تفسير سورة الأعراف الآيات [31-34]
{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(31)}
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال:" كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ، فَتَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا؟ تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا، وَتَقُولُ:
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] يعني البسوا الثياب عند الصلاة والطواف. قال أهل العلم: ما يواري عورتك ولو عباءة.
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} يعني مما أحل الله لكم من الطيبات {وَلَا تُسْرِفُوا} بتحريم ما أحل الله لكم.
قال الطبري: ولا تحرموا إلا ما حرمت عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض أهل العلم: الإسراف يشمل: تحريم ما أحل الله، وأكل الحرام، وتجاوز حد الاعتدال في الأكل والشرب بحيث يدخل الضرر على نفسه.
قال ابن عباس: كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ خَصْلَتَانِ: سَرَفٌ وَمَخِيلَةٌ.
وقال بعض السلف: جَمَعَ اللهُ الطِّبَّ كُلَّهُ فِي نِصْفِ آيَةٍ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}
{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الذين يفعلون ذلك.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}
{ قُلْ} أيها الرسول، للمشركين الذين حرموا ما أحل الله من اللباس والطعام {مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} يعني لبس الثياب {وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} ما حرم أهل الجاهلية من البحائر والسوائب { قُلْ} أيها الرسول {هِيَ} أي الملابس والمطاعم والمشارب {لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: هي للذين آمنوا وللمشركين في الحياة الدنيا، فإن أهل الشرك يشاركون المؤمنين في طيبات الدنيا، وهي في الآخرة خالصة للمؤمنين لا حظ للمشركين فيها، فقوله خالصة دل على ما ذكرنا {كَذَلِكَ} مثل ذلك التفصيل {نُفَصِّلُ} نبين ونوضح {الْآيَاتِ} بالأمر والنهي {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يفهمون ما يبِّين لهم، وهم المؤمنون، فهؤلاء الذين ينتفعون بما بينه الله لهم من الآيات.
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
{ قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يتعرون للطواف بالبيت ويحرمون ما أحل الله: إن الله لم يحرم ما تحرمونه، بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيبه لهم {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} قبائح الذنوب {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} العلانية {وَمَا بَطَنَ} وما خفي منها وكان سراً {وَالْإِثْمَ} والمعاصي كلها {وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} الاعتداء على الناس ظلماً {وَ} حرم عليكم {أَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ} بأن تجعلوا لله نداً أي مثيلاً في عبادته وكلِّ ما يختص به {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} حجة وبرهاناً، أي إنما حرم ربي الفواحش والشرك به أن تعبدوا مع الله إلهاً غيره، أن تجعلوا معه في عبادته شركاً لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهاناً {وَ} حرم عليكم {أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} هو عام في تحريم القول في الدين بغير علم، ويشمل ذلك الكلام في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}
هذا تهديد للمشركين، يقول الله تبارك وتعالى لهم {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} جماعة اجتمعت على الكفر {أَجَلٌ} وقت محدد لنزول العذاب بهم {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} فإذا جاء الوقت الذي وقته الله لهلاكهم وحلول العقاب بهم {لَا يَسْتَأْخِرُونَ} لا يتأخرون بالبقاء في الدنيا ولا يتمتعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم {سَاعَةً} مدة من الوقت وإن قلت {وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} أي: ولا يتقدمون.