الحديث التاسع : قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وعن سهل ابن
سعد رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " متفق عليه .وللترمذي ( أي في رواية للترمذي أو في رواية الترمذي
) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله عز وجل : أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً " وهذا الحديث العاشر ، هذان الحديثان ساقهما الحافظ ابن حجر رحمه الله كي يدلنا على سُنّيةِ تعجيل الفطر ففي هذين الحديثين أن تعجيل الفطر سنة مستحبة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " الحديث الأول حديث سهل بن سعد متفق عليه . الحديث الثاني حديث الترمذي حديث أبي هريرة الذي قال الله عز وجل فيه " أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا " حديث قدسي لكن ما حاله ؟ أخرجه الترمذي من حديث قرة ابن عبد الرحمن المعاشري عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرة هذا الذي يرويه عن الزهري ضعيف لسوء حفظه، ومع ضعفه أسقطه بعضهم من الإسناد أصلاً ؛ لكن الصحيح أنه مثبت في الإسناد، وهو ضعيف لسوء حفظه .فعلّة الحديث هي ضعف قرة
بن عبد الرحمن هذا الذي يرويه عن الزهري .ووجدنا له متابعاً عند الطبراني ، فرواه
الطبراني عن مسلمة ابن علي عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري .ولكن مسلمة
بن علي هذا متروك الحديث ، أي أنه شديد الضعف، لا يصلح في المتابعات .فالحديث ضعيف ،
بما أن الشخص الذي تابع الضعيف متروك أي شديد الضعف فلا ينجبر الإسناد الأول به فيبقى الحديث على ضعفه فالحديث ضعيف .ضعفه ابن القطان الفاسي والعلامة الألباني
رحمهم الله .لكن حديث سهل بن سعد أن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قال :" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " يكفينا ، وهو حديث متفق عليه. ويدل الحديث على استحباب تعجيل الفطر بعد غروب الشمس .قال الترمذي رحمه الله بعد أن
أخرج الحديث : وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم استحبوا تعجيل الفطر ، وباستحباب تعجيل الفطر يقول الشافعي وأحمد وإسحاق .إسحاق هو ابن راهويه .
وأحمدهو الإمام ابن حنبل .
والشافعي الإمام محمد بن إدريس .
وقوله
في الحديث " لا يزال الناس بخير " أي بخير في دينهم لتمسكهم بالسنة ما عجلوا الفطر ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أي مدة فعلهم ذلك ، امتثالاً للسنة ، واقفين عند حدها، غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدهم .أي أنهم يتمسكون بالسنة ويعملون بالسنة لا
يعملون بما دلتهم عليه عقولهم وآراؤهم .واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب
الشمس .يعني لا يعجل الفطر قبل أن تغرب الشمس ، لا ، المقصود من هذا
الحديث إذا تحقق من غروب الشمس يبادر ويعجل إلى الفطر .وفي هذا الحديث رد على الشيعة الذين يؤخرون الفطر إلى ظهور النجوم .
قال
الحافظ : وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" تسحروا فإن في السَّحور بركة " متفق عليه ، السَّحور : بفتح السين ( السَّحور) ما يُتسحر به وقت السَّحر من طعام أو شراب .وقت السحر الذي هو آخر الليل قبيل
الصبح .الطعام الذي يأكله الشخص في ذاك الوقت يسمى سَحوراً .
والبركة كثرة الخير ، أي أن الله سبحانه وتعالى يجعل خيراً
كثيراً في الأكل الذي يؤكل في ذاك الوقت.والبركة تحصل بأشياء كثيرة .
منها : اتباع
السنة . ومنها : التقوي بالسحور على العبادة والزيادة في النشاط وغير ذلك .وهل الأمر
هنا بالتسحر للوجوب أم للاستحباب ؟الأمر هاهنا للاستحباب وليس للوجوب ، من المقرر
في أصول الفقه أن الأصل في الأمر لماذا ؟ للوجوب وهذا صحيح ، ما الذي صرف الأمر هنا عن الوجوب إلى الاستحباب ؟ استدل الإمام البخاري رحمه الله على عدم الوجوب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واصلوا ولم يُذكر أنهم تسحروا ، جاء في الحديث الذي سيأتي إن شاء الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واصلوا في الصيام.أي صاموا يوماً وبعده يوم آخر من غير أن يفطروا ، هذا هو الوصال فكونهم
واصلوا إذاً ماذا ؟ لم يتسحروا فكونهم تركوا السحور فمعنى ذلك أن السحور ليس بواجب. وهذا الاستدلال صحيح ، وهو في محله .ونقل ابن المنذر الإجماع على نُدبية السحور ، أي على
استحبابه .وقال ابن قدامة في المغني : ولا نعلم فيه خلافاً ، أي على استحباب السحور
وعدم وجوبه .تقول السَّحور بفتح السين لِما يؤكل في وقت السحر .
والسُّحور بضم السين
تطلقه على الفعل ( على فعلك أنت ) ، هذا الفرق بين السَّحور والسُّحور.ويحصل السحور بأقل ما
يتناوله المرء من مأكل أو مشرب ؛ إذ لم يشترط في كميته أو قدره أي شيء.ووقته ( أي وقت
السّحور ) آخر الليل ، وذلك لأنه مشتق من السَّحر ، والسَّحَر هو آخر الليل ، وجمعه أسحار ، قال الله تعالى (( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ )) .ويبقى وقته إلى
طلوع الفجر ، وقت الإمساك إلى طلوع الفجر فإذا طلع الفجر انتهى وقت السحور .ويستحب
تأخيره لماذا ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤخره كما جاء في الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلى الصلاة ، قلت : ( أي القائل أنس الذي يروي عن زيد بن ثابت ) كم كان بين الآذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية .قال الشيخ ابن باز رحمه الله خمسون آية بتلاوة
متأنية مرتلة ؛ نحو خمس أو سبع دقائق إلى عشر دقائق بتوقيتنا الزمني اليوم .من خمس إلى
عشر دقائق كان بين سحور النبي - صلى الله عليه وسلم – وصلاته ، إذاً يُستحب تأخير السحور .وعن سلمان بن عامر الظبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم
- قال :" إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور " رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة هؤلاء الخمسة من حديث حفصة بنت سيرين عن الرباب بنت صُلَيع عن عمها سلمان به .والرباب هذه مجهولة الحال ؛ فالحديث ضعيف .
وقد ورد بنحوه من فعل النبي
- صلى الله عليه وسلم - عن أنس بن مالك .في حديث سليمان بن
عامر أمرٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإن لم يجد فليفطر على ماء " .وهذا الحديث كما ذكرنا ضعيف في سنده الرباب بنت صليع وهي
مجهولة الحال .وورد من حديث أنس من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء " أخرجه أبو داوود وغيره .نسمع كلام النقاد فيه ، قال فيه أبو حاتم الرازي وأبو
زرعة الرازي : لم يرفع إلا من حديث عبد الرزاق ، ولا ندري من أين جاء به .يعني من أين
جاء به مرفوعاً، ما يدلك على أنهم قد وقفوا عليه غير مرفوع .وقال النسائي رحمه الله : هو خطأ ، والصواب حديث سلمان .
أي أن بعض الرواة وهم فيه ، فغير إسناده وغير لفظه .
قلت : الحديث يرويه عبد الرزاق الصنعاني ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك .
وجعفر بن سليمان هذا كان يتشيع ، وهو وغن كان صدوقا إلا أن له مناكير ، وتكلم فيه ، وخاصة في روايته عن ثابت ، وهذه منها .
وبما أن علماء العلل انتقدوا حديثه هذا ، وهو من روايته عن ثابت التي هي في أصلها منتقدة ؛ فيكون هذا الحديث من مناكيره التي لا تقبل ، فالحديث ضعيف .
واستطرادا أذكر لكم هذه القصة .
هذه القصة يرويها ابن معين .
قال يحيى بن معين رحمه الله : سمعت من عبد الرزاق كلاما يوما ، فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب – أي التشيع - ، فقلت له : إن أستاذيك الذين أخذت عنهم ثقات ، كلهم أصحاب سنة ؛ معمر ومالك بن أنس وابن جريج وسفيان والأوزاعي .
فعمن أخذت هذا المذهب ؟
فقال : قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي فرأيته فاضلا حسن الهدي فأخذت هذا عنه .
أعجب كل العجب من شخص يقول لك : اترك بدعة المبتدع ، وخذ منه الشيء الآخر .
انظر إلى هذا ، أعجب بحسن هديه فاخذ عنه .
أمر معروف التلميذ يتأثر بشيخه ، يعجب بهديه وسمته وأخلاقه .
فإذا رأى منه ذلك مال إليه ، فصدقه وأخذ عنه ، وترك ما يعرف لاغتراره به .
فيقول رأيت فيه صلاحا وخيرا فكيف يكون ضالا ؟ !!
هذا القول خطير جدا ، وخطأ لا يجوز أن يعول عليه ، المبتدع مبتدع ، لا يأخذ عنه شيء .
عندنا علماء وطلبة علم من أهل السنة نأخذ عنهم ونكتفي بهم ، ونحفظ ديننا . والله أعلم
قامت بتفريغه إحدى الأخوات الفاضلات جزاها الله خيرا