تفسير سورة آل عمران من الآية 1- 6
قال أهل العلم: هي مدنية، أي نزلت بعد الهجرة وهو في المدينة، وعدد آياتها مائتان، وقد ذكرنا ما ورد في فضلها مع سورة البقرة أول البقرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
{الم} تقدم الكلام على هذه الحروف في أول سورة البقرة بما يغني عن إعادته.
{اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} تقدم الكلام عليها في تفسير آية الكرسي.
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)}
{نَزَّلَ} الله تبارك تعالى {عَلَيْكَ} يا محمد {الْكِتَابَ} يعني القرآن {بِالْحَقِّ} أي بالصدق فيما اختلف فيه أهل التوراة والإنجيل، وفيما خالفك فيه مخالفوك من أهل الكتاب والمشركين {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي يصدق ما جاءت به الكتب المنزلة قبله من السماء على أنبياء الله، كالتوراة والإنجيل، فيصدقها في التوحيد والنبوة والأخبار وبعض الشرائع، قال ابن كثير: فهي تصدقه بما أخبرت به وبشرت في قديم الزمان، وهو يصدقها؛ لأنه طابق ما أخبرت به، وبشرت من الوعد من الله بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن العظيم عليه {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ} أي على موسى بن عمران {وَالْإِنْجِيلَ} على عيسى بن مريم عليهما السلام
{مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)}
{مِنْ قَبْلُ} من قبل الكتاب الذي نزَّله عليك، أي من قبل أن ينزل القرآن {هُدًى لِلنَّاسِ} أي فيهما بيان وإرشاد من الله للناس فيما اختلفوا فيه من التوحيد وغيره {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} يعني وأنزل القرآن، المفرق بين الحق والباطل.
قال قتادة: «هو القرآن أنزله على محمد، وفرق به بين الحق والباطل، فأحل فيه حلاله، وحرم فيه حرامه، وشرع فيه شرائعه، وحد فيه حدوده، وفرض فيه فرائضه وبين فيه بيانه، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته». انتهى
{إن الذين كفروا بآيات} الله أي جحدوا بها وأنكروها وردوها بالباطل {لهم عذاب شديد} أي يوم القيامة {والله عزيز} أي منيع الجناب، عظيم السلطان، لا يمنعه مانع من عذاب من أراد عذابه منهم، ولا يحول بينه وبينه حائل، ولا يستطيع أن يعانده فيه أحد {ذو انتقام} أي ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام وأنبياءه العظام.
{إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}
يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماء والأرض، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فلا يخفى عليه شيء مما نقوله أو نعمله.
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}
{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} أي يخلقكم في الأرحام كما يشاء على صور مختلفة: من ذكرٍ وأنثى، وحسنٍ وقبيحٍ، وشقيٍّ وسعيدٍ، وتامٍّ وناقصٍ، وأبيضَ وأسودَ {لا إله إلا هو} لا معبود بحق إلا الله، أي هو الذي خلق، وهو المستحق للإلهية وحده لا شريك له، {العزيز الحكيم} أي ذو العزة؛ و «العزة» بمعنى القهر، والغلبة؛ فهو سبحانه وتعالى ذو قوة، وذو غلبة: لا يغلبه شيء، ولا يعجزه شيء، و{الحكيم} أي ذو الحُكم، وذو الحكمة. والحكمة هي وضع الشيء في موضعه المناسب. والله أعلم