تفسير سورة الأعراف (103-112)
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)}
{ثُمَّ بَعَثْنَا} أرسلنا {مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: من بعد نوح وهود وصالح وشعيب {مُوسَى بِآيَاتِنَا} بأدلتنا {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} وقومه {فَظَلَمُوا بِهَا} فجحدوا وكفروا بها، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، فظلمهم وضع الكفر موضع الإيمان {فَانْظُرْ} فتأمل أيها الرسول محمد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} وهم فرعون وقومه، كيف أهلكهم الله.
{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) }
{وَقَالَ مُوسَى} لما دخل على فرعون {يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ} مرسل {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} من خالق الخلق جميعاً، ومالِكهم ومدبر أمرهم إليك.
{حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)}
{حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ} أي: جدير بألا أقول على الله إلا الحق وحري به، وقال بعض المفسرين: معناه حريص على أن لا أقول على الله إلا الحق، وقرأ آخرون من أهل المدينة: (حَقِيقٌ عَلَيَّ ) بمعنى واجب وحق علي ذلك أن لا أخبر عنه إلا بما هو حق وصدق، لما أعلم من عز جلاله وعظيم شأنه {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} جئتكم بدليل وحجة واضحة من الله تدل على صدقي {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: أطلق معي بني إسرائيل، أطلقهم من القهر والعذاب الذي هم فيه عندك.
{قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}
{قَالَ} فرعون لموسى {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ} كما تقول {فَأْتِ بِهَآ} فأظهرها {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} إن كنت صادقاً فيما تقول.
{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) }
{فَأَلْقَى} فرمى موسى {عَصَاهُ} من يده {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} حية عظيمة ظاهرة، تتبين لمن يراها أنها حية، والثعبان: الذكر العظيم من الحيات.
{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)}
{وَنَزَعَ يَدَهُ} أخرجها من جيبه بعد ما أدخلها فيه، أي أخرجها من فتحة قميصه من عند صدره {فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ} قال ابن كثير: تتلألأ من غير برص ولا مرض {لِلنَّاظِرِينَ} لمن نظر إليها من الناس.
{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)}
{قَالَ الْمَلَأُ} الكبراء والرؤساء {مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} ماهر في السحر، حتى إنه يجعلهم يرون الأشياء على غير حقيقتها بسحره.
هذه عادة الكفرة الذين يتكبرون على الحق الذي يأتيهم من ربهم، بعد أن بهرهم بما رأوا من الآيات، وما أرادوا الإيمان بها، تأولوها بتأويلات فاسدة، وزعموا أنها سحر، كما يفعل أهل الباطل جميعا عندما يردون الحق.
{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)}
{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ} يا معشر القبط {مِنْ أَرْضِكُمْ} مصر، قال فرعون: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} أي: فبماذا تشيرون عليّ.
هكذا أتموا ما أرادوا، لتكذيب موسى والتنفير عنه ومحاربته مع علمهم بصدقه؛ ردوا الأدلة بالتأويلات الفاسدة والأكاذيب، وطعنوا في نيته وقصده، وإذا تأملت عمل من يتكبر على الحق ويريد محاربة أهله تجدهم هكذا يفعلون.
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)}
{قَالُوا} يعني الملأ لفرعون {أَرْجِهْ} أخره {وَ} أخر{أَخَاهُ} هارون الذي جاء معه، معناه: أشاروا عليه بتأخير أمره إلى أن يجمع السحرة ليقابلوا موسى {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} وهي مدائن الصعيد من نواحي مصر، قالوا: أرسل إلى هذه المدائن رجالاً يحشرون إليك أي يجمعون لك من فيها من السحرة.
{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) }
{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} واسع العلم بالسحر ماهر فيه، وهذا ما فعله فرعون.