تفسير سورة آل عمران 174-178
{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}
{فَانْقَلَبُوا} فانصرفوا أي رجع الذين استجابوا لله ورسوله، أي لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم ورد عنهم بأس من أراد كيدهم فرجعوا إلى بلدهم {بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ} بعافية لم يلقوا عدواً {وَفَضْلٍ} تجارة وربح وأجر من الله {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} لم يصبهم أذى ولا مكروه {وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ} يعني بذلك أنهم أرضَوا الله بفعلهم ذلك وبطاعتهم واتباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه من اتباع أثر العدو {وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} فكل ما نالوه من خير هو من فضل الله عليهم وإحسانه.
{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} يعني: ذلك الذي قال لكم: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} من فعل الشيطان، هو الذي ألقاه على أفواه الناس الذين قالوا لكم ذلك؛ لترهبوهم وتجبنوا عنهم {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أي يخوفكم بأوليائه، يعني: يخوفكم بأوليائه من المشركين؛ لترهبوهم، وتجبنوا عنهم {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} واتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري، خافوني ولا تخافوا غيري فلا تخالفوا أمري؛ فإني متكفل لكم بالنصر والظفر {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} برَسُولي وما جاءكم به من عندي.
{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)}
{وَلَا يَحْزُنْكَ} قرأ نافع (يُحزِنْك) بضم الياء وكسر الزاي، هما لغتان بنفس المعنى، ولا يحزنك يا محمد {الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} قال البعض: هم كفار قريش، وقال آخرون: المنافقون يسارعون في الكفر بمظاهرة الكفار {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا} بمسارعتهم في الكفر {يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ} نصيباً في ثواب الآخرة، فلذلك خذلهم حتى سارعوا في الكفر {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} في الآخرة، وذلك عذاب النار.
{إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)}
{إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا} استبدلوا {الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} فكفروا ورضوا بالكفر عوضاً عن الإيمان {لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا} بمسارعتهم في الكفر، وإنما يضرون أنفسهم {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي موجع.
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}
{وَلَا يَحْسَبَنَّ} ولا يظنن {الَّذِينَ كَفَرُوا} الكفار {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ} أي تأخيرنا لهم بإطالة أعمارهم؛ خير لهم {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} نطيل أعمارهم {لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثماً، يكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} ولهم عقوبة مهينة مذلة.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "مَا مِنْ نَفْسٍ بَرَّةٍ وَلَا فَاجِرَةٍ إِلَّا الْمَوْتُ خَيْرٌ لَهَا. لَئِنْ كَانَتْ بَرَّةً فَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} وَلَئِنْ كَانَتْ فَاجِرَةً فَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}. انتهى