أصلا دين الإسلام
أصلا دين الإسلام
العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع ؛ فإن الإسلام مبني على أصلين :
أحدهما : أن نعبد الله وحده لا شريك له .
والثاني : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
لا نعبده بالأهواء والبدع ؛ قال الله تعالى : { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } { إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا } الآية . وقال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } . فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من واجب ومستحب ، لا نعبده بالأمور المبتدعة ؛ كما ثبت في السنن من حديث العرباض بن سارية ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
وفي مسلم : أنه كان يقول في خطبته : " خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " .
وليس لأحد أن يعبد إلا الله وحده ، فلا يصلي إلا لله ، ولا يصوم إلا لله
، ولا يحج إلا بيت الله ، ولا يتوكل إلا على الله ، ولا يخاف إلا الله ، ولا ينذر إلا لله ، ولا يحلف إلا بالله .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ". وفي السنن : " من حلف بغير الله فقد أشرك "، وعن ابن مسعود : لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا .
لأن الحلف بغير الله شرك ، والحلف بالله توحيد . وتوحيد معه كذب ؛ خير من شرك معه صدق .
ولهذا كان غاية الكذب أن يعدل بالشرك ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين أو ثلاثا " ، وقرأ قوله تعالى { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } .
وإذا كان الحالف بغير الله قد أشرك ، فكيف الناذر لغير الله ؟ .
والنذر أعظم من الحلف ؛ ولهذا لو نذر لغير الله فلا يجب الوفاء به باتفاق المسلمين ؛ مثل أن ينذر لغير الله صلاة أو صوما أو حجا أو عمرة أو صدقة .
ولو حلف ليفعلن شيئا لم يجب عليه أن يفعله ، قيل يجوز له أن يكفر عن اليمين ، ولا يفعل المحلوف عليه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال : " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " ، فإذا كان النذر لا يأتي بخير فكيف بالنذر للمخلوق ؟ ولكن النذر لله يجب الوفاء به إذا كان في طاعة ، وإذا كان معصية لم يجز الوفاء باتفاق العلماء ، وإنما تنازعوا هل فيه بدل أو كفارة يمين أم لا ؟ لما رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " . فمن ظن أن النذر للمخلوقين يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرة فهو من الضالين كالذين يظنون أن عبادة المخلوقين تجلب لهم منفعة أو تدفع عنهم مضرة .
وهؤلاء المشركون قد تتمثل لهم الشياطين ، وقد تخاطبهم بكلام ، وقد تحمل أحدهم في الهواء ، وقد تخبره ببعض الأمور الغائبة ، وقد تأتيه بنفقة أو طعام أو كسوة أو غير ذلك كما جرى مثل ذلك لعباد الأصنام من العرب وغير العرب وهذا كثير موجود في هذا الزمان وغير هذا الزمان للضالين المبتدعين المخالفين للكتاب والسنة إما بعبادة غير الله وإما بعبادة لم يشرعها الله .
وهؤلاء إذا أظهر أحدهم شيئا خارقا للعادة لم يخرج عن أن يكون حالا شيطانيا أو حالا بهتانيا فخواصهم تقترن بهم الشياطين كما يقع لبعض العقلاء منهم وقد يحصل ذلك لغير هؤلاء لكن لا تقترن بهم الشياطين إلا مع نوع من البدعة إما كفر وإما فسق وإما جهل بالشرع . فإن الشيطان قصده إغواء بحسب قدرته فإن قدر على أن يجعلهم كفارا جعلهم كفارا وإن لم يقدر إلا على جعلهم فساقا أو عصاة وإن لم يقدر إلا على نقص عملهم ودينهم ببدعة يرتكبونها يخالفون بها الشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فينتفع منهم بذلك .
ولهذا قال الأئمة : لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي ولهذا يوجد كثير من الناس يطير في الهواء وتكون الشياطين هي التي تحمله لا يكون من كرامات أولياء الله المتقين . ومن هؤلاء : من يحمله الشيطان إلى عرفات فيقف مع الناس ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك الليلة ويظن هذا الجاهل أن هذا من أولياء الله ولا يعرف أنه يجب عليه أن يتوب من هذا وإن اعتقد أن هذا طاعة وقربة إليه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل لأن الحج الذي أمر الله به ورسوله لا بد فيه من الإحرام والوقوف بعرفة ولا بد فيه من أن يطوف بعد ذلك طواف الإفاضة فإنه ركن لا يتم الحج إلا به بل عليه أن يقف بمزدلفة ويرمي الجمار ويطوف للوداع وعليه اجتناب المحظورات والإحرام من الميقات . إلى غير ذلك من واجبات الحج . وهؤلاء الضالون الذين يضلهم الشيطان يحملهم في الهواء يحمل أحدهم بثيابه فيقف بعرفة ويرجع من تلك الليلة . حتى يرى في اليوم الواحد ببلده ويرى بعرفة . ومنهم من يتصور الشيطان بصورته ويقف بعرفة فيراه من يعرفه واقفا فيظن أنه ذلك الرجل وقف بعرفة . فإذا قال له ذلك الشيخ أنا لم أذهب العام إلى عرفة ظن أنه ملك خلق على صورة ذلك الشيخ وإنما هو شيطان تمثل على صورته ومثل هذا وأمثاله يقع كثيرا وهي أحوال شيطانية قال تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } . وذكر الرحمن هو الذكر الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقال تعالى : { فإما يأتينكم مني هدى } - إلى قوله - { كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } ونسيانها هو ترك الإيمان والعمل بها وإن حفظ حروفها قال ابن عباس : " تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة " وقرأ هذه الآية . فمن اتبع ما بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة هداه الله وأسعده ومن أعرض عن ذلك ضل وشقي وأضله الشيطان وأشقاه . فالأحوال الرحمانية وكرامات أوليائه المتقين يكون سببه الإيمان فإن هذه حال أوليائه . قال تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون } وتكون نعمة لله على عبده المؤمن في دينه ودنياه فتكون الحجة في الدين والحاجة في الدنيا للمؤمنين مثلما كانت معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت الحجة في الدين والحاجة للمسلمين مثل البركة التي تحصل في الطعام والشراب كنبع الماء من بين أصابعه ومثل نزول المطر بالاستسقاء ومثل قهر الكفار وشفاء المريض بالدعاء ومثل الأخبار الصادقة والنافعة بما غاب عن الحاضرين وأخبار الأنبياء لا تكذب قط . وأما أصحاب الأحوال الشيطانية فهم من جنس الكهان يكذبون تارة ويصدقون أخرى ولا بد في أعمالهم من مخالفة للأمر . قال تعالى : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين } { تنزل على كل أفاك أثيم } الآيتين . ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء ملابسا الخبائث من النجاسات والأقذار التي تحبها الشياطين ومرتكبا للفواحش أو ظالما للناس في أنفسهم وأموالهم وغير ذلك . والله تعالى قد حرم : { الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله } الآية . وأولياء الله هم الذين يتبعون رضاه بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور وهذه جملة لها بسط طويل لا يتسع له هذا المكان . والله أعلم . انتهى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . .