تفسير سورة الأنعام 122-124
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) }
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} أي: كان ضالاً فهديناه، كان ميتاً بالكفر فأحييناه بالإيمان {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} يستضيء به، يعني القرآن من صدق به وعمل به، والإسلام {يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} على طريق الحق {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} أي كمن هو في الظلمات {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} يعني: ليس بخارج من ظلمة الكفر والضلال، أي لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص مما هو فيه.
أي ليس هذا كهذا، ليس من هداه الله إلى الإسلام، كمن بقي على كفره، لا يستويان {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي كما حسن لهؤلاء المشركين ما هم عليه من الشرك والجدال بالباطل؛ حُسن للكافرين ما كانوا يفعلون من الكفر والمعاصي؛ ليجازوا عليها يوم القيامة بالعذاب الأليم.
وقال البعض: كما حسن وحبب لأهل الإيمان الإيمان ؛ كذلك حُسن للكافرين ما كانوا يفعلون من الكفر والمعاصي.
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ} كل بلد {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} أي: كما أن فساق مكة الذين يصدون عن دين الله؛ هم أكابرها ورؤساؤها؛ كذلك جعلنا فساق كل قرية أكابرها، أي: عظماءَها ورؤساءها، وذلك سنة الله تعالى أنه جعل في كل قرية فساقهم أكابرهم، وأتباع الرسل ضعفاءهم، كما قال في قصة نوح عليه السلام: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111] وكما قال هرقل لأبي سفيان رضي الله عنه في أتباع النبي صلى الله عليه وسلم: "وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم، فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل" {لِيَمْكُرُوا فِيهَا} فيصدوا الناس عن دعوة الأنبياء بمكرهم {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ} لأن وبال مكرهم يعود عليهم {وَمَا يَشْعُرُونَ}أنه كذلك.
{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) }
{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ} أي كبراء الكفار ورؤساءهم {آيَةٌ} دليل وحجة واضحة وقوية تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مبعوث من عند الله {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ} لن نصدق بك وبما جئت به {حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ} من النبوة، أي يقول كبار الكفار لن نصدق بمحمد وبما جاء به من الدين حتى تأتينا النبوة نحن، فرد الله تبارك وتعالى عليهم بقوله: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} يعني الله أعلم بمن هو أحق بالرسالة، ومن يصلح لها من خلقه {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} أشركوا، من الإجرام وهو فعل ذنب عظيم{صَغَارٌ} ذل وهوان {عِنْدَ اللهِ} أي من عند الله عقوبة لهم {وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} بسبب مكرهم وكفرهم.
هذا وعيد شديد من الله، وتهديد أكيد، لمن تكبر عن اتباع رسله والانقياد لهم فيما جاءوا به، وصد الناس عن دين الله بالخديعة والحيلة؛ بأن لهم عذاب شديد وسيصيبهم ذل وهوان من عند الله جزاء على مكرهم.