تفسير سورة البقرة 77-80
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
{ومنهم} أي من اليهود {أميون} الذين لا يكتبون ولا يقرؤون، فالأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» {لا يعلمون الكتاب} التوراة {إلا أماني} لا يعلمون ما في التوراة، ولا يدرون ما فيها من حدود وأحكام وفرائض، قال قتادة: لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه، إنما هم أمثال البهائم لا يعلمون شيئاً {إلا أماني} إلا كذباً وباطلاً، فالذي يعملونه الأشياء التي كتبها علماؤهم من عند أنفسهم، ثم أضافوها إلى الله من تغيير وصف النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها من التحريفات.
{وإن هم إلا يظنون} أي وما هم إلا يشكون ولا يعلمون حقيقته وصحته، والظن في هذا الموضع الشك.
{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
{فويل}"ويل" كلمة تقولها العرب لكل واقع في هلكة، وهي هنا للتهديد والتخويف من العذاب {يكتبون الكتاب} التوراة {بأيديهم} أي أنهم يكتبون أشياء من عندهم ويغيرون التوراة التي أنزلها الله على موسى، ويزعمون أن ما كتبوه هو الذي أنزله الله، فيبدلونه ومما بدلوه أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت مذكورة عندهم في التوراة فإذا سألهم سفلتهم الذين تقدم ذكرهم عن صفته قرؤوا ما كتبوه فيجدونه مخالفاً لصفته فيكذبونه {ثم يقولون} أي بعدما كتبوه بأيديهم، وعرفوا أنه من صُنْع أيديهم {هذا من عند الله} أي نزل من عند الله {ليشتروا به} أي يفعلون ذلك ليأخذوا عليه {ثمناً قليلاً} أي عوضاً قليلاً أجراً دنيوياً؛ كالرئاسة، والجاه، والمال، وغير ذلك من أمور الدنيا، ولا شك أن هذا مهما أخذوا منه ومهما حصلوا عليه، هو قليل زائل، كما قال تعالى: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى) فمهما حصل عليه في الدنيا من رئاسة، وجاه، ومال، وولد، فهو قليل بالنسبة للآخرة، وكفاه أنه كلَّه زائل، فهؤلاء الذين يتكالبون على الدنيا وينسون الآخرة أعمتهم أطماعهم، وباعوا آخرتهم من أجل دنياهم. نعوذ بالله من الخذلان.
{فويل لهم مما كتبت أيديهم} هذا وعيد على فعلهم وأنهم سيعذبون عليه {وويل لهم مما يكسبون} هذا وعيد على كسبهم الحرام.
{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
{وقالوا} أي اليهود {لن تمسنا النار} أي لن تصيبنا النار في الآخرة {إلا أياماً معدودة} يعنون أنهم يبقون فيها أياماً معدودة، ثم يخرجون منها، فهم أقروا على أنفسهم بدخولهم النار لعلمهم بما يفعلونه من باطل، ولكنهم ادعوا أنهم سيخرجون منها، فقال ربنا تبارك وتعالى {قل} لهم يا محمد {أتخذتم عند الله عهداً} أي هل تعهد الله لكم ألا تصيبكم النار إلا أياماً معدودة؟! والاستفهام هنا للإنكار؛ و "العهد" الميثاق، والالتزام؛ {فلن يخلف الله عهده} أي إن أعطاكم الله عهداً فلن يخلفه؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد {أم تقولون على الله ما لا تعلمون} وهذا هو الواقع أنهم يقولون على الله ما لا يعلمون، فالله سبحانه وتعالى لم يعطهم هذا العهد، فدعواهم هذه باطلة.