قضية الجهاد في أفغانستان وفلسطين وغيرهما من البلدان التي يضطهد فيها المسلمون
قال الشيخ زيد بن محمد المدخلي في " الأفنان الندية " (4/79) :
إن قضية الجهاد في أفغانستان وفلسطين وغيرهما من البلدان التي يضطهد فيها المسلمون ؛ لا تكفي كتابة الكتّاب عنها ، ولا تأريخ المؤرخين لها ، ولا نقل الأخبار عن مآسيها وفجائع أهلها ويتم أطفالها ، والعبث بعفّة عفائفها ، والاستئثار بخيراتها ، ولا يكفي البكاء و لا العويل ولا الشجب والإنكار من قريب أو بعيد .
نعم ؛ كل ذلك لا ينفع لإنقاذ أهلها وتطهير أرضها من رجس المحتلين لها ، والعازمين على القضاء على عقيدة الإسلام وسائر شعائره الطاهرة والمطهرة وآدابه الرفيعة السامية ، ولكن الذي يجدي ويكفي بإذن الله تعالى هو تكوين جيش إسلامي قد رضي قادته وجنوده بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، وبالشهادة في سبيل الله غاية عظمى ومطلباً مقدّساً .
ولعل قائلاً يقول : وكيف يتكون هذا الجيش ؟ ومتى ينزل ساحة الوغى ليحقق الله به وعلى يديه إحدى الحسنيين النصر والغنيمة أو الشهادة التي هي أسمى المقاصد واشرف الأماني لما فيها من رضا الله ونعيم جنته ؟
ونقول له : إن هذا الجيش سيتم بمشيئة الله في الوقت الذي تكون لدى حكام المسلمين والمسلمين قناعة تامة لا تردد فيها بأن دين الإسلام الذي ينتمون إليه هو الدين الحق ، ومن ثمّ يطبقونه في حياة العمل جملة وتفصيلاً: في العقيدة والشعائر والمعاملات والآداب والحرب والسلم ، وفي كل شأن من شؤونهم ، حينئذ يختزل كل حاكم مسلم من جيشه المدرب على أنواع أسلحة العصر عدداً لا يضر بأمن بلده ويكون هذا الجيش تحت قيادة موحدة ، وقبل أن ينزل معركة الجهاد ؛ يهيأ العلماء المعروفون بصحة العقيدة والغزارة في العلم والحكمة في الدعوة والتوجيه فيتولون تعليم هذا الجيش، حتى يصبح جيشاً متعلماً موحداً مؤدياً للشعائر التعبدية يعرف كيف يصلي ولو كان في المعركة ، ويعرف الحكمة الشرعية من الجهاد في سبيل الله ، ويعلم فضل الشهادة في سبيل إعلاء كلمة الله ، ويتطلع إلى منازل الشهداء العالية الرفيعة التي تحدّث عنها الصادق المصدوق فقال : " وأخرى يرفع بها العبد مئة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، قالوا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، الجهاد في سبيل الله " رواه مسلم .
ثم يفتح باب التطوع بالنفس والمال ، ومن أحب من المسلمين شباباً وكهولاً أن يجاهد ؛ فإنه ينضم إلى هذا الجيش الإسلامي الكبير من أجل إعداده حسيّاً ومعنويّاً كي يكون مسلحاً بسلاح الإيمان الحق ومدرّباً تدريباً لائقاً بكيفية حروب الساعة ، وبذلك يقوم علم الجهاد ويستمر ، وسيستعيد المسلمون ما غصب من أراضي الإسلام وسيشفون غليلهم من أعدائهم فيذهب غيظ قلوبهم وتشفى صدورهم وسيفتحون من أرض الله ما شاء الله لهم أن يفتحوها كما فعل أسلافهم الأوائل الذين كانوا أقل عدداً وعدّة من أعدائهم في كل معركة ، ولكنهم كانوا يقابلون قوى الشر والطغيان بعزة الإسلام وقوة الإيمان ، فمكّنهم الله من الأرض ، وبدّلهم بعد خوفهم أمناً : {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً } [سورة الفتح : 23] .
أما إذا بقي المسلمون على ما هم عليه مما يعلمه كل مخلوق عاقل من نبذ لأحكام الإسلام وتنحية لتعاليمه العادلة الشامخة الرفيعة عن حياتهم العملية – إلا من هدى الله منهم وقليل ما هم – وتناحر فيما بينهم فإنهم – والحالة هذه – لن يتم لهم النصر على أعدائهم ؛ لأنهم لم ينصروا الله في أنفسهم ، وصدق الله :{ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } [سورة محمد : 7] ، { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } [ سورة الحج : 40] .