على بعض ولا تناجشوا" هذا الشاهد، قال:"ولا تناجشوا"، "ولا يبع حاضر لباد ولا تُصَرّوا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها فإن رضي أمسكها وإن سخطها ردّها وصاعاً من تمر".
ثم قال المؤلف رحمه الله:((والبيع على البيع))لمِا جاء في حديث أبي هريرة قال: ولا يبع بعضهم على بعض، في رواية"ولا يبع أحدكم على بيع أخيه"، قال أهل العلم: وذلك إذا تقاربا وركن البائع إلى السائم-أي جاء شخص يسوم السلعة، يعني يعطي فيها سعراً، يقول أنا أشتري منك هذه بعشرة دنانير والبائع قال له: اجعلها تسع، اجعلها عشر إلى آخره يعني صار في بينهم توافق في السعر خلاص ركنوا إلى بعضهما وتقاربا وقارب على أن يتم العقد، خلاص ما بقي بينهم شيء، ولم يبقَ إلا العقد فقط، في هذه الحالة لا يجوز لأحد أن يأتي ويدخل بينهما ويضع سعراً جديداً للسلعة، خلاص يتركه، وإذا كان على غير ذلك فجائز ما في بأس، طيب لماذا جوَّزوا أن يأتي شخص مثلاً ويضع سعراً في السلعة دون أن يكون بينهما تقارب؟ لأنهم قالوا قد جاز بيع المزايدة، يعني بيع الشيء فيمن يزيد، تأتي بهذه السلعة تقول: وُضع فيها عشر دنانير، من يزيد؟ يقول الآخر خمسة عشر، الثاني عشرين، كذا، هذا جائز، ما في بأس عندهم وذكر أدلة جوازه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، بوَّب عليه وذكر الدليل على الجواز استنباطاً منه، فإذا كان هذا جائز وهذا من بيع بعضهم على بعض وهو أحدهم يضع في السلعة سعراً بعد أن وضع أخاه سعراً، لكن قالوا هذا غير داخل في النهي لأنه قد جاز بيع المزايدة، إذاً ما هي الصورة المنهي عنها؟ هي التي ذكرناها، إذا تقارب البائع والمشتري فركن بعضهم إلى بعض واتفقوا على كل شيء ما بقي إلا العقد، هنا نقول لا يجوز أن تدخل بينهما بعد ذلك، كما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - نكاح المسلم على نكاح أخيه، نفس الصورة ونفس القضية، النكاح المنهي عنه هناك هو ماذا؟ هو أن يتفق الجميع وما يبقى إلا عقد النكاح فيما بينهم، هنا لا يجوز الدخول بينهم، أما مجرد الطلب فقط يجوز أن يتقدم وأن يخطب.
ثم قال:((وتلقي الرُّكبان)) تلقي الركبان كذلك لا يجوز، الركبان جمع راكب، والمقصود إذا وقع مثلاً خبر بقدوم قافلة للتجارة فلا تذهبوا وتستقبلوها وتشتروا منها قبل أن تنزل إلى السوق، لماذا؟ لأنهم قبل أن ينزلوا إلى السوق لا يعرفون الأسعار، وأنتم عندما تستقبلونهم تكونون قد أخذتم منهم السلع بثمنٍ قليل عن سعر السوق قبل أن ينزل، ومثل هذا لا يجوز فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تلقي الركبانهنا حفظاً لمصلحة الركبان، حفظاً لمصلحة التجار الذين جاءوا إلى السوق، فالشارع حفظ مصالح الجميع، ما راعى مصلحة دون مصلحة وترك الأخرى إلا عند التعارض يرجِّح ما هو ... وهذا البيع فيه خديعة وفيه غرر لذلك نهي عنه، وفي رواية للحديث الذي تقدم معنا من النهي عن تلقي الركبان قال:" فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" صاحب البضاعة إذا جاء إلى السوق ووجد نفسه قد غُبن وغُش خُدع فله أن يرجع في البيع إذا أراد.
ثم قال:((والاحتكار)) الاحتكار هو شراء السلعة وحبسها لتقِلَّ بين الناس فيرتفع سعرها، هذا معنى الاحتكار، والاحتكار محرَّم، احتكار السلعة كما يفعل التجار اليوم يأخذون السلع ويخبئونها حتى تنقص وتشح في السوق وترتفع أسعارها، هذا الاحتكار محرَّم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يحتكر إلا خاطئ" أخرجه مسلم، ولا فرق بين سلعة وأخرى، بما أن الناس يحتاجونها فلا يجوز الاحتكار فيها، وعلة التحريم دفع الضرر عن الناس .
ثم قال:((والتَّسعير)) التسعير وضع سعر محدد للسلعة، معروف، كثير من الدول تتعامل (..)، يضعون لبعض السلع أسعاراً معيَّنة لا يجوز مخالفتها، وهذا جاء فيه حديث عن أنس قال:قال الناس يا رسول الله: غلا السعر فسعِّر لنا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال".
والتسعير عند أهل العلم ينقسم إلى قسمين: قسم يلجأ إليه ولاة الأمور لظلم الناس واحتكارهم، وهذا لا بأس به لأنه من السياسة الحسنة ولأن فيه رفع الظلم عن الناس، طبعاً جشاعة التجار تدفعهم إلى أن يتسلطوا على أموال الناس، فلا بد من كابح يكبح هذا الفعل، ففي هذه الحالة جاز التسعير إذا كان في رفع الأسعار ظلم على الناس.
وقسمٌ آخر يكون سبب رفع الأسعار أمرٌ من عند الله تبارك وتعالى وليس فيه تصرف من قبل التجار ولا جشاعة منهم ولكن أمرٌ من عند الله بسبب حرب حصلت أو سبب مثلاً قلة البضاعة في العالم أو ما شابه، مثل هذا السعر يرتفع وحده ولا يكون نتيجة تصرُّف التجار وظلمهم للناس، ففي هذه الحالة لا يجوز التدخل وتسعير البضاعة، ودليل ذلك هو الحديث المتقدم لأن مثل هذه الحالة ليس فيها رفع ظلم فتدخل في الحديث الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - ورفض النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسعر واعتبر ذلك من الظلم، فلذلك يَحرم والله أعلم
ونكتفي بهذا القدر وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
قائمة الخيارات
61 [3.3 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الثلاثاء 29 ذو الحجة 1433
عدد المشاهدات 8519
عدد التحميلات 152
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق