هذا ديننا الذي نعتز به، والحمد لله على توفيقه، فهو يدعو إلى الاعتدال في كل شيء، بين الإفراط والتفريط، فلا هو مع المفسدين في الأرض المستخفين بأرواح الناس، ولا مع من يحافظ على النفوس حتى لو كانت نفوساً خبيثة في بقائها فساد في الأرض وضرر على الخلق: فالأصل فيه تحريم قتل النفس إلا لدفع مفسدة. ومن هذا تعلم فساد طريقة الخوارج ومن سلك مسلكهم المستخفين بالدماء، وطريقة العلمانيين الذين عطلوا قتل القاتل والنفوس الخبيثة المفسدة في الأرض، ومنعوا رفع المفاسد بأنواعها؛ فعم الفساد في الأرض بسبب عقولهم الضعيفة وأهوائهم المريضة التي مالت بهم من الإفراط إلى التفريط.
وفي الجهاد الشرعي الصحيح الذي شرعه الله - لا جهاد الخوارج - بحكمه وأحكامه وفي حدود الله وأحكامه؛ تحقيق للمصالح ودفع للمفاسد بأنواعها. والله أعلم
قال ابن دقيق العيد وابن العطار في شرح العمدة (3/ 1696) وجمع من العلماء غيرهم عند حديث: "أَنَّ امْرَأةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَقْتُولَةً، فَأنكرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَتْلَ النِّسَاء وَالصِّبْيَانَ"، قال: ولا شك أن النساء والصبيان ليس في نفوسهم من إحداث الضرر والميل إليه ما في نفوس الرجال المقاتلين، ((والأصل عدمُ إتلاف النفوس، إنما أبيح من إتلافها ما يقتضيه رفع المفسدة))، والغالب عدم القتال من النساء والصبيان، فرفع عنهم القتل؛ لعدم مفسدة المقاتلة في الحال الحاضر، ورجاء هدايتهم عند بقائهم، ولعدم ميل نفوسهم إلى التشبث الشديد بما يكون عليه الرجال كثيرًا وغالبًا من المنع والممانعة حال المقاتلة، والله أعلم.
وأجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فلو قاتلوا، قال جماهير العلماء: يُقتلون. انتهى