تفسير سورة آل عمران 119-121
{هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)}
{هَا أَنْتُمْ} ها: للتنبيه {أُولَاءِ} اسم للمشار إليه، أي: ها أنتم أيها المؤمنون {تُحِبُّونَهُمْ} أي: تحبون هؤلاء الذين نهيتكم عن مباطنتهم، تحبونهم للأسباب التي بينكم كالقرابة والرضاع والمصاهرة {وَلَا يُحِبُّونَكُمْ} لما بينكم من مخالفة الدين {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} يعني بالكتب كلها، كتابِكم الذي أنزل الله إليكم، وكتابِهم الذي أنزله إليهم، وغيرِ ذلك من الكتب التي أنزلها الله على عباده، وهم لا يؤمنون بكتابكم {وَإِذَا لَقُوكُمْ} أي هؤلاء الذين نهى الله المؤمنين أن يتخذوهم بطانة {قَالُوا آمَنَّا} إذا لقوا المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا لهم: قد آمنا وصدقنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، هكذا يقولون بألسنتهم، تقية، حذراً على أنفسهم منهم {وَإِذَا خَلَوْا} وكان بعضهم مع بعض {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} يعني: أطراف الأصابع واحدتها أنملة، يعضونها من الغيظ، لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم {قُلْ} يا محمد لهم {مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} أي: ابقوا إلى الممات بغيظكم {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بما في القلوب من خير وشر، وسيجازي الجميع على ما قدموا من خير وشر، وعلى ما اعتقدوا من إيمان وكفر، وعلى ما في قلوبهم لرسوله وللمؤمنين من نصيحة أو غل وبغض.
{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}
{ إِنْ تَمْسَسْكُمْ }أي: إن تصبكم أيها المؤمنون {حَسَنَةٌ} بظهوركم على عدوكم وغنيمة تنالونها منهم، وتتابع الناس في الدخول في دينكم، وخصب في معايشكم {تَسُؤْهُمْ} تحزنهم {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} مساءة بإخفاق سرية لكم أو بأن يصيبكم عدو بأذى، واختلاف يكون بينكم أو جدب أو نكبة { يَفْرَحُوا بِهَا} فرحوا بإصابتكم السيئة، وأعجبوا وابتهجوا بها {وَإِنْ تَصْبِرُوا} وإن تصبروا أيها المؤمنون على طاعة الله، واتباع أمره فيما أمركم به، واجتناب ما نهاكم عنه، ومن ذلك اتخاذ بطانة لأنفسكم من هؤلاء {وَتَتَّقُوا} وتخافوا الله {لَا يَضُرُّكُمْ} أي: لا ينقصكم {كَيْدُهُمْ شَيْئًا} أي شرهم وفسادهم ومصائبهم التي يبتغونها للمسلمين، ومكرهم بهم ليصدوهم عن الهدى وسبيل الحق.
{إِنَّ اللَهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} أي: إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصد عن سبيله والعداوة لأهل دينه وغير ذلك من معاصي الله؛ محيط بجميعه، أي عالم به، حافظ له، لا يفوته ولا يغيب عنه شيء منه، حتى يجازيهم على ذلك كله ويذيقهم عقوبته عليه.
{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)}
{وَ} اذكر يا محمد {إِذْ غَدَوْتَ} أي خرجت غُدوة، والغُدوة: أول النهار، ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس {مِنْ أَهْلِكَ} من عند أهلك {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ} تُنزل المؤمنين منازلهم، يقال: بوأت القوم إذا وطنتُهم {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} أي: مواطن ومواضع للقتال، أي خرج في أول النهار من بيته إلى مكان المعركة، يرتب الجيش، ويضع المقاتلين من المؤمنين أي المجاهدين في أمكانهم المناسبة للقتال، وهذا في غزوة أحد {وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي: سميع بما قاله المنافقون، عليم بما أضمروا؛ فيكون على وجه التهديد، وقيل: معناه: والله سميع بما قال المؤمنون، عليم بما أضمروا؛ فيكون على وجه المدح.