تفسير سورة الأنعام 50-52
{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)}
{قُلْ} يا محمد للمشركين {لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ} أي: خزائن رزقه فأعطيكم ما تريدون، أي لست أملكها ولا أتصرف فيها {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب، فأخبركم بما غاب مما مضى ومما سيكون، إنما ذاك من علم الله عز وجل ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} قال ذلك لأن الملك يقدر على ما لا يقدر عليه الآدمي، ويشاهد ما لا يشاهده الآدمي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} أي لست أخرج عن وحي الله قيد شبر ولا أدنى منه {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} الضال والمهتدي، أي هل يستوي من اتبع الحق وهدي إليه، ومن ضل عنه فلم ينقد له {أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} أي: أنهما لا يستويان.
{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)}
{وَأَنْذِرْ} أي وخوف يا محمد {بِهِ} أي: بالقرآن، أي وأنذر بهذا القرآن يا محمد، هذا القرآن نذارة للخلق كلهم، ولكن إنما ينتفع به {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا} الذين يخافون أن يجمعوا ويبعثوا {إِلَى رَبِّهِمْ} يوم القيامة، وأنه {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ} من غير الله {وَلِيٌّ} قريب ينفعهم {وَلَا شَفِيعٌ} يشفع لهم {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} فيعملون في هذه الدار، عملا ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه، ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه.
{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)}
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ سَعْد بن أبي وقاص، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا. قَالَ وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَبِلَالٌ، وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}.
{وَلَا تَطْرُدِ} يا محمد عباد الله المؤمنين {الَّذِينَ يَدْعُونَ} يعبدون {رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} أول النهار وآخره {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي يريدون بذلك العمل وجه الله الكريم، وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات، أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك، بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} أي إنما حسابهم على الله عز وجل، وليس علي من حسابهم من شيء، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء، أي الحساب على الله تبارك وتعالى {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} إن فعلت ذلك.
قال السعدي رحمه الله: وقد امتثل صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، أشد امتثال، فكان إذا جلس الفقراء من المؤمنين صبر نفسَه معهم، وأحسن معاملتهم، وألان لهم جانبه، وحسّن خلقَه، وقربهم منه، بل كانوا هم أكثر أهل مجلسه رضي الله عنهم.