تفسير سورة يونس 11-14
{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}
{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} قال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يُستجاب، معناه: لو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر والمكروه؛ استعجالهم بالخير، أي: كما يحبون استعجالهم بالخير {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: لفُرِغ من هلاكهم وماتوا جميعا {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} فيترك الذين لا يخافون البعث والحساب {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يتركهم في تطاولهم وتكبرهم مترددين حائرين مرتابين.
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (12)}
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ} الشدة والمكروه {دَعَانَا لِجَنْبِهِ} أي: وهو على جنبه مضطجعا {أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} يريد في جميع حالاته {فَلَمَّا كَشَفْنَا} دفعنا {عَنْهُ ضُرَّهُ} الشدة التي أصابته، والمكروه الذي نزل به { مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} أي استمر على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضر، ونسي ما كان فيه من الجَهد والبلاء، كأنه لم يدعنا إلى ضر مسه أي: كأنه لم يطلب منا كشف ضرٍّ أصابه، استمر في غفلته معرضا عن ربه، ولم يشكره على من به عليه، وكما زُيِّن لهذا الإنسانِ استمرارُه على إعراضه وعدم أداء حق الله عليه، بعد كشف الله عنه ما كان فيه من الضر؛ {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} المجاوزين الحد في الكفر والمعصية {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من العصيان.
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ولقد أهلكنا الأمم التي كذَّبت رسلَ الله من قبلكم -أيها المشركون بربهم- {لَمَّا ظَلَمُوا} لما أشركوا {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} وجاءتهم رسلهم من عند الله بالأدلة الواضحة والحجج التي تبين صدق مَن جاء بها {وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} فلم تكن هذه الأمم التي أهلكناها لتصدق رسلَها وتنقادَ لها {كَذَلِكَ} أي: كما أهلكناهم بكفرهم {نَجْزِي} نعاقب ونهلك {الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} الكافرين بتكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم.
يخوف الله تبارك وتعالى كفار مكة وغيرَهم من الكفار الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم بعذاب الأمم الماضية المكذبة إن هم كفروا كما كفر أولئك.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ} أيها الناس {خَلَائِفَ} أي: خلفاء {فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: من بعد القرون التي أهلكناهم {لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} قال السعدي: فإن أنتم اعتبرتم واتعظتم بمن قبلكم واتبعتم آيات الله وصدقتم رسله، نجوتم في الدنيا والآخرة.
وإن فعلتم كفعل الظالمين قبلكم، أحل بكم ما أحل بهم، ومن أنذر فقد أعذر. انتهى